المبحث الأول

لا يمكن أن تنشأ أية منظمة دولية إلا بموجب معاهدة دولية وفقا للشروط والأوضاع التي يتفق عليها أطرافها، كما أنها تتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تحكم نشاط المنظمة الداخلي والخارجي .

     تتميز المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية عن المعاهدة الدولية لأنها ذات طبيعة خاصة لكونها تندرج ضمن التنظيم الدولي حيث لا يقتصر أثرها على ترتيب التزامات دولية على عاتق الدول الأعضاء ، بل يترتب عليها إحداث أجهزة دائمة تتمتع بالشخصية القانونية ومستقلة عن الدول الأعضاء مكلفة بمتابعة وتحقيق الأهداف المشتركة

    ونظرا لأهمية هذه الوثيقة يتوجب علينا دراسة مراحل إعدادها في (المطلب الأول)، وتوضيح تكييفها القانوني(المطلب الثاني)، وفي الأخير التطرق إلى أحكام تفسيرها وتعديلها والتحفظ عليها في (المطلب الثالث).

 

المطلب الأول

مراحل إعداد المعاهدة المنشأة للمنظمة الدولية

    \لما كانت الوثيقة التأسيسية المنظمات الدولية معاهدة دولية،فهي لا تختلف عن هذه الأخيرة في مراحل إعدادها، حيث يمر إعداد الوثيقة التأسيسية بعدة مراحل بدأ من المفاوضات ووصولا إلى دخولها حيز النفاذ، وسنتناول كل تلك المراحل في الفروع التالية:

الفرع الأول

المفاوضات

     وترجع أصول إنشاء المنظمة الدولية إلى فكرة المؤتمر الدولي ، فعندما تجد مجموعة من الدول أن الضرورة تقتضي إنشاء منظمة دولية تتشاور فيما بينها عبر وزارات الخارجية في الدول المعنية، وبعد الحصول على الموافقات الرسمية يتم الإتفاق على تحديد دولة معينة يعقد فيها المؤتمر الدولي وتتولى إشعار الدول الأخرى حول عقد المؤتمر لإنشاء المعاهدة، وتقوم كل دولة بتشكيل وفدها كما هو الحال في المعاهدات المتعددة الأطراف .

    وبعد أن تقوم الدولة باختيار ممثليها للتفاوض حول إنشاء المنظمة الدولية فإنه يتوجب عليها أن تزودهم بوثيقة التفويض[1]، والتي تعني وجود وثيقة من السلطة الحكومية المختصة لشخص ممثل للدولة في المفاوضات والإقرار ولاعتماد نص المعاهدة وللتعبير عن رضا الدولة لإلزامها بالمعاهدة، وبالتالي تنفيذ أي من الشروط المتعلقة بالمعاهدة ،ويلزم كل فرد ممثل للدولة بتقديم وثائق تمثيله من حكومته ،ويعفى من هذا كل شخص يثبت التطبيق العملي للدولة أنه يمثلها أو إذا ظهر من خلال الظروف أنه يمثل الدولة ، ويعفى من هذه الوثيقة بعض الأصناف بحكم وظائفهم حددتهم المادة 7 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 .

وفي أول لقاء لممثلي الدول يقوم كل وفد بإيداع وثائق التفويض لدى الجهة الراعية للمؤتمر، وغالبا ما تكون وزارة خارجية الدولة المضيفة للمؤتمر .

وبعد أن تعلن الدول عن رغبتها بإنشاء المنظمة الدولية يعقد مؤتمر دولي بين الدول الراغبة في إنشائها في المكان والزمان المتفق عليهما، ويحضر ممثلون من كل دولة، وعند الإنتهاء من تبادل وتسليم وثائق التفويض يبدأ المؤتمر الدولي باختيار رئيس له، ويفضل أن يكون من الدولة المضيفة للمؤتمر، كما يختار المتفاوضون مقررا للمؤتمر ،ومن الأفضل أن يحمل كل طرف معه مشروعا لنظام المنظمة الدولية بعد أخذ موافقة السلطة المختصة في دولته، وإذا وجدت مشاريع عدة تشكل لجنة تتولى وضع مشروع موحد لمعاهدة إنشاء المنظمة يكون أساسا للتفاوض، مع الأخذ بعين الإعتبار اتجاهات الدول ومواقفها، ويطلق على الدولة التي شاركت في المفاوضات اسم"الدولة المتفاوضة"[2].

