ثانيا / صور جريمة رشوة الموظفين العموميين.

 

إختلفت التشريعات في تجريمها للرشوة، حيث منها من أخد بنظام ثنائية الرشوة وأخرى أخدت بنظام وحدة الرشوة، حيث أن هذا النظام يرى فيها جريمة واحدة يرتكبها الموظف العمومي بإعتباره الفاعل الاصلي لها أما الراشي فهو مجرد شريك متى توفرت شروط الاشتراك بشأنه ومن بين الانظمة التشريعية التي تأخد بهذا النظام  القانون المصري والقانون الايطالي[1].

أما نظام الثنائية الرشوة الذي أن الرشوة تشمل جريمتين متميزتين، الاولى سلبية (الرشوة السبية) من جانب الموظف العمومي، الثانية إيجابية (الرشوة الايجابية) من جانب صاحب المصلحة، وهذا النظام الذي أخد به المشرع الفرنسي وكذا المشرع الجزائري، حيث أن الجريمتين مستقلتان عن بعضهم في التجريم والعقاب، أي لا يعتبر سلوك الراشي اشتراك في جريمة المرتشي.[2]

 

حيث كانت الرشوة في ظل قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم تأخذ صورتين فحسب :

-       الرشوة السلبية المنصوص عليها و المعاقب عليها في المادتين 126-127

-       الرشوة الإيجابية المنصوص عليها والمعاقب عليها في المادة 129 من قانون العقوبات.

              أما في قانون الفساد 06-01 فلقد جمع صورتي الرشوة الإيجابية والرشوة السلبية في نص واحد وهو المادة 25 ، مع إفراد كل صورة بفقرة، وحصرها في رشوة الموظف العمومي مع تخصيص حكم مميز للرشوة في القطاع الخاص نظمه في المادة 40 من نفس القانون، وحكم مميز لرشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفين المنظمات الدولية العمومية في المادة 29 من قانون مكافحة الفساد.

          وعليه سوف نتناول صور جريمة رشوة الموظفين العموميين المنصوص عليها في المادة 25 من القانون الفساد الأكثر وقوعا ، حيث سوف نتناول الركن المادي لصورة الرشوة السلبية و الرشوة الايجابية على حدى، أما باقي الاركان الاخرى فندرسها معا.

01 :  الرشوة السلبية : (جريمة الموظف المرتشي )

   وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25 ف 02 من قانون الفساد بتوفر الأركان التالية :

-       صفة المرتشي حيث يجب أن يكون المتهم موظفا عموميا .

-       طلب أو قبول مزية غير مستحقة .

-       أن يكون الغرض من تلك المزية حمل المرتشي على أداء عمل من واجباته أو الامتناع عن أدائه.

         وبالتالي فإن لقيام هذه الصورة لجريمة الرشوة يقتضي توفر الأركان التالية:

 

أ/- الركن المفترض يتعلق صفة الجاني: تقتضي الرشوة بصفة عامة (السلبية أو الايجابية ) أن يكون الجاني موظفا عموميا وهو العنصر المفترض كما سبق التفصيل في جريمة اختلاس ممتلكات  من قبل الموظف العمومي أو استعمالها على النحو غير شرعي.

ب- الركن المادي : ويتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية[3] بطلب الجاني أو قبوله مزية غير مستحقة نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، ويرتكز هذا الركن على أربعة عناصر أساسية : النشاط الإجرامي، محل الارتشاء و لحظة الارتشاء والغرض من الرشوة .

ب/1 - النشاط الإجرامي : يتمثل النشاط الإجرامي في إحدى الصورتين القبول أو الطلب، وهاتان الصورتان على قدم المساواة في تحقيق النشاط الإجرامي .

·       الطلب : هو عبارة عن إفصاح عن رغبة أو تعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها، ويتحقق الطلب سواء تقدم به الموظف العام بنفسه أو بواسطة غيره، وإذا كان الطلب عملا مبدئيا في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة، ويشكل مجرد الطلب جريمة تامة فالشروع هنا لا يتميز عن الجريمة التامة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الطلب في حد ذاته يكشف عن معنى الإتجار بالوظيفة والخدمة وإستغلالها.[4]

    وقد يكون الطلب شفاهة أو كتابة ،كما قد يكون صراحة أو ضمنا ، ويستوي أن يطلب الجاني المقابل لنفسه أو لغيره ، فتقوم الجريمة في حالة الطلب الموظف المقابل لشخص آخر غيره ،ويستوي كذلك أن يقوم الجاني نفسه بالطلب أو أن يقوم شخص آخر بمباشرته باسمه ولحسابه.

·       القبول : يفترض القبول من جانب الموظف العمومي المرتشي أن يكون هناك عرض من صاحب الحاجة يعبر فيه عن إرادته بتعهده بتقديم الهدية  أو المنفعة إذا ما قضي له مصلحته، ويشترط أن يكون عرض صاحب الحاجة جديا ولو في ظاهرة فقط ، كما لو قصد العارض من عرضه أن يسهل للسلطات العمومية ضبط الموظف متلبسا بجريمة الرشوة .

              أما إذا انتفى العرض الجدي في الظاهر فلا تقوم جريمة الرشوة حتى ولو قبل الموظف مثل هذا العرض، كأن يعد صاحب الحاجة الموظف بإعطائه أشياء خيالية غير قابلة للتحقيق في الواقع كأن يعده بمال غير ممكن التحقق قيامه بعمل معين لصاحبه، فالظاهر هنا هو أن العرض غير جدي .

              كما يشترط أيضا أن يكون قبول الموظف جديا وحقيقيا، فإذا ما تظاهر الموظف العمومي بقبول عرض صاحب الحاجة ليمكن السلطات العمومية ضبطه متلبسا بالجريمة، فإن إرادته التي عبر لها عن قبوله لا تكون جدية ومن ثم لا يتوفر القبول الذي تقوم به جريمة الرشوة.

