المطلب الأول : المنهج الاستدلالي

الفرع الأول : مفهوم الاستدلال ، ومبادئه ، أدواته

أولا  : مفهوم الاستدلال

قضايا تنتج عنها ( نتائج)     

قضايا مسلم بها  ( مقدمات )  

الاستدلال هو البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة ، هذا السير إما بالقول أو الحساب ، الرياضي يجرى عمليات حسابية ، والقاضي يستدل اعتمادا على ما لدية من قضايا ومبادئ قانونية [1].

الاستدلال ( الاستنباط) هو برهان يبدأ من 

                                     برهان بلا تجربة

سلوك منهجي لكشف الحقيقة العلمية الحقيقةالعلمية

عملية عقلية منطقية أولية

الاستدلال عملية منطقية يتم فيها الانتقال من قضايا منظور إليها في ذاتها( لا تحتاج الى برهنة) إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خاصة .

الاستدلال هو                        +

 


            كل عملية برهان تستخدم            هو المسعى المنهجي الذي يعتمد على

             القياس والحساب                     التسلسل المنطقي        بالانتقال من القضايا

                                                 الأولية إلى  قضايا تنتج عنها بالضرورة دون

                                                    تجربة   

تبعا لهذا المنهج يستهل الباحث بحثه من العام الى الخاص او العكس لكي يصل الى معرفة الخاص او الجزئي .

·       التمييز بين الاستدلال والبرهان :

الاستدلال أوسع من البرهان فهو يشمله ، فالبرهان  يدخل في الاستدلال كمرحلة     و يتعلق بصحة النتائج تبعا لصحة المقدمات ، أما الاستدلال فهو الانتقال إلى قضايا ناتجة عن المنطق بالضرورة  يقوم على البرهان أي نبرهن على صحة النتائج تبعا لصحة المقدمات ثم نستدل بالنتائج للانتقال إلى قضايا ناتجة عنها بالضرورة [2].

ثانيا : مبادئ وقواعد الاستدلال

يتكون نظام الاستدلال من مبادئ ونظريات تخلص إلى أحكام وقواعد كنتيجة لها ، و الصورة التقليدية للمنهج الاستدلالي تتمثل فيما يسمى بالمنطق القياسي او القياس الصوري ، وصنف مفكرو المنطق التقليديون مبادئ الاستدلال الى 3 انواع : البديهيات ، المصادرات ، والتعريفات[3] ، هذه المبادئ هي على قدر كبير من التداخل والتكامل في تحقيق العملية الاستدلالية من اجل استخراج النتائج هذه المبادئ هي على قدر كبير من التداخل والتكامل في تحقيق العملية الاستدلالية من اجل استخراج النتائج .

1 /  البديهيات

البديهية : قضية واضحة وبينة بنفسها ولا يمكن البرهنة عليها لانها صادقة بدون برهان[4]

هي القضايا الأولية التي لا تحتاج إلى برهنة ، فهي صادقة بلا برهان ،

لها خصائص ثلاث :

-          قضية بينة بنفسها                    اي يدركها العقل دون برهان ،

-         أولية منطقية                        غير مستخلصة من غيرها من المبادئ والقضايا ،

-         قاعدة صورية عامة                مسلم بها من كل العقول في كل المجالات[5].

من أمثلتها ( الكل اكبر من الجزء ، بطرح الأشياء المتساوية تكون النتائج متساوية ، من يملك الأكثر يملك الأقل ).

2 /  المسلمات - المصادرات

قضية ليست بينة بنفسها  وغير عامة ومشتركة ولكن يصادر على صحتها ويسلم بها كافة العقول[6]، ولا يمكن البرهنة على صحتها وإنما يطالب بالتسليم بصحتها ، وصحتها تستبين من نتائجها  ، هي اقل يقينية من البديهيات.

-         قضايا مركبة  لا تؤدي إلى تناقض            نتائجها صحيحة تستعمل في الاستنتاج[7].

-         مثال : الإنسان ( المتعاقد) يفعل دائما ما ينفعه            

3 /  التعريفات

هو تعبير عن ماهية المعرف وحده وعنه كله ، ويتركب التعريف من شيئين هما المعرف : الشيء المراد تعريفه ، المعرف هو القول الذي يحدد خواص وعناصر الشيء المعرف .

مفهومها العام : هي عبارة تصف معنى مصطلح معين

مفهومها الخاص : تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة جامعة مانعة

يكون التعريف :

ü    جامعا : جامع لكل صفات الشيء ( خصائص ، عناصر ...) و  صفتان تمنحان

ü    مانعا : يمنع دخول صفات خارجة عنه                          الشيء المعرف هويته           

                                                                      الحقيقية  

أنواعه :

                   ثابت  ( الرياضيات )

          متغير ( العلوم الإنسانية ، الاجتماعية ، يتغير تبعا لتغيرها وحركيتها )[8].

ثالثا : أدوات الاستدلال

للاستدلال كمنهج علمي مجموعة من الأدوات أهمها : القياس ، التجريب العقلي ، التركيب كلها عمليات عقلية .

1-   القياس :

عملية عقلية منطقية تستعمل كأداة البرهان تنطلق من مسلمات إلى أمور مفترضة غير مضمون صحتها ،  يقوم القياس على اتحاد ( العلة ، السبب ، النتيجة ) بين الشيء المقيس والشيء المقاس عليه.

القياس عند القانونين وسيلة يلجأ إليها المفسر او المطبق للقاعدة القانونية لاستكمال ما يشوبها من نقص لإيجاد الحل للتطبيق على مسالة لم ينظمها القانون باستعارة الحل الذي يقرره القانون لمسالة مماثلة نظما[9].

