المحث الأول :الاختصاص الرقابي و القمعي لسلطات الضبط الاقتصادي -مساهمة في حل النزاع الاقتصادي-
في اطار ممارسة الاختصاص الرقابي من طرف سلطات الضبط الاقتصادي (رقابة دخول السوق وممارسة النشاط ) قد تنشا العديد من النزاعات ، بالنظر لما تتمتع به بعض السلطات من صلاحية السماح بالدخول للسوق او ممارسة النشاط الاقتصادي من عدمها ، بمنح او عدم منح الترخيص او الاعتماد ...مما يدفع للمتعامل الاقتصادي للطعن في قرارات هذه السلطات بهدف إلغائها امام الجهات المختصة وفقا لما سبق بيانه
كما ان لبعض سلطات الضبط وظيفة قمعية او اختصاص قمعي ، حيث مكنها من القيام بتسليط العقوبات على المتعامل المخالف للأحكام التشريعية والتنظيمية
في إطار ممارسة سلطات الضبط الاقتصادي للاختصاصات المخولة لها في إطار مهمتها في ضبط الأنشطة الاقتصادية، ممكن أن تتعارض هذه الممارسة ومصالح المتعامل الاقتصادي ، مما قد ينشأ عن ذلك العديد من المنازعات التي تكون في مواجهة مجلس المنافسة أو في مواجهة سلطات الضبط القطاعية .
المطلب الأول مجلس المنافسة ودوره في حل النزاع الاقتصادي
يعتبر مجلس المنافسة الجهة المنوطة من حيث الأصل برقابة السير التنافسي للأسواق والحفاظ على النظام العام التنافسي من خلال قمع الممارسات المقيدة للمنافسة ومراقبة عمليات التجميع الاقتصادي ، تم استحداثه في النظام القانوني الجزائري بمقتضى الامر 95-06 المتعلق بالمنافسة ، يتشكل استنادا للمادة 24 من الامر 03-03 المعدلة بالقانونين 08-18 و10-05 من 12 عضو ينتمون الى فئات مختلفة ( الشخصيات والخبراء ، مهنيين ، ..)يتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي الى جانب أمين عام ومقرر عام وخمسة مقررين[1]
قد تثور العديد من المنازعات في إطار أداء مجلس المنافسة لدوره من اجل ضمان تطبيق قواعد المنافسة على جميع القطاعات الاقتصادية ، فيتدخل المجلس لضبط السوق باتخاذه لقرارات غير قمعية في إطار رقابته للتجميعات الاقتصادية وترخيصه لبعض الممارسات المحظورة ...، كما قد يتدخل في إطار قمع الممارسات المنافية للمنافسة .
يتسم المسار الإجرائي المتبع أمام مجلس المنافسة باعتباره هيئة تفصل في المنازعات الاقتصادية التي تتعلق موضوعاتها بالممارسات المقيدة للمنافسة او التجميعات او طلبات اتخاذ أوامر او تدابير مؤقتة بالخصوصية مقارنة مع الإجراءات المتبعة أمام الهيئات القضائية بالنظر لكونه سلطة إدارية مستقلة يتمتع بصلاحيات شبه قضائية ، حيث يشمل هذا المسار الإجرائي ثلاث مراحل أو خطوات : بداية الإخطار بوصفه إجراء جوهري ، ثم التحري والتحقيق ، ثم بته في النزاع .
الفرع الاول
مجلس المنافسة كمراقب للسوق – دور سابق لقيام المنازعة –
قبل الحديث عن الدور التنازعي للمجلس كان لابد من التطرق لدوره الرقابي للسوق الذي يمكن أن يجنب المتعامل الاقتصادي منازعة أصلا من خلال حرص المجلس على التزام كل المتعاملين بالقواعد التي تضبط سير المنافسة
فقبل أن يسعى المتعامل الاقتصادي للتجميع عليه أن يطلب الترخيص به أولا من مجلس المنافسة وفقا للشروط القانونية استنادا لما تضمنه قانون المنافسة والمرسوم التنفيذي 05/219 إذا كان من شان هذا التجميع المزمع تشكيله ليس من شانه المساس بالمنافسة لاسيما تعزيز وضعية هيمنة لهذا المتعامل في السوق [2].
حيث يتعين على هذا المتعامل تقديم طلبه بالترخيص مرفق بملف خاص بمشروع التجميع إلى المجلس في اجل 3 اشهر إذا كان التجميع يرمي إلى تحقيق أكثر من 40% من المبيعات والمشتريات المنجزة في سوق معينة لمجلس المنافسة واسع النظر سواء برفض التجميع او الموافقة أو الموافقة بشروط .