  ويستوي في القبول أن يكون شفويا أو مكتوبا، بالقول أو بالإشارة صريحا أو ضمنيا، وتتحقق الجريمة في صورة القبول سواء كان موضوعه هبة أو هدية يسلمها الجاني بالفعل أو وعدا بالحصول على الفائدة فيما بعد .

             وتتم الجريمة في صورتي القبول والطلب بصرف النظر عن النتيجة، ومن ثم لا يحاكم إن امتنع صاحب الحاجة بإرادته عن الوفاء بوعده أو إذا حالت دون ذلك ظروف مستقلة عن إرادته.

           

             ب/2 محل الارتشاء : يقصد به المقابل أو المزية غير المستحقة حسب المادة 25 ف 02 من قانون مكافحة الفساد، والتي تأخذ بدورها عدة معاني وصور وقد تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية، وقد تكون صريحة أو ضمنية مشروعة أو غير مشروعة، محددة أو غير محددة.

والمقصود بالمزية بالضمنية كأن تكون المزية في صورة تعاقد مع الراشي بشروط في صالح المرتشي كما يباع له عقارا بأقل من ثمنه أو اشترى منه عقارا بأكثر من ثمنه إضافتا إلى أن المزية تكون غير مستحقة إذا لم يكن من حق الموظف العمومي تلقيها قانونا .

                والأصل أن يطلب المرتشي (الموظف العمومي ) المزية لنفسه أو يقبلها لنفسه نظير قيامه بأداء الخدمة للراشي – صاحب المصلحة- ومع ذلك تقوم جريمة الرشوة إذا قدمت المزية إلى شخص غيره، كما نصت المادة 25-02 " سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر" فمن المحتمل أن يعين الموظف المرتشي شخصا أخر تقدم إليه المزية، قد يكون صديقا أو قريبا، وقد لا يعلم هذا الشخص سبب تقديم المزية .

               وفي جميع الأحوال لا يجوز للموظف المرتشي أن يدفع بأنه لم يطلب أو يقبل الرشوة لنفسه، فيستوي أن يطلبها أو يقبلها لنفسه أو لغيره .

               وقد يساهم الغير في ارتكاب الجريمة عن طريق مساعدة الراشي أو المرتشي أو معاونته، كأن يتوسط بينهما، فيكون عندئذ شريكا، وقد يكون مجرد مستفيد من الرشوة دون أن يتدخل في ارتكابها، فيكون عندئذ مخفيا تطبق عليه أحكام المادة 43 من ذات القانون بشأن إخفاء العمدي للأشياء المتحصلة من الرشوة متى توافرت أركانها لاسيما العلم بالمصدر الإجرامي بتلك الأشياء.

           ب/3 - الغرض من الرشوة :  يتمثل في :

* هو أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة، ويشترط أن يكون مقابل الهدية أو المنفعة أي العمل الوظيفي ممكنا من الناحية الواقعية فإن كان مستحيلا استحالة مطلقة أي عدما فلا تقوم الجريمة، إذن مقابل الفائدة هو العمل الوظيفي سواء تمثل هذا العمل في فعل أو الامتناع عنه ويتحقق الإتجار بالوظيفة من بيع العمل الوظيفي بالفائدة التي يقدمها الراشي.

              فقد يكون أداء عمل معين يفيد قيام الموظف العمومي سلوك إيجابي تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة كرئيس البلدية الذي يمنح سكن اجتماعي لشخص لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة قانونا مقابل مبلغ مالي أو هدية معتبرة.

         وقد يكون العمل الذي ينتظره صاحب الحاجة عبارة عن سلوك من جانب الموظف العمومي بأن يتخذ صورة الامتناع عن أداء العمل الوظيفي ويتحقق الامتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف العمومي طالما أن الامتناع كان مقابل منفعة أو فائدة ولا يشترط أن يكون الامتناع تاما فقد يكون جزئيا متخذا صورة التأخير في القيام بالعمل، أي الامتناع عن أدائه في الوقت المحدد له وذلك حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة حسب هذا التأخير [5].

 * أن يكون العمل الذي يؤديه المرتشي أو يمتنع عن أدائه لقاء المزية يدخل في اختصاصه وهذا ما تشترطه المادة 25-02 من قانون مكافحة الفساد .

 

ب/4 لحظة الارتشاء :يشترط لقيام الجريمة أن يكون طلب المزية أو قبولها قبل اداء العمل او الامتناع عنه، أي |أن يكون الاتفاق بين الراشي والمرتشي سابق لاداء العمل أو الامتناع عنه محل المكافأة، وعليه فإنه لا تقوم جريمة الرشوة إلا إذا كان طلب المزية أو قبولها سابقا[6].

02/ الرشوة الايجابية :

 وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25ف01 من قانون الفساد وهنا يعرض الراشي على الموظف العمومي (المرتشي) مزية غير مستحقة نظير حصوله على منفعة بإمكان الموظف توفيرها وتحقيقه اله.

ومن جهة أخرى، إذا كانت جريمة الرشوة السلبية تقتضي صفة معينة في الجاني، وهي أن يكون موظفا عموميا، فإن المشرع لم يشترط صفة معينة في جريمة الرشوة الإيجابية.

   وحسب المادة 25ف01 من قانون مكافحة الفساد فإن جريمة الرشوة الإيجابية تقتضي لقيامها توافر الأركان التالية :  

       أ- الركن المادي : ويتحقق بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها مقابل قيامه بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، ويتكون هذا الركن من ثلاثة عناصر أساسية  هي :  السلوك المادي و المستفيد من المزية و غرض الراشي.

أ-1/ السلوك المادي : ويتحقق باستعمال إحدى الوسائل الآتية [7]:

·       الوعد بمزية أو عرضها أو منحها : ويشترط أن يكون الوعد جديا وأن يكون الغرض منه تحريض الموظف العمومي على الإخلال بواجبات الوظيفة وان يكون محددا، ولا يهم إن قبل الوعد بالرفض ممن وجه إليه، وكذلك الأمر إذا تم الوعد أو العرض مباشرة للموظف أو عن طريق الغير.

