المحاضرة الرابعة:الجهود الوطنية لمكافحة الفساد
المحاضرة الرابعة
ثالثا/ الجهود الوطنية لمكافحة الفساد
لقد رأينا أن أي إستراتيجية تعتمد سياسات إصلاحية على جميع المستويات لذا فانه يلزم أن تترجم هذه الإرادة و الإصلاحات في صورة نصوص تشريعية واضحة لمكافحة ظاهرة الفساد تشمل تجريم لمظاهر مختلفة الفساد و في الجزائر فقد عمد المشروع في جميع القوانين إلى وضع الأطر و الحدود ليلزم بها كل ممارس للمسؤولية و ليحمي كذلك من تمارس عليه و ذلك ضمانا لسيادة القانون، وضبط المسؤولية بشكل جيد قصد تجنب الانحرافات السلوكية التي تسيء للإدارة و الموظف على حد سواء.
ولقد حرص المشرع الجزائري على إلغاء معظم النصوص المتعلقة بجرائم الفساد في قانون العقوبات واستحداثها في قانون جديد خاص متعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته 06-01.
إن هذا القانون يعتبر بمثابة إطار مرجعي لمكافحة الفساد و محاربته و بناءا على تقييم نقدي للنصوص السارية المفعول و كذلك للتجارب الوطنية السابقة في هذا المجال فلم تقتصر أحكامه على التجريم و العقاب بل تضمن قواعد تتعلق بالوقاية من الفساد و كشف مرتكبيه كما نص على آليات لتفعيل التعاون القضائي الدولي، ويمكن تلخيص أهم ما تضمنته أبوابه إلى ما يلي:
* بالنسبة للأحكام العامة:
فإنها حددت الأهداف المتوخاه من وضع هذا القانون، و بينت المصطلحات المستعملة فيه و التي تتفق في مجملها مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
· بالنسبة للتدابير الوقائية:
نص هذا القانون على جملة من القواعد التي يتعين على الإدارة العمومية و مستخدميها مراعاتها لضمان النزاهة و الشفافية في تسيير الشؤون العامة وفي العلاقات التي تربط إلهيات العمومية بالمواطنين،ولم تقتصر القواعد الوقائية على القطاع العام و ممثلي الدولة بل تعدت ذلك إلى القطاع الخاص باعتباره شريكا أساسيا للسلطات العمومية في شتى مجالات الحياة.
- الهيئة الوطنية المكلفة بمنع الفساد ومكافحته :أقر هذا القانون إنشاء هيئة متخصصة تتولى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمواجهة الفساد،وتتميز هذه الهيئة التي توضع لدى رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة سواء في مجال الوقاية من خلال دورها التوجيهي و التحسيسي أو في مجال محاربة الفساد من خلال استغلال المعلومات التي قد تؤدي إلى كشف الجرائم و إيقاف مرتكبيها.
ولهذا الغرض نص القانون على القنوات التي تمد الهيئة المختصة بالمعلومات و الوثائق المفيدة كما حدد أيضا علاقتها بالسلطة القضائية و قد تمت الإحالة على التنظيم فيما يخص تنظيم الهيئة و كيفية سيرها.
- التجريم و العقوبات: للإحاطة بالفساد بمختلف صوره فان هذا القانون لم يكتف بتجريم الرشوة بمفهومها الضيق بل شمل مختلف الجرائم المماثلة سواء تعلق الأمر بتلك المنصوص عليها في قانون العقوبات كالاختلاس و استغلال النفوذ و الرشوة في الصفقات العمومية و الغدر،أو الجرائم الجديدة الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مثل رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية و إساءة استغلال الوظيفة و الإثراء غير المشروع.
هذا القانون نص أيضا على تجريم بعض الأفعال التي قد تؤثر على السلوك المهني للموظف مثل حالات تعارض المصالح أو تلقي الهدايا،وأيضا تجريم التصريح الكاذب بالممتلكات و كذلك العمليات الخفية الرامية إلى تمويل الأحزاب السياسية إضافة إلى ما سبق فانه تقرر أيضا حماية الشهود و الخبراء و المبلغين و الضحايا إلى جانب تجريم عرقلة السير الحسن للعدالة.
إلى جانب الإحكام الجزائية المذكورة سابقا فان هذا القانون نص أيضا على قواعد خاصة بالإعفاء و التخفيف من العقاب و بالمصادرة و التقادم و الغاية من ذلك تشجيع الإبلاغ عن جرائم الفساد من جهة و تحقيق أقصى اثر ردعي للنص القانوني من جهة أخرى.
- التعاون الدولي:
جاءت الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون لتجسيد القواعد عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تلك المتعلقة باسترداد الموجودات عن طريق تفعيل مختلف آليات التعاون القضائي و لا سيما التعاون الدولي بهدف مصادرة عائدات الجريمة واسترجاعها.