كذلك يتعين على المتعامل الاقتصادي إذا كان يهم بالقيام بممارسة محظورة – سواء كان ذلك من أعمال مدبرة أو اتفاقات صريحة أو ضمنية تعرقل حرية المنافسة او تحد منها ...وكانت غايته تحقيق تطور اقتصادي أو تقني أو المساهمة في تحسين التشغيل له أن يطلب الترخيص بتلك الممارسة المحظورة .
في حال رفض مجلس المنافسة منح الترخيص ، يكون للموضوع مسار أخر إذا تعلق الأمر بالتجميعات يطعن في قرارات المجلس أمام مجلس الدولة ، ولكن إذا تعلق الأمر بالممارسات يتم الطعن في القرارات المتعلقة بالممارسات المقيدة أمام الغرفة التجارية بمجلس قضاء الجزائر[3].
الفرع الثاني
مجلس المنافسة كهيئة فاصلة في المنازعة الاقتصادية
إذا ما تم الإخلال بالقواعد التي تضبط المنافسة في السوق وارتبطت موضوعاتها بالممارسات المقيدة للمنافسة والتجميعات الاقتصادية ، هنا يبرز الدور التنازعي لمجلس المنافسة بمراعاة مسار إجرائي يقترب نوعا ما إلى ما هو معروف في إطار الممارسة القضائية .
حيث يبدأ مسار المنازعة الاقتصادية في إطار القواعد الإجرائية المتضمنة في قانون المنافسة من خلال الإخطار باعتباره أول إجراء تبدأ به المتابعة الإدارية ثم مرحلة التحقيق في القضية بعدها يتم الفصل والبت وذلك في احترام مبادئ متعارف عليها في الممارسة القضائية على غرار مبدأ الوجاهية احترام حقوق الدفاع...، ولكن ليس هناك ما يجبر الأطراف عرض منازعتهم على المجلس[4] .
ü الإخطار:
باعتبار المتعامل الاقتصادي طرف متضرر من ممارسة منافية للمنافسة ، أو كان هو من أقدم على الإخلال بقواعد المنظمة للمنافسة ، أكيد سنكون أمام منازعة اقتصادية يتدخل مجلس المنافسة لتسويتها إما تلقائيا بالنظر لما يملكه من سلطات من اجل حماية المنافسة والمتدخلين في السوق أو بعد إخطاره من قبل الأشخاص المؤهلين قانونا[5] بما فيهم المتعامل الاقتصادي المتضرر وفقا للشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة وذلك في 4 نسخ عن طريق رسالة موصى عليها إلى رئيس المجلس أو إيداع شكواه لدى أمانة المجلس متضمنة صفة ومصلحة صاحب الشكوى وبيان الأحكام التي تم خرقها ، بيان الوقائع التي لم تتجاوز مدتها 3 سنوات، ولاسيما السوق المعني...هذا الإخطار يجب أن يكون مؤسسا لذا لابد أن يرفق بجميع الوثائق الضرورية المثبتة للادعاءات المقدمة، كما عليه تحديد مطالبه إما وضع حد للممارسات أو اتخاذ إجراءات تحفظية .
مجلس المنافسة له واسع النظر في قبول الإخطار وبالتالي سيرورة المنازعة أمامه أو رفضه في حال عدم اختصاصه بنظر وقائع النزاع أو تقادم الممارسة أو سبق الفصل ...[6]، وفي هذا السياق نذكر قرار رقم 07/2018الصادر عن مجلس المنافسة في جلسته المنعقدة يوم 15/11/2018 الذي تضمن عدم قبول الاخطار في الموضوع لعدم وجود عناصر مقنعة بما فيه الكفاية تثبت ادعاء الجمعية الجزائرية لحماية وارشاد المستهلك ومحيطه ، المتعلق بقيام مؤسسة اتصالات الجزائر بممارسة مقيدة للمنافسة ومتمثلة في التعسق في استغلال الوضعية الاحتكارية لسوق الربط بشبكة الانترنيت بتقنية ADSL .
ü التحقيق:
بعد قبول الإخطار ، أو في إطار تصدي مجلس المنافسة للممارسات المنافية تلقائيا يشرع في التحقيق للبحث والتحري عن صحة الادعاءات من قبل المقرر المعين من المجلس حيث يقوم هذا الأخير بفحص الملف وجمع المعلومات والوثائق الضرورية ،حيث انه استنادا للمادة 51 من الامر 03-03 المعدل والمتمم المتعلق بالمنافسة " يمكن المقرر القيام بفحص كل وثيقة ضرورية للتحقيق في القضية المكلف بها دون ان يمنع من ذلك بحجة السر المهني . ويمكنه ان يطالب باستلام اية وثيقة حيثما وجدت ومهما تكن طبيعتها وحجز المستندات التي تساعده في اداء مهامه ، وتضاف المستندات المحجوزة الى التقرير او ترجع في نهاية التحقيق .
