المطلب الاول التفاوض وسيلة بديلة لحل النزاع الاقتصادي

قبل تعريف التفاوض من المهم أن نشير إلى مفهوم المفاوضات التي تعد من الوسائل الهامة لحل المنازعات  الناجمة عن إبرام العقود وتنفيذها بالأخص عقود التجارة الدولية ، تجري بين طرفين دون تدخل طرف ثالث  ، غالبا ما يحرص أطراف العقود على الاتفاق على اللجوء إليها في حالة نشوب نزاع بينهم.

فالمفاوضات عملية يتم فيها الاتصال والتشاور بين طرفين أو أكثر بغية التوصل إلى قرار تسوية للنزاع القائم يحظى بقبول جميع الأطراف وهي إجراء يتمثل في قيام الأطراف المتنازعة بدراسة مشتركة لطبيعة النزاع وتبادل وجهات النظر بشأنه للوصول الى تسوية مناسبة[1].    

المفاوضات هي من اعقد العمليات ففيها محاورة ومراوغة كر وفر ، اقبال وادبار ، اصرار ومثابرة ، حيث يستعرض كل متفاوض مهارته فياخذ ويعطي لغرض تحسس المصلحة وجس النبض قاصدا الوصول الى مراميه وتحقيق غايته بما يضمن له عدم الالتزام في اللحظة التي يريدها مع ضمان التزام المتفاوض معه باكبر قدر من الالتزامات .

يقوم التفاوض اصلا على مبدأ الحوار المباشر بين اطراف النزاع سعيا لحل الخلاف دون حاجة الى وجود طرف ثالث بينهم فهو يعتمد كليا على الحوار بين اطرافه المباشرة ، الا انه لا يوجد ما يمنع تمثيل المتنازعين بواسطة محامين او وكلائهم اذ لا يغير ذلك من طبيعة التفاوض طالما  يملك اولئك الوكلاء سلطة اتخاذ القرار عن موكليهم [2].

 

 

الفرع الاول

تعريف التفاوض واهميته

التفاوض او المفاوضة في اللغة تعني تبادل الراي من ذوي الشان ومفاوضه في امره ، وتفاوض القوم في الامر اي فوض بعضهم بعضا بغية الوصول الى تسوية او اتفاق ، وفاوضه في الامر بادله الراي فيه بغية الوصول الى تسوية او اتفاق

عرف كيندي KENNEDY GAVIN   التفاوض " انه تلك العملية الخاصة بحل النزاع بين طرفين أو أكثر والذي من خلالها يقوم الطرفان أو جميع الأطراف بتعديل طلباتهم وذلك بغرض التوصل إلى تسوية مقبولة تحقق المصلحة لكل منهما"[3]

فيما يعرفه صديق عفيفي وجرمين جزين " أن التفاوض هو نوع من الحوار وتبادل الاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم قضية أو قضايا نزاعية بينهما أو بينهم وفي نفس الوقت تحقيق أو الحفاظ على المصالح المشتركة فيما بينهم

عموما يعد التفاوض موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض تبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على مصلحة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو اتجاه الغير.

التفاوض نوع من الحوار او تبادل الاقترحات او التقريب بين الرؤى ووجهات النظر بين الفرقاء بهدف التوصل الى اتفاق يؤدي الى تسوية قضية او قضايا نزاعية بين هذه الاطراف ، فالتفاوض هو عملية يتفاعل من خلالها طرفان او اكثر ،يرون ان هناك مصالح مشتركة بينهم يتعذر تحقيقها دون الاتصال والحوار

التفاوض عبارة عن اتصال مباشر بين الاطراف المتنازعة لتبادل وجهات النظر بينهم حول النزاع او الخلاف الناشئ عن تفسير او تنفيذ العقود التجارية او المشروع الاستثماري بغية تسوية الخلاف النزاع الحاصل بينهما عن طريق التوصل الى اتفاق مباشر وتحقيق المصلحة المشتركة لطرفيه وتسوية نهائية للنزاع

هذا ويختلف التفاوض عن المساومة حيث أن التفاوض عملية يراد لها أن تحل ما بين الطرفين المتنازعين من مشكلات خلافية مشتركة حيث تعد عملية عقلية تقوم على احترام متبادل بين طرفيها ، يحترم فيها كل طرف حاجات الطرف الأخر و لا يخرج منها طرف إلا وقد حقق مكاسب على حساب الطرف الأخر ، في حين أن المساومة عملية نفعية بحتة يسعى كل طرف مكاسب تجيء بالضرورة على حساب خسارة الطرف الأخر.