·       المستفيد من المزية :  الأصل أن يكون الموظف العمومي المقصود هو المستفيد من المزية الموعود بها أو المعروضة أو الممنوحة ، ولكن من الجائز أن يكون المستفيد شخصا آخر غير الموظف العمومي المقصود، وقد يكون هذا الشخص طبيعيا أو معنويا، فردا أو كيانا .

·       الغرض من المزية : ويتمثل في حمل الموظف العمومي على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، حسب نص المادة 25ف1 التي تشترط أن يكون العمل المطلوب من الموظف تأديته أو الامتناع عن تأديته لقاء المزية، يدخل في اختصاصه .

  وبالمقابل لا يهم إن أدى سلوك الراشي إلى النتيجة المرجوة أو لم يؤد وبخصوص الشروع في جريمة الرشوة الإيجابية فيستبعد في صورة الوعد فإما أن تكون الجريمة تامة وإما أن تكون في مرحلة التحضير ، على عكس صورتي العرض والعطية التي يتصور فيها الشروع ، ولا يهم المستفيد الحقيقي من أداء العمل أو الامتناع عنه، فقد يكون الإمتياز الذي يسعى الراشي إلى بلوغه من وراء عرضه المزية أو منحه إياها أو الوعد بها لصالح شخص آخر غيره.

 

ج/الركن المعنوي: الرشوة بصفة عامة ( سلبية او ايجابية) جريمة عمدية يقتضي قيامها توافر قصد  قصد جنائي عام وقصد جنائي خاص.

ج-1/ القصد الجنائي العام  الذي يتكون من عنصري العلم و الإرادة ، حيث يجب أن يعلم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، فيعلم أنه موظف عمومي بمفهوم المادة 02 من قانون مكافحة الفساد وأنه مختص بالعمل المطلوب منه وأن المزية التي طلبها أو قبلها نظير العمل الوظيفي غير المستحقة، ويجب أن يعلم بذلك عند الطلب أو القبول فإذا انتفى العلم بأحد العناصر السابقة انتفى القصد الجنائي، وتطبيقا لذلك إذا انتفى علم المتهم بأنه موظف عمومي كما لو لم يبلغ بعد بقرار تعيينه، أو اعتقد أنه عزل من وظيفته بناء على إشعار مزور أبلغ به، فلا يعد القصد متوفرا لديه، وينتفي القصد كذلك إذا اعتقد أنه غير مختص أو اعتقد أن الهدية المقدمة إله كانت لغرض بريء وليس مقابلا لعمل أو الامتناع ينتظره صاحب الحاجة منه وإذا اعتقد أن ما تلقاه مستحق إضافتا إلى أنه يجب أن تتحلى إرادة الموظف إلى الطلب أو القبول أي يشترط أن يتوافر القصد الجنائي لحظة الطلب أو القبول .

                    ففي حالة الطلب، يجب أن يثبت في حق المرتشي وقت طلبه المنفعة بأن ذلك مقابل الإتجار بوظيفته، فإن ثبت أن طلبه للمال كان على سبيل القرض مثلا، ثم عرضت مصلحة للدائن أمامه تتعلق بوظيفته أو عمله فأداها لا تقوم جريمة الرشوة .

    وفي حالة القبول، يتعين أن يكون المرتشي عندئذ عالما بأن المال أو المنفعة أو ما وعد به مقابل الإتجار بالعمل فإذا جاء القبول غير مرتبط بهذا العلم لا تقوم جريمة الرشوة إذا باشر الموظف عملا متعلق بوظيفته.

    كما تتحقق الجريمة الايجابية بوعد صاحب المصلحة الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها مقابل قيامه بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ويقبل الموظف بذلك.

     والواقع أنه من الصعب إثبات توافر القصد الجنائي بالعناصر السابقة أو عدم توافره، وفي كل الأحوال يبقى -الإثبات- على عاتق النيابة العامة ، وإجمالا لا تقوم الجريمة في حق من يطلب أو يقبل هدية أو وعدا إلا إذا تصرف كذلك وهو يعلم أن ما قبله أو ما طلبه سيكون مقابل المجاملة، ومن ثم يتعين على القاضي أن يبرز في حكمه أن أداء العمل الغير النزيه هو الذي كان مستهدفا .

ج-2/ القصد الجنائي الخاص  فهو نية الموظف في الاتجار بالوظيفة العمومية التي يشغلها أن تتوفر نية العبث والمتاجرة بوظيفته.

أما بخصوص الشروع في جريمة الرشوة أنه يستحيل تصور الشروع في الرشوة في صورة القبول، بالنظر إلى صور النشاط الإجرامي في هذه الجريمة، فإما أن تكون الجريمة تامة وإما أن تكون في المرحلة التحضيرية التي لا عقاب عليها، وإنما الشروع ينحصر في صورة الطلب في جريمة الرشوة .

 

ج: الركن الشرعي لصورتي الرشوة ( الايجابية والسلبية) : هو نص المادة 25 من قانون الفساد 06-01 المعدل والمتمم بقولها: " يعاقب بالحبس من سنتين 02 إلى عشر 10 سنوات وبغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000دج :

1-  كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر ، سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أخر او كيان أخر لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن اداء عمل من واجباته.

2-   كل موظف عمومي طلب أو قبل بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لصالح شخص أخر ، أو كيان أخر، لاداء عما او الامتناع عن اداء عمل من واجباته.

 

-       ج-1 /العقوبات المقررة للشخص الطبيعي في جريمة رشوة الموظفين العموميين تنقسم إلى عقوبات أصلية وأخرى تكميلية .