يمكن ان يطلب المقرر كل المعلومات الضرورية لتحقيقه من اي مؤسسة او اي شخص ويحدد الاجال التي يجب ان تسلم فيها المعلومات " فللمقرر استنادا لهذا النص سلطات واسعة للقيام بمهمة التحقيق ، والتي بعدها يعد تقريرا أوليا حول القضية موضوع الإخطار يتضمن عرض الوقائع والمآخذ المسجلة ويبلغه إلى رئيس المجلس والى الأطراف المعنية الذين بإمكانهم إبداء ملاحظات مكتوبة في اجل لا يتجاوز 3 اشهر[7] ، بعدها يقوم بإعداد تقريره الختامي المعلل بعد استكماله كافة التحقيقات وجمع كافة المعلومات المطلوبة ، ذلك التقرير الذي يبلغه بواسطة مجلس المنافسة للأطراف لتمكينهم من إبداء ملاحظاتهم مكتوبة في اجل شهرين حول المآخذ المسجلة والمخالفات والقرار المقترح ويغلق التحقيق تلقي جميع الملاحظات التي أبدتها الأطراف المعنية ليقوم بعدها بإعداد ملف نهائي يتاح للأطراف مهلة 15 يوم قبل انعقاد الجلسة للإطلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم بشأنه[8] .
ü الفصل في القضية :
بعد انتهاء إجراءات التحقيق تكون القضية جاهزة للفصل فيها لاتخاذ القرار الملائم ، يعقد المجلس جلساته ولا تصح إلا بحضور 8 أعضاء على الأقل تكون جلساته سرية لا يحضرها إلا الأطراف المعنية التي يستمع إليها المجلس حضوريا متى تقدمت بمذكرة بذلك ويمكنها أن تنيب ممثل عنها لحضور الجلسات أو تحضر مع محاميها ، كما يحضر الجلسات ممثل عن الوزير المكلف بالتجارة .
تحت إشراف رئيس المجلس تفتتح الجلسة لقوم المقرر بعرض تقريره ثم المقرر العام ثم ممثل وزير التجارة ثم تعطى الكلمة للأطراف المعنية ومحاميهم.
بعد انتهاء أشغال الجلسة ينسحب المجلس لإجراء المداولة وإصدار القرار الذي يتخذ بالأغلبية البسيطة للأعضاء ، لا يشترط في قراراه أن يأخذ شكل معين إنما لابد أن يبلغ للأطراف المعنية بطريقة مضمونة ، يمكن تصنيف قرارات مجلس المنافسة ، قرار الحفظ قرار انتفاء وجه الدعوى ، قرار رفض الإخطار ، قرار تعليق الفصل في القضية ، قرار يتضمن أوامر ( وقف الممارسة المحظورة مثلا...)قرار يتضمن عقوبات ، قرار يتضمن تدابير تحفظية ....الخ
[1] - د- بشير الشريف شمس الدين ، د- لعقابي سميحة : قانون الضبط الاقتصادي ، طبعة اولى ، دار الهدى للنشر ، 2021 ، 112 .
[2] - قني سعدية :"دور سلطات الضبط الاقتصادي في منح الترخيص لعمليات التجميعات الاقتصادية – دراسة تحليلية بين القانون الجزائري والفرنسي-" ، مقال منشور مجلة الدراسات الفقهية والقضائية ، مخبر الدراسات الفقهية والقضائية ، جامعة الوادي ، العدد 2 ، جوان 2016، ص 149
[3] - د- بشير الشريف شمس الدين ، د- لعقابي سميحة : مرجع سابق ، ص 207 وما بعدها .
[4] -محمد الشريف كتو ، مرجع سابق ، ص
- بن حملة سامي : مرجع سابق ، ص
[5] - انظر المادة 44 من الامر 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم وكذا المادة 35/ ف 2 منه
[6] - انظر المادة 44/ف 3 من الامر 03-03 المعدل والمتمم
[7] - انظر المادة 52 من الامر 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم
[8] -محمد الشريف كتو ، مرجع سابق
- انظر المادة 54 و55 من الامر 03-03 المتعلق بالمنافسة ، مرجع سابق .