وعند توصل الأطراف المتفاوضة إلى الاتفاق على المسائل التي تم التفاوض عليها تبدأ مرحلة صياغة معاهدة إنشاء المنظمة بأسلوب قانوني .

الفرع الثاني

مرحلة الصياغة والتحرير

      بعد الاتفاق في مرحلة المفاوضات على الوثيقة المبدئية لإنشاء المنظمة الدولية تبدأ عملية الصياغة والتحرير لتلك الوثيقة بأسلوب قانوني، مع ملاحظة هامة أن الدول تمثل على قدم المساواة في المؤتمر، فبعد الاتفاق على المسائل الجوهرية للمنظمة تدون الموضوعات المتفق عليها بين المتفاوضين بشكل مواد قانونية، وصياغة معاهدة إنشاء منظمة تقترب إلى حد بعيد من صياغة القوانين الداخلية، وينبغي أن يؤكد في الصياغة القانونية على مسائل جوهرية هي اسم وثيقة المنظمة الدولية ،اسم المنظمة ، الديباجة ،متن المعاهدة ،الأحكام الختامية

*اسم وثيقة المنظمة الدولية:

حيث تتفق الأطراف المتفاوضة على تسمية الوثيقة الدولية التي تدن فيها أحكام المنظمة وفق رغبتها، فقد يطلق عليها اسم المعاهدة أو الاتفاقية أو العهد أو الحلف ...الخ، ولا فرق بين هذه التسميات من الناحية القانونية، غير أن التطبيق العملي جرى على استخدام كلمة الحلف للمنظمة العسكرية، واتفاقية للمنظمة الإقتصادية، وعهد وميثاق ومعاهدة للمنظمات الدولية السياسية .

*اسم المنظمة الدولية:

تحمل كل منظمة دولية اسما معينا، وقد يكون هذا الإسم في الغالب نابعا من طبيعة عملها كمنظمة جامعة الدول العربية أو منظمة الأرصاد الجوية، أو المكان الذي انعقدت فيه كحلف بغداد أو حلف وارسو .

*الديباجة :

وتتضمن الديباجة أهمية إنشاء المنظمة والدول التي حضرت المؤتمر الدولي ودورها في تطور العلاقات الدولية، كما تتضمن ملخصا بالمبررات والأغراض الأساسية التي من أجلها تم إنشاء المنظمة، وأسماء الدول الأطراف، والإشارة إلى المندوبين المفوضين للدولة المتفاوضة، وغيرهم ممن فوضوا لمناقشة إنشاء المنظمة، وبعد توقيع هذه الدول على ميثاق المنظمة تعد من الدول المؤسسة لها أو ما يطلق عليهم "الأعضاء الأصليون ".

*موضوع المنظمة (متن المعاهدة )

وهو مجموعة نصوص المعاهدة التي تتضمن الأحكام الموضوعية التي وافق عليها المتفاوضون في المؤتمر الدولي للمنظمة (كحقوق والتزامات الدول الأعضاء).

وتكتب بصورة مطابقة للقوانين الداخلية على شكل مواد متسلسلة، ويجوز أن تتضمن المادة الواحدة فقرات إذا اقتضى ذلك موضوع المادة، وقد تقسم المواد إلى أبواب وفصول أو أية تقسيمات أخرى تتطلبها المعاهدة، بشرط أن يكون تسلسل المعاهدة واحدا لنصوصها جميعا، ويجب أن تتضمن معاهدة إنشاء المنظمة أهدافها ،وسائل تنفيذها، أجهزتها...الخ.

*الأحكام الختامية :

بعد الإنتهاء من المواد التي تنظم الأحكام الموضوعية في متن المعاهدة ،لابد أن تتضمن تلك المعاهدة نصوصا ختامية تتعلق بالإجراءات التي تصبح بواسطتها نافذة وبإجراءات تعديل معاهدة المنظمة، ووسائل تسوية المنازعات الناشئة بين أعضاء المنظمة .

الفرع الثالث

الالتزام بمعاهدة إنشاء المنظمة الدولية

     إن الالتزام النهائي بأحكام إنشاء أي منظمة دولية يكون بالتوقيع أو التصديق أو الانضمام أو بأي وسيلة أخرى تنص عليها معاهدة إنشاء المنظمة[3] بمعنى أن تصدر وثيقة دولية من الدولة تثبت بها على الصعيد الدولي موافقتها على الإلتزام بالمعاهدة[4] ،وبعد التعبير النهائي على القبول تصبح الدولة ملزمة بتطبيق ما ورد في معاهدة إنشاء المنظمة من التزامات.

