الفصل الأول

الفصل الأول:

العقـــد


يعتبر العقد أول وأهم مصدر إرادي لمصادر الالتزام إذ يشكل الجزء الأكبر من القواعد العامة للالتزام الأمر الذي يستدعي الوقوف على تكوين وقيام العقد في فصل أول ثم نتطرق إلى أثاره وانحلاله في مبحث ثاني كل ذلك بعد الوقوف على تعريفه وفكرة تطوره في مبحث أول.

المبحث الأول:

 تعريف العقد وفكرة تطوره

إن الحديث عن تعريف العقد يستلزم تبيان المقصود منه، تحديد مجال ونطاقه في مطلب أول ثم توضيح أساس القوة الإلزامية له في مطلب ثاني ثم نعرض أنواعه وتقسيماته في مطلب ثالث وأخير.

المطلب الأول:

تعريف العقد ومجاله

1_ تعريفه: مبدئيًّا يمكن القول بأن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر واتجاهها إلى إحداث أثر قانوني يستوي أن يكون إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إنهائه[1].

من خلال التعريف السابق للعقد يتضح جليًّا أنه وحتى نكون أمام عقد لا بد من توافر عدة مسائل في غاية الأهمية.

أولهما: وجوب توافر ارادتان على الأقل، ومن ثم فإن كلنا أمام التزام ثاني بإرادة واحدة فإننا لا نكون أمام عقد، ولكن أمام المصدر الثاني لمصدر الالتزام الارادية ألا وهو الإرادة المنفردة.

ثانيهما: أن تتجه هذه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني وبالنتيجة إنشاء علاقة قانونية ملزمة ومن ثمة لا عبرة بالإرادة في دائرة المجاملات كما هو الحال في اتفاق شخصي على الذهاب في رحلة معينة.

ثالثهما: أن تكون هذه الإرادات جادة ومدركة فلا عبرة إذن بالإرادة الهازلة التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني كالإنفاق على حضور وليمة عرس ولا عبرة بالإرادة غير مدركة وأساس الإدراك التميز وعليه ألا تكون أمام عقد صادر عن إرادة فاقدة للتميز.

وهذا وقد عرف المشرع الجزائري في المادة 54 من القانون المدني الجزائري العقد بأنه "اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"، ويعتبر هذا التعريف الوارد في نص المادة 54 من القانون المدني الجزائري نقل حرفي لما ورد عن المشرع الفرنسي في المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي التي ورد فيها أن العقد "اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو أكثر بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل"[2]. وهو التفريق الذي يكرس في حقيقة الأمر التميز بين العقد والاتفاق مع العلم أنه وكما ذهب إليه بعض الفقه الذي جعل من العقد جزء من الاتفاق يقتصر على إنشاء حق كنقل الملكية فيه حتى جعلوا من الاتفاق توافق ارادتين أو أكثر من أجل إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو انهائه وهي التفرقة التي هجرها الفقه الحديث الذي لم يعد يرى فارق بين العقد الاتفاق ذلك أن القول بأن العقد هو إنشاء حق في حين أن الاتفاق هو إنشاء حق أو نقله أو تعديله أو إنهائه ليس له أساس قانوني وإنما التفرقة بينهما جاءت على أساس المنحة لا أكثر ولا أقل. وعليه لماذا خص الاتفاق بكافة الآثار القانونية التي يمكن أن تنشأ عن توافق الارادات في حين نقصر العقد على أثر واحد ألا وهو إنشاء حق.

إن النقل الحرفي للمادة 1101 من القانون المدني الفرنسي والتي تقابلها المادة 545 في القانون المدني الجزائري هو ما أوقع المشرع في هذا الخطأ المتعلق بالتفريق بين العقد والاتفاق وكان على المشرع الجزائري أن يتفادى بكل بساطة عناء هذا الانتقاد بأن لا يضمن القانون المدني الجزائري أصلا تعريفًا للعقد على اعتبار التعريفات من عمل الفقه الأمر الذي يستلزم حذف  نص المادة 545 من القانون المدني الجزائري أصلا.

2_ مجال العقد:

إن الحديث عن مجال العقد أو ما يعرف بنطاقه يقتصر على البحث فيما إذا كان العقد يقتصر أولا على دائرة الروابط والعلاقات المالية دون المالية أم أنه يمتد ليشمل الروابط غير المالية من جهة وهل العقد يكون في دائرة القانون الخاص دون القانون العام.

فيما يتعلق هذه المسألة وكما هو الحال في مسألة التميز بين العقد والاتفاق وبالرغم من اندثار هذه التفرقة في الفقه الحديث غير أنه يلاحظ أن الفقه جاءت آراءه متباينة في ما يتعلق نطاق ومجال العقد.

فذهب رأي إلى القول[3] أن مجال العقد ونطاقه يقتصر على دائرة الروابط والعلاقات المالية أي الحقوق أو الالتزامات المالية ولا يمتد ليشمل الحقوق أو الالتزامات غير المالية وثم في رأي هذا الاتجاه أن الزواج لا يعتبر عقد وأن توافق الإرادات في دائرة الحقوق غير المالية لا تعتبر عقود.

هذا وإذا كان نطاق ومجال العقد يقتصر على دائرة الحقوق المالية فإنه ومن جهة أخرى فإنه لا يمتد ولا يشمل دائرة القانون العام فمجال العقد إذن يقتصر على دائرة القانون الخاص ومن ثم فإن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية كروابط وعلاقات قانونية فيما بين الدول وكذا الاتفاقيات التي تبرمها الدولة وهيئاتها بوصفها أشخاص تتمتع بخاصية السيادة لا تعتبر عقود والأمر ذاته فيما يتعلق بعلاقات الدولة وهيئاتها مع الأفراد.

من جهة ثانية ذهب رأي آخر من الفقه وهو الاتجاه الراجح والذي نؤيده من جهتنا إنه إذا كانت الحقوق المالية وعلاقات أشخاص القانون الخاص هي الأرض الخصبة للعقد فإن الحقوق غير المالية والعلاقات الناشئة عنها كما هو الحال في الزواج تعتبر عقود ما في الأمر سوى أنها عقود من طبيعة خاصة تقوم أساسًا على اعتبارات خاصة غير مالية وإن كان الزواج من جهة أخرى رابطة تنظم الحقوق والالتزامات المالية بين الزوجين وعليه فإن الزواج عقد لكنه من طبيعة خاصة والأمر ذاته في ما يتعلق دائرة الروابط والعلاقات في إطار القانون العام فالانتقادات الدولية والمعاهدات وعلاقات هيئات الدول في بينها أو علاقات الدولة وهيئاتها مع الأفراد فهي عقود لكن من طبيعة خاصة فالعقود الإدارية تعتبر عقود لا يمكن نفي هذه الصفة عنها ما في الأمر أن تختلف في بعض أحكامها عن عقود القانون الخاص غير أنها تشترك معها في الكثير من الأحكام سيء ما يتعلق بالقواعد العامة[4].

لنخلص إلى القول أن مجال العقد الخصب فعلا هو دائرة القانون الخاص والحقوق المالية غير أن ذلك لا ينفي عن الروابط والعلاقات غير المالية أو تلك التي تكون في إطار القانون العام صفة العقد ما في الأمر أنها سوى عقود من طبيعة خاصة وتختلف عن تلك في إطار القانون العام ودائرة الحقوق المالية في بعض من الأحكام الخاصة بالنظر إلى الطبيعة الخاصة والمختلفة للحقوق غير المالية والقانون العام.

المطلب الثاني:

تطور فكرة العقد

إن تطور العقد مرتبط بتطور مبدأ سلطان الإرادة أو كفاية الإرادة على اعتبار أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر واتجاهها إلى إحداث أثر قانوني فأساس العقد إذن هو إرادة الأطراف كمبدأ عام ثم يتدخل القانون لتحقيق الهدف الذي قصدته تلك الإرادة.

ويقصد بمبدأ سلطان الإرادة مبدأ الرضائية والدي به أن الإرادة وحدها كافية لإنشاء الالتزامات الحقوق وهي كافية في ذاتها دون الحاجة إلى شيء آخر لانعقاد العقد وأنها هي وحدها من تحدد مدى الالتزامات التي يرتبها العقد[5] وبمعنى أصح وأدق أن الإرادة سلطان لإنشاء العقد وحده في تحديد أثار العقد كلما عبر عن ذلك المشرع الفرنسي في المادة 1134 من القانون المدني حيث نص على أن "الاتفاقات التي تبرم على وجه شرعي تقوم مقام القانون بالنسبة لمبرميها".

هذا ويرتبط ظهور مبدأ سلطان الإرادة بظهور المذهب الفردي الذي نادى بالحرية الفردية واعتبارها حقا طبيعيًّا ومقدسًا فالإنسان بفطرته يختار ما يشاء وما المجتمع والقانون إلا وسيلة وجدت لحمايته، وهو الاتجاه الذي تبنته الكنيسة وتطور في عهدها بشكل لم تعرفه الشرائع القديمة من مثل القانون الروماني الذي كان يرى في الشكلية أساس قدرة العقد على إنشاء الالتزام كمبدأ والاستثناء هو الرضائية[6].

وقد ازدهر مبدأ سلطان الإرادة "مبدأ الرضائية" في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع انتشار المذهب الفردي الذي كانت له بصمة قوية على الفلسفة القانونية والاقتصادية والاجتماعية[7] فسادت فكرة القانون الطبيعي في مجال الفلسفة القانونية وظهرت فكرة العقد الاجتماعي في مجال الفلسفة الاجتماعية وانتصرت فكرة الحرية الاقتصادية في مجال الفلسفة الاقتصادية.

إن مبدأ سلطان الإرادة أ كما يعرف بمبدأ الرضائية كفكرة شأنه شأن كل الأفكار والإيديولوجيات ظهر وتطور وصل دوره المجد غير أنه ما لبث وأن تراجع وانكمش إلى حد ما بظهور مذاهب وأفكار أخرى مناهضة للمذهب الفردي وكان ذلك في بداية القرن العشرين أين واجه ظهور النظام الاشتراكي الذي يقوم على تمجيد الجامعة بدل الفرد وعلى الملكية العامة بدل الفردية وعلى نظام التخطيط وتدخل الدولة في المجال الاقتصادي بدل سيادة قانون العرض والطلب ليبدأ عصر انكماش الدولة الحارسة.

وظهور الدولة المتدخلة التاجر في المجال الاقتصادي أو ما يعرف بالدولة المقاول. إن المتعارف عليه أن الدولة عندما تتدخل كتاجر في النشاط الاقتصادي فإنها لا تتدخل كما يتدخل الأفراد ولا تنتهج منهج وسلوكيات الأفراد فالمعروف على الدولة في النشاط الاقتصادي كما حال الدولة الاشتراكية وإلى حقبة زمنية غير بعيدة أن تعتمد ما يعرف بنظام المخططات وأن استراتيجيتها في المجال الاقتصادي يمتد عبر سنوات الأمر الذي يستدعي زمن من أجل وضع برامجها ومخططاتها موضع التطبيق الفعلي في الميدان الاقتصادي الأمر الذي يستدعي الاستعانة بترسانة من القوانين والتنظيمات واللوائح وعلى العموم اعتماد قواعد قانونية أمر لا يجوز مخالفتها ويقع باطل كل اتفاق على مخالفتها الأمر الذي حد من إرادة الأطراف كأساس أو منطلق لفكرة العقد ليعود مبدأ الشكلية الذي كان سائد في الشرائع القديمة بمختلف قيوده للحد من مبدأ الحرية المطلقة في التعاقد ليتقلص مبدأ سلطان الإرادة بعد أن بلغ أوجه في ظل النظام الليبرالي في مراحله الأولى.

إن هذا التراجع وإن كان واضحًا جليًا بصفة خاصة في الدول الاشتراكية فإن الدول الليبرالية بدورها لم تكن بمنأى عن ذلك سيما بعدما الأزمة الاقتصادية النقدية التي عصفت بالنظام الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية 1927م وأثارها الوخيمة في مختلف دول العالم.

فانعدام وغياب النقود من السوق أدى إلى الإفلاس معظم التجار الخواص ولإنقاذ الوضع استلزم الأمر تدخل الدولة لضخ أموالها في السوق الاقتصادية ومد يد العون للتجار والشركات التجارية الكبيرة بالأموال وهو ما حصل لكن الثمن كان غاليًا وعلى حساب مبدأ السلطان الإرادة ذلك –كما سبق الإشارة إليه- أن تدخل الدولة في المجال الاقتصادي مختلف عن كيفيات وأساليب الأطر المتعارف عليها لدى الأفراد فالدولة كجهاز وإن كانت ليبرالية فهي تاجر يخطط ويضع استراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى الحركية ضمنها تستلزم الاعتماد على ترسانة قانونية في جلها تبنى وتتشكل من قواعد قانونية أمر لا يجوز مخالفتها لتصبح المسألة وبالنتيجة العقود منظمة تنظيمًا محكمًا لمنع الخروج عن أطرها مما سجل تراجع لمبدأ سلطان الإرادة كأساس القوة الملزمة للعقد فاسح المجال أمام مبدأ الشكلية ولو بصفة أقل هذه عن تلك التي يمر فيها التشريعات القديمة سيما القانون الروماني وإن ظل وإلى يومنا هذا مبدأ الرضائية هو الأصل والشكلية هي الاستثناء.

هذا وإن مبدأ سلطان الإرادة تترتب عنه أربعة نتائج أساسية تتمثل في[8]:

1_ أن الالتزامات الإرادية هي الأصل:

أي أن الفرد لا يلزم إلا بما قصده هو وما أراده هو فلا الالتزام في ذمة الفرد رغمًا عن إرادته وإن كان لا بد من فرض بعض الالتزامات عليه فلا بد أن يكون ذلك في أضيق الحدود فالفرد أولى وأعلم بإرادة مصالح وأن العدالة لا تتحقق إلا في ضل الالتزامات إرادية.

2_ الحرية في التعاقد:

أي أن الفرد له حرية مطلقة في أن يدخل في علاقات تعاقدية أم لا ولا يمكن جبره في أي حال من الأحوال أو تحت أي ظرف من الظروف على الدخول في روابط تعاقدية والحرية في التعاقد تعني من جهة ثانية أن إرادة الفرد وحدها كافية للإنشاء ما تراه من تصرفات لا يحدها في ذلك حد سوى اعتبارات النظام والآداب العامة وأن إرادة الفرد في إبرام العقود لا تحتاج إلى شكل معين تصب فيه.

3_ العقد شريعة المتعاقدين:

يراد به أن العقد يلزم أطرافه كالقاعدة القانونية سواء بسواء ومن ثم لا يجوز لأي طرف أن يستقيل بإرادته منفردة من أجل تعديل أو إنهاء العقد وإن كان هذا المبدأ بغرض الأطراف فإن حت منطقيًّا لا يجوز لأي طرف خارج عن العقد ولو كان القاضي يقوم بذلك.

4_ الحرية في تحديد أثار العقد:

ويقصد به أن لأطراف العقد الحرية المطلقة في تحديد الآثار القانونية لهاته الرابطة التعاقدية التي تجمعهما فالفرد يتعاقد وفقًا لما يريده هو وبشروط التي يراها مناسبة. وبارتباطها وإن كانت أغلب التشريعات قد نظمت طائفة من العقود فإن للفرد الحق بين التنظيم أو الخروج عنه.

القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة:

كما رأينا مبدأ سلطان الإرادة في أوجه ترتب عنه أربعة نتائج أساسية تتمثل في كون الالتزامات الإدارية هي الأصل في الحرية في التعاقد/ الحرية في تحديد أثار العقد وأن العقد شريعة المتعاقدين غير أن تراجع المبدأ في ضل الفكر الاشتراكي والالتزامات الاقتصادية وتدخل الدول في المجال الاقتصادي جعل من المبدأ يعرف تراجعًا الأمر الذي أدى إلى ظهور قيود على النتائج المترتبة عنه تتمثل في:

1_ اتساع نطاق الالتزامات غير الإرادية على حساب الالتزامات الإرادية إذ أصبح القانون والفعل غير المشروع والإثراء بلا سبب في صورتيه الدفع غير المستحق والفضالة أكثر المصادر المولدة لالتزام دون اتجاه إرادة الفرد إلى تحمل هذه الالتزامات المفروضة بموجب هذه المصادر.

2_ فيما يتعلق الحرية في التعاقد ظهرت العقود الجبرية التي أصبح الفرد يجد نفسه مرغم على إبرامها مثل عقود التأمين.

3_ لم تعد قاعدة العقد شريعة المتعاقدين على انطلاقها فاعتبرت النظام العام والآداب العامة سمحت للقاضي في كثير من الأحيان خاصة عند حدوث قوة قاهرة أو ظرف طارئ يجعل من التزامات أحد الطرفين مرهقة بالتدخل من أجل تعديل هذه الالتزامات ردها إلى الحد المعقول أو إنهائها أصلاً.

4_ فيما يتعلق الحرية في تحديد إثراء العقد ظهرت العقود المسماة المنضمة بموجب قواعد أمرة من مثل عقد الإيجار وعقد العمل إذ أن المشرع قد تدخل ونظم هذه العقود من كافة جوانبها إلى الحد التي أصبحت فيه وكأنها عقود نموذجية لا مجال لا إرادة الأطرف على تنظيمها.

تقسيم العقود: أهم التقسيمات هي: قسمت العقود وفقًا للعديد من المعايير منها:

العقد المسمى والعقد غير المسمى:

العقد المسمى: هو الذي نظمه المشرع "مثلا: عقد البيع أو الإيجار عقد الشركة"

العقد غير المسمى: هو الذي لم يتناوله المشرع في نصوص خاصة وإنما تحكمه القواعد العامة "مثلا: عقد استعمال دراجة نارية" أو "إعطاء دروس خاصة".

العقد الرضائي: هو الذي يتم بمجرد التراضي.

العقد الشكلي: هو الذي يخضع لشكل معين، أي الكتابة وفي غالب الأحيان الكتابة الرسمية أمام الموثق، "وهذا لحماية المتعاقدين "عقد بيع عمارة، ...".

العقد العيني: هو الذي يستوجب تسليم العين، محل العقد.

العقد الملزم للجانبين: هو الذي ينشئ الالتزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين وهذا طبقًا للمادة من القانون المدني التي تنص "يكون العقد ملزمًا للطرفين، تبادل المتعاقدين الالتزام بعضهما بعضًا".

العقد الملزم لجانب واحد: هو الذي ينشئ التزامًا في ذمة أحد المتعاقدين دون آخر وهذا حسب المادة 56 من القانون المدني التي تنص ""يكون العقد ملزمًا لشخص أو لعدة أشخاص، إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص، دون التزام من هؤلاء الآخرين "مثلاً: الهبة تمليك، المادة 202 من قانون الأسرة" الهبة تمليك بلا عوض".

عقد المعاوضة: "أو العقد بعوض"

هو الذي فيه العاقد مقابلاً لما يعطي، المادة 58 من القانون المدني تنص أن: "العقد بعوض هو الذي يلزم كل واحد من الطرفين إعطاء، أو فعل شيء ما".

ملاحظة: أغلب عقود المعاوضة ملزمة للجانبين "مثلا عقد البيع البائع: إعطاء الشاري: دفع الثمن".

عقد التبرع: هو الذي لا يأخذ فيه العاقد مقابلاً لما يعطي وهي في أغلبها ملزمة لجانب واحد مثالها الهبة.

العقد المعدد: أو التبادلي: هو الذي يستطيع فيه كل من المتعاقدين، عند التعاقد، تحديد ما يحصل عليه.

تنص المادة 57 من القانون المدني "يكون العقد تبادلي متى التزم أحد الطرفين بمنح، أو فعل شيء، يعتبر معادلا لما يمنح أو يفعل له"، "مثلاً: الكراء بسعر محدد".

عقد الغرر: أو العقد الاحتمالي: هو الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين تحديد ما يحصل عليه عند التعاقد، وإنما يتحدد هذا فيما بعد، أو محقق الحصول ولكن لا يعرف متى يحصل.

حسب المادة 57 الفقرة 2 من القانون المدني: "إذا كان الشيء المعادل محتويًا على حظ ربح أو خسارة لكل واحد من الطرفين على حسب حادث غير محقق فإن العقد يعتبر عقد غرر"، "مثلاً: التأمين والرهان وبيع الثمار قبل انعقادها بثمن جزافي ...".

العقد الفوري: هو الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة أو على دفعات دون أن يكون الزمن عنصرًا أساسيًّا فيه، مثلاً: البيع "ولوكان دفع الثمن على أقساط".

عقد المدة: هو الذي تعتبر المدة عنصرًا أساسيًّا فيه، إذا تحدد محله، مثلاً: العقود ذات التنفيذ المستمر: عقد الإيجار.

أركان العقد: إن أركان العقد الجوهرية الواجب توافرها في كل العقود ثلاثة وهي التراضي والمحل والسبب.

التراضي:

يعتبر التراضي ركن أساسي وجوهري لقيام أي عقد وترتيب أثاره، ذلك لأنه يتعلق بإرادة الأطراف، فالعقد إذن مرتبط أساسًا بهذا الركن وجودًا وعدمًا فإن تخلق كان العقد باطلاً بطلان مطلق.

ولا يكفي وجود التراضي أي الإرادة فحسب حتى يكون العقد صحيحًا بل وجب أن يأتي سليمًا خاليًا من أي عيب قد يشوه إرادة أطرافه فيفسدها وبالنتيجة يجعل من العقد برمته مهدد بالزوال إن تمسك من جاءت إرادته معيبة.

الأمر الذي يستدعي منا الوقوف على وجود التراضي في مقام أول ثم تتنازل شروطه صحته كل ذلك من خلال مبحثين.

المبحث الثاني:

وجود الإرادة

حتى يقوم ركن التراضي وجب أساسًا وجود إرادتين على الأقل إرادة موجبة عارضة لعرض ما وأخرى قابلة لهذا العرض ثم وجب التعبير عن هذه الإرادة، ذلك أن مجرد الرغبة باعتبارها شيء معنوي كامن في نفس الإنسان لا يمكن الاطلاع عليها إلا إذا تم الإفصاح عنها بإخراجها إلى الحيز الخارجي وإعلام المتعاقد الآخر بها وهي المسألة التي سنحاول الوقوف عندها من خلال مطلبين نعرض في الأول إلى وجود الإرادة والتعبير عنها ثم إلى توافق الإرادتين في مطلب ثاني.

المطلب الأول:

وجود الإرادة والتعبير عنها

كما أسلفت لا يكفي لقيام ركن التراضي وجود إرادتين أو أكثر، بل لا بد من الإفصاح عن هذه الإرادة حتى ترتب أثرها القانوني، ضف إلى وجوب إعلام المتعاقد الآخر بها وهي المسألة التي سوف نتناولها بالتفصيل من خلال فرعين نعرض في الأول إلى وجود الإرادة وفي الثاني إلى التعبير عنها.


الفرع الأول:

وجود الإرادة

تعتبر الإرادة أساس وقوام ركن التراضي، والإرادة مفادها الرغبة المقرونة بحس الإدراك فأساس الإرادة إذن هو الإدراك وأساس الإدراك هو التميز أساس.

فالشخص الغير مميز لصغر سنه عديم الإدراك والمجنون وفاقد الوعي لسكر أو تخدير أو من أعدمت إرادته الذاتية تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو الإيحاء معدم الإرادة[9].

إذن فالإرادة التي نهتم بها لقيام العقد هي الإرادة المدركة المميزة والتي اتجهت إلى إحداث أثر قانوني يستوي أن يكون إنشاء حق، نقله، تعديله أو إنهائه فلا عبرة إذن بالإرادة غير الجادة الهازلة ولا بالإرادة في دائرة المجالات الاجتماعية كأن يعد شخص صديقه بأن يحضر إلى عرسه أو يأتيه بهدية في عيد ميلاده وهكذا.

الفرع الثاني:

التعبير عن الإرادة

ورد في نص المادة 59 من القانون المدني الجزائري على أن "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية الأخرى".

من خلال نص هذه المادة يتضح بل يتأكد أن العقد لا ينعقد إلا بتوافر التراضي الذي يعد ركن جوهري لقيام وإتمام العقد.

والتراضي إذن ومما سبق يعني تطابق إرادتين، إرادة موجبة "عارضة" وأخرى قابلة للعرض فإذا تطابقت إرادة الموجب والقابل دون تغيير في محتوى العرض الموجه من حيث طبيعته أو تعديله من طرف الموجه له أي القابل قام ركن التراضي وبالنتيجة العقد متى توافرت شروطه.

على اعتبار أن الإرادة هي شيء كامن في النفس لا يمكن الاطلاع عليها إلا إذا تم إخراجها إلى الحيز الخارجي وتجسيدها في صورة مادية وجب إذن التعبير عنها وهو ما يمكن استخلاصه من نص المادة 59 من القانون المدني الجزائري إذن المشرع من خلالها ولقيام العقد لم يكتف بالقول بأن العقد يتم بمجرد تطابق إرادتين بل ورد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين إذن فالإرادة التي يعبر بها لقيام العقد والتي تحدث أثرها هي الإرادة التي يتم التعبير عنها أولا، ثم ينبغي أن تأتي هذه الإرادة سلبية غير معينة صادرة عن شخص مدرك وأهل للتصرف تعبر عن المقصد الحقيقي والهدف الذي يتوخاه أطراف العقد ودون تأثير على المتعاقد سواء المتعاقد الآخر أو من الغير.

الأمر الذي يستدعي لتفصيل ركن التراضي ضرورة الوقوف على ثلاثة مسائل في غاية الأهمية منها وفي مقام أول التعبير عن الإرادة وفي المقام الثاني كيفية توافق إرادة المتعاقدين وفي المقام الأخير شروط صحة ركن التراضي.

قلنا سابقًا إن الإرادة التي تحدث أثرها هي الإرادة التي يتم التعبير عنها يفهم من ذلك أن الإرادة أو الرغبة في التعاقد هي الأصل لكن وعلى اعتبارها شيء كامن في النفس لا يمكن الاطلاع عليها فإنه وجب إخراجها وتجسيدها في صورة مادية هذه الصورة أو الشكل هو ما يعرف بالتعبير عن الإرادة.

هذا والأصل في التعبير عن الإرادة  أن يكون صادر عن الشخص أصالة عن نفسه، غير أنه لا يوجد ما يمنع وفي حالات قد تحول وقيام الشخص بذاته في إبرام التصرف أن يعهد إلى شخص آخر القيام مقامه في إبرام التصرف هنا نكون أمام صورة خاصة من صور التعاقد قد تعرف بالنيابة في التعاقد والتي سوف نتعرض إليها بالتفصيل عدا حديثنا على الصورة الخاصة للتعاقد.

وفي طريقة التعبير عن الإرادة ورد في نص المادة 60 من القانون المدني الجزائري "إن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفًا كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيًّا إذا لم ينص القانون أو يتحقق أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحًا".

من خلال نص هذه المادة يمكن الوقوف على نقطتين أساسيتين:

أولهما: أن المشرع لم يحدد شكل خاص للتعبير عن الإرادة ومن ثم جاز بأن يكون بأي طريقة تؤدي معناه ووظيفته فقد يكون باللفظ وقد يكون بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفًا[10] أو باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته عن مقصود صاحبه[11]، أو ضمنًا[12] ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك.

ثانيًا: أن الأصل في التعبير أن يكون صريحًا بسلوك إحدى الطرق المشار عليها أعلاه، غير أنه يجوز وبصراحة نص المادة 60 من القانون المدني الجزائري "أن يكون ضمنيًّا ما لم ينص القانون على خلاف ذلك أو يتفق الطرفان على التعبير الذي ينتج أثره بينهما هو التعبير الصريح".

إذا كانت القاعدة العامة في التعبير عن الإرادة وفقًا لنص المادة 60 من القانون المدني الجزائري أنه يمكن أن يكون في أي شكل من الأشكال صريحًا أو ضمنيًّا فإن الإشكال التي قد تحدث والتي أسالت أقلام الباحثين تمثل في مدى اعتبار السكوت طريقًا من طرق التعبير عن الإرادة وهو الأمر الذي يقتدي الوقوف عند هذه المسألة وتفصيلها بالمتعاقد كحالة بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة عقد الإيجار فهو تعبير غير مباشر عن رغبته في تجديد عقد الإيجار بنفس الشروط والمدة.

السكوت كطريقة للتعبير عن الإرادة

إن ما يجب التنويه إليه أولا فيما يتعلق مدى اعتبار السكوت شكل من أشكال التعبير عن الإرادة أنه لا مجال للخلط بين السكوت والتعبير الضمني[13] فالأخير هو عمل ايجابي تشرف منه إرادة المتعاقد ولو بطريقة غير مباشرة أما السكوت فهو عدم فلا إيجاب ولا قبول.

وثانيا أن مدى اعتبار السكوت طريق من طرق التعبير عن الإرادة لا يطرح على الإطلاق فيما يتعلق بالإيجاب أي فيما يتعلق بالإرادة الأولى للتعاقد أي الموجب الذي يعرض عرضًا ما على متعاقد آخر أو متعاقدين آخرين إذ لا يمكن في حال من الأحوال أن نتصور أو نستنتج أن شخص ما في حالة سكوت عرض عرضًا ما ولكن إشكالية السكوت تطرح فيما يتعلق بالإرادة الثانية أي تعني القابل الذي يعرض عليه عرضًا ما من طرف الموجب فيسكت فهل يعتبر سكوته عن العرض والإيجاب المقدم له قبولاً أي موافقة على العرض أم رفضًا له؟ بمعنى آخر هل يجوز أن يكون السكوت قبولاً[14]؟.

القاعدة العامة: السكوت المجرد عن أي ظروف أو ملابسات.

مبدئيًّا يمكن القول إن السكوت عدم أي أنه لا يفيد القبول ولا الرفض أي أنه لا يفيد القبول والرفض طبقًا للقاعدة الفقهية في الشريعة الإسلامية "لا ينسب لساكت قول".


الاستثناء:

يعتبر السكوت عن الرد عن الايجاب بنص القانون أو في حالة معينة من صاحبه ظروف وملابسات معينة قبوله وهو ما يعرف بحالات السكوت الملابس وهو ما عبرت عنه بصراحة المادة 68 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحًا القبول فإن العقل يعتبر قد تم إذ لم يرفض الإيجاب في وقت المناسب ويعتبر السكوت في الرد قبول إذا اتصل الإيجاب يتعامل سابق بين المتعاقدين إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه من خلال المادة 685 قانون مدني جزائري يعتبر السكوت قبولاً استثناء عن القاعدة العامة في حالتين:

أولا: حالة ما إذا نص القانون صراحة عن ذلك:

كما يستشف من الفقرة الأولى من المادة 685 التي اعتبرت السكوت عن الرد عن الإيجاب في وقت مناسب قبول كما هو الحال في البيع بشرط التجربة في نص المادة 355 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها في البيع على شرط يجوز للمشتري أن يقبل  المبيع أو يرفضها وعلى البائع أن يمكنه من التجربة فائدة رفض المشتري المبيع يجب عليه أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها فإن لم يكن هناك اتفاق على المدة فهي معقولة يعينها البائع فإذا هذه المدة وسكت المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولاً.

ثانيا: حالات السكوت الملابس:

نص المشرع الجزائري في مجال المادة 685 قانون مدني على ثلاثة حالات للسكوت الملابس وهي:

1_ إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري يقضيان بذلك أو غير ذلك من الظروف وكانت هناك دلالة على أن الموجب لم يكن ينتظر من القابل إعلان قبول كحالة عدم اعتراض العميل على كشف البيانات في ما يخص حركة حسابه البنكي المرسل إليه من طرف بنك في الوقت المناسب وذلك أن البنك لا ينتظر من العميل إعلان قبوله بالإعلان رفضه في وقت مناسب إن كان يعترض على البيانات الواردة بكشف ومن ثمة يعتبر السكوت قبولاً.

2_ إذا وجد بين الطرفين تعامل سابق هنا إذا ثبت أن المتعاقدين اعتاد على التعامل في ما بينهم حول بضاعة وخدمة معينة أو تجارة معينة وصدر إيجاب جديد من الموجب للمتعاقد الآخر الذي يوجه إليه إيجاب ولم يعلن رفضه في الوقت المناسب اعتبر سكوته قبول.

3_ إذا كان في الإيجاب الموجه للقابل مصلحة خالصة للأخير والأمر هنا يتعلق بصفة عامة بعقود التبرع كما هو الحال في العرض الذي يوجهه الواهب للموهوب له.

إن حالات السكوت الملابس التي تضمنها المادة 68 من القانون المدني الجزائري أوردها المشرع على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر وبالنتيجة فإنه يجوز للقاضي الذي يعرض عليه النزاع في مثل هذه القضايا أن يستخلص القبول من أي سكوت أحاطه بظروف معينة جعلته ملابس يدل على القبول تطبيق القاعدة الفقهية في الشريعة الإسلامية "السكوت في معرض الحاجة بيان".

أن الحديث عن الإرادة التي تحدث أثارها القانوني يجعل من وجودها والتعبير عنها مسألتان غير كافيتان بل وجب إعلام المتعاقد الآخر بهذه الإرادة حتى ينعقد العقد.


_ أثر إعلام المتعاقد الآخر بالتعبير عن الإرادة:

سبق القول أن التعبير عن الإرادة الذي ينتج إرادته هو التعبير الذي يتم إعلام المتعاقد به ومن ثم فإن التعبير إذا صدر عن صاحبه استقل عنه وصار له كيان قانوني مستقل عن صاحبه ومنه فإن مات أو فقد أهليته من صدر عن التعبير عن الإرادة سواء أكان موجبًا أو قابلاً فلا أثر لذلك عن التعبير الذي أصدره ويرتب أثاره أن وصل إلى علم من وجهه إليه وهي القاعدة التي نصت عليها المادة 62 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها "إذا مات من صدر عنه التعبير عن الإرادة فقد قبل أن ينتج التعبير أثره فإن ذلك لا يمنع من ترتيب هذا الأثر عند اتصال التعبير بعلم من وجهه إليه هذا ما لم يتبنى العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل".

من خلال استقراء النص المادة 62 من القانون المدني الجزائري نجد أن المشرع الجزائري قد أخذ بالاتجاه الذي يرى أن التعبير عن الإرادة متى صدر عن صاحبه أصبح له كيان قانوني وظل موجودًا ويرتب أثره أن اتصل بعلم من وجه إليه حتى وإن فقد من صدر عنه أهليته أو توفى، إلا إذا كانت طبيعة المعاملة تحول دون ذلك ويكون ذلك كلما كنا أمام متعاقد شخصيته محل اعتبار كحال تعاقد شخص مع طبيب على أن يجري له عملية جراحية ويتوفى هذا الطبيب فإنه وإن قبل الطبيب عرض إجراء العملية الجراحية فإنه ومن جهة ثانية لا يمكن الزام ورثته بإجراء هذه العملية.

وعلى العموم ومن خلال تحليل نص المادة 62 من القانون المدني الجزائري نجدها في ما يتعلق بمسألة أثر الموت وفاقد الأهلية في التعبير عن الإرادة أرست حكمين أساسيين يتعلقا بأثر الموت وفقد الأهلية في الإيجاب "الموجب" وأثر الموت أو فقد الأهلية في القبول "القابل" وأهملت فرض ثلث يشمل في حالة وفاة أو فقد الأهلية في الشخص الذي وجه إليه التعبير عن الإرادة وهي الأحكام أو الفروض التي سوف نعالجها كما يلي:

أولا: أثر الموت أو فقد الأهلية في الإيجاب[15]

الأصل أنه متى صدر إيجاب عن الموجب استقل عنه ومنه فإن توفي الموجب وفقد لأهليته قبل أن يصل الإيجاب إلى علم من وجه إليه "القابل" أو بعده فإن ذلك لا يؤثر على صحة الإيجاب ويرتب أثره وينعقد العقد إن قبله من وجهه إليه يلزم بإبرام العقد ورثة الموجب وهو ما أكدته المادة 62 من القانون المدني الجزائري ومنه حق لورثة الموجب الرجوع عنه كما كان لمورثهم قبل أن يصل الإيجاب.

ثانيا: أثر الموت أو فقد الأهلية في القبول:

كما هو الحال في الإيجاب فإنه إذا صدر قبول ثم توفي القابل بعد أن وصل قبوله إلى علم الموجب أو قبل ذلك فإن ذلك لا يؤثر على صحة ترتيب أثره أن وصل إلى علم الموجب ويقوم العقد ويلزم بتنفيذه ورثته طبقًا لأحكام المادة 62 من القانون المدني الجزائري.

ثالثًا: أثر موت من وجه إليه التعبير أو فقد الأهلية:

إذا كانت المادة 62 من القانون المدني الجزائري قد أرسلت قاعدة عامة في كون إن من صدر عنه تعبير عن إرادته موجبا كان أو قابلاً فإن هذا التعبير يرتب أثره متى وصل إلى علم من وجه إليه ويلزم الورثة بتنفيذه، غير أن الإشكال الذي لم تتناوله هذه المادة يتمثل في حالة وفاة من وجه إليه التعبير عن الإرادة وتوفي أو فقد أهليته، هنا وجب أن نفرق بين ما إذا كان من وجه إليه التعبير هو الموجب أو القابل.

1_ إذا كان من وجه إليه التعبير هو الموجب وتوفي أو فقد أهليته فنص المادة 62 من القانون المدني الجزائري يطبق فيوجه القبول إلى الورثة ويرتب التعبير وينعقد العقد.

2_ إذا كان من وجه إليه التعبير هو القابل في هذه الحالة وجب التفرقة بين ثلاثة حالات:

حالة ما إذا وصل التعبير "الإيجاب" إلى علم القابل وقبله فالعقد ينعقد منطقيًّا ويرتب الإيجاب أثره وفقًا لنص المادة 62 قانون مدني جزائري.

وحالة ما إذا وصل الإيجاب إلى علم القابل ولم يعلن لا رفضه ولا قبوله ويموت أو يفقد أهليته فهنا يسقط الإيجاب ولا يرتب أثره لاعتباره رخصه شخصية غير قابلة للانتقال.

المطلب الثاني:

توافق الإرادتين

عرفنا مما سبق أن العقد هو توافق الإرادتين أو أكثر واتجاه هذه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني وقلنا أن العقد حتى يكون صحيحًا لا بد من توفر إرادتين على الأقل إرادة موجبة وأخرى قابلة أن الإرادة التي يقيد بها هي الإرادة التي يتم التعبير عنها ومن ثم وجب أن تتوافق وتتطابق إرادة المتعاقدين حتى يقوم العقد.

إن شرط توافق الإرادتين كعنصر أساسي لقيام ركن التراضي يمكن أن نستنتجه من خلال ما ورد في نص المادة 59 من القانون المدني الجزائري، إذ أن المشرع ومن خلالها لم يكتفي بالقول إن العقد يتم بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما بل أكد على تطابق الإرادتين.

وعلى العموم فإن التوافق وتطابق الإرادة يتم عبر مراحل من صدور الإيجاب ثم إعلان القبول وأخيرًا افتراض القبول بالإيجاب ومن المسائل التي يحاول معالجتها من خلال ثلاثة فروع كما يلي:

 

 

الفرع الأول:

الإيجاب

الإيجاب هو عرض ثابت ونهائي يتضمن طبيعة العقد وجميع شروطه يتقدم به شخص يسمى الموجب إلى شخص آخر يسمى القابل أو الموجب له من أجل الحصول على قبول العرض وإبرام العقد.

من خلال التعريف السابق إذا وحتى يكون العرض إيجابًا وجب أن يكون ثابتًا نهائي فلا يكفي مجرد قبوله من طرف من وجه إليه لانعقاد العقد ومن ثم فإن العرض المعلق على شرط المشيئة أو المتضمن إمكانية الرجوع عنه لا يعتبر إيجابًا بل دعوة إلى التعاقد وهي مرحلة تحضيرية سابقة لإبرام العقد[16].

ومن جهة أخرى وجب أن يكون الإيجاب محددًا لطبيعة العقد المراد إبرامه وكافة شروطه أو عناصره الجوهرية فمن حيث طبيعة العقد وجب تحديد إن كان بيع أو إيجار أو هبة.

ومن حيث عناصره الجوهرية وجب في عقد البيع مثالاً تحديد الشيء المباع وثمنه وإن كان إيجار وجب تحديد العين الموجبة ومدة الإيجار وقيمة الإيجار وهكذا.

كما يجب أن يكون العرض واضحًا موجهًا إلى شخص معين أو عدة أشخاص أو على عامة الناس ذلك لأن القصد من الإيجاب هو إقامة علاقة عقدية من طرف آخره يقره ويقبله.


أنواع الإيجاب:

الأصل في الإيجاب هو الإيجاب العادي الذي يجوز فيه للموجب أن يعدل عنه قبل أن يصل إلى علم الموجه إليه أو أنه وصل إلى علم من وجه إليه غير أنه لم يصدر قبوله.

هذا غير أنه وفي حالات قد يأتي الإيجاب ملزمًا بحيث لا يجوز للموجب العدول عنه وإن لم يقترن به قبول ذلك في حالة ما إذا كان الإيجاب مقترن بمدة أي حدد أجل معين للقابل للرد فيه عن الإيجاب وهو ما عبرت عنه صراحة المادة 63 من القانون المدني الجزائري الذي ورد فيها "إذا عين أجل للقبول التزم الموجب بالبقاء إيجابه إلى انقضاء هذا الأجل وقد يستخلص الأجل من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة".

وعليه فإن صدر إيجابًا باتا ونهائيًّا متضمن طبيعة العقد وكافة شروطه ترتب عنه صلاحيته بأن يقترن به قبول مطابق ويقوم العقد ويبقى أثر الإيجاب قائمًا لا يسقط فإن سقط أصبح غير صالح لأن يقترن، يقترن به قبول وإن صدر قبول بعد سقوط الإيجاب لا ينعقد العقد[17].

سقوط الإيجاب:

إن الحديث عن سقوط الإيجاب يستدعي التطرق بين الإيجاب العادي والإيجاب الملزم.

_ سقوط الإيجاب العادي غير الملزم:

يسقط الإيجاب العادي الذي يكون أساسه بين المتعاقدين حاضرين في مجلس العقد في حالتين:

1_ حالة ما إذا من انفض مجلس العقد دون أن يقترن بالإيجاب قبول.

2_ حالة ما إذا رجع عنه الموجب قبل أن يقترن به قبول.

3_ حالة إذا ما رفضه من وجه إليه.

فإن صدر قبول بعد سقوط الإيجاب اعتبر إيجاب جديد موجه إلى مصد الإيجاب الأول فإن قبله انعقد العقد.

_ سقوط الإيجاب الملزم:

يسقط الإيجاب الملزم المقترن بمدة والذي عادة ما يكون بين المتعاقدين لا يجمعهما مجلس عقد واحد في الحالات التالية:

1_ إذا رفضه من وجه إليه.

2_ إذا انقضت المدة المحددة للإيجار دون أن يقترن به قبول.

إن القبول الذي يعدل في طبيعة الإيجاب أو شروطه تعبير إيجاب جديد.

الفرع الثاني:

القبول

القبول هو الإرادة الثانية في العقد وهو التعبير الثاني الثابت والنهائي المتضمن قبول عرض الموجب.

والأصل في القبول إذن، أن يأتي مطابقًا للإيجاب من غير زيادة أو نقصان أو تبديل فإن تضمن خلاف ذلك فإنه لا يعتبر قبول بل إيجاب جديد يحتاج إلى قبول حتى يقوم العقد فيه إذا عرض مثلاً شخص على آخر أن يبيع سيارته من نوع بيجو لسنة 2014 بمبلغ مليون دينار فوافق الشخص الثاني على ذلك على أن يكون ثمن البيع تسعمائة ألف دينار فإن هذا الرد لا يعتبر قبول لأنه عدل في الإيجاب وبالنتيجة لا يقوم العقد ويعتبر الرد هنا إيجاب جديد وهو الأمر الذي أكدته المادة 66 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها "لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلاّ إيجابًا جديدًا" ومن ثم يكفي وجود قبول مقترن بالإيجاب حتى يقوم العقد بل وجب أن يكون القبول مطابقًا للإيجاب.

الفرع الثالث:

تطابق الإيجاب والقبول

قلنا إن القبول الذي يرتب أثره القانوني هو القبول الذي يأتي مطابقًا للإيجاب دون زيادة أو نقصان بدون تعديل له فأساس اقتران القبول بالإيجاب هو المطابقة التامة مع وجوب اتصال القبول علم الموجب فإن سقط الإيجاب لأي سبب من الأسباب قبل وصول القبول إلى علم الموجب فإن العقد لا ينعقد إن اقترن القبول بالإيجاب من حيث مكانه وزمانه يختلف باختلاف ما إذا كان المتعاقدان يجمعهما مجلس عقد واحد وهو ما يعرف بالتعاقد بين حاضرين وما إذا كان لا يجمعهما مجلس واحد وهو ما يعرف التعاقد بين غائبين أو بالمراسلة وهو الأمر الذي يجب الوقوف عنده لما له من آثار قانونية مهمة على مسار العقد.

التعاقد بين حاضرين "مجلس العقد":

تعرض المشرع الجزائري لهذه الصيغة في التعاقد بموجب نص المادة 64 من القانون المدني الجزائري ورده فيها "شاذًا صدر بالإيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل للقبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورًا وكذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر عن طريق الهاتف أو أي طريق مماثل، غير أن العقد يتم ولو لم يصدر القبول فورًا إن لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب والقبول وكان القبول صدر قبل أن ينفض مجلس العقد".

إن مجلس العقد[18] هي فكرة من صنع فقهاء الشريعة الإسلامية تأكيد منهم على الرابطة الثنائية للعقد وإن اختلفوا في تحديد فكرة خيار المجلس الذي ينشأ الحق لأحد المتعاقدين أو كلاهما بالعدول عن التعاقد فذهب فريق إلى اشتراط أن يكون القبول فوريًّا بمجرد صدور الإيجاب فإن صدر فورًا تم العقد لكنه يبقى غير لازم إلى حين انقضاض مجلس العقد في حين ذهب فريق آخر إلى أنه لا يشترط القبول الفوري للإيجاب للموجب أن يأخذ الوقت الكافي لإعلانه قبوله طالما لم يصدر من المتعاقدين ما يدل على اعتراضهم، فإن انفض مجلس العقد سقط الإيجاب وقبل انفضاضه أن صدر قبول قام العقد وألزم بين طرفين.