يقوم التفاوض على اسس عامة تتمثل في :

-         وجود طرفين او اكثر ، لدهم مصلحة مشتركة ويعتقدون بامكانية الاتصال والتفاعل    فيما بينهم لتحقيق نتائج نافعة لهم

-         وجود مسالة او قضية نزاعية او اكثر موضع اهتمام  لاكثر من طرف من اطراف التفاوض من خلال التحاور والتفاعل والاقناع لايجاد حل لها او التوصل الى اتفاق معين تلتزم به الاطراف المفاوضة

-         التفاوض علاقة اختيارية ارادية لا تفرض على الاطراف كما يتم فرض حلول على الاطراف المعنية

-         ان تكون القوة التفاوضية بين الطرفين متعادلة باعتبار ان العملية التفاوضية اخذ وعطاء

يكتسي التفاوض اهمية بالغة باعتباره وسيلة اساسية لتسوية النزاعات ، يلعب دور هام في الابقاء على التعامل والتواصل بين اطراف العقود التجارية ، بحيث تكون لهم فرصة لتسوية نزاعهم بالطرق الودية

فالتفاوض سبيل للتفاهم وتقريب وجهات النظر بين الاطراف ، يوفر الوقت والجهد الذي يستنفذ في غير الصالح العام

الفرع الثاني

مبادئ واساليب التفاوض في تسوية النزاعات التجارية

تحتاج العملية التفاوضية الى تخطيط واعداد جيدين قبل البدء بها وانجازها على اكمل وجه ، تتطلب المفاوضات سواء في نزاعات عقود التجارة الداخلية  او عقود الاستثمار الدولي وكل عقود الدولة بصفة عامة (تجارة دولية )( عقود الانشاءات ، الصفقات العمومية ...)بيان مبادءئ واساليب التفاوض لتسوية النزاعات

اولا مبادئ التفاوض :

ان اهم ما ينبغي مراعته من اجل الوصول بالمفاوضات الى نتيجة مرضية للفرقاء هو قدرة الاطراف وارادتهم في التركيز على مصالحهم الحقيقية في تسوية النزاع اكثر من التمسك بموقف ثابت ، لان ذلك قد يؤدي بفشل المفاوضات  لذا من اجراء مفاوضات بمراعاة مبادئ اساسية في العملية التفاوضية :

-         المبدأ الاول : تحضير كل طرف نفسه لهذه المفاوضات وتحديد مصالحه الحقيقية بشكل واضح ومسبق للعمل على تفهم مصالح الطرف الاخر والتخلي عن مواقفه الصلبة ، اذ يجب ان يعلم كل فريق ان لدى الفريق الاخر تقييما مختلفا للوقائع المعروضة مما يوصل كلا منهما الى نتائج مغايرة

-         المبدأ الثاني : حرص الاطراف على عدم ارتكاب الخطأ حول تقييمهم موضوعا للبت في النزاع

-         المبدأ الثالث : بذل كل طرف جهده للحصول على ثقة الطرف الاخر عن طريق ايجاد مناخ عمل جيد بينهما ، والتصرف بصورة موضوعية دون تعنت

-         المبدأ الرابع : تحديد الطرفين مصالحهما المتبادلة خلال المفاوضات في تسوية النزاع الامر الذي من شانه تامين استمرارية تعاملهما الاستثماري والتجاري مستقبلا[4]

 

ثانيا اساليب التفاوض واجراءاته

للمفاوضات أساليب معينة يلزم اتباعها من الناحية النفسية والعلمية والعملية ، ذهب البعض الى ان هناك اساليب تتطلبها عملية المفاوضات يجب على المفاوض استخدامها ، اذ يجب عليه ان يكون ملما بكل وقائع المنازعة الماثلة امامه ، ويكون على دراية وخبرة بالعقود التجارية وطبيعة نزاعاتها الخاصة وسماتها المميزة كما يجب على المفاوض استخدام اسلوب المبالغة في تقديم شروطه التفاوضية ، كان يبدأ بشروط صعبة ومن ثم يتنازل عنها قليلا لان هذا قد يؤدي الى اعطاء الطرف الاخر ، فهو يعتمد مثلا على تغيير الموقف التفاوضي بصورة مفاجئة ومذهلة مما يدفع الخصم الى تنازلات وعدم التمسك ببعض مطالبه ، وقد يقوم المفاوض بجذب مشاعر المفاوض الاخر لبعث الطمانينة والثقة في نفسه ودفعه الى التفاوض برغبة وجدية ، وهذا غالبا باستعمال عبارات المديح والاطراء والاشارة للحل الذي يذكره الطرف الاخر لدفه لتقديم تنازلات تفاوضية .

ويرى خبراء في المفاوضات انه يتعين على المفاوض الكفء ان يصل بالمفاوضة الى جعل الطرف الاخر هو الذي يبدأ بعرض حله اولا .