ومن المهم استخدام القياس المنطقي لحل النزاع القانوني وذلك عن طريق تطبيق قاعدة قانونية معينة على العناصر الواقعية للنزاع مع ربط عناصر النزاع الواقعية بالقاعدة القانونية عن طريق القياس المنطقي للوصول للحل المطلوب .

القياس البسيط : ، يدل على فعل استدلال واحد ويمكن تحليله الى مقدمات ونتيجة ، لا الى أجزاء هي نفسها أفعال استدلال [10].

مثال : ( الكبرى )   كل    من يملك سجلا تجاريا           هو تاجر

       (الصغرى )     زيد    يملك سجلا تجاريا

النتيجة : زيد                  تاجر  

2-   التجريب العقلي :

عملية عقلية تقوم على فرضيات يضعها العقل ثم يجرب صحتها وفق ضوابط عقلية ثم يستخلص منها النتائج

3-   التركيب :

عملية عقلية تنطلق من القضايا الصحيحة الجزئية  وتؤدي لاستخراج النتائج العامة وذلك بتفكيك الاقتراحات ثم عملية عقلية لتركيبها  ثم التحقق من صحة النتائج ( من الخاص إلى العام ).

 

 

الفرع  الثاني : تطبيقات المنهج الاستدلالي في نطاق العلوم القانونية

اولا :مجالات استخدام الاستدلال في العلوم القانونية

يعد المنهج الاستدلالي من أهم المناهج المتبعة في مجال العلوم القانونية بالنظر لاستخدامه من طرف الباحثين ، القضاة ، المحامين  وذلك في عدة مجالات :

مجال فلسفة القانون ، القانون الدستوري ، الدولة ، الديمقراطية ،  الجريمة ...الخ

حيث يستخدمه الباحثون في إطار الاجتهاد الفقهي باستعمال أدواته ( القياس ، التركيب ، التجريب العقلي ) ، كما يستخدمه القضاة في إطار التفسير القضائي  للنصوص والبحث عن الحل القانوني لموضوع النزاع ، كاستخدام القاضي  أداة القياس لتكييف النزاع المعروض عليه[11] ، هل هو مسالة واقع ام قانون

                     لا رقابة    رقابة

مثال :  

أ تصرف ببيع عقار ل ب سنة 2004 ولم يشهر

أ تصرف ببيع نفس العقار ل ج سنة 2005 وقام بالشهر

السؤال – أيهما اسبق في الشراء ؟ ( مسالة واقع لا رقابة عليها )

أ      بيع      ب  في 2004 – مقدمة كبرى     النتيجة من البديهيات الأسبق في التاريخ

أ   بيع      ج في 2005 – مقدمة صغرى          هو " ب "

السؤال : لمن تنتقل الملكية؟ ( مسالة قانون تخضع للرقابة )

      تنتقل الملكية في البيع العقاري بالشهر      مقدمة كبرى ( مبدأ قانوني )

      عقد ب غير مشهر و عقد ج مشهر      مقدمة صغرى ( مسالة قانونية )

النتيجة : تنتقل ل ج

فالقاضي يعتمد على الاستدلال للوصول لحل للنزاع ( الحكم )

بالربط بين        ( الوقائع  - مقدمات -   و      المبدأ القانوني)      الوصول للحكم ( النتيجة )

ثانيا :  تقييم المنهج الاستدلالي

يعتبر المنهج الاستدلالي هو المفضل للتفسير والبحث في العلوم القانونية باعتباره غالبا ما يتبع من طرف الباحثين والقضاة [12]لأنه :

-         يغطي صعوبات نقص القوانين والنظريات والأحكام لأنه أداة لاكتشافها وإيجاد الحلول في غياب النص خاصة وانه منهج واضح وواسع

-         أفضل وسيلة لمواجهة القضايا العقلية اليومية وذلك بإيجاد الحلول عن طريق الاجتهاد والاستنباط الصحيح بتطبيق مختلف مناهج البحث والتفسير حسب طبيعة موضوع البحث او القضية المطروحة ، ويكون محورها الأساسي المنهج الاستدلالي

-         هو منهج الحياة المنظمة والبحث العلمي وتفسير الأحكام والظواهر  لاكتشاف  ( معانيها ، قوانينها ، علاقاتها ) وتسخيرها لخدمة المجتمع .

-         ساهم في تطوير العلوم القانونية بتطبيق قواعد الفلسفة القانون على كل فروع القانون منذ بداية القران 19 .  



[1] - المرجع السابق، ص 89 .

- صالح طاليس : مرجع سابق ، ص 35 .

- مانيو جبير : منهجية البحث العلمي ترجمة ل ملكة ابيض ، تنسيق محمد عبد النبي السيد غانم ، ص 79 .

[2] - تومي اكلي : مرجع سابق ، ص 90

[3] - د- احميدوش مدني : الوجيز في منهجية البحث القانوني ، الطبعة 3 ، 2015 ، ص 52 .

[4] - المرجع السابق ، ص 52 .

[5] - تومي اكلي : مرجع سابق ، ص 91 .

[6] -احميدوش مدني :  المرجع السابق، ص 52 .

[7] - تومي اكلي : مرجع سابق ، ص 91 .

[8] - تومي اكلي :  مرجع سابق ، ص 91

[9] - صلاح الدين شروخ : مرجع سابق ، ص 44 .

[10] - المرجع السابق ، ص 54 .

[11] - عمار عوابدي : مرجع سابق ، ص 189 .

[12] - عمار عوابدي : مرجع سابق ، 192 .