وهما الرأيان الذي جمع بينهما المشرع الجزائري بشرط أن يكون القبول فورًا ما لم يرتبط بأجل غير أن العقد يتم وراء تراضي القابل في إعلان قبوله قبل أن ينفض مجلس العقد ولم يوجد أثناء ذلك ما يفيد أن الموجب قد عدل عنه قبل اقتران القبول بالإيجاب وجعل من التعاقد بالهاتف أو بأي طريقة مماثلة تعاقدية عن طريق حكم ويعتبر تاريخ ومكان إبرام العقد هنا واحدًا فمن حيث مكان المتعاقدان جمعهما مجلس واحد ومن حيث تاريخ إبرام العقد وهو أحد ذلك أن تاريخ صدور القبول هو تاريخ علم الموجب به.

التعاقد بين الغائبين "التعاقد بالمراسلة":

إذا كان الموجب والقابل لا يجمعهما مجلس عقد واحد حقيقة أو حكمًا فإن طريقة التعاقد بينهما تكون بالمراسلات البريدية أو برقية أو بواسطة شخص ينقل الإيجاب للقابل والقبول للموجب في مثل هذه الحالة فإن إبرام وقيام العقد يأخذ شوط زماني ومكاني متعدد حتى يتطابق القبول بالإيجاب ومن ثم فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بزمان ومكان انعقاد العقد سيما وأن المسألة لها أثارها القانونية المهمة في ما يتعلق بتاريخ بداية سريان العقد والقانون الواجب تطبيق والجهة القضائية المختصة في حالة قيام نزاع بين الطرفين.

إن مسألة تحديد مكان وزمان انعقاد العقد تنازعته أربعة نظريات[19] نتناولها في ما يلي عارضين موقف المشرع الجزائري فيما يتعلق بهذه المسألة.

1_ نظرية إعلان القبول:

يرى أنصار هذه النظرية أن العقد في المكان والزمان الذي يصدر فيه القبول وإن كان مثل هذا الرأي يحقق السرعة في المعاملات، غير أن ما يؤخذ عنهم هو خروجها عن القواعد العامة، ذلك أن الأصل أنه لا يكفي تعبير عن الإرادة لقيام العقد، إذ لا بد من أن يعلم المتعاقد الآخر بالإيجاب إن كان قابل وبالقبول إن كان موجبًا أو وجب تطابق الإرادتين، فالإرادة التي تنتج أثرها القانوني إذن هي الإرادة التي يتم إعلام المتعاقد الآخر بها فتلزمه.

نظرية تصدير القبول:

إن أصحاب هذه النظرية وإن كانوا من حيث المنطلق يوافقون أصحاب نظرية إعلان القبول غير أنهم أضافوا شرط آخر ألا وهو تصدير القبول بصفة تامة، ومن ثم فإن القابل إن أعلن قبوله ثم قام بتصديره للموجب بموجب رسالة بأن أودعها مكتب البريد أو تلكس أو غيرها من الوسائل المماثلة قام العقد في ذلك الزمان والمكان.

إن ما يعاب على هذا الاتجاه أنه لا يفرق كثيرًا عما ذهب إليه أنصار نظرية إعلان القبول ذلك أن الرسالة هي ملك لصاحبها وله بعد إذاعتها أن يستردها باعتباره مالك لها ويستحيل على الموجب أن يعلم بذلك.


نظرية استلام القبول:

وفقًا لهذه النظرية فإنه لا يكفي إعلان القبول وتصديره حتى يقوم العقد بل وجب أن يستلم الموجب القبول فإن استلام الرسالة أو البرقية فإن القابل لا يستطيع استردادها وبالنتيجة العدول عن قبوله، وبالتالي يقوم العقد في المكان والزمان الذين يستلم فيهما الموجب القبول.

ومن ثم فالعلم بالقبول من عدمه لا يؤثر في إبرام وقيام العقد إذ يعتبر الوصول هنا قرينه على العلم بالقبول. إن ما يؤخذ عن هذه النظرية هو كونها حاولت المزج بين نظريتين نظرية إعلان القبول وتصديره بما لها من ميزة عدم استطاعة القابل استيراد قبوله وهنا يؤخذ عليها الانتقادات الموجهة لنظرية إعلان القبول ونظرية تصديره وفي نفس الوقت تأخذ بنظرية العلم بالقبول وإن جعلت الاستلام قرينة له وهو الأمر الذي يخالف الواقع في حقيقة الأمر فقد يحدث أن يستلم الشخص الرسالة في زمان معين ومكان معين ولا يطلع على مضمونها إلا في زمن لاحق ومكان آخر وهو ما يضعف هذا الرأي.

نظرية العلم بالقبول:

يرى أنصار هذه النظرية أنه لا يكفي للقول بأن العقد قام في زمان ومكان معين أن يعلن المتعاقد الآخر قبوله أو يصدره ويستلمه المتعاقد الآخر بل وجب أن يعلم به من وجه إليه ويطلع على محتواه، وإذا كان العلم الحقيقي من الصعب إثباته فإن الوصول قرينة على العلم به وهي قرينة بسيطة على من يدعي خلافها إثبات العكس.

موقف المشرع الجزائري:

أخذ المشرع الجزائري على غرار أغلب التشريعات بنظرية العلم بالقبول إذ ورد في المادة 67 من القانون المدني الجزائري "يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان الذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان الذين وصل فيهما القبول".

إن حكم المادة 67 من القانون المدني الجزائري في حقيقة الأمر جاء مطابقًا لنص المادة 61 التي ورد فيها "ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك".

إن تحديد زمان ومكان إبرام العقد هي مسألة قانونية في غاية الأهمية فمن خلال تحديد زمان العقد يمكن معرفة وتحديد تاريخ بداية سريان العقد ومنه معرفة وتحديد القانون الواجب التطبيق الذي أبرم في ظله العقد، كما أنه ومن ناحية أخرى فإنه وفي حالة شهر الإعسار أو الإفلاس لا تسري في حق الدائنين التصرفات التي تبرم بعد شهر الإعسار أو الإفلاس.

أما عن أهمية تحديد مكان العقد لا سيما ما يتعلق بمسألة التعاقد بالمراسلة فإنها تتجلى من حيث تحديد المحكمة المختصة الناظرة في النزاعات الناشئة عن العقد، ثم من حيث تطبيق قواعد الإسناد المتعلقة بالقانون الدولي الخاص عند تنازع القوانين حيث يخضع العقد بصفة عامة إلى قانون الدولة التي أبرم فيها طبقًا لنص المادة 18 من القانون المدني الجزائري ويخضع من حيث الشكل إلى قانون الدولة الذي تم فيها طبقًا لنص المادة 19 من ذات القانون.

المطلب الثاني:

شروط صحة ركن التراضي

قلنا أن التراضي أو الإرادة التي تحدث أثارها القانوني هي الإرادة الجادة التي يتم التعبير عنها وإعلام المتعاقد الآخر بها والتي تتطابق مع إرادة أخرى، فإن توافرت كل هذه العناصر في مقام أول، قام أول ركن من أركان العقد ألا وهو التراضي وإن تخلف كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا.

غير أنه وإن توافرت كل الشروط وقام ركن التراضي في أنه في حالات قد يصاحب إرادة أحد المتعاقدين أو كلاهما عيب يفسد الإرادة ولكن لا يعدمها بما لا يعدم ركن التراضي لكن يجعله معيبًا وبالنتيجة يقع العقد قابل للإبطال، ومن ثم وحتى يكون التراضي صحيح وجب أن تصدر هذه الإرادة عن شخص ذي أهلية غير متأثرة بأي ظرف من الظروف التي تجعلها مخالفة لما أراده المتعاقد حقيقة في غير تلك الظروف.

الأمر الذي يستلزم منا البحث في عيوب الإرادة التي لا تعدم ركن التراضي ولكن تفسده فتجعل من العقد قابل للإبطال وهذه العيوب هي نقص الأهلية، الغلط، الإكراه، الاستغلال، التدليس والغبن.

الفرع الأول:

الأهلية

الأهلية هي صفة يقدرها الشارع في الشخص تجعله صالح بأن تثبت له الحقوق أو تثبت عليه الواجبات وتصح منه التصرفات[20].

وعلى العموم يمكن القول أن الأهلية هي قدرة الشخص على كسب الحقوق وتحمل الالتزامات والتي من شأنها أن ترتب له هذا الأمر أو ذلك.

مما سبق يمكن أن نقسم الأهلية كما استقر على ذلك الفقه إلى أهلية وجوب وتتمثل في كسب الحقوق والالتزامات وأهلية أداء وهي قدرة وصلاحية الشخص على القيام ومباشرة التصرفات بنفسه والتي من شأنها أن تحمله التزامًا أو تكسبه حقا بشكل يعتد به القانون[21].

وتعتبر الأهلية مسألة قانونية من النظام العام وهو ما أكدته المادة 45 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها "ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا تغيير في أحكامها".

والأهلية المتعلقة بركن التراضي هي أهلية الأداء والتي مفادها قدرة الشخص على مباشرة التصرفات القانونية وفقًا للشكل الذي يعتد به القانون.

أما أهلية الوجوب فليست لها علاقة بالإرادة ومن ثم وجب تفصيل أهلية الأداء في هذا المقام.

إن أهلية الأداء والتي يقصد بها صلاحية وقدرة الشخص على القيام بالتصرفات القانونية ومباشرتها بنفسه مناطها إذن أن يكون الشخص مميزًا عارفًا وعالمًا مسبقًا لما يعود عليه بالنفع والضرر، فإن كان شخص فاقد للتميز انعدمت أهلية أدائه وكان التصرف الذي أجراه قابلاً للإبطال لذلك فإن أهلية الأداء تتدرج بتدرج السن في ما يتعلق الشخص الطبيعي، ومن ثم فإن الشخص إن بلغ سن معين كان مميزًا وأهلاً لإبرام التصرفات القانونية، فإن لم يستكمل هذا السن كان ناقص أهلية، وقد يبلغ الشخص سن التمييز لكن تلحقه بعض العوارض فتفسد أهليته أو تعدمها فينعدم تميزه وفي هذا أثر في العقود التي يبرمها.

1_ تدرج الأهلية بالتدرج السن:

يمر الإنسان في حياته بأربعة أدوار رئيسية تتفاوت فيها درجة أهليته من حيث العدم والنقص والكمال وتتمثل في:

الدور الأول: الجنين:

وهي مرحلة يتشكل فيها الإنسان جنينًا في بطن أمه متى تبث أنه حي وفي هذه المرحلة يكون له أهلية وجوب ناقصة لكن ليست له أهلية أداء على الإطلاق.

الدور الثاني: الصبي غير المميز:

هذه المرحلة تلي مرحلة الجنين وتبدأ من الميلاد إلى بلوغ سن معينة وهي سنه الثالثة عشر في التشريع الجزائري فتثبت له أهلية وجوب كاملة لكن يكون عديم الأهلية لانعدام التميز ومن ثم فإن كل التصرفات التي يباشرها سواء أكانت نافعة نفعًا محضًا له أو ضارة أو دائرة بين النفع والضرر لا يعتد بها القانون وتقع باطلة كما أكدت ذلك المادة 42 من قانون الأسرة التي ورد فيها "من لم يبلغ سن التمييز لصغر سنه طبقًا للمادة 42 من القانون المدني يسمى تبقى المادة 42 من القانون المدني الجزائري تعتبر جميع تصرفاته باطلة".

ومن ثم هيأ القانون لهذا الصبي غير المميز من يتولى شؤونه ويقوم مقامه في إبرام التصرفات وهو الولي أو الوصي وهو ما أكدته المادة 81 من قانون الأسرة الجزائري بقولها "من كان  فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو جنون أو عته أو سفه ينوب عنه قانون ولي أو وصي وطبقًا لأحكام القانون".

الدور الثالث: الصبي المميز:

ويبدأ هذا الدور من بلوغ الصبي السنة الثالثة عشرة سنة إلى ما قبل اكتمال التاسعة عشرة سنة وهي سن الرشد في التشريع الجزائري طبقًا لنص المادة 40 من القانون المدني الجزائري.

وفي هذه المرحلة يكون الصبي مميزًا وتثبت له أهلية أداء ناقصة، ومن ثم كانت له أهلية اغتناء كاملة فتكون التصرفات النافعة نفعًا محضًا له تصرفات صحيحة إما التصرفات الضارة فإنها تقع باطلة كون الصبي هنا ليست له أهلية افتقار.

أما فيما يخص التصرفات الدائرة بين النفع والضرر فتقع قابلة للإبطال لمصلحته أن تمسك بإبطالها عند بلوغ سن الرشد أو قبل ذلك إن تمسك بالبطلان من يقوم بإدارة شؤونه وهو ما أكدته صراحة المادة 83 من قانون الأسرة الذي ورد فيها "من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد طبقًا لنص المادة 43 من القانون المدني الجزائري تكون تصرفاته نافذة إذا كانت مترددة بين النفع والضرر في حالة النزاع يرفع الأمر القضاء".

الدور الرابع: الصبي البالغ سن الرشد:

وفي هذه المرحلة يبلغ الصبي سن التاسعة عشرة فيستكمل سن الرشد ومن ثم تثبت له أهلية أداء كاملة، أي أهلية اعتناء وافتقار شريطة أن يكون متمتعًا بكامل قواه العقلية فإن بلغ سن الرشد وكان مجنونًا أو معتوهًا أو سفيهًا استمرت حالة الولاية على ماله لوليه أو وصيه كما ورد النص على ذلك في المادة 44 من القانون المدني.

غير أنه وفي حالات معينة والمسألة تخضع لتقدير القاضي فإن الصبي الذي لم يبلغ سن الرشد وكان مميزًا ووجد ما يفيد قدرته على مباشرة التصرفات وتحمل الخسائر جاز ترشيده كما ورد النص على ذلك بموجب المادة 84 من قانون الأسرة التي ورد فيها "للقاضي أن يأذن لمن يبلغ سن التمييز في التصرف جزئيًّا في أمواله بناء على طلب من له مصلحة وله الرجوع في الإذن إذا ثبت لديه ما يبرر ذلك".


عوارض الأهلية:

قد يبلغ الشخص سن الرشد لكن يلحقه عارض ما سواء في عقله كالجنون أو في جسمه بحيث يجعله غير قادر على التعبير عن إرادته أو يعدمها أو ينقصها وبالنتيجة تكون تصرفاته باطلة.

1_ عوارض الأهلية التي تصيب العقل: (الجنون، العته)

إن العوارض التي قد تلحق بالشخص عند بلوغه سن الرشد في الحقيقة هي صفات غير ذاتية للإنسان بل طارئة تمس بأهلية الأداء لما لها من تأثير على إدراكه وبالنتيجة التي تميزه وتتمثل هذه العوارض في الجنون والغفلة والسفه[22].

_ الجنون:

الجنون هو اختلال في قوة التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب فتعطل أفعالها ولا تظهر أثارها.

المجنون إذًا هو عديم الأهلية فاقد التمييز أي فاقد الإدراك وبالنتيجة تنعدم أهليته.

_ العته:

أما العته فهو يحدث خلل في العقل أيضًا ينتج عنه أن يكون الشخص الذي أصابه قليل الفهم مختلط الكلام، فاسد التدبير إلا أنه ليس عنيفًا جسديًّا ولفظيًّا مع الغير[23].