الفرع الرابع

بدأ نفاذ معاهدة إنشاء المنظمة الدولية

    أما عن بدأ نشاط المنظمة فيكون في الوقت الذي تنص عليه معاهدة إنشاء المنظمة وتصبح نافذة بحق الدول الأطراف فيها، ويقصد بنفاذ المعاهدة التاريخ الذي تصبح فيه المنظمة قائمة  ويبدأ نشاط المنظمة الدولية في الحالات التالية:

- من التاريخ المحدد في أحكام المنظمة

-من التاريخ الذي تحدده الدولة عند انضمامها إلى المنظمة الدولية القائمة، ما لم تنص أحكام المنظمة على غير ذلك

- من تاريخ الإلتزام النهائي بأحكام المنظمة، وقد تشترط بعض المواثيق تصديق عدد معين من الدول لتصبح نافذة .

- أما بالنسبة للأطراف التي تصبح طرفا في الوثيقة المنشأة بعد سريانها ،فيبدأ نفاذها بعد إتمام إجراءات قبولها في المنظمة وإتمامها للإجراءات الدستورية الداخلية .

وتاريخ بدأ نشاط المنظمة يختلف باختلاف موضوعها، فبعض المنظمات الدولية تمارس عملها بمجرد التوقيع على معاهدة إنشاء المنظمة، أو من تاريخ التصديق عليها، أو بعد مرور مدة معينة على إنشائها، وعندما تبدأ المنظمة الدولية بممارسة نشاطها في التاريخ المقرر لها، فإن على كل طرف أن ينفذ التزاماته الواردة في أحكام المنظمة.

الفرع الخامس

تسجيل المعاهدة ونشرها

    تنص المادة 80 الفقرة 1 من اتفاقية فيينا على أن"تحال المعاهدات بعد دخولها حيز النفاذ إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها وقيدها وحفضها وفقا لكل حالة على حدة ونشرها."

وقد تبنت نفس الحكم نفس الممتدة 81 من اتفاقية فيينا لسنة 1986 إذ بينت أن الجهة التي يتم أمامها والتي يمكنها القيام بعملية إجراءات التسجيل، والتسجيل في هذه الحالة وجوبي لجميع الأطراف سواء كانوا أعضاء في الأمم المتحدة أو غير أعضاء

والغرض من التسجيل هو تفادي المعاهدات السرية وغير المشروعة، وقد جاء ميثاق الأمم المتحدة حاسما ومقررا في المادة 102 منه بضرورة التسجيل بقوله:"

1-كل معاهدة وكشل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن

2-ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة .

أما عن إجراءات التسجيل والنشر،فقد حددتها الجمعية العامة في قراراتها الصادرة خلال سنوات 1946، 1949 ،1950 وهي الإجراءات المتبعة في الوقت الحاضر[5].

مفاد هذا النظام أن يتقدم أحد أطراف المعاهدة بعذد نفاذها بطلب تسجيلها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة ،أو بطلب السكرتارية نفسها إذا كانت الأمم المتحدة طرفا فيها أو كانت المعاهدة قد خولت هذا الحق .

وتسجيل المعاهدات بواسطة أحد الأطراف يعفي الأطراف الأخرى من القيام به، وعملية التسجيل تتم في سجل خاص، وبعد ذلك تقيد المعاهدة مع ذكر بيانات عن الأطراف المتعاقدة والتسمية التي تطلق عليها وتواريخ التوقيع والتصديق وتبادل التصديقات أو إيداعها والانضمام وتاريخ نفاذها ومدة العمل بها واللغة الأصلية التي حررت بها المعاهدة .

وبعد التسجيل تقوم الأمانة العامة بنشرها في مجلدات خاصة تسمى"مجموعات المعاهدات والاتفاقات التي تنشرها الأمم المتحدة "،وتنشر المعاهدة باللغة الأصلية التي حررت بها مصحوبة بترجمة للغة الإنجليزية أو الفرنسية، وتقوم الأمم المتحدة بإرسال هذه المجموعات إلى جميع أعضاء الأمم المتحدة[6].



[1] كمال زغوم، مصادر القانون الدولي –المعاهدات، العرف- ، دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ، 2004، ص 73

[2] المادة 2 الفقرة 2 البند هــ من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969

[3] المادة 11 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات 1969

[4] المادة 2 الفقرة ب من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969

[5] حمال عبد الناصر مانع، القانون الدولي العام-المدخل والمصادر-، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، 2005، ص 103

[6]حمال عبد الناصر مانع، القانون الدولي العام، المرجع السابق ، ص 104