 ج1- أ/ العقوبات الأصلية:حيث تعاقب المادة 29 من القانون 06-01 على جريمة الاختلاس الحبس من سنتين2 إلى عشرة سنوات 10 وبغرامة من 200.000 دج الى 1.000.000 دج

* تشديد العقوبة: تشدد العقوبة لتصبح من 10 الى 20 سنة وبنفس الغرامة إذا كان الجاني من إحدى الفئات المذكورة في المادة 48 من قانون 06/01 مكافحة الفساد (قاضي أو موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة أو ضابط عمومي أو ضابط عون الشرطة القضائية أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية ويتعلق الأمر أساسا برؤساء الأقسام والمهندسين والأعوان النفسيين المختصين في الغابات وحماية الأراضي و استصلاحها وبعض الموظفين وأعوان الإدارات والمصالح العمومية كأعوان الجمارك والضرائب والأعوان التابعين لوزارة التجارة المكلفين بضبط ومعاينة المخالفات المتعلقة بالمنافسة والممارسات التجارية ، أو موظف أمانة الضبط.

* الإعفاء من العقوبات :

يستفيد الجاني من الإعفاء من العقوبات و تحفيظها حسب الشروط والظروف المنصوص عليها في المادة 49 حيث يستفيد الفاعل أو الشريك الذي قام بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة كما يساعد على معرفة مرتكبها شريطة أن يكون ذلك قبل مباشرة إجراءات المتابعة إما بتخفيض العقوبة الى النصف بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي يساعد في القبض على الجناة في الجريمة بعد إجراءات المتابعة وبهذا يكون القانون قد وضع تحفيز للجناة من اجل الكشف عن الجريمة والقبض على مرتكبيها حين فرق بين مرحلة ما قبل مباشرة و إجراءات المتابعة و ما بعدها.

ج2-ب/ العقوبات التكميلية:أجازت المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته للجهة القضائية أن تتخذ بالعقوبات التكميلي الواردة في المادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات في حالة الإدانة بالجريمة.

      

 

ج-2/- العقوبات المقررة الى الشخص المعنوي في جريمة رشوة الموظفيين العمويين:

ج-2 أ/ العقوبات الاصلية: اقر المشرع في المادة 53 من القانون 06-01 المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الفساد بوجه عام وفق لقواعد المقررة في قانون العقوبات كما تناول قانون العقوبات الجزائري العقوبات المطبقة في المادة 18 مكرر من قانون 06-23 المؤرخ في 20/12/2006 والتي ورد فيها العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات هي كالآتي:

*غرامة تساوي من مرة واحدة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي أي غرامة تتراوح مابين1.000.000دج وهو الحد الأقصى المقرر جراء تحقق الاختلاس، و5.000.000دج وهو ما يعادل خمس مرات الحد الأقصى.

            ج-2 ب/ العقوبات التكميلية : إحدى العقوبات التكميلية الآتية:

-       حل الشخص المعنوي.

-       غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

-       الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

-       المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة خمس سنوات.

-       مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.

-  نشر وتعليق حكم الإدانة .

- الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات وتنصب الحراسة على ممارسة نشاط الذي أدى الى جريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.

 

نفس الامر بالنسبة لجريمة الرشوة ( السلبية و الايجابية) شأنها شأن جرائم الفساد فإنها تخضع لاحكام جرائم القانون العام أقر لها أساليب البحث والتحري الخاصة تسهيلا لجمع الادلة عن الجريمة ومرتكبيها، كما أقر المشرع الجزائري أيضا اجراءات وتدابير ترمي للكشف عن العمليات المالية المتصلة بجرائم الفساد والوقاية منه واسترداد العائدات المتأتية في إطار التعاون الدولي واسترداد الموجودات، وكإجراءات تحفظية إذا مثلا ما أرتيطت جريمة الفساد بجرائم أخرى أقر المشرع الجزائري امكانية الامر بتجميد وحجز العائدات والاموال المشبوهة الناتجة عن جرائم الفساد والجرائم المتصلة بها بأمر من السلطات القضائية المعنية ( كما تم التفصيل سابقا بجريمة اختلاس الموظف العمومي للممتلكات واستعمالها على نحو غير شرعي).

 

أما بخصوص تقادم الدعوى العمومية في جريمة الرشوة ( السلبية والايجابية) فإنها لا تتقادم طبقا لنص المادتين 8 مكرر من قانون الاجراءات الجزائية والمادة 54 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم على خلاف مدة تقادم الجنح الاخرى والتي متها 03 سنوات طبقا لنص المادة 08 من قانون الاجراءات الجزائية المعدل والمتمم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]  -  جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج 4، دار  المؤلفات القانونية، مطبعة الاعتماد، 1941، ص 7

[2] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص ، ط 12 ، المرجع السابق، ص 70.

[3]  - الرشوة السلبية هي مجموع الافعال المادية التي تشكل طلبا أو قبولا بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لغيره لاداء عمل او امتناع عن عمل يدخل ضمن واجباته، أكثر تفصيل انظر في ذلك:  بوصنوبرة  مسعود، جريمة الرشوة في القانون الجزائري،  مقال منشور في حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والانسانية، ع 18 ، الجزائر، 2016،  ص11.

[4] -  علي عبد القادر القهواجي، فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2003، ص67.

[5] -  عادل مستاري، موسى قروف، جريمة الرشوة السلبية( الموظف العمومي) في ظل قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مقال منشور  بمجلة الاجتهاد القضائي، ع 5، جامعة بسكرة، الجزائر، ص 171.

[6]  - أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، جرائم الفساائم التزوير، المرجع السابق، ص79.

[7] -  سعدي حيدرة، " كيف عالج المشرع الجزائري جريمة الرشو06-01 المؤرخ في 20/02/2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ، مقال منشور بالمجلة الاكاديمية للبحث القانون، ع 1، جامعة بجاية، الجزائر، 2010، ص51.