هذا وقد رتب المشرع الجزائري على العته باعتباره عارض من عوارض الأهلية يلحق بعقل الإنسان فيعطله حكما ورد في نص المادة 42 من القانون المدني التي جاء فيها "إن العته يأخذ حكم الجنون، أي يعدم أهلية صاحبه، "لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدًا التميز لصغر في السن أو عته أو جنون".

لكن يلاحظ من جهة أخرى أن المادة 43 من ذات القانون جعلت المعتوه في حكم السفيه في حالة ما إذا كان السفه لم يخل بالعقل بصفة نهائية ولم يفقد الإنسان من خلالها كامل إدراكه أو تميزه وإنما يؤثر على أهلية الشخص فيجعلها ناقصة وهو ما عبرت عنه المادة 43 بقولها "كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيهًا أو معتوهًا يكون ناقص الأهلية وفقًا لما يقرره القانون".

2_ عوارض الأهلية التي تلحق الإنسان في جسمه:

ورد في نص المادة 80 من القانون المدني الجزائري أنه "إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى الصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب تلك العاهة التعبير عن إرادته جاز للمحكمة إن تعين له مساعدًا قضائيًّا يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته".

فمن خلال هذا النص قد يحدث أن يلحق الإنسان عاهة تصيبه في جسمه وليس في عقله فتجعله غير قادر على التعبير عن إرادته بنفسه ووفقًا للشكل الذي يتطلبه القانون ومن ثمة كانت الحاجة إلى تدخل شخص آخر يساعده في ذلك.

فإن ابرام التصرف دون مساعدة كان مباشرة قابل للإبطال لمصلحته، ومن ثم فإنه يأخذ حكم ناقص الأهلية.

وتقرير المساعدة القضائية وفقًا لنص المادة 80 يقتضي أن يكون الشخص مصاب بعاهتين في نفس الوقت فلا يكفي إذا عاهة واحدة.

الفرع الثاني:

الغلط

الغلط هو وهم يقوم في ذهن المتعاقد يحمله على اعتقاد غير الواقع[24] ومن ثم يفسد إرادة المتعاقد ويجعل من العقد قابل للإبطال.

هذا وقد تناولت الغلط العديد من النظريات غير أن المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي أخذ بالنظرية الحديثة التي جعلت من الغلط الدافع الجوهري أساسًا لها أما الغلط غير الجوهري فلا يؤخذ به حيث جاء في المادة 81 من القانون المدني الجزائري أنه "يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله" ونصت المادة 82 من ذات القانون على أنه "يكون الغلط الجوهري شاذًا بلغ حد من الجسامة بحيث يمتنع مع المتعاقد على إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.

ويعتبر الغلط جوهريًّا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقد أنها جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرًا لشروط العقد وحسن النية.

إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد".

نص المادة 83 على أنه "يكون العقد القابل للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقًا للمادتين 82 و83 ما لم يقضي القانون بغير ذلك" ورد في المادة 84 أنه "لا يؤثر في صحة الغلط مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم ولكن يجب تصحيح الغلط" ونصت المادة 85 على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض ما يقضي به حسن النية ويبقى بالأخص ملزمًا بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد".

من خلال المواد السابقة لا سيما المتعلقة بنص المادة 81 و82 من القانون المدني جزائري يتضح أنه يلزم لإبطال العقد للغلط توافر شرطان يكون أساسًا الغلط جوهري أن يتصل بالمتعاقد الآخر.

_ الشرط الأول: أن يكون الغلط جوهري[25]:

وفقًا لهذا والشرط ليس كل غلط يقع فيه المتعاقد يجعل من العقد قابل للإبطال بل يجب أن يكون الغلط جوهري أي الدافع إلى التعاقد فلو علمه المتعاقد ما أبرم العقد.

ويكون الغلط جوهري على الأخص على سبيل المثال وليس الحصر كما ورد في نص المادة 82 من القانون المدني الجزائري إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدين كذلك أو يفترض أنها كذلك، وإذا وقع كذلك في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكان ذلك هو السبب الرئيسي في التعاقد.

ومن أمثلة الغلط في صفة جوهرية ما يلي:

وفي صفة جوهرية مثال أن يشتري شخص آنية معينة على أساس أنها تحفة أثرية ثم يتضح أنها مجرد تقليد.

_ وفي ذات المتعاقد كان يقوم شخص في التبرع بمال لشخص آخر معتقدًا أنه من عائلته ثم يتضح غير ذلك.

_ "في صفة من صفات المتعاقد" كان يقوم شخص في تأجير مسكنه لشخص آخر لأنه متزوج كما يتضح أنه عازب.

الشرط الثاني: اتصال الغلط بالمتعاقد الآخر:

في حقيقة الأمر هذا الشرط لم تشر إليه المادة 82 من القانون المدني الجزائري صراحة غيره أنه يمكن استخلاصه من ذات النص إذ ورد "يعتبر الغلط جوهري إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدين جوهرية".

ومن ثم فإن التساؤل الذي يطرح نفسه عل الغلط الفرد لا يعتد به؟.

الغلط المشترك:

الأصل إذن، أن الغلط الذي يعتد به والمفسد للإرادة والذي يجعل من العقد قابل للإبطال هو الغلط المشترك أي الغلط الذي يقع فيه كلا المتعاقدين في نفس الوقت عند إبرام العقد، كأن يتقدم شخص إلى شراء الساعة معتقدًا أنها من صنع سويسري ويبيعها له البائع معتقدًا أنها سويسرية ثم يتضح أنها ليست كذلك، ومن ثم فإن طالب المشتري إبطال العقد فإن ذلك لا ينافي العدالة ولا يزعزع استقرار المعاملات.

الغلط الفردي:

الغلط الفردي يفترض أن أحد المتعاقدين فقط هو من توهم غير حقيقة الشيء، كان يتقدم الشخص كما ورد في المثال السابق إلى شراء ساعة معتقدًا أنها من صنع سويسري لكن البائع لم يقع في مثل هذا الغلط هنا الأصل أنه لا يمكن للمشتري أن يتذرع بهذا الغلط لإبطال العقد، إلا إذا كان المتعاقد الآخر البائع يعلم بأن المشتري وقع في غلط، وفي هذه الحالة يكون سيء النية، وبالنتيجة لا يمكن أن يحتج بخلاف ذلك أو كان من السهل عليه اكتشاف ذلك كان يجعل من سعر الساعة سعر مرتفع يوحي على أنها سويسرية الصنع، وبالنتيجة يسهل عليه معرفة أن من يتعاقد أنها سويسرية الصنع.

الغلط في القانون:

القاعدة أن الجهل بالقانون لا يعذر به أحد فالقوانين التي تعتبر من النظام العام لا يقبل من الشخص الادعاء بجهله بقواعدها وأحكامها، غير أنه وفي ذلك يمكن للشخص التمسك بالغلط في القانون لإبطال العقد.

غير أن إبطال العقد للغلط في القانون كما ورد في نص المادة 83 من القانون المدني الجزائري يشترط أن تتوفر فيه الشروط الغلط في الواقع، أي وجب اتصاله بصفة جوهرية في الشيء أو في ذات المتعاقد أو صفة من صفاته ومن أمثلة ذلك:

_ مثال عن الغلط في القانون في صفة جوهرية في شيء: كان يتعهد شخص بالوفاء بدين سقط بالتقادم وفقد أحد عناصره ألا وهو المسؤولية وصار دين مدني طبيعي معتقدًا أن القانون يلزمه بذلك.

_ مثال عن الغلط في القانون في صفة جوهرية في ذات التعاقد: كان يقوم شخص بالتبرع لامرأة كان متزوج بها طلقها ثلاث من أجل استعادتها إلى عصمته معتقدًا أنها لا تزال زوجته في حين أن الطلاق صار بائنا بينونته كبرى وهي أصبحت محرمة عليه.

_ مثال عن الغلط في ذات المتعاقد: كان يقوم شخص بالإنفاق على عمه معتقدًا أن القانون يلزمه الإنفاق عليه كوالده سواء بسواء.

وعلى العموم يجب عدم الخلط بين الغلط في القانون والجهل به الغلط في القانون هو العلم الخاطئ، أما الجهل به فهو عدم العلم به أساسًا[26].

كما أنه لا يجوز التمسك بالغلط المادي الذي يرد في الحساب أو البضاعة وهذا النوع من الأخطاء وجب تصحيحه كما ورد نص على ذلك في المادة 84 من القانون المدني الجزائري هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنه لا يجوز التمسك بالغلط على وجه يتعارض ومبدأ حسن النية فإن تمسك المتعاقد في إبطال العقد للغلط وأبدى المتعاقد الآخر حسن نيته في إصلاح الوضع، كأن يعرض وكما ورد في الأمثلة السابقة البائع تقديم ساعة سويسرية الصنع بدل المقلدة فإن المشتري يلزم بالعقد لأن التمسك بالإبطال هنا يتعارض وحسن النية والعيب يكون قد زال.

ويعترض جانب من الفقه على مثل هذا الحكم مؤسسين رأيهم أنه وطالما كان للمتعاقد حق إبطال العقد للغلط فإن القول أن ذلك لا يجوز متى تبين أن التعاقد الآخر أبدى استعداده لتصحيح الوضع، لا سيما إذا كان رد الأخير سيء النية فإن في ذلك حماية للعاقد سيء النية من إبطال العقد بما يجعل من سوء النية مغامرة ناجحة وعليه وجب إعطاء العاقد الذي وقع في غلط حق إبطال العقد مع التعويض أو الفسخ.

الفرع الثالث:

 التدليس

كما ورد الفقه الإسلامي أن التدليس أو التغرير لغة هو الخداع في المعاملات المالية، هو إيهام يرغب في التعاقد أو هو إيهام الشخص بغير الحقيقة باستعمال طرق احتيالية من أجل حمله على التعاقد[27].

وقد نصت المادة 86 و87 من القانون المدني الجزائري على أحكام التدليس حيث ورد في المادة 86 أنه "لا يجوز إبطال العقد للتدليس إلا إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين والنائب عنه من الجسامة بحيث ولولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد.

ويعتبر تدليسًا السكوت عمدًا عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو الملابسة".

ورد في المادة 87 أنه "إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتمًا أن يعلم بهذا التدليس".

من خلال ما ورد في النصين السابقين يمكن استخلاص عناصر التدليس وهما العنصر الموضوعي والمتمثل في استعمال طرق احتيالية والعنصر المعنوي النفسي وهو كون هذه الطرق والوسائل التدليسية قد أدت إلى تظليل المتعاقد الآخر ودفعته إلى إبرام العقد.

العنصر الأول: استعمال طرق احتيالية:

يقصد بالطرق الاحتيالية كل فعل أو قول يؤدي إلى وقوع أحد الأشخاص في غلط يعيب إرادته[28].

ولا يشترط أن ترقى هذه الوسائل التدليسية وتبلغ من الجسامة حد من الجسامة كما تستلزمه جريمة النصب والاحتيال في القانون الجنائي، بل يكفي أن تؤدي إلى تضليل الشخص ودفعه إلى التعاقد ويراعي في تقدير أثر الحيلة المشكلة للتدليس المعيار الشخصي، المهم هو تأثر الشخص بالحيلة حتى ولو كانت لا تؤثر على غيره من الناس[29].

والأصل أن مجرد الكذب لا يرقى إلى مستوى التدليس إلا إذا انصب على واقعة لها أهميتها عند المتعاقد الآخر بحيث ما كان ليتعاقد لولا التأكيدات غير الصحيحة التي صدرت في شأنها كما لو أعطى المؤمن له في عقد التأمين للمؤمن بيانات كاذبة عن مرض آخر بسيط لا يؤثر على العقل في حين أخفى مرضه الخطير المؤثر على العقد[30].

ويعتبر تدليسًا كذلك السكوت عمدًا عن واقعة معينة إذا ثبت أن المتعاقد الآخر ما كان ليبرم العقد لو أنه علمها، فقيام شخص مثلاً ببيع قطعة أرضية لشخص آخر وكان البائع عالمًا بأنه يمنع إقامة مصانع على هذه الأرض فإن سكوته عمدًا عن هذه الواقعة يعتبر تدليس وهكذا.

العنصر الثاني: العنصر المعنوي:

حتى يمكن إبطال العقد للتدليس لا يكفي توافر العنصر المادي المتمثل في استعمال طرق التدليسية وفقط، بل يجب أن يكون لهذه الطرق المادية التدليسية وقع وأثر على نفس المتعاقد الآخر فيقدم على إبرام العقد، بمعنى آخر وجب توافر نية الأضرار في المتعاقد الآخر، فإن انعدمت هذه النية وانخدع المتعاقد الآخر بعمل ما، فليس أمام المخدوع إبطال العقد للتدليس، وإنما له أن يتمسك بإبطال على أساس الغلط، ذلك أن المتعاقد الآخر لم يقصد التغرير به على الإطلاق، فإبراز التاجر لبضاعته في أحسن صورة والترويج لها بشكل مقبول لا يعتبر تدليس إن انبهر المشتري بذلك وأقدم على التعاقد.

من خلال ما سبق تبيانه يمكن القول أن التمسك بالتدليس وصولاً إلى إبطال العقد يستلزم توافر شرطين أساسيين.

_ الشرط الأول: وجب أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد:

إن المادة 86 من القانون المدني الجزائري اشترطت أن تكون الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد، ومن ثمة فإن لم تبلغ هذه الحيل درجة من الجسامة أو لم تكن هي الدافع لإبرام العقد كان تبين أن المتعاقد الآخر كان سيبرم العقد وإن لم يضلل، فلا يكون هنا للتدليس أثره على صحة العقد.

_ الشرط الثاني: يجب أن يصدر التدليس عن المتعاقد الآخر:

ورد في نص المادة 87 من القانون المدني الجزائري "إذا صدر تدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب بإبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتمًا أن يعلم بهذا التدليس".

وعليه وجب أن يكون التدليس صادر عن المتعاقد ذاته أو عن نائبه فإن صدر التدليس من شخص آخر أجنبي عن العقد ولم يكن المتعاقد الآخر على الأقل عالم بذلك، فإنه لا يجوز التمسك بالتدليس لإبطال العقد.

الفرع الرابع:

 الإكراه

يعرف الإكراه على أنه ضغط على شخص يولد في نفسه رهبة تحمله على التعاقد. وعرف على أنه استخدام وسائل ضغط غير مشروعة تحدث في نفس المتعاقد رهبة تحمله على التعاقد دون رضاه[31].

والإكراه المفسد لإرادة المتعاقد والذي يجعل من العقد قابل للإبطال قد يكون إكراه مادي، كان يقوم الشخص بالاعتداء على شخص آخر بالضرب لحمله على إبرام عقد معين أما الإكراه المادي الذي يعدم الرضا فمثاله أن يمسك الشخص بيد شخص آخر لوضع توقيعه عنوة ولا يعتبر عيب من عيوب الرضا ولكن عنصر معدم للإرادة أصلاً، فلا يقوم ركن التراضي على الإطلاق، ومن ثم فإن الإكراه المفسد لإرادة المتعاقد دون إعدامها هو الإكراه الذي يترك جانبًا وقدر ولو صغير من الحرية والاختيار وإن كان ذلك هو الدافع إلى التعاقد، ومن ثم فإن المجال الخصب للإكراه المفسد للإرادة هو الإكراه المعنوي، كان يهدد شخص آخر بحرق منزله إن لم يتعاقد معه وهذا النوع من الإكراه لا يعدم الإرادة على الإطلاق ولكن يفسدها.

