المبحث الثالث:التحكيم من اهم اليات الودية لحل النزاع الاقتصادي
يعد التحكيم من أهم الطرق البديلة لحل النزاعات خاصة
التجارية منها ، كان اللجوء إليه في بداية الأمر ناتج عن تخوف احد أطراف التحكيم
من قانون الطرف الأخر ونتيجة لذلك كان التحكيم مجرد بديل عن القضاء ، لكنه أصبح
فيما بعد المرجعية الأساسية لحل النزاعات التجارية
المطلب الثاني سيرورة حل النزاع بطريق التحكيم
على اعتبار التحكيم تقنية تلائم تسوية النزاع الاقتصادي بالنظر للمزايا التي تتسم بها ، يكون من باب أولى معرفة سيرورة تسوية هذا النزاع إذا اختار الأطراف التحكيم من اجل تسويته .
استنادا للنصوص القانونية المنظمة للتحكيم في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري 08-09 البداية تكون من اتفاق الأطراف على التحكيم ، سواء كان ذلك بشكل سابق على قيام النزاع او أثناء نشوء النزاع (فرع أول ) وتعيين المحكمين من اجل تولي الفصل وحسم النزاع ( فرع ثاني) لتنطلق الخصومة التحكيمية استنادا للقواعد الموضوعية والإجرائية التي حددها الأطراف( فرع ثالث) ليتم وضع حد لهذا النزاع بصدور حكم تحكيمي (فرع رابع).
الفرع الأول
اتفاق الأطراف على التحكيم
لان وكما سبق الإشارة له أن من خصوصيات النزاع الاقتصادي أن يكون احد أطرافه على الأقل متعامل اقتصادي مهما كانت صفته القانونية، وكذا النزاع الذي نشا او يحتمل أن ينشا يكون مرتبط بالنشاط الاقتصادي ، إذن على أطراف هذا النزاع إن أرادوا حله بطريق التحكيم أن يتفقوا بهذا الخصوص ، وذلك إما في صورة شرط التحكيم أو في صورة اتفاق التحكيم( بعض التشريعات تسميها مشارطة) حسب أحكام القانون الجزائري
أ – الصورة الأولى شرط التحكيم : حسب نص المادة 1007 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
شرط التحكيم هو اتفاق الطرفين على عرض نزاعات على التحكيم قد تثار بشان عقد يكون متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 فالنزاع الذي يمكن أن يعرض على التحكيم وفقا لهذه الصورة لم ينشأ بعد ، وحتى يكون هذا الشرط صحيحا يجب ان يتم الاتفاق بشكل مكتوب تحت طائلة البطلان كما يجب ان يتضمن تعيين المحكم او المحكمين او كيفيات تعيينهم وإلا عد باطلا
ب – الصورة الثانية اتفاق التحكيم : هو اتفاق يقبل بموجبه الأطراف عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم ، ويمكن لهم ذلك حتى أثناء سريان الخصومة أمام الجهات القضائية بعرض النزاع على التحكيم يكون الاتفاق مكتوب ويجب أن يتضمن تحت طائلة البطلان موضوع النزاع ، أسماء المحكمين او كيفيات تعيينهم .
بالنسبة لاتفاق التحكيم التجاري الدولي بحسب المادة 1040 ق ا م ا يمكن أن يتم في صورة شرط التحكيم او في صورة اتفاق التحكيم .
يشترط لصحته من حيث الشكل أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة او بأي وسيلة اتصال أخرى تجيز الإثبات بالكتابة ويشترط لصحته من حيث الموضوع:
- إذا استجاب للشروط التي يضعها القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره
- أو استجاب للشروط التي يضعها القانون المنظم لموضوع النزاع
- أو استجاب للشروط التي يضعها القانون الذي يراه المحكم ملائما
يترتب على إبرام اتفاق التحكيم على النحو الصحيح عدة آثار هامة حيث يمنع قضاء الدولة من الفصل في موضوع النزاع ويخول سلطة الفصل فيه للمحكمين ، فضلا عن أثار موضوعية أخرى تتمثل في اكتساب اتفاق التحكيم قوة ملزمة توجب عرض النزاع على التحكيم ولا يملك احد الأطراف التخلي عنه أوان يعطله بإرادته المنفردة و إلا جاز للطرف الأخر رفع دعوى ضده لتنفيذ اتفاق التحكيم إلى جانب الأثر الأخر المتعلق باستقلالية اتفاق التحكيم .
الفرع الثاني
تعيين المحكمين من اجل الفصل في النزاع
في إطار الاتفاق على التحكيم من قبل أطراف النزاع سواء كان في صورة اتفاق التحكيم او شرط التحكيم، يتم تعيين المحكمين (محكمة التحكيم التي تتولى الفصل في النزاع )او تحديد شروط تعيينهم او عزلهم او استبدالهم باتفاق الأطراف كأصل عام اما مباشرة او استنادا لنظام تحكيمي، إلا انه في حال تقاعس الأطراف او عدم اتفاق المحكمين على الرئيس ،كذلك في حال عدم قبول المحكم للمهمة او في حالة رد المحكم تخول هذه الصلاحية للقضاء من اجل التعيين او العزل او الاستبدال ممثلا برئيس المحكمة – محل إبرام او محل التنفيذ -وذلك بمقتضى أمر منه ( المادة 1009)
أما في إطار التحكيم التجاري الدولي ( المادة 1041 ق ا م ا ) في حال صعوبة التعيين او العزل او الاستبدال... للطرف المعني بالتعجيل أن يرفع الأمر إذا كان التحكيم بالجزائر إلى رئيس محكمة التي في دائرة اختصاصها التحكيم أما إن كان يجري بالخارج يرفع الأمر إلى رئيس محكمة الجزائر.
و حتى يكون تشكيل محكمة التحكيم على الوجه السليم قانونا استنادا للنصوص القانونية من 1014 إلى 1017 من ق ا م ا والمواد من 1041 -1042 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لابد أن يراعوا في ذلك الشروط التالية :
- أن تتشكل محكمة التحكيم من محكم او محكمين بعدد فردي ( المادة 1017)
- إذا كان المحكم شخص طبيعي لابد أن يتمتع بحقوقه المدنية ، وفي حالة ما إذا كان المحكم شخص معنوي ، عليه أن يعين عضو من أعضائه بصفة محكم ( المادة 1015)
- ألا يكون المحكم قابلا للرد ، وان علم انه كذلك عليه أن يخبر الأطراف بذلك ، ولا يجوز له القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم ( المادة 1015/ 02)
- ضرورة أن يقبل المحكم بالمهمة التحكيمية المسندة إليه ( المادة 1015/ف 1 )
تتولى محكمة التحكيم التي تم تعيينها من الأطراف إما مباشرة أو استنادا لنظام تحكيمي اختاره الأطراف بطبيعة الحال مهمة الفضل في النزاع بحسب ما تضمنه اتفاق التحكيم، إلا انه قد تطرأ أسباب على احد أو بعض المحكمين تجعلهم غير مؤهلين لمواصلة مهمتهم ، وتفرض ضرورة ردهم إلا إذا تم قبولهم من الخصوم كمحكمين بالرغم من توفر سبب من أسباب الرد . ويكون ذلك في الحالات التالية :
- عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف
- عندما يوجد سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف
- عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته لاسيما بسبب وجود مصلحة او علاقة اقتصادية او علاقة عائلية مع احد الأطراف مباشرة او عن طريق وسيط.
الفرع الثالث
القواعد الموضوعية والإجرائية لسير الخصومة التحكيمية
يتطلب سير الخصومة التحكيمية وقيام محكمة التحكيم بمهمتها للفصل في النزاع ضرورة تحديد القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم ( أولا) وكذا تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع (ثانيا)
أولا- القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم
،يفرق المشرع الجزائري بين التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي فقد كرس حرية الأطراف في اختيار القانون الذي ينظم إجراءات التحكيم .
ففي شان التحكيم الداخلي أعطى المشرع للأطراف اختيار القواعد الإجرائية التي يرونها مناسبة لتنظيم خصومتهم حيث نصت المادة 1019 ق ا م ا على انه " تطبق على الخصومة التحكيمية الآجال والأوضاع المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك " أما في حال تخلف اتفاق الأطراف على تحديد هذا القانون لم يعط المشرع في مجال التحكيم الداخلي لمحكمة التحكيم سلطة تحديد القانون واجب التطبيق على الإجراءات ، وتصدى للفراغ الذي يخلفه اتفاق الأطراف ، حيث الزم محكمة التحكيم بتطبيق قانون الإجراءات المدنية .