ثانيا :صور جريمة رشوة الموظفون العموميون

 

إختلفت التشريعات في تجريمها للرشوة، حيث منها من أخد بنظام ثنائية الرشوة وأخرى أخدت بنظام وحدة الرشوة، حيث أن هذا النظام يرى فيها جريمة واحدة يرتكبها الموظف العمومي بإعتباره الفاعل الاصلي لها أما الراشي فهو مجرد شريك متى توفرت شروط الاشتراك بشأنه ومن بين الانظمة التشريعية التي تأخد بهذا النظام  القانون المصري والقانون الايطالي[1].

أما نظام الثنائية الرشوة الذي أن الرشوة تشمل جريمتين متميزتين، الاولى سلبية (الرشوة السبية) من جانب الموظف العمومي، الثانية إيجابية (الرشوة الايجابية) من جانب صاحب المصلحة، وهذا النظام الذي أخد به المشرع الفرنسي وكذا المشرع الجزائري، حيث أن الجريمتين مستقلتان عن بعضهم في التجريم والعقاب، أي لا يعتبر سلوك الراشي اشتراك في جريمة المرتشي.[2]

 

حيث كانت الرشوة في ظل قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم تأخذ صورتين فحسب :

-       الرشوة السلبية المنصوص عليها و المعاقب عليها في المادتين 126-127

-       الرشوة الإيجابية المنصوص عليها والمعاقب عليها في المادة 129 من قانون العقوبات.

              أما في قانون الفساد 06-01 فلقد جمع صورتي الرشوة الإيجابية والرشوة السلبية في نص واحد وهو المادة 25 ، مع إفراد كل صورة بفقرة، وحصرها في رشوة الموظف العمومي مع تخصيص حكم مميز للرشوة في القطاع الخاص نظمه في المادة 40 من نفس القانون، وحكم مميز لرشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفين المنظمات الدولية العمومية في المادة 29 من قانون مكافحة الفساد.

          وعليه سوف نتناول صور جريمة رشوة الموظفين العموميين المنصوص عليها في المادة 25 من القانون الفساد الأكثر وقوعا ، حيث سوف نتناول الركن المادي لصورة الرشوة السلبية و الرشوة الايجابية على حدى، أما باقي الاركان الاخرى فندرسها معا.

01 :  الرشوة السلبية : (جريمة الموظف المرتشي )

   وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25 ف 02 من قانون الفساد بتوفر الأركان التالية :

-       صفة المرتشي حيث يجب أن يكون المتهم موظفا عموميا .

-       طلب أو قبول مزية غير مستحقة .

-       أن يكون الغرض من تلك المزية حمل المرتشي على أداء عمل من واجباته أو الامتناع عن أدائه.

         وبالتالي فإن لقيام هذه الصورة لجريمة الرشوة يقتضي توفر الأركان التالية:

 

أ/- الركن المفترض يتعلق صفة الجاني: تقتضي الرشوة بصفة عامة (السلبية أو الايجابية ) أن يكون الجاني موظفا عموميا وهو العنصر المفترض كما سبق التفصيل في جريمة اختلاس ممتلكات  من قبل الموظف العمومي أو استعمالها على النحو غير شرعي.

ب- الركن المادي : ويتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية[3] بطلب الجاني أو قبوله مزية غير مستحقة نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، ويرتكز هذا الركن على أربعة عناصر أساسية : النشاط الإجرامي، محل الارتشاء و لحظة الارتشاء والغرض من الرشوة .

ب/1 - النشاط الإجرامي : يتمثل النشاط الإجرامي في إحدى الصورتين القبول أو الطلب، وهاتان الصورتان على قدم المساواة في تحقيق النشاط الإجرامي .

·       الطلب : هو عبارة عن إفصاح عن رغبة أو تعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها، ويتحقق الطلب سواء تقدم به الموظف العام بنفسه أو بواسطة غيره، وإذا كان الطلب عملا مبدئيا في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة، ويشكل مجرد الطلب جريمة تامة فالشروع هنا لا يتميز عن الجريمة التامة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الطلب في حد ذاته يكشف عن معنى الإتجار بالوظيفة والخدمة وإستغلالها.[4]

    وقد يكون الطلب شفاهة أو كتابة ،كما قد يكون صراحة أو ضمنا ، ويستوي أن يطلب الجاني المقابل لنفسه أو لغيره ، فتقوم الجريمة في حالة الطلب الموظف المقابل لشخص آخر غيره ،ويستوي كذلك أن يقوم الجاني نفسه بالطلب أو أن يقوم شخص آخر بمباشرته باسمه ولحسابه.

·       القبول : يفترض القبول من جانب الموظف العمومي المرتشي أن يكون هناك عرض من صاحب الحاجة يعبر فيه عن إرادته بتعهده بتقديم الهدية  أو المنفعة إذا ما قضي له مصلحته، ويشترط أن يكون عرض صاحب الحاجة جديا ولو في ظاهرة فقط ، كما لو قصد العارض من عرضه أن يسهل للسلطات العمومية ضبط الموظف متلبسا بجريمة الرشوة .

              أما إذا انتفى العرض الجدي في الظاهر فلا تقوم جريمة الرشوة حتى ولو قبل الموظف مثل هذا العرض، كأن يعد صاحب الحاجة الموظف بإعطائه أشياء خيالية غير قابلة للتحقيق في الواقع كأن يعده بمال غير ممكن التحقق قيامه بعمل معين لصاحبه، فالظاهر هنا هو أن العرض غير جدي .

              كما يشترط أيضا أن يكون قبول الموظف جديا وحقيقيا، فإذا ما تظاهر الموظف العمومي بقبول عرض صاحب الحاجة ليمكن السلطات العمومية ضبطه متلبسا بالجريمة، فإن إرادته التي عبر لها عن قبوله لا تكون جدية ومن ثم لا يتوفر القبول الذي تقوم به جريمة الرشوة.