ويراعي في ذلك جنس مع من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وجميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه كما ورد ذلك في نص المادة 88/2 من القانون المدني الجزائري، ومن ثم يكون المشرع قد أخذ بمعيار ذاتي لقيام حالة الرهبة والخشية الدافعة إلى التعاقد فما يمكن أن يرهب شخص قد لا يرهب شخص آخر وللقاضي سلطة تقديرية للقول ما إذا كان الشخص تحت سلطان رهبة من عدمها يقررها من خلال ظروف الحال التي أحاطت بالمتعاقد وجنسه وسنه ودرجة وعيه وثقافته ...إلخ.

وحتى يقوم الإكراه لا بد من توافر مجموعة من الشروط هي:

شروط الإكراه:

1_ إجراء التعاقد تحت رهبة تولدت في نفس المتعاقد دون وجه حق ورد النص على هذا الشرط بموجب المادة 88 من القانون المدني الجزائري "يجوز إبطال العقد لإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بنية بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق.

وتعتبر الرهبة قائمة على بنية، إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرًا جسيمًا يهدده أو أحد أقربائه في النفس أو الجسم أو شرف أو المال.

ويراعي في تقديره الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه وحالته الاجتماعية والصحية، وجميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه".

والرهبة هي الخشية والخوف من وقوع الأذى إذ تقوم في ذهن المتعاقد فتحمله على التعاقد معتقدًا أن خطرًا جسيمًا محدق به في جسمه أو ماله أو في نفسه أو في نفس أ و جسم أو شرف أو مال أحد أقربائه.

هذا وقد أخذ المشرع الجزائري بمعيار ذاتي في ما يتعلق بالرهبة التي تقوم في نفس المتعاقد إذ منح للقاضي سلطة مراعاة وتقرير ما إذا كانت هناك رهبة دفعت الشخص إلى التعاقد أم لا، وذلك من خلال النظر إلى سن وجنس المتعاقد المكره وصحته وظروفه الاجتماعية وغيرها من الظروف التي تساعد على كشف ذلك، كل ذلك مع مراعاة أن تكون الوسيلة المستعملة في الإكراه غير مشروعة تهدف إلى الوصول إلى حق غير مشروع، ومن ثم فإن استعمال وسائل مشروعة لتهديد الشخص وصولاً إلى حق مشروع لا يعتبر إكراه، كما هو الحال في إنذار المدين بالوفاء وإلا وقعت إجراءات الحجز على أمواله.

الشرط الثاني: أن تكون الرهبة هي الدافع إلى التعاقد:

لا يكفي في إبطال العقد واستعمال وسيلة الترهيب من طرف شخص معين في مواجهة شخص آخر لحمله على التعاقد، بل وجب أن تنتج أو يصاحب هذه الوسيلة قيام رهبة وخشية في نفس المتعاقد بحيث تكون الدافع إلى إبرام العقد، ومن ثم إذا ثبت أن المكره كان سيبرم التصرف ولو في غياب استعمال هذا الضغط أو ثبت أن وسيلة الإكراه ما كانت لتحمل المتعاقد الآخر على إبرام العقد فإنه لا يجوز الاحتجاج بذلك وصولاً إلى إبطال العقد.

هذا مع ملاحظة أن مجرد النفوذ الأدبي كسلطة الأب على ابنه أو سلطة الزوج على زوجته أو سلطة الرئيس على المرؤوس فإنها لا ترقى إلى درجة الإكراه الذي يفسد ركن التراضي إلا إذا كان هذا النفوذ الممارس يهدف إلى تحقيق هدف غير مشروع.

كما أن الرهبة قد تكون من صنع ظروف خارجية طبيعية لا علاقة لها بالغير، غير أنه يتم استغلالها من شخص معين لحمل من كان تحت سلطان هذه الرهبة إلى التعاقد وصولاً إلى حق غير مشرع كأن يكون شخص في حالة غرق فيشترط عليه آخر، من أجل إنقاذه إن يبرم معه عقد معين، أو يقدم له مبلغ مالي نظير اتقاده.

وفي هذه الحالة تكون الرهبة هي التي دفعت إلى التعاقد ومن ثم جاز إبطال العقد للإكراه.

الفرع الخامس:

 الاستغلال والغبن

يعتبر الغبن المظهر المادي للاستغلال، ويقصد به عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه ومن ثم لا يمكن تصور وجود الغبن إلا في عقود المعاوضة غير الاحتمالية ذلك أن العقود الاحتمالية من طبيعتها أن تلحق غبن بأحد المتعاقدين أما في عقود التبرع أحد الطرفين دائما يعطي قيمة مالية دون مقابل.

والأصل أن الغبن دائما ما يتصل بالاستغلال باعتباره المظهر المادي له غير أن المشرع جعل الغبن عيب الإرادة مستقل عن الاستغلال في حالات معينة كما هو الحال في بيع العقار في بما يزيد عن الخمس من قيمته أو القسمة بغبن مما يجاوز الخمس كما ورد النص على ذلك صراحة بموجب المادة 358 و359 من القانون المدني الجزائري.

أما الاستغلال فيعرف على أساس أنه استغلال حالة ضعف نفسية تشمل في طيش بيّن أو هوى جامح.

من خلال هذا التعريف يمكن القول أن الاستغلال المفسد للإرادة والمعتبر عيب من عيوب الإرادة هو الاستغلال الذي يتوفر فيه عنصران، عنصر مادي وآخر معنوي نفسي:

العنصر المادي للاستغلال:

يتمثل العنصر المادي للاستغلال في حالة عدم التكافؤ بين الأداء الذي يقدمه كل متعاقد للآخر ويشترط أن يكون هذا الفارق شاسعًا وفاحشًا.


العنصر النفسي:

لا يكفي توفر العنصر المادي المتمثل في عدم التكافؤ بين الأدائيين وصولاً لإبطال العقد لعيب الاستغلال، بل يجب إثبات أن الطرف المغبون أقدم على إبرام العقد نتاج طيش بيّن أو هوى جامح يتمثل في شعور مُلح وعنيف نحو شخص آخر، يجعل من الشخص غير قادر على التحكم في بعض التصرفات كحالة الشعور العنيف الذي قد يشعر به زوج طاعن في السن اتجاه زوجته الشابة فتستغل هذه الزوجة هذا الضعف لتصل إلى إبرام عقد هبة أين يتبرع لها بكامل ماله.

ركن المحل:

إضافة إلى ركن التراضي وحتى يكون العقد صحيحًا منتجًا لأثاره وجب توافر ركن ثاني ألا وهو محل الالتزام.

ومحل الالتزام هو الشيء الذي يلتزم المدين القيام به والمدين يلتزم إما بعمل أو بامتناع عن عمل ذلك أن الالتزام بنقل حق عيني ما هو إلا تدخل إيجابي من طرف الدائن يتم بموجبه نقل الملكية ومن ثم فهو لا يختلف تمامًا عن الالتزام بعمل.

هذا ويمكن أن نستشف من خلال نص المادة 54 من القانون المدني الجزائري أن محل الالتزام في العقد هو منح أو فعل أو عدم فعل شيء معين.

فإذا كان المشرع الجزائري أخذ بالرأي الغالب في الفقه في كون الالتزام بنقل حق عيني هو مجرد صورة للالتزام بعمل وبالنتيجة لم يذكر كصورة قائمة بذاتها لمحل الالتزام، فإنه ومن جهة أخرى نقله الحرفي وتقليده للمشرع الفرنسي جعله يقع في خطأ في رأينا عندما جعل المنح "Donation" صورة مستقل للالتزام مع العلم أن المنح صورة لمحل الالتزام في العقد التي يراد بها تسليم أو إعطاء مبلغ نقدي وهي صورة لا تخرج عن إطار الالتزام بعمل باعتباره فعل إيجابي ثم يتدخل المدين.

وكان على المشرع الجزائري أن يكتفي بالنص على الالتزام على الالتزام بعمل أو امتناع عن عمل كصورتين لمحل الالتزام وفقط.

هذا وعلى العموم يلاحظ أن المشرع الجزائري قد نص على المحل وأفرد أحكامه من خلال المواد 92 إلى 98 من القانون المدني الجزائري.

مما سبق يتضح جليًّا أن المقصود بالمحل كركن من أركان العقد هو محل الالتزام وليس محل العقد ذلك أن المسألة فيها خلاف وجب الوقوف عندها.

فمحل العقد[32] هو العملية القانونية المراد تحقيقها منه والعمليات التي تصلح أن تكون محلاً للعقد غير محدودة وفقًا لمبدأ الرضائية في العقود، فللمتعاقدين أن يعقدوا ما شاءوا من العقود ودليل في ذلك تعدد العقود  المسماة التي نظمها المشرع الجزائري على غرار الدول الأخرى، بالإضافة إلى العقود غير المسماة التي يمكن الاتفاق عليها والتي لا تخضع إلى أي قيد سوى اعتبارات النظام والآداب العامين.

أما محل الالتزام وكما سبق تعريفه فهو الأداء المالي الذي يلتزم به المدين والذي قد يكون عمل أو امتناع عن عمل وعليه يمكن أن يكون محل الالتزام جائز التعامل فيه غير أن محل العقد غير جائز كما هو الحال في عقود التأمين سابقًا والتي لم يكن جائز التعامل بها لتعارضها ومخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية وإن كان اليوم هذا النوع من العقود وعلى رأسها عقد التأمين على الحياة من الجائز التعامل بها وهي من العقود المسماة في التشريع الجزائري محل الالتزام فيها جائز ومشروع كونه يتعلق بمبلغ مالي نقدي[33].

على العموم في ما يخص مشرعنا وفيما يتعلق بالمحل كركن من أركان العقد من خلال استقراء نصوص المواد 92 إلى 98 من القانون المدني الجزائري فإن المحل المعتبر ركن من أركان العقد هو محل الالتزام، وليس محل العقد.

هذا ولا يكفي وجود المحل حتى يقوم العقد صحيحًا بل لابد من أن يتوافر هذا المحل على مجموعة من الشروط الصحيحة وإلا كان محل الالتزام باطلاً ومن ثم بطل العقد برمته.

شروط المحل: بالرجوع إلى نص المواد 92 إلى 98 من القانون المدني يمكن أن نستخلص مجموعة من الشروط الواجب توفرها في المحل حتى يكون صحيحًا وبالنتيجة منشأ لأثاره وهي:

_ الشرط الأول: أن يكون المحل ممكن غير مستحيل[34]

بالرجوع إلى نص المادة 93 من القانون المدني الجزائري نجد أن المشرع الجزائري اشترط أن يكون محل الالتزام ممكن وغير مستحيل وإلا كان العقد الباطل بطلان مطلق، والاستحالة هنا القصد منها الاستحالة المطلقة القائمة وقت إنشاء العقد أي بالنسبة للكافة، على خلاف الاستحالة النسبية التي تكون بالنسبة للمدين فقط، ولا يهم بعد ذلك إن كانت الاستحالة قانونية أو طبيعية.

أما الاستحالة التي تأتي بعد انعقاد العقد فالجزاء المترتب عنها ليس البطلان المطلق وإنما الانقضاء بفسخ العقد[35].

كما لا يكفي أن يكون محل الالتزام ممكن غير مستحيل بل يشترط أن يكون موجود وقت إبرام العقد كلما كان محل الالتزام متعلق بشيء من الأشياء.

فإذا قام شخص ببيع حصته في تركه قريبه لشخص آخر، ثم اتضح أنه ليس وريثًا لهذا الشخص، أو أن شخصًا آخر قام ببيع سيارة لشخص آخر ثم اتضح أن هذه السيارة قد تعرضت إلى حادث جعلها غير صالحة على الإطلاق قبل إبرام العقد، فالوجود يتعلق دائمًا بالأشياء النوعية المحددة بذاتها أما الأشياء المثلية من مثل القمح والشعير والذرى ...إلخ، فإنه دائمًا ما يتصور وجودها لتوافرها في السوق[36].

التعامل في الشيء المستقبل:

قلنا أنه يجب أن يكون المحل موجودًا حتى يقوم العقد والأصل أن يكون وجود المحل عند إبرام العقد لكن هذا لا يعني عدم جواز التعامل في الأشياء المستقبلية متى كان الشيء محتمل الوجود وهو ما أكدته المادة 92 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئًا مستقبلاً ومحققًا"، ذلك أن الشيء المستقبل ممكن الوجود وهو الأمر الذي لا يتعارض والشرط الأول ومثاله أن يتفق الفلاح على بيع محصوله الذي سيتم جنيه في موسم الحصاد، أو كأن يتفق شخص على بيع منزله في طور التشييد وهكذا.

غير أنه ما يلاحظ في ما يتعلق هذه الأنواع من البيوع أنها بيوع غير نافذة وذلك أنها معلقة على شرط تحقق المحل أي أنها موقوفة على شرط وهو وجود محل العقد وإن كان العقد يبرم من تاريخ الاتفاق وليس من تاريخ تحقق المحل أي أن العقد يسرى بأثر رجعي.

_ الشرط الثاني: أن يكون المحل معين أو قابل للتعيين:

حتى يكون المحل صحيحًا وجب أن يكون معين أو على الأقل قابل للتعين نافيًا للجهالة الفاحشة التي من شأنها أن تؤدي إلى قيام نزاع بين المتعاقدين.

وتعين المحل يختلف باختلاف نوعه وطبيعته، فإذا كان محل الالتزام معين بذاته أي من الأشياء القيمية وجب تحديد صفاته ومميزاته الذاتية فالسيارة تحدد بنوعها وتاريخ أول استعمال، رقمها التسلسلي وقوة محركها والطاقة المستعملة لسيرها ولونها ...إلخ.

أما إذا كان محل الالتزام نقودًا فإنها تحدد بنوعها ومقدراها كما تم النص على ذلك بموجب المادة 95 من القانون المدني الجزائري.

_ الشرط الثالث: أن يكون محل الالتزام مشروعًا:

وهو الشرط الذي أكدته المادة 96 من القانون المدني الجزائري التي اشترطت عدم مخالفة محل الالتزام للنظام والآداب العامين وإلا كان العقد باطلاً.

المطلب الثاني:

 السبب

السبب هو الغرض المباشر الذي يقصد إليه المتعاقد من تعاقده، ومن ثم فهو يختلف ويتميز عن المحل فالأول إذن هو الإجابة على السؤال بماذا التزم المتعاقد، وفي ما يتعلق ركن السبب ومدى اشتراطه كركن أساسي عن عدمه يلاحظ أن المسألة تنازعتها نظريتان نظرية تقليدية ونظرية حديثة من صنع وعمل القضاء.

النظرية التقليدية في السبب[37]: هذه النظرية يرجع أصلها إلى القانون الروماني، أخذ بها التشريع الفرنسي ابتداء من القرن السابع عشر، ويقصد بالسبب في فقه هذه النظرية الغرض القريب المباشر الذي قصده الملتزم من وراء التزامه ولا عبرة بالأغراض الأخرى الثانوية التي هي مجرد قواعد تدفع للالتزام، ومن ثم البائع في عقد البيع يقصد بتحمله الالتزام بنقل ملكية، الحصول عن الثمن وهو الغرض الأساسي المباشر أما الأغراض الثانوية التي دفعت إلى التعاقد فهي تختلف من شخص إلى آخر فقد يكون الباعث هو استعمال هذا المال في التجارة أو من أجل بناء مسكن جديد أو من أجل إنفاقه وهكذا.