أما في يخص التحكيم التجاري الدولي فقد نصت المادة 1043 ق ا م ا " يمكن أن تضبط في اتفاقية التحكيم الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام تحكيم .كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم .
إذا لم تنص الاتفاقية على ذلك .تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات عند الحاجة مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيم"
أكد المشرع من خلال هذا النص على ضرورة احترام إرادة الأطراف فيما يخص تحديد القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم في مجال التحكيم الدولي، يمكن للأطراف اختيار أي قانون إجرائي لدولة ما ليطبق على إجراءات التحكيم كما يمكنهم تطبيق القواعد الإجرائية المنصوص عليها في احد لوائح مراكز ومؤسسات التحكيم الدائمة ، أو يمكنهم وضع قواعد إجرائية من ابتكارهم وتكون محكمة التحكيم ملزمة باحترام وتطبيق إرادة الأطراف فيما يخص تنظيم الإجراءات الواجب إتباعها أمامها لنظر النزاع.
ثانيا – تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
كذلك بالنسبة لتحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع راعى المشرع الجزائري احترام مبدأ سلطان الإرادة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي بحيث أشار في المادة 1050 ق ا م ا أن محكمة التحكيم تفصل في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف ، فإذا لم يتفق الأطراف على القواعد القانونية واجبة التطبيق، قامت محكمة التحكيم باختيار القواعد القانونية الموضوعية التي تطبقها ، يمكن أن يكون قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم او قانون الدولة التي جرت فيها وقائع النزاع او أية قواعد قانونية نافذة في دولة أخرى ، إلا ان هيئة التحكيم ليس لها السلطة المطلقة في الاختيار حيث الزمها المشرع باختيار القواعد الموضوعية للقانون الذي ترى انه الأكثر اتصال بالنزاع ،أما بالنسبة للتحكيم الداخلي فقد أشار في المادة 1023 ق ا م ا، أن المحكمون يفصلون في النزاع عملا بقواعد القانون .
الفرع الرابع
الحكم التحكيمي
الحكم التحكيمي هو الحكم الذي يفصل في النزاع وينهي مهمة المحكمين هو الغاية المبتغاة من اللجوء لنظام التحكيم وهو النهاية للعملية التحكيمية برمتها ، بإمكان محكمة التحكيم إصدار أحكام اتفاق الأطراف بمعنى محكمة التحكيم تكرس ما اتفق الأطراف عليه شكل حكم تحكيمي ، كما قد تصدر أحكام جزئية .
استنادا للقواعد العامة في التحكيم ، تصدر أحكام التحكيم بأغلبية الأصوات تتضمن الأحكام : عرض موجز لادعاءات الأطراف وأوجه دفاعهم إلى جانب التسبيب
يتضمن الحكم التحكيمي البيانات التالية :
- اسم ولقب المحكم او المحكمين
- تاريخ صدور الحكم
- مكان إصداره
- أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي
- أسماء وألقاب المحامين
تكون هذه الأحكام موقعة من جميع المحكمين .
يترتب على صدور الحكم التحكيمي تخلي المحكمين عن النزاع وحيازة الحكم حجية الشيء المقضي فيه، ليتم بعدها إيداع طلب تنفيذ الحكم مرفق بالوثائق واصل الحكم التحكيمي لدى أمانة ضبط المحكمة الصادر في دائرة اختصاصها الحكم من طرف المعني بالتعجيل والذي يبت فيه رئيس المحكمة بإصداره أمر بالتنفيذ أو عدم التنفيذ (إن تعلق الأمر بأحكام التحكيم الداخلي ). في حين بالنسبة لأحكام التحكيم الأجنبية قبل أن يصدر الأمر بتنفيذها لابد أن يتم الاعتراف بها وإدماجها في النظام القانوني الجزائري من خلال إجراء الاعتراف أولا ثم التنفيذ .