المبحث الثاني :القضاء الإداري ودوره في تسوية النزاع الاقتصادي
لا يستوعب القضاء العادي كل صور المنازعات الاقتصادية خصوصا في إطار تطور تدخلات الدولة والأشخاص العامة في المجال الاقتصادي .
ليتصدى القضاء الإداري كذلك لهذا النوع من المنازعات ممثلا في المحكمة الإدارية بصفتها صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية كأول درجة تنظر في دعاوى الإلغاء والتفسير وفحص المشروعية للقرارات الصادرة عن الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية، البلدية والمصالح الإدارية الأخرى ، المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية ، ودعاوى القضاء الكامل والقضايا المخول لها بموجب نصوص خاصة وفقا لما تضمنته المادة 800 من ق ا م ا .
هذا إلى جانب اختصاص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة في دعاوى الإلغاء والتفسير وتقدير المشروعية في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية .
الا انه بعد تعديل قانون الاجراءات المدنية والادارية بموجب القانون 22-13 تم استحداث محاكم ادارية للاستئناف ، بعد ان نظم قانون التقسيم القضائي 22-07 هذا الامر ، ونص على احداث 6 محاكم ادارية للاستئناف .
تختص المحاكم الادارية للاستئناف بموجب نص المادة 900 مكرر بالفصل في استئناف الاحكام والاوامر الصادرة عن المحاكم الادارية ، وتختص ايضا بالفصل بفي القضائا المخول لها بموجب نصوص خاصة
وتختص المحكمة الادارية للاستئناف للجزائر بالفصل كدرجة اولى في دعاوى الالغاء والتفسير وتقدير المشروعية القرارات الادارية الصادرة عن السلطات الادارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية .
وهكذا حلت المحكمة الادارية للاستئناف للجزائر العاصمة محل مجلس الدولة في للنظر في هذه الدعاوى
أكيد أن القضاء الإداري اختصاصه أصيل بنظر المنازعة الإدارية ، ولكن أن يكون له دور في تسوية النزاع الاقتصادي ، بالنظر لتزايد تدخلات الأشخاص العامة في الميادين الاقتصادية هذا ما يعبر عن تطور وحداثة ، فيا ترى ما هو مجال تدخل القاضي الإداري فيما يتعلق بالمنازعة الاقتصادية ؟
قبل التفصيل في ذلك لابد من التذكير بلمحة عن توزيع الاختصاص بين جهات القضاء الإداري ، المحكمة الإدارية والمحاكمة الإدارية للاستئناف ومجلس الدولة بنظر النزاع الإداري وبيان بعض الإجراءات الخاصة عند التقاضي أمام جهات القضاء الإداريالمطلب الثاني :مساهمة جهات القضاء الإداري في حل النزاع الاقتصادي
يبرز تدخل القضاء الاداري في مواجهة النزاع الاقتصادي من منطلق تدخلات الدولة أو الأشخاص العامة في المجال الاقتصادي في إطار إقدامها على استغلال الأموال العمومية في انجاز المشاريع الاقتصادية في إطار الصفقات العمومية مثلا وكذا في إطار تحصيلها للأموال الضرائب والرسوم من الأفراد في إطار مساهمتهم في تحمل الأعباء العامة للدولة – منازعة جبائية -...فيما يبرز الدور الجديد للقضاء الإداري في مراقبة القرارات الصادرة عن سلطات الضبط الاقتصادي في مجالات اقتصادية بحتة حيث يطعن أمام مجلس الدولة في قرارات مجلس المنافسة برفض منح الترخيص بالتجميعات الاقتصادية إلى جانب اختصاص هذا الأخيرة في النظر في الطعون ضد قرارات باقي سلطات الضبط على غرار سلطة ضبط البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ( سلطة ضبط البريد والاتصالات الالكترونية )...الخ .
الفرع الأول
مساهمة المحاكم الإدارية والمحاكم الإدارية للاستئناف في حل النزاع الاقتصادي
(منازعات الصفقات العمومية والمنازعات الجبائية نموذجا)
لانه ليس بالامكان بحث ودراسة كل النزاعات ذات الطبيعة الاقتصادية والتي يتصدى لها القضاء الإداري ممثلا في المحاكم الادارية والمحاكم الادارية للاستئناف ، لذا سنركز على دراسة منازعات الصفقات العمومية و المنازعات الجبائية ، باعتبارهما منازعات اقتصادية ، تختص بالفصل فيها المحاكم الادارية ، والمحكمة الادارية للاستئناف بالعاصمة بالنسبة لدعوى الالغاء القرارات الادارية الصادرة عن السلطة الادارية المركزية
فبالنسبة لمنازعات الصفقات العمومية: باعتبار الصفقات العمومية عقود إدارية أخضعها القانون لمجموعة من الإجراءات والمراحل والقيود ، تبرم بمقابل بين المصلحة المتعاقدة والمتعهد أو المتعامل الاقتصادي وفقا للشرط المنصوص عليها تلبية لحاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال ،... الخ.