السبب في النظرية التقليدية يختلف باختلاف العقد المراد إبرامه ففي العقود الملزمة للجانبين فإن سبب التزام المتعاقد هو سبب التزام المتعاقد الآخر، فمثلا سبب التزام المؤجر وهو التزام المستأجر بدفع بدل الإيجار وسبب التزام المستأجر هو سبب التزام المؤجر وبوضع العين المؤجرة تحت يد المستأجر للانتفاع بها وفي عقود التبرع فإن السبب يكون دائمًا نية التبرع دون البواعث والأهداف التي دفعت إليها.

وفي العقود العينية فإن السبب يتجسد في واقعة التسليم على اعتبار أن التسليم في مثل هذه العقود يعتبر شرط لقيامها وحتى يقوم ركن السبب في فقه النظرية التقليدية اشترط أنصارها توافر شروط وهي أن يكون السبب موجودًا وصحيحًا ومشروعًا.


نقد النظرية:

لاقت النظرية التقليدية في السبب انتقادات شديدة نفقد عيب عنها أنها نظرية غير صحيحة وغير منطقية ذلك لأن الالتزامات في العقود الملزمة للجانبين والتي تنشأ في وقت واحد لا يمكن أن يكون كل منها سبب للآخر، لأن ذلك يؤدي منطقيا إلى القول أن كل التزام سابق للآخر ولا حق له في نفس الوقت.

أما في العقود العينية فإن التسليم ليس هو السبب، ذلك أن التسليم ليس شرط، بل ركن لقيام العقد هذا من جهة ومن جهة أخرى أخذ على هذه النظرية أنها عديمة الفائدة ذلك أن بطلان العقد لعدم وجود السبب أو صورتيه أو عدم مشروعيته، وإنما يتداخل مع البطلان لانعدام الرضا أو عدم مشروعية المحل.

النظرية الحديثة للسبب:

قامت هذه النظرية على أنقاض النظرية التقليدية، ويرى أنصارها أنه لا يجب الوقوف عند الغرض المباشر الذي يهدف المتعاقد الوصول إليه بل وجب البحث عن الدوافع والبواعث العميقة وغير المباشرة التي دفعت بكلى المتعاقدين  إلى ابرام العقد.

السبب إذًا في فقه النظرية الحديثة هو الدافع إلى التعاقد أي هو الذي أدى إلى ارتضاء التحمل بالالتزام شريطة أن يكون المتقاعد الآخر عالمًا لهذا الدافع أو كان على الأقل يفترض أنه عالمًا به، وهو الباعث المشترك بين طرفي العقد، ومن ثم مثلاً لو اشترى شخص مسكين بغية استخدامه وإعداده للقمار أو الدعارة ومن ثم التزامه بدفع الثمن فهنا لا مجال للشك أن الباعث أو الغرض المباشر هو الحصول على ملكية المسكن وهو غرض مشروع غير مخالف للنظام والآداب العامة، ولكن هنا يجب عدم التوقف عند الدافع المباشر كما تفعل النظرية التقليدية بل وجب تقصي الغرض الثاني الذي استهدفه المشتري من خلال عملية الشراء، ألا وهو استعمال المسكن كالدار للقمار أو الدعارة، وهو غرض غير مشروع يمكن اعتماده لإبطال العقد، شريطة أن يكون المتعاقد الآخر عالمًا به أو على الأقل كان باستطاعته كشفه.

موقف المشرع الجزائري من النظريتين:

على غرار معظم التشريعات الحديثة أخذ المشرع الجزائري بالنظرية الحديثة لسبب العقد، حيث نصت المادة 97 من القانون المدني الجزائري على أنه "إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلاً".

المشرع الجزائري يأخذ بالسبب وجعل منه ركن جوهري فإذا تخلف أو كان غير مشروع كان العقد باطلاً بطلان مطلقًا ومن ثم فإن السبب في التشريع الجزائري هو الدافع إلى التعاقد والهدف من ذلك هو حماية المجتمع من نشوء العقود مخالفة للنظام العام والآداب العامة.

إثبات السبب:

ورد في نص المادة 98 من القانون المدني الجزائري "كل التزام مفترض له سبب مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك".

ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبب آخر مشروع أن يثبت ما يدعيه".

ومن ثم فإن عبء إثبات مشروعية السبب لا يقع على عاتق الدائن وهو غير مطالب بإثبات مشروعية السبب وإنما يقع على من يدعي خلاف ذلك، ومن ثم وجب على الأخير إثبات عدم مشروعية السبب طبقًا للقاعدة العامة البينة على من يدعي، وعليه إقامة الدليل على ذلك.


المبحث الثالث:

جزاء الإخلال بشروط انعقاد العقد وصحته

قلنا أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر واتجاه هذه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني، وعرفنا أنه حتى يكون العقد صحيحًا منشئًا لأثاره وجب توافر شروط الانعقاد "أركان الانعقاد" وشروط صحة ركن التراضي وهي الأهلية وخلو أراده المتعاقدين من العيوب التي قد تلحق بها فتعيبها وهي الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال، والغبن.

فإذا تخلف شرط من شروط انعقاد العقد أو شرط من شروط صحة العقد وقع العقد باطلاً كأن لم يكن والأثر أن يعاد المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد.

والأصل أنه البطلان هو نوع واحد، غير أنه ولاعتبارات تاريخية وأخرى تشريعية، درج الفقه على التميز بين نوعين من البطلان، مطلق نسبي، ومن ثم اختلفت أسباب تقرير كل منهما والحالات المستوحية لكل نوع وصاحب الحق في التمسك به، وهو الأمر الذي يستوقفنا في هذا المبحث إذا تتعرض إلى أسباب البطلان وكيفية تقريره، ثم تتناول آثار البطلان، كل ذلك في ثلاثة مطالب كما يلي:

المطلب الأول:

 أسباب البطلان

قلنا أن الأصل أن هناك نوع واحد من البطلان يترتب كجزاء عن تخلف شرط من شروط انعقاد العقد أو صحته، فيكون العقد عدم أي أنه لم ينشئ أصلاً ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فيسترد كل منهما ما أداه.

لكن الفقه وكما سبقت الإشارة إليه ميز بين نوعين من البطلان، مطلق ونسبي، فما معيار التمييز بين النوعين من البطلان؟ وما هي حالات تقرير كل منهما؟.

الفرع الأول:

معيار التمييز بين نوعي البطلان

وفقًا للنظرية التقليدية[38] التي عرفها القانون الروماني ثم القانون الفرنسي القديم وما أخذ به المشرع الجزائري ينقسم البطلان إلى بطلان مطلق ونسبي.

_ البطلان المطلق هو اعتبار العقد كأن لم يكن ويكون في حالة تخلف ركن من أركان عقد التراضي، المحل، السبب، والشكل في العقود الشكلية وركن التسليم في العقود العينية أو حالة تخلف شرط من شروط صحة المحل والسبب.

_ أما البطلان النسبي فهو الجزاء المترتب على تخلف شرط من شروط صحة ركن التراضي وهي الأهلية، الغلط، الإكراه، الاستغلال، والغبن.

هذا وتعتبر المصلحة المراد حمايتها من خلال تقرير البطلان النسبي والمطلق معيار التمييز بين نوعي البطلان، فكلما كانت المصلحة المراد حمايتها عامة تمس بالمجتمع كلما كنا أمام بطلان مطلق أما إذا كانت المصلحة المراد حمايتها خاصة، تتعلق بفرد واحد أي أحد المتعاقدين كنا أمام بطلان نسبي.

الفرع الثاني:

حالات البطلان[39]

1_ حالات البطلان المطلق: نكون أمام بطلان مطلق إذا:

_ تخلف ركن التراضي إما لعدم توافق الإرادتين أو كان المتعاقدان أو أحدهما عديم الأهلية لصغر سنه أو إلى وجود عارض من عوارض الأهلية.

_ تخلف ركن المحل إما لعدم وجوده أصلاً أو كان غير معين أو مستحيلاً أو خارج عن دائرة التعامل.

_ تخلف السبب فإذا انعدم أو لم يوجد سببه أو كان غير مشروع كان العقد باطلاً بطلان مطلق.

_ إذا تخلف ركن الشكلية "الرسمية" من كتابه العقد لدى موظف مختص وتسجيله وإشهاره متى تطلب القانون ذلك أو اتفق عليه المتعاقدين.

2_ حالات البطلان النسبي:

_ إذا شاب إرادة المتعاقدين عيب من عيوب التراضي وهي الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال، والغبن.

_ إذا كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية أي حالة الصبي المميز الذي بلغ سن الثالثة عشر ولم يكمل سن الرشد أي تسعة عشرة سنة كما هو الحال في التشريع الجزائري.

الفرع الثالث:

حالات خاصة للبطلان

عرفنا أن البطلان هو الجزاء الذي رتبه القانون على تخلف شرط من شروط انعقاد العقد أو شرط من شروط صحته، فإذا تخلف شرط من شروط العقد "وهي أركان العقد وشروط صحة المحل والسبب" كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا وإن تخلف شرط من شروط صحة التراضي، بأن جاءت إرادة أحد المتعاقدين أو كلاهما معيبة بعيب من عيوب التراضي من مثل الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال، والغبن، أو كان أحد المتعاقدين ناقص أهلية، كان العقد قابل للإبطال.

لكن ما يلاحظ أن المشرع الجزائري على غرار كافة التشريعات الأخرى وفي حالات معينة قرر بطلان العقد ليس لتخلف ركن من الأركان ولا لتخلف شرط من شروط صحته وإنما لاعتبارات أخرى تهدف إلى حماية أحد المتعاقدين في مواجهة المتعاقد الآخر وهو ما يعرف بالبطلان الخاص.

هذه الحالات منها ما يقع العقد فيها باطل بطلان مطلق ومنها ما يكون العقد فيها باطل بطلان نسبي. ومن بين حالات البطلان المطلق الخاص ما ورد في نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري التي نصت على أنه "لا يجوز للقضاة ولا للمدافعين القضائيين ولا للمحامين ولا للموثقين ولا لكتاب الضبط إن يشتروا بأنفسهم ولا بواسطة اسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها وإلا كان البيع باطلاً"، ومن ذلك أيضًا ما ورد النص عليه في المادة 403 من القانون المدني الجزائري التي ورد فيها "لا يجوز للمحامين ولا للمدافعين قضائيين أن يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها سواء أكان تعامل بأسمائهم أو بأسماء مستعارة إذا كانوا هم الذين تولوا الدفاع عنها وإلا كانت المعاملة باطلة".

فمنع التعامل هنا وترتيب البطلان كجزاء عن المخالفة هو منع عام مطلق فلا يصحح العقد هنا ولا يمكن إجازته.

ومن بين حالات البطلان الخاص النسبي ما أوردته المادة 410 من القانون المدني الجزائري التي نصت على أن "لا يجوز لمن ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق أو نص قانوني أو أمر من السلطة المختصة، إن يشتري باسمه مباشرة أو باسم مستعار ولو عن طريق المزاد العلني ما كلف ببيعه بموجب النيابة كل ذلك ما لم تأذن به السلطة القضائية مع مراعاة الأحكام الخاصة والواردة في نصوص قانونية أخرى".

وورد في المادة 411 من القانون المدني الجزائري "لا يجوز للسماسرة ولا للخبراء إن يشتروا الأموال المعهودة إليهم بيعها أو تقدير قيمتها، سواء بأنفسهم مباشرة أو باسم مستعار".

البطلان الذي قرره هنا المشرع هو بطلان نسبي من نوع خاص ويستفاد ذلك من خلال ما ورد في نص المادة 412 من القانون المدني الجزائري التي نصت "يصح البيع في الأحوال المشار إليها في المادة 410 و411 إذا أجازه من ثم البيع لحسابه"، فالمنع هنا ليس عام مطلق لإمكانية إجازة التصرف من الشخص الذي تقرر له هذا الحق.

ومن بين حالات البطلان النسبي كذلك ما ورد في نص المادة 397 من القانون المدني فيما يتعلق بيع ملك الغير.

المطلب الثاني:

كيفية تقرير البطلان

عرفنا من خلال ما سبق أن البطلان هو الجزاء المدني الذي رتبه المشرع على تخلف شرط من شروط الانعقاد أو الصحة ويختلف نوع البطلان الذي يلحق العقد باختلاف أساس كل نوع من نوعي البطلان ومن ثم فإن الفرق بينهما يمتد إلى الأشخاص الذين لهم حق التمسك به وكذا من حيث تصحيحه بالإجازة أو التقادم، وهي المسائل التي نفصلها في الفرعين التاليين كما يلي:


الفرع الأول:

صاحب الحق في التمسك بالبطلان

إن صاحب الحق في التمسك بالبطلان يختلف باختلاف ما إذا كان البطلان المراد تقريره مطلق أو نسبي:

1_ العقد الباطل بطلان مطلق:

إن العقد الباطل بطلان مطلق لتخلف ركن من أركانه أو شرط من شروط صحة المحل أو السبب هو عقد معدوم أي كأن لم يكن أصلاً.

ويترتب على ذلك عدم وجود حاجة إلى إيقاع بطلانه لأنه حاصل من تلقاء نفسه ولكن قد ينازع أحد المتعاقدين في هذا البطلان مما يقضي عرض المسألة على المحكمة.

وعلى اعتبار أن تقرير البطلان المطلق يهدف إلى حماية مصلحة عامة فإن المشرع جعل لكلا المتعاقدين وللغير حق التمسك به، كما أنه يجوز لقاضي حامي المشروعية حق تقريره وإن لم يطلب منه المتعاقدين أو الغير صاحب المصلحة ذلك متى كشف ذلك ولو بصفة عرضية، وهو الأمر الذي عبرت عنه صراحة نص المادة 102 من ق.م.ج. التي ورد فيها "إذا كان العقد باطلا بطلانًا مطلقًا، جاز لكل ذي مصلحة إن يتمسك بهذا البطلان وللمحكمة إن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يزول البطلان بالإجازة وتسقط دعوى البطلان بمضي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد".

من خلال ما ورد في نص المادة السابقة يتأكد ويتضح لنا جليًّا أن صاحب الحق في التمسك بالبطلان المطلق هما المتعاقدين على حد السواء، ذلك أن مصلحة كل منهما قائمة. كما يجوز للغير أي كل شخص ولو لم يكن طرف في العقد حق التمسك به متى كانت له مصلحة في ذلك، شريطة أن تكون هذه المصلحة متصلة بسبب البطلان، فلا يجوز أن يتمسك جار ببطلان عقد إيجار بين جاره المؤجر والمستأجر لأنه لا يحب المستأجر الجديد مثلاً وبالعكس إذا كان الغرض من الاستئجار هو فتح العين المؤجرة لاستعمالها كمحل لممارسة الدعارة والقمار...إلخ[40] فهنا مصلحة قائمة على أساس أن الغرض من استعمال العين المؤجرة غير مشروع ولا محال أنه سوف يضر بهذا الجار، كما يجوز للمحكمة إن تقضي بالبطلان المطلق ولو من تلقاء نفسها باعتبار أن القضاء حامي النظام والآداب العامين.

هذا ويكون تقرير البطلان إما عن طريق دعوى يرفعها المتعاقد أو الغير صاحب المصلحة أمام المحكمة المختصة من أجل استصدار حكم يقضي بذلك أو في صوره دفع كما في حالة ما إذا تمسك أحد المتعاقدين بتنفيذ العقد وطالب المتعاقد الآخر بالتنفيذ، فهنا يجوز للمتعاقد الآخر أن يدفع بعدم التنفيذ لوجود سبب من أسباب البطلان المطلق.

هذا ويجوز التمسك بالبطلان المطلق في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ويمكن إثارته ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا.

البطلان النسبي:

قلنا أن العقد الباطل بطلان نسبي هو عقد صحيح منشأ الإثارة مهدد بالزوال لوجود علة صاحبته ومن ثم فإن صاحب الحق في التمسك بالبطلان النسبي هو المتعاقد الذي وقع في عيب من عيوب التراضي، وعليه لا يجوز للمتعاقد الآخر التي جاءت إرادته سليمة حق التمسك به، كما لا يجوز للغير الذي لم يكن طرفًا في العقد حق التمسك به ولا يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه، وهو الأمر الذي أكدته المادة 99 من ق.م.ج، التي ورد فيها "إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق".

فالبطلان النسبي إذا، وعلى خلاف البطلان المطلق يهدف إلى حماية مصلحة خاصة، والحق في التمسك بالبطلان النسبي ينتقل إلى خلف العام وهم الورثة والخلف الخاص وهو المشتري وكذا إلى دائني المدين، فيكون لهم حق التمسك به باسم مدينهم عن طريق استعمال الدعوى غير المباشرة بخلاف البطلان المطلق أين يجوز لدائني المدين المطالبة بالإبطال باستعمال الدعوى المباشرة أي بأسمائهم مباشرة.

الفرع الثاني:

 سقوط الحق في التمسك بالبطلان "الإجازة والتقادم"

قلنا فيما سبق أن العقد الباطل بطلان مطلق هو عقد عدم وأنه قرر لحماية مصلحة عامة، ومن ثمة لا يمكن تصحيحه لا بالإجازة ولا بالتقادم، خلافًا للعقد القابل للإبطال الذي ينشأ عقد صحيح مرتب لأثاره ولكن مهدد بالزوال، وبما أن البطلان النسبي يهدف إلى حماية مصلحة خاصة فإنه يمكن أن يصحح بالإجازة والتقادم.

أولا: الإجازة:

ورد في نص المادة 100 من القانون المدني الجزائري، "يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية، وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون الإخلال بحقوق الغير".

والإجازة هي عمل أو تصرف قانوني لاحق عن إبرام العقد صادر بإرادة منفردة من أحد المتعاقدين الذي أعيبت إرادته يضفي على العقد الباطل صحته[41].

ويشترط في الإجازة التي تزيل العيب عن العقد القابل للإبطال وتصحيحه أربعة شروط موضوعية هي:

1_ لإعمال الإجازة وجب أن يكون إما عقد قابل للإبطال أي عقد باطل بطلان نسبي ذلك أن الإجازة لا تلحق العقد الباطل بطلان مطلق.

2_ يجب أن تكون الإجازة صادرة عن أحد المتعاقدين الذي أعيبت إرادته، سواء لنقص أهليته أو لعيب الغلط، أو الإكراه أو التدليس أو الاستغلال أو الغبن.

3_ وجب أن يكون المجيز عالمًا بالعيب أولاً، ثم تتجه نيته إلى تصحيح العقد وتثبته.

4_ يشترط في الإجازة التي تضفي على العقد القابل للإبطال صحته أخيرا، أن يكون العيب قد زال، ففي الإكراه مثلاً، إن لم ينقطع العيب وأجاز المتعاقد العقد تحت الضغط والتهديد ضل العقد قابل للإبطال.

هذا ولا يشترط القانون في الإجازة شكل معين فقد تكون صريحة أو ضمنية، كتابتًا أو مشافهة ويخضع إثباتها للقواعد العامة الخاصة بإثبات التصرفات كما يستفاد ذلك من نص المادة 100 من القانون المدني، ومن ثم إذا توافرت شروط الإجازة الموضوعية السالفة الإشارة إليها تحصن العقد القابل للإبطال وأصبح عقدًا صحيحًا بأثر رجعي، أي من تاريخ إبرامه وليس من تاريخ صدور الإجازة كما ورد النص على ذلك صراحة في نص المادة 100 من ق.م.ج، التي ورد فيها "تستند الإجازة إلى تاريخ الذي تم فيه العقد".

هذا ووجب الإشارة في الأخير أن الإجازة تختلف عن تصرف قانوني آخر مشابه لها والأمر يتعلق بالإقرار.

والإقرار هو عمل قانوني لاحق عن إبرام العقد يصدر عن شخص خارج إطار العقد يضفي على العقد الباطل صحته فوجه الخلاف بين الإقرار والإجازة، الإيجاز يصدر عن أحد المتعاقدين الذي أقرا البطلان لمصلحته أم الإقرار فيصدر عن شخص أجنبي عن العقد كما هو الحال في بيع ملك الغير، فإذا قام "أ" من الناس ببيع سيارة لـ "ب" وتثبيت في ما بعد أن السيارة ليست ملك لـ "أ" وإنما لشخص آخر هو "ج" فهنا العقد باطل بطلان نسبي ولكن من نوع خاص وجاز للمالك الحقيقي أن يقر التصرف فيصحح العقد.

وعلى غرار الإجازة فإن العقد القابل للإبطال هنا يصح بأثر رجعي أي يعتبر العقد صحيح من تاريخ إبرامه وليس من تاريخ صدوره والأمر كذلك في ما يتعلق إقرار الأصيل لتصرفات النائب التي تجاوز فيها حدود نيابته وهكذا.

ثانيًا: التقادم:

ورد في المادة 101 من قانون المدني الجزائري "يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال 5 سنوات ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم من الذي يكتشف فيه وفي حالة الإكراه من يوم انقطاعه. غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت عشر سنوات من وقت تمام العقد".

ونصت المادة 102 من القانون المدني الجزائري على أنه "إذا كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا جاز للكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة وتسقط دعوى البطلان بمضي 15 سنة من وقت إبرام العقد".

من خلال المواد السابقة نلاحظ أن المشرع الجزائري فرق بين البطلان النسبي والمطلق فيما يتعلق بتقادم الدعوى من حيث المدة والآثار المترتبة كما يلي:


1_ في العقد الباطل بطلان مطلق:

العقد الباطل بطلان مطلق عدم ومن ثم فهو لا يصحح بالتقادم مهما طال عليه الزمن ولا يزول البطلان عن العقد بمضي المدة[42]، غير أن دعوى التمسك بالبطلان تسقط بالتقادم بمضي خمسة عشرة سنة من تاريخ إبرام العقد ذلك لأن الأوضاع تكون قد استقرت ومضي عليها وقت طويل.

غير أن العقد يبقى باطلا، فالتقادم لم يصححه ما في الأمر أنه دعوى تقرير البطلان تكون قد سقطت، هذا غير أن العقد الباطل بطلان مطلق إذا لم ينفذ وحده إن مضى على إبرامه ما يزيد عن 15 سنة وطالب أحد المتعاقدين المتعاقد الآخر تنفيذ العقد إن جاز للمتعاقد الآخر التمسك بالبطلان وله وأن يدفع بعدم التنفيذ مهما كانت المدة التي مرت على إبرام العقد، ذلك أن الدفوع أبدية والدعوى مؤقتة.

2_ في العقد الباطل بطلان نسبي

ورد في المادة 101 من القانون المدني الجزائري لا يجوز لمن تقرر لمصلحته الإبطال طلبه بعد مضي المدة المحددة إذ يعتبر ذلك بمثابة التنازل عن الحق في التمسك بالبطلان وتتقادم دعوى البطلان النسبي بمضي خمس سنوات بالنسبة للغلط والتدليس تبدأ من تاريخ كشف العيب وبمضي خمسة سنوات في حالة نقص الأهلية من تاريخ بلوغ ناقص الأهلية سن الرشد أو زوال سببها أو من يوم وفاة القاصر. وبمضي خمس سنوات بالنسبة للإكراه من تاريخ انقطاعه وفي كل الحالات لا يجوز بإبطال العقد لغلط أو تدليس أو إكراه بمضي عشر سنوات من تاريخ إبرام العقد هنا يؤخذ أقصر الحلين.

وبمضي سنة واحدة من يوم إبرام العقد في ما يتعلق الاستغلال كما ورد النص على ذلك بموجب المادة 90 من القانون المدني الجزائري فعلى غرار العقد الباطل بطلان مطلق


[1] عبد الرزاق السنهوري: الوسيط، مصادر الالتزام، المجلد الأول، العقد، الطبعة الثالثة، سنة 1981، ص137.

[2] Article 1101 c.c.f « le contras est une convention par laquelle une ou plusieurs personnes s’obligent envers une ou plusieurs autres à donner à faire ou ne pas faire quelques choses»

[3] من أنصار هذا الاتجاه أنظر كل من:

_ عدنان إبراهيم السرحان ونوري خاطر: المرجع السابق، ص31.

_ محمد حسنين: المرجع السابق، ص13.

[4]  من أنصار هذا الاتجاه أنظر كل من:

_ محمد صبري السعدي: المرجع السابق، ص43-44.

_ عبد المنعم فرح الصدة: مصادر الالتزام، القاهرة، سنة 1960، ص55.

[5]  أنور سلطان: المرجع السابق، ص44.

[6] محمد صبري السعدي: مرجع سابق، ص44.

[7] عدنان إبراهيم السرحان ونوري محمد خاطر: المرجع السابق، ص33-34.

[8]  أنظر توسعًا في الأسس التي يقزم عليها مبدأ سلطان الإرادة والقيود التي وردت عليه كل من:

_ محمد صبري السعدي: مرجع سابق، ص47.

_ عبد المنعم فرج الصدة: مرجع سابق، ص37 وما بعدها.

_ توفيق فرج الصدة: مرجع سابق، ص37 وما بعدها.

[9] محمد صبري السعيد: مرجع سابق، ص77.

[10] التعبير بالإشارة عرفًا مثاله هز الرأس بطريقة أفقية دلالة على الرفض وهزه بطريقة عمودية دلالة على الموافقة.

[11] التعبير باتخاذ موقف لا يدع شك في دلالته عن مقصود صاحبه مثاله "وقوف صاحب سيارة أجرة في المكان المخصص لنقل المسافرين فهو دلالة على عرض يتمثل في استعداده لنقل المسافرين".

[12] التعبير الضمني فهو التعبير الذي لا يستشف مباشرة من موقف مباشر للمتعاقد لا لبس فيه كما هو حال اتخاذ موقف لا يدع شك في دلالته عن   مقصود صاحبه الذي يعتبر تعبير صريح وإنما يستشف من وقائع وظروف غير مباشرة أحاطت بالمتعاقدين وقت إبرام العقد.

[13] محمد حسنين: المرجع السابق، ص24.

[14] أنظر تفصيلاً في مسألة السكوت:

_ عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، ج1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، طبعة 1952، ص220 وما بعدها.

[15] أنظر توسعًا في أثر الموت وفقد الأهلية في التعبير عن الإرادة كل من:

_ محمد صبري السعدي: مرجع سابق، ص99.

_ عبد الرزاق السنهوري: مرجع سابق، ص185 وما بعدها.

[16] أحمد السعيد الزريقي: نحو نظرية عامة لصياغة العقود، دراسة مقارنة في مدة القوة الملزمة لمستندات التعاقد، مجلة الحقوق الكويتية، منشورات جامعة الكويت، ع3 س 25، الكويت، 2001، ف3، ص 211 وما بعدها.

[17] محمد صبري السعيد: مرجع سابق، ص108.

[18]  أنر توسعًا في ذلك: محمود عبد المجيد مغربي: أحكام العقد في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة، المكتبة الحديثة، طرابلس، لبنان، سنة 1988، ص54 وما بعدها.

[19] أنظر توسعًا: محمد صبري السعيد: مرجع سابق، ص113 وما بعدها.

[20] محمود عبد المجيد المغربي: المرجع السابق، ص82.

[21] عبد المجيد الحكيم: الكافي في شرح القانون المدني الأردني والقانون المدني العراقي والقانون المدني اليمني في الالتزامات والحقوق الشخصية، ج1، مصادر الالتزام، الشركة الجديدة للطباعة، عمان، ص05.

[22]  Simon, la nullité des actes juridiques trouble Montale, R.T.D, CIV, 1974, p707.

[23] محمود عبد المجيد المغربي: مرجع سابق، ص95.

[24] أنظر كل من: =

=_ François Terré, Philipe Simulé et Yves Liquette: Droit Civil, Les  Obligation, Précis Dalloz, Paris, 1993, N°236, p185.

_ عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص119-120.

[25] _ C.virien: de l’erreur déterminante et substantielle, T.R.D, CIV, 1992, p305 et.s.

_ محمد صبري السعيد: مرجع سابق، ص169 وما بعدها.

_ عبد الرزاق السنهوري: مرجع سابق، ص170 وما بعدها.

[26] محمود صبري السعيد: مرجع سابق، ص175.

[27] _ من مثل:

_ عبد المجيد الحكيم: مرجع سابق، ص98 وما بعدها.

_ وحيد الدين سوار: مصادر الالتزام، ج1، منشورات جامعة دمشق، 1992-1993، ص23.

[28] خليل أحمد حسن قدادة: مرجع سابق، ص56.

[29] عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص15.

[30] محمد صبري السعيد: مرجع سابق، ص178.

[31] أنظر كل من:

_ أنور سلطان: المرجع السابق، ص105.

_ TRETLHARD la violence comme vice de consentement en droit compare, mélangés laborde-lacoste-3, 1963, p419 et.s.

[32] أنظر كل من:

_ عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص162.

_ خليل أحمد حسن قدادة: مرجع سابق، ص72.

[33] أنور سلطان: مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، منشورات الجامعة الأردنية، طبعة أولى، عمان، سنة1987، ص93.

[34] _ مع العلم أن بعض من الفقه درج على اصطلاح أن يكون ممكنًا عوض موجود ونرى أن الوجود يفيد المعنى أكثر من ممكنًا ذلك أن الالتزام بإعطاء مبلغ نقدي هو دائمًا ممكنًا ولكن قد لا يكون موجودًا تحت يد الدائن فيكون بالنتيجة المحل ممكنًا لكن غير موجود وبالنتيجة يكون المحل قد فقد أحد شروطه والمكان مرتبط بالوجود.

[35] محمد حسنين: الوجيز في نظرية الالتزام، مرجع سابق، ص64.

[36] محمد صبري السعدي: مرجع سابق، ص207.

[37] _ أنظر توسعًا في مفهوم النظرية كل من:

_ صبري محمد السعدي: المرجع السابق، ص218 وما بعدها.

_ عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص183 وما بعدها

 _ R.Prévert: de l’influence de la technique qui le but des instructions juridiques, 1974-1-sd.1953, n°1.

[38] _ أنظر كل من:

_ محمد حسنين: الوجيز في نظرية الالتزام، مرجع سابق، ص76.

_ Yvaine Buffelan, Lanor: droit civil, Ed, misson, 3éd, paris, 1986, p64.

[39] _ أنظر كل من:

_ عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص100.

_ عبد المنعم البدراوي: النظرية العامة للالتزامات، ج01، مصادر الالتزام، 1971، ص343 وما بعدها.

[40] عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص201.

[41] أنظر في تعريف الإجارة كل من:

_ محمد حسنين: مرجع سابق، ص81.

_ عبد المنعم البدراوي: النظرية العامة للالتزامات، ج1، مرجع سابق، ص350.

_ جميل الشرقاوي: النظرية العامة للالتزام، الكتاب الأول، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1981، ص384.

_ توفيق حسن فرج: النظرية العامة للالتزام، ج1، في مصادر الالتزام، الطبعة 02، 1980-1981، ص244.

[42] عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر: المرجع السابق، ص 202.