يكون التفاوض عادة عن طريق شخص واحد الا ان البعض يرى انه من الافضل ان يتم عن طريق فريق ، ويلزم المفاوضون بالاخذ باعتبارات العدالة والقانون لانزالها على وقائع ومعطيات النزاع انزالا سليما

-         اجراءات التفاوض :

يمكن ان تجري المفاوضات باي شكل ، مع انها غالبا ما تجري بجلوس الاطراف حول طاولة وبشكل مشابه في مؤتمر التسوية ، الا ان المفاوضات يمكن ان تتم بالمراسلة او من خلال الهاتف او من خلال الهاتف بواسطة شبكة الانترنيت (بريد الكتروني ) وقد تكون شفوية او مكتوبة وفي كل الاحوال انها تتميز بتحررها من الشكليات والقواعد الموضوعية التي تتقيد بها الوسائل الاخرى

تتسم المفاوضات عادة بالمرونة والكتمان اللذان يجعلانها صالحة لتسوية النزاعات ، ويرى الفقه بان اي خلاف يمكن مناقشته وايجاد الحلول المناسبة له من خلال التفاوض ، الا ان فاعلية التفاوض في حل الخلاف تتوقف على توافر قدر ادنى من تعادل القوى التفاوضية بين الطرفين لان ضعف هذه الاخيرة عند احدهما يجعل موقفه ضعيفا في المفاوضات الجارية بينهم كما يتوقف نجاحها على قبول الطرفين معا للمشروع المقترح .

تبدأ عملية التفاوض متى اعلن طرفا النزاع رغبتهما في تسوية النزاع القائم بينهما من خلال المفاوضات المباشرة فيشتركان بذلك في انشاء  حالة واقعية تترتب عليها اثار قانونية معينة، كان يقوم احدهما بارسال طلب للاخر يبين فيه رغبته في حل النزاع ويضمنه ملخصا عن افكاره وتصوراته واسباب النزاع ومقترحاته لحل النزاع ويتعين على الطرف الاخر ان يردعلى ذلك بكتاب اخر يبين فيه بدوره وجهة نظره في المقترحات المرسلة اليه وهكذا حتى يتم الوصول الى حل يرتضيه الطرفان المتنازعان ، كما يمكن ان تتخذ المفاوضات صورة اجتماعات دورية تعقد بين الطرفين يقوم فيها الاطراف بتبادل وجهات النظر حول موضوع النزاع القائم وكيفية حله[5].

 

المصدر :

 كريم الرود : دورة تدريبية حول اعداد مفاوض لحل منازعات الاعمال ، المركز المغربي للتدريب والوساطة والتحكيم والاستشارت الخاص ، مارس 2019

 

 

 

 

الفرع الثالث

عناصر التفاوض وخطواته

تتمثل عناصر عملية التفاوض الأساسية في :

ü    الموقف التفاوضي: يتطلب التفاوض موقف مرن وقدرات هائلة للتكيف السريع والمستمر للمواءمة الكاملة مع التغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية ، ذلك أن التفاوض موقف حركي يقوم على الحركة والفعل ورد الفعل إيجابا وسلبا وتأثيرا وتأثرا

ü    أطراف التفاوض : عادة ما يتم التفاوض بين طرفين ، أو أكثر نظرا لتشارك المصالح وتعارضها بين الأطراف المتفاوضة

ü    موضوع التفاوض : لابد أن يدور حول موضوع معين يمثل محور العملية التفاوضية وميدانها ، من خلال القضية المتفاوض بشأنها يتحدد الهدف التفاوضي  وغرض كل مرحلة من مراحل التفاوض

ü    الهدف التفاوضي :  لا تتم اي عملية التفاوض  بدون هدف أساسي تسعى لتحقيقه او الوصول إليه بناء على الهدف التفاوضي يتم قياس مدى تقدم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض ...

خطوات التفاوض

يتطلب التفاوض باعتباره من الوسائل الودية لحل المنازعات التجارية الدولية عدة خطوات:

ü    تحديد وتشخيص القضية التفاوضية: يتعين معرفة وتحديد وتشخيص القضية المتفاوض بشأنها ومعرفة كافة عناصرها. تحديد كل طرف من أطراف القضية والذين سيتم التفاوض معهم وكذا الموقف التفاوضي بدقة لكل طرف ومعرفة ماذا يرغب ..

ü    تهيئة المناخ للتفاوض : يحاول كل الطرفين المتفاوضين خلق جو من التجاوب والتفاهم مع الطرف الأخر بهدف تكوين انطباع مبدئي عنه واكتشاف الإستراتيجية التي سوف يسري على مداها المفاوضات   

ü    قبول الخصم للتفاوض :

ü    التمهيد لعملية التفاوض الفعلية والإعداد لها تنفيذيا ( اختيار أعضاء فريق التفاوض وإعدادهم ..، وضع الاستراتيجيات التفاوضية ...)

ü    بدء جلسات التفاوض الفعلية

الوصول إلى اتفاق ختامي وتوقيعه  


[1] - معتز حمدان بدر :مرجع سابق ، ص 80 .

[2] - سعيد يحياوي : مرجع سابق ، ص 204 .

[3] - د/ جعيجع نبيلة : محاضرات  منشورة في تقنيات التفاوض الدولي ، جامعة المسيلة ، ص 5

[4] - سعيد يحياوي : مرجع سابق ، ص 213-214 .

[5] - سعيد يحياوي ، مرجع سابق ، ص 223-224 .