وقد تثار العديد من المنازعات ، التي قد تتعلق بالمساس بالمبادئ التي تحكم ابرم الصفقات العمومية والمتمثلة في مبدأ المساواة ، مبدأ المنافسة وحرية الوصول الى الطلب العمومي ، ومبدأ الشفافية في اجراءات ابرام الصفقات العمومية .
هذه المنازعات تبدو من كل اختلاف او خلاف يحدث في مرحلتي ابرام الصفقات العمومية وتنفيذها بين اطرافها المتمثلة في المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد معها [1] بسبب التعسف في استعمال الحق خاصة من طرف الادارة والاخلال بالالتزامات التعاقدية من كليهما .
فقد تنشا تلك الخلافات نتيجة مخالفة المصلحة المتعاقدة للمبادئ التي اكد عليها قانون الصفقات العمومية ، المتمثلة في حرية الوصول للمنافسة والمساواة بين المترشحين وشفافية الاجراءات ، كما قد تنشا النزاعات بمخالفة المصلحة المتعاقدة لمبدأ حرية المنافسة الذي كفله القانون لكل من تتوفر فيهم الشروط من اجل التعاقد مع الادارة عن طريق طلب العروض ، او مخالفتها مبدأ المساواة في الحصول على فرصة التعاقد مع الادارة ، او مخالفتها مبدأ الشفافية والمجسد من خلال العلانية على كل انواع طلب العروض .
كما تنشا المنازعات في مرحلة تنفيذ الصفقة نتيجة الاخلال بالالتزامات من طرفيها سواء المصلحة المتعاقدة عند اخلالها بالشروط المالية مثلا ..، او قد تنشا نتيجة اخلال المتعامل المتعاقد معها بالتزامته كان يكون التنفيذ غير شخصي او غير مطابق للمواصفات او عند عدم احترامه للاجال ...الخ.
الاصل ان منازعات الصفقات العمومية تتعلق بدعوى القضاء الكامل لتعلقها بعلاقة تعاقدية ( انعقاد العقد ، او صحته ، او تنفيذه او فسخه..) الا ان الاستثناء انها تتعلق بدوى الالغاء الخاصة بالقرارات الادارية المنفصلة
هذه المنازعات اغلبها دعاوى القضاء الكامل على اعتبار الصفقة عقد وليست قرار إداري إلا انه قد يرافق إبرام الصفقة أو تنفيذها صدور قرار إداري يمكن أن يطعن فيه بالإلغاء.
- دعوى الالغاء : لا تتعلق بالصفقة وانما بالقرار الاداري الصادر بخصوصها ، اثناء المرحلة التمهيدية لاعداد الصفقة وابرامها ، حيث تؤسس الدعوى ليس على مخالفة الادارة لالتزاماتها وانما على مخالفة القرار الاداري لمبدأ المشروعية لانه مشوب باحد العيوب ( عيب الاختصاص ،عيب الشكل والاجراءات ...)، مثال ذلك الطعن في القرارات التي تساهم في تكوين الصفقة ، قرار الاعلان عن الصفقة ، قرار وضع الشروط طلب العروض ، قرار الاستبعاد والحرمان من المنافسة ، قرار المنح المؤقت للصفقة ...هي قرارات ادارية انفرادية صادرة عن سلطة ادارية والحقت الاذى ...بالامكان الطعن فيها بالالغاء .
بالنسبة للجهة القضائية المختصة بنظر دعوى الالغاء :
اولا – اختصاص المحاكم الادارية : تختص المحاكم الادارية بدعوى الالغاء جميع القرارات الادارية المنفصلة الصادرة اثناء مرحلة ابرام الصفقة او تنفيذها من قبل الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستواها ، البلدية ، المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الادارية ...كاول درجة وتفصل بحكم قابل للاستئناف امام محاكم الادارية للاستئناف وذيك بموجب الموام 800 و801 من ق ا م ا المعدل والمتمم بالقانون 22-13
ثانيا اختصاص المحاكم الادارية للاستئناف : تختص المحكمة الادارية للاستئناف للجزائر العاصمة بنظر دعوى الغاء جميع القرارات الاداريةالصادرة خلال ابرام الصفقة او تنفيذها كدرجة اولى من قبل السلطات الادارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية وذلك استنادا لنص المادة 900 مكرر / فقرة 2 من ق ا م ا المعدل والمتمم بالقانون 22-13
- دعوى القضاء الكامل : يدخل في نطاق هذه النوع من الدعوى :
دعوى ابطال الصفقة : من ابرز دعاوى القضاء الكامل ترتبط باصل الحق ومحلها تكوين الصفقة وصحتها ، حيث تمكن هذه الدعوى المتعامل المتعاقد من ابطال كل اتفاق او شرط يؤثر على اركان الصفقة وصحة تكوينها
دعوى التعويض : (الحصول على مبالغ مالية )
دعوى بطلان بعض تصرفات الادارة المخالفة لالتزاماتها التعاقدية [2]
الا ان يسبق تدخل الجهات القضائية في حل منازعات الصفقات العمومية ، اليات تسوية ودية
بالنسبة لتسوية منازعات الصفقات العمومية فقد حظيت باهتمام بالغ من المشرع بالأخص في إطار المرسوم الرئاسي15-247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام حيث أكد على المسار الودي لتسوية المنازعة سواء خلال مرحلة الإبرام أو في مرحلة التنفيذ ففرض على المصلحة المتعاقدة أن تسعى للحل الودي للمنازعة في ما ترك الخيار في ذلك للمتعامل الاقتصادي كما وضع ضوابط لهذا الحل الودي وحدود وأحكام واستحدث لجان للتسوية الودية في مرحلة تنفيذ الصفقة ، إلا انه هذا المسار للتسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية لا يعتبر من قبيل إجراء التظلم الإداري المسبق المشترط لمباشرة دعوى الإلغاء أمام الجهة القضائية المختصة.
حيث بامكان المتعهد في مرحلة ابرام الصفقة واستنادا لنص المادة 82 من المرسوم الرئاسي 15-247 ان يحتج عن المنح المؤقت للصفقة او الغائه او اعلان عدم الجدوى او الغاء الاجراء في اطار طلب العروض او اجراء التراضي بعد الاستشارة ، وذلك بتقديم الطعن لدى لجنة الصفقات العمومية المختصة
فان لم يتم التوصل إلى حل للنزاع المثار بين طرفي الصفقة بطريق ودي يتم رفع الدعوى أمام القضاء الإداري وفقا للإجراءات والشكليات المطلوبة في ق ا م ا مع مراعاة قواعد الاختصاص المعروفة في هذا الشأن
كذلك الامر بالنسبة لمنازعات مرحلة التنفيذ ، اين يبرز دور لجان التسوية الودية استنادا لنص المادة 153 وما بعدها من المرسوم الرئاسي 15-247 حيث يحب على المصلحة المتعاقدة ان تدرج ضمن دفتر الشروط الخاص بالصفقة امكانية اللجوء لهذه اللجان ، والتي تنقسم الى لجنة وزارية تختص بدراسة نزاعات الادارة المركزية ومصالحها الخارجية ..ولجنة ولائية تختص بدراسة نزاعات الولاية والبلديات والمؤسسات العمومية المحلية التابعة لها ..، تفصل اللجان في الطعن المرفوع اليها سواء من المصلحة المتعاقدة او المتعامل المتعاقد في اجل 30 يوم ، وتبلغ رايها للاطراف .
دون أن ننسى التحكيم ، الصلح ، الوساطة كآليات لتسوية ودية لمنازعات الصفقات العمومية خصوصا بعد أن تم تكريس العمل مبدأ المنافسة في مجال الصفقات ع في تعديل قانون المنافسة ، برزت إمكانية لجوء الأشخاص المعنوية العامة لطلب التحكيم في إطار الصفقات العمومية.
في حين إذا تعلق الأمر بالمنازعات الجبائية :
المنازعة الجبائية معناه وجود خلاف بين الإدارة الجبائية والمكلف بالضريبة ، تنقسم هذه المنازعات الى منازعات الوعاء ومنازعات التحصيل .
في منازعات الوعاء يناقش المكلف بالضريبة الادارة الجبائية في الاساس الذي حسبت بمقتضاه الضريبة ، اما في منازعات التحصيل فهي تنصب على الاجراءات التي انتهجتها الادارة في تحصيل مبلغ الضريبة .
بعد تحديد وعاء الضريبة اي تحديد الضريبة الواجبة التسديد يجب على ادارة الضرائب احترام بعض الاجراءات والاجال قبل وضع الضريبة حيز التحصيل وتصبح مستحقة الدفع ، ولذلك منح المشرع لقابض الضرائب عدة وسائل وبالمقابل وحفاظا على توازن المراكز بين الادارة والمكلف الضريبة ، منح هذا الاخير ما يكفل له الحفاظ على حقوقه ، عن طريق التظلم الاداري المسبق ، سواء تعلق الامر بايقاف التسديد ، او بشان باقي المتابعات
يتعين من جانب اخر التمييز بين التماس العفو والخصومة الجبائية ، ذلك ان الالتماس يتقدم به المدين طابا من الادارة الجبائية الاخذ بعين الاعتبار ظروف معينة خاصة به وقت استحقاق الضريبة او الغرامات الناجمة عنها ، بالتالي فهو لا يحتج بخصوص اساس فرض الضريبة او اجراءات تحصيلها وانما يثير جوانب خارجة عن الضريبة ، ذلك ان التماس العفو الكلي او الجزئي الموجه للادارة التي اصدرت سند التحصيل والتي لها كامل السلطة التقديرية للنظر في موضوع الطلب بعد اخذ راي اللجنة المنشاة لهذا الغرض .
في حين ان الخصومة الجبائية فتشكل نزاع حقيقي بين المكلف والادارة يطلب فيها المعني :
- اما استدراك الاخطاء المرتكبة في تقدير وعاء الضريبة او في حسابها
- واما الاستفادة من حق ناجم عن نص تشريعي او تنظيمي .
يتطلب تسوية المنازعة الجبائية وجوبا مرحلتين : مرحلة إدارية ومرحلة قضائية .
فالمرحلة الإدارية تكون في إطار التظلم الإداري المسبق الذي يوجهه المكلف إلى المصلحة الجبائية ممثلة في المدير الولائي للضرائب أو رئيس مركز الضرائب أو رئيس المركز الجواري للضرائب الذي يتبع مكان فرض الضريبة وذلك من خلال شكوى كإجراء وجوبي سابق للمرحلة القضائية استنادا لما تضمنته المادة 79 من قانون الإجراءات الجبائية يتم هذا الإجراء بمراعاة شكليات معينة وآجال محددة كأن تتضمن عرض موجز لطلبات المكلف وان يكون موضوعها لطبيعة الضريبة المتنازع عليها ..
في حالة الرد السلبي للإدارة الجبائية أو في سكوتها للمكلف الخيار بين تقديم طعنه إلى لجان الطعن المختصة في اجل 4 اشهر من استلام قرار الإدارة أو إنهاء المدة القانونية المخصصة للرد أي بتقديم شكواه إلى رئيس اللجنة المختصة وفقا للشكليات والآجال والإجراءات المطلوبة ويتعين على المكلف في هذا الإطار أن يدفع مبلغ 20% من قيمة الحقوق والعقوبات محل النزاع .ويتعين على اللجنة ان تبت في الطعون المقدمة سواء بالقبول او الرفض في اجل لا يتجاوز 4 اشهر من تاريخ تقديم الطعن إلى رئيس اللجنة.
لتبدأ المرحلة القضائية لتسوية المنازعة الجبائية في حال كان رد اللجنة سلبيا في اجل 4 اشهر من تاريخ استلام قرار لجنة الطعن إذا اختار المكلف مسار لجان الطعن او أربعة اشهر من تاريخ استلام رأي الإدارة الجبائية السلبي .
ولا يعتبر الطعن القضائي حكر فقط على المكلف للإدارة الجبائية كذلك حق مباشرة الدعوى أمام المحكمة الإدارية يتعين أن تستجيب الدعوى المرفوعة إلى الشروط الشكلية المطلوبة من وجوب إمضاء الدعوى من المدعي ومن لزوم إرفاق المدعي دعواه بالقرار الإداري الذي تم الطعن فيه وان تكون المطالب المذكورة في عريضة الدعوى هي نفسها في شكوى المكلف
لا تخرج الإجراءات المتبعة متابعة في الدعوى الجبائية عن سائر الإجراءات المعروفة بالنسبة للمنازعات الإدارية ، وتبقى أهمية الإشارة إلى أهمية الدور الذي يقوم به القاضي الإداري و وما لديه من سلطات واسعة في إدارة المنازعة حيث يمكنه فتح تحقيق من تلقاء نفسه ...
الفرع الثاني
مساهمة مجلس الدولة في حل النزاع الاقتصادي
أكيد أن وجود سلطات الضبط الاقتصادي بوصفها سلطات إدارية مستقلة استحدثها المشرع الجزائري من اجل ضبط الأنشطة الاقتصادