المبحث الثاني:خصوصيات النزاع الاقتصادي

 

انطلاقا من النقاش السابق بخصوص مفهوم النزاع الاقتصادي خاصة من زاوية القانون الاقتصادي بتصوره الواسع  ، يبدو أن للنزاع الاقتصادي نطاق واسع جدا  ، موضوعاته متعددة على خلاف النزاع الإداري ، يحتاج إلى قضاء متخصص  ويتطلب السرعة للبت فيه خاصة ونحن نعلم أن المعاملات الاقتصادية عنصر الوقت فيها له أهمية بالغة حتى لا تتعطل مصالح المتعاملين الاقتصاديين ، وذلك بالنظر للخصوصيات التي يتسم بها هذا النزاع ، تبدو هذه الخصوصيات من خلال :

ü    قيام النزاع بين متعاملين اقتصاديين أساسا أو على الأقل لابد أن يكون احد أطراف هذا النزاع متعامل اقتصادي أيا كانت صفته القانونية ( تاجر ، مستثمر مستورد ، موزع ، منتج ،  مقدم خدمات ...الخ ) المهم أن تتوفر فيه الشروط العامة لممارسة النشاط الاقتصادي[1].

ü    ضرورة ارتباط النزاع بممارسة النشاط الاقتصادي  وهو ما يضفي كذلك الخصوصية بالنسبة لهذه النزاع ، ذلك انه لا يوجد تعريف قانوني للنشاط الاقتصادي[2] ، مع ان هناك تعريفات  وردت من زاوية اقتصادية ، منها ما اشار الى ان النشاط الاقتصادي يعبر على مجموعة الافعال والمبادرات التي يتخذها الفرد او المجتمع في الميدان الاقتصادي فيما يخص كل من الانتاج ، المبادلة التوزيع ، الاستهلاك ...[3]

عموما يعبر النشاط الاقتصادي  عن عمليات الإنتاج والتوزيع ويزداد تعقيدا مفهوم النشاط الاقتصادي مع ظهور النشاط الاقتصادي الخدماتي على غرار نشاط البنوك والمؤسسات المالية والبورصة وكذا خدمات الاتصالات السلكية ولاسلكية التي تعتمد في ممارستها تقنيات تكنولوجية عالية لا يفهمها إلا أصحابها ، لذا فالنزاعات الاقتصادية بشان مثل هذه الأنشطة يصعب على القاضي غير المتخصص فهمها.

ü    أنه نزاع يكتنفه التعقيد ، تتسم بالطابع التقني والفني تتطلب آليات وتقنيات خاصة لحله[4]،

ü    أن موضوعات النزاع واسعة جدا ليس ثمة ضوابط أو حدود معينة لمعرفة أبعاد النزاع بالنظر للطبيعة الفضفاضة لمفهوم الاقتصاد ذاته ، وللنشاط الاقتصادي كذلك

ü    تعدد القوانين التي تحكم موضوع النزاع الاقتصادي ( القانون التجاري ، القانون البحري ، قانون النقد والقرض ، قانون المنافسة ...الخ)،

ü    تعدد وتنوع القواعد الإجرائية التي تحكم تسوية النزاع الاقتصادي ،

ü    تعدد الهيئات المتدخلة في تسوية النزاع  الاقتصادي ( في الجزائر نجد : القضاء العادي ، القضاء الإداري ، سلطات الضبط الاقتصادي ..)

ü    أن النزاع يتعلق بالأموال التي تكون موضوع عملية استثمار بهدف تحقيق أرباح أي نستبعد الأموال التي تندرج ضمن الأملاك العامة للدولة ... 

  إذا كان النزاع الاقتصادي بالوصف السابق ذكره وبالخصوصيات التي تم سردها ،  من الصعب أن تحتويه المنظومة القضائية في الدولة  لوحدها على الرغم من أنها صاحبة الولاية العامة للفصل في جميع النزاعات ، و مع انه فيه تجربة تحت مسمى "المحاكم الاقتصادية "  بمصر  سنة 2008 بموجب القانون رقم 120 المؤرخ في 22 مايو 2008  يضمن بحسب المذكرة الإيضاحية له سرعة الفصل في المنازعات بواسطة قضاة متخصصين مؤهلين يتفهمون دقة المسائل الاقتصادية وتعقيداتها في ظل العولمة وتحرير المعاملات الاقتصادية ، إذ تتشكل هذه المحاكم الاقتصادية من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية[5] ، هي خطوة لا تعبر عن نظام قضائي خاص بالمنازعة الاقتصادية موازي للنظام الخاص بالمنازعة الإدارية ، بالنظر للمآخذ التي تعتري العمل بهذا القانون حيث أن هذه المحاكم هي جزء من القضاء العادي ، يصعب تحديد اختصاصها سواء على مستوى الدوائر الابتدائية أو الدوائر الاستئنافية بالنظر لربط اختصاصها بنظر المنازعات والدعاوى الناشئة عن تطبيق 13 قانون محدد على سبيل الحصر بنص المادة 06 من القانون المتعلق بالمحاكم الاقتصادية[6].

مع أن المشرع الجزائري اعترف ضمنيا بالخصوصية للنزاعات الاقتصادية ، حيث نص على إنشاء أقطاب متخصصة لها اختصاص نوعي حصري للنظر والفصل في نزاعات ذات طابع اقتصادي حيث أشار في نص المادة 32/7 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08-09 قبل تعديله بموجب القانون 22-13 "..تختص الأقطاب المتخصصة المنعقدة في بعض المحاكم بالنظر دون سواها في المنازعات المتعلقة  بالتجارة الدولية ،و الإفلاس والتسوية القضائية، المنازعات المتعلقة بالبنوك ومنازعات الملكية الفكرية ، المنازعات البحرية  والنقل الجوي ومنازعات التأمينات.." إلا انه لحد الآن لم يتم تنصيب هذه الأقطاب ، كما أن التعداد الحصري للنزاعات التي تندرج ضمن اختصاصها لا يشمل كل النزاعات الاقتصادية.

ولكن يبدو مؤخرا توجه المشرع واضحا نحو قضاء متخصص في المجال الاقتصادي عموما من خلال تعديله لاحكام قانون الاجراءات المدنية والادارية بموجب القانون 22-13 الذي عدل الفصل الرابع الذي اضحى اختصاص القسم التجاري والمحكمة التجارية المتخصصة ، حيث تم بموجب هذا القانون استحداث المحاكم التجارية المتخصصة بموجب المادة 536 مكرر

 

 



[1] - أرزيل الكاهنة : خصوصية تسوية المنازعات ذات الطابع الاقتصادي ، مقال ، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني ، عدد 2 ، 2018 ، ص 15.

[2] - اشار المرسوم التنفيذي رقم 80-137 المتضمن وضع فهرس النشاط الاقتصادي والمنتوجات الى " يتسع النشاط الاقتصادي بمجموع العمليات والكيفيات كيفما كان نوعها لاسيما الاقتصادية  منها الرامية الى ايجاد منتوج او اكثر ا والى تقديم خدمات "

[3] - لكحل شهرزاد : " مفهوم الانشطة الاقتصادية وانواعها ، مجلة الحوكمة والقانون   الاقتصادي ، المجلد 2 ، العدد 2 سنة 2022 ، ص 69 .

[4] - ارزيل الكاهنة : مرجع سابق ، ص 14.

[5]  - احمد السيد الصاوي " المحاكم الاقتصادية " مقال ، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة الإسكندرية ، عدد 1 ، 2010 ، ص 1.

[6] - المرجع السابق ، ص 8 .


Cette leçon n'est pas encore prête.