  ويستوي في القبول أن يكون شفويا أو مكتوبا، بالقول أو بالإشارة صريحا أو ضمنيا، وتتحقق الجريمة في صورة القبول سواء كان موضوعه هبة أو هدية يسلمها الجاني بالفعل أو وعدا بالحصول على الفائدة فيما بعد .

             وتتم الجريمة في صورتي القبول والطلب بصرف النظر عن النتيجة، ومن ثم لا يحاكم إن امتنع صاحب الحاجة بإرادته عن الوفاء بوعده أو إذا حالت دون ذلك ظروف مستقلة عن إرادته.

           

             ب/2 محل الارتشاء : يقصد به المقابل أو المزية غير المستحقة حسب المادة 25 ف 02 من قانون مكافحة الفساد، والتي تأخذ بدورها عدة معاني وصور وقد تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية، وقد تكون صريحة أو ضمنية مشروعة أو غير مشروعة، محددة أو غير محددة.

والمقصود بالمزية بالضمنية كأن تكون المزية في صورة تعاقد مع الراشي بشروط في صالح المرتشي كما يباع له عقارا بأقل من ثمنه أو اشترى منه عقارا بأكثر من ثمنه إضافتا إلى أن المزية تكون غير مستحقة إذا لم يكن من حق الموظف العمومي تلقيها قانونا .

                والأصل أن يطلب المرتشي (الموظف العمومي ) المزية لنفسه أو يقبلها لنفسه نظير قيامه بأداء الخدمة للراشي – صاحب المصلحة- ومع ذلك تقوم جريمة الرشوة إذا قدمت المزية إلى شخص غيره، كما نصت المادة 25-02 " سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر" فمن المحتمل أن يعين الموظف المرتشي شخصا أخر تقدم إليه المزية، قد يكون صديقا أو قريبا، وقد لا يعلم هذا الشخص سبب تقديم المزية .

               وفي جميع الأحوال لا يجوز للموظف المرتشي أن يدفع بأنه لم يطلب أو يقبل الرشوة لنفسه، فيستوي أن يطلبها أو يقبلها لنفسه أو لغيره .

               وقد يساهم الغير في ارتكاب الجريمة عن طريق مساعدة الراشي أو المرتشي أو معاونته، كأن يتوسط بينهما، فيكون عندئذ شريكا، وقد يكون مجرد مستفيد من الرشوة دون أن يتدخل في ارتكابها، فيكون عندئذ مخفيا تطبق عليه أحكام المادة 43 من ذات القانون بشأن إخفاء العمدي للأشياء المتحصلة من الرشوة متى توافرت أركانها لاسيما العلم بالمصدر الإجرامي بتلك الأشياء.

           ب/3 - الغرض من الرشوة :  يتمثل في :

* هو أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة، ويشترط أن يكون مقابل الهدية أو المنفعة أي العمل الوظيفي ممكنا من الناحية الواقعية فإن كان مستحيلا استحالة مطلقة أي عدما فلا تقوم الجريمة، إذن مقابل الفائدة هو العمل الوظيفي سواء تمثل هذا العمل في فعل أو الامتناع عنه ويتحقق الإتجار بالوظيفة من بيع العمل الوظيفي بالفائدة التي يقدمها الراشي.

              فقد يكون أداء عمل معين يفيد قيام الموظف العمومي سلوك إيجابي تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة كرئيس البلدية الذي يمنح سكن اجتماعي لشخص لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة قانونا مقابل مبلغ مالي أو هدية معتبرة.

         وقد يكون العمل الذي ينتظره صاحب الحاجة عبارة عن سلوك من جانب الموظف العمومي بأن يتخذ صورة الامتناع عن أداء العمل الوظيفي ويتحقق الامتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف العمومي طالما أن الامتناع كان مقابل منفعة أو فائدة ولا يشترط أن يكون الامتناع تاما فقد يكون جزئيا متخذا صورة التأخير في القيام بالعمل، أي الامتناع عن أدائه في الوقت المحدد له وذلك حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة حسب هذا التأخير [5].

 * أن يكون العمل الذي يؤديه المرتشي أو يمتنع عن أدائه لقاء المزية يدخل في اختصاصه وهذا ما تشترطه المادة 25-02 من قانون مكافحة الفساد .

 

ب/4 لحظة الارتشاء :يشترط لقيام الجريمة أن يكون طلب المزية أو قبولها قبل اداء العمل او الامتناع عنه، أي |أن يكون الاتفاق بين الراشي والمرتشي سابق لاداء العمل أو الامتناع عنه محل المكافأة، وعليه فإنه لا تقوم جريمة الرشوة إلا إذا كان طلب المزية أو قبولها سابقا[6].

02/ الرشوة الايجابية :

 وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25ف01 من قانون الفساد وهنا يعرض الراشي على الموظف العمومي (المرتشي) مزية غير مستحقة نظير حصوله على منفعة بإمكان الموظف توفيرها وتحقيقه اله.

ومن جهة أخرى، إذا كانت جريمة الرشوة السلبية تقتضي صفة معينة في الجاني، وهي أن يكون موظفا عموميا، فإن المشرع لم يشترط صفة معينة في جريمة الرشوة الإيجابية.

   وحسب المادة 25ف01 من قانون مكافحة الفساد فإن جريمة الرشوة الإيجابية تقتضي لقيامها توافر الأركان التالية :  

       أ- الركن المادي : ويتحقق بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها مقابل قيامه بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، ويتكون هذا الركن من ثلاثة عناصر أساسية  هي :  السلوك المادي و المستفيد من المزية و غرض الراشي.

أ-1/ السلوك المادي : ويتحقق باستعمال إحدى الوسائل الآتية [7]:

·       الوعد بمزية أو عرضها أو منحها : ويشترط أن يكون الوعد جديا وأن يكون الغرض منه تحريض الموظف العمومي على الإخلال بواجبات الوظيفة وان يكون محددا، ولا يهم إن قبل الوعد بالرفض ممن وجه إليه، وكذلك الأمر إذا تم الوعد أو العرض مباشرة للموظف أو عن طريق الغير.

·       المستفيد من المزية :  الأصل أن يكون الموظف العمومي المقصود هو المستفيد من المزية الموعود بها أو المعروضة أو الممنوحة ، ولكن من الجائز أن يكون المستفيد شخصا آخر غير الموظف العمومي المقصود، وقد يكون هذا الشخص طبيعيا أو معنويا، فردا أو كيانا .

·       الغرض من المزية : ويتمثل في حمل الموظف العمومي على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، حسب نص المادة 25ف1 التي تشترط أن يكون العمل المطلوب من الموظف تأديته أو الامتناع عن تأديته لقاء المزية، يدخل في اختصاصه .

  وبالمقابل لا يهم إن أدى سلوك الراشي إلى النتيجة المرجوة أو لم يؤد وبخصوص الشروع في جريمة الرشوة الإيجابية فيستبعد في صورة الوعد فإما أن تكون الجريمة تامة وإما أن تكون في مرحلة التحضير ، على عكس صورتي العرض والعطية التي يتصور فيها الشروع ، ولا يهم المستفيد الحقيقي من أداء العمل أو الامتناع عنه، فقد يكون الإمتياز الذي يسعى الراشي إلى بلوغه من وراء عرضه المزية أو منحه إياها أو الوعد بها لصالح شخص آخر غيره.

 

ج/الركن المعنوي: الرشوة بصفة عامة ( سلبية او ايجابية) جريمة عمدية يقتضي قيامها توافر قصد  قصد جنائي عام وقصد جنائي خاص.

ج-1/ القصد الجنائي العام  الذي يتكون من عنصري العلم و الإرادة ، حيث يجب أن يعلم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، فيعلم أنه موظف عمومي بمفهوم المادة 02 من قانون مكافحة الفساد وأنه مختص بالعمل المطلوب منه وأن المزية التي طلبها أو قبلها نظير العمل الوظيفي غير المستحقة، ويجب أن يعلم بذلك عند الطلب أو القبول فإذا انتفى العلم بأحد العناصر السابقة انتفى القصد الجنائي، وتطبيقا لذلك إذا انتفى علم المتهم بأنه موظف عمومي كما لو لم يبلغ بعد بقرار تعيينه، أو اعتقد أنه عزل من وظيفته بناء على إشعار مزور أبلغ به، فلا يعد القصد متوفرا لديه، وينتفي القصد كذلك إذا اعتقد أنه غير مختص أو اعتقد أن الهدية المقدمة إله كانت لغرض بريء وليس مقابلا لعمل أو الامتناع ينتظره صاحب الحاجة منه وإذا اعتقد أن ما تلقاه مستحق إضافتا إلى أنه يجب أن تتحلى إرادة الموظف إلى الطلب أو القبول أي يشترط أن يتوافر القصد الجنائي لحظة الطلب أو القبول .

                    ففي حالة الطلب، يجب أن يثبت في حق المرتشي وقت طلبه المنفعة بأن ذلك مقابل الإتجار بوظيفته، فإن ثبت أن طلبه للمال كان على سبيل القرض مثلا، ثم عرضت مصلحة للدائن أمامه تتعلق بوظيفته أو عمله فأداها لا تقوم جريمة الرشوة .

    وفي حالة القبول، يتعين أن يكون المرتشي عندئذ عالما بأن المال أو المنفعة أو ما وعد به مقابل الإتجار بالعمل فإذا جاء القبول غير مرتبط بهذا العلم لا تقوم جريمة الرشوة إذا باشر الموظف عملا متعلق بوظيفته.

    كما تتحقق الجريمة الايجابية بوعد صاحب المصلحة الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها مقابل قيامه بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ويقبل الموظف بذلك.

     والواقع أنه من الصعب إثبات توافر القصد الجنائي بالعناصر السابقة أو عدم توافره، وفي كل الأحوال يبقى -الإثبات- على عاتق النيابة العامة ، وإجمالا لا تقوم الجريمة في حق من يطلب أو يقبل هدية أو وعدا إلا إذا تصرف كذلك وهو يعلم أن ما قبله أو ما طلبه سيكون مقابل المجاملة، ومن ثم يتعين على القاضي أن يبرز في حكمه أن أداء العمل الغير النزيه هو الذي كان مستهدفا .

ج-2/ القصد الجنائي الخاص  فهو نية الموظف في الاتجار بالوظيفة العمومية التي يشغلها أن تتوفر نية العبث والمتاجرة بوظيفته.

أما بخصوص الشروع في جريمة الرشوة أنه يستحيل تصور الشروع في الرشوة في صورة القبول، بالنظر إلى صور النشاط الإجرامي في هذه الجريمة، فإما أن تكون الجريمة تامة وإما أن تكون في المرحلة التحضيرية التي لا عقاب عليها، وإنما الشروع ينحصر في صورة الطلب في جريمة الرشوة .

 

ج: الركن الشرعي لصورتي الرشوة ( الايجابية والسلبية) : هو نص المادة 25 من قانون الفساد 06-01 المعدل والمتمم بقولها: " يعاقب بالحبس من سنتين 02 إلى عشر 10 سنوات وبغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000دج :

1-  كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر ، سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أخر او كيان أخر لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن اداء عمل من واجباته.

2-   كل موظف عمومي طلب أو قبل بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لصالح شخص أخر ، أو كيان أخر، لاداء عما او الامتناع عن اداء عمل من واجباته.

 

-       ج-1 /العقوبات المقررة للشخص الطبيعي في جريمة رشوة الموظفين العموميين تنقسم إلى عقوبات أصلية وأخرى تكميلية .

 ج1- أ/ العقوبات الأصلية:حيث تعاقب المادة 29 من القانون 06-01 على جريمة الاختلاس الحبس من سنتين2 إلى عشرة سنوات 10 وبغرامة من 200.000 دج الى 1.000.000 دج

* تشديد العقوبة: تشدد العقوبة لتصبح من 10 الى 20 سنة وبنفس الغرامة إذا كان الجاني من إحدى الفئات المذكورة في المادة 48 من قانون 06/01 مكافحة الفساد (قاضي أو موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة أو ضابط عمومي أو ضابط عون الشرطة القضائية أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية ويتعلق الأمر أساسا برؤساء الأقسام والمهندسين والأعوان النفسيين المختصين في الغابات وحماية الأراضي و استصلاحها وبعض الموظفين وأعوان الإدارات والمصالح العمومية كأعوان الجمارك والضرائب والأعوان التابعين لوزارة التجارة المكلفين بضبط ومعاينة المخالفات المتعلقة بالمنافسة والممارسات التجارية ، أو موظف أمانة الضبط.

* الإعفاء من العقوبات :

يستفيد الجاني من الإعفاء من العقوبات و تحفيظها حسب الشروط والظروف المنصوص عليها في المادة 49 حيث يستفيد الفاعل أو الشريك الذي قام بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة كما يساعد على معرفة مرتكبها شريطة أن يكون ذلك قبل مباشرة إجراءات المتابعة إما بتخفيض العقوبة الى النصف بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي يساعد في القبض على الجناة في الجريمة بعد إجراءات المتابعة وبهذا يكون القانون قد وضع تحفيز للجناة من اجل الكشف عن الجريمة والقبض على مرتكبيها حين فرق بين مرحلة ما قبل مباشرة و إجراءات المتابعة و ما بعدها.

ج2-ب/ العقوبات التكميلية:أجازت المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته للجهة القضائية أن تتخذ بالعقوبات التكميلي الواردة في المادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات في حالة الإدانة بالجريمة.

      

 

ج-2/- العقوبات المقررة الى الشخص المعنوي في جريمة رشوة الموظفيين العمويين:

ج-2 أ/ العقوبات الاصلية: اقر المشرع في المادة 53 من القانون 06-01 المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم الفساد بوجه عام وفق لقواعد المقررة في قانون العقوبات كما تناول قانون العقوبات الجزائري العقوبات المطبقة في المادة 18 مكرر من قانون 06-23 المؤرخ في 20/12/2006 والتي ورد فيها العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات هي كالآتي:

*غرامة تساوي من مرة واحدة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي أي غرامة تتراوح مابين1.000.000دج وهو الحد الأقصى المقرر جراء تحقق الاختلاس، و5.000.000دج وهو ما يعادل خمس مرات الحد الأقصى.

            ج-2 ب/ العقوبات التكميلية : إحدى العقوبات التكميلية الآتية:

-       حل الشخص المعنوي.

-       غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

-       الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

-       المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة خمس سنوات.

-       مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.

-  نشر وتعليق حكم الإدانة .

- الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات وتنصب الحراسة على ممارسة نشاط الذي أدى الى جريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.

 

نفس الامر بالنسبة لجريمة الرشوة ( السلبية و الايجابية) شأنها شأن جرائم الفساد فإنها تخضع لاحكام جرائم القانون العام أقر لها أساليب البحث والتحري الخاصة تسهيلا لجمع الادلة عن الجريمة ومرتكبيها، كما أقر المشرع الجزائري أيضا اجراءات وتدابير ترمي للكشف عن العمليات المالية المتصلة بجرائم الفساد والوقاية منه واسترداد العائدات المتأتية في إطار التعاون الدولي واسترداد الموجودات، وكإجراءات تحفظية إذا مثلا ما أرتيطت جريمة الفساد بجرائم أخرى أقر المشرع الجزائري امكانية الامر بتجميد وحجز العائدات والاموال المشبوهة الناتجة عن جرائم الفساد والجرائم المتصلة بها بأمر من السلطات القضائية المعنية ( كما تم التفصيل سابقا بجريمة اختلاس الموظف العمومي للممتلكات واستعمالها على نحو غير شرعي).

 

أما بخصوص تقادم الدعوى العمومية في جريمة الرشوة ( السلبية والايجابية) فإنها لا تتقادم طبقا لنص المادتين 8 مكرر من قانون الاجراءات الجزائية والمادة 54 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم على خلاف مدة تقادم الجنح الاخرى والتي متها 03 سنوات طبقا لنص المادة 08 من قانون الاجراءات الجزائية المعدل والمتمم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]  -  جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج 4، دار  المؤلفات القانونية، مطبعة الاعتماد، 1941، ص 7

[2] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص ، ط 12 ، المرجع السابق، ص 70.

[3]  - الرشوة السلبية هي مجموع الافعال المادية التي تشكل طلبا أو قبولا بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لغيره لاداء عمل او امتناع عن عمل يدخل ضمن واجباته، أكثر تفصيل انظر في ذلك:  بوصنوبرة  مسعود، جريمة الرشوة في القانون الجزائري،  مقال منشور في حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والانسانية، ع 18 ، الجزائر، 2016،  ص11.

[4] -  علي عبد القادر القهواجي، فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار المطبوعات الجامعية، 2003، ص67.

[5] -  عادل مستاري، موسى قروف، جريمة الرشوة السلبية( الموظف العمومي) في ظل قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مقال منشور  بمجلة الاجتهاد القضائي، ع 5، جامعة بسكرة، الجزائر، ص 171.

[6]  - أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، جرائم الفساائم التزوير، المرجع السابق، ص79.

[7] -  سعدي حيدرة، " كيف عالج المشرع الجزائري جريمة الرشو06-01 المؤرخ في 20/02/2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ، مقال منشور بالمجلة الاكاديمية للبحث القانون، ع 1، جامعة بجاية، الجزائر، 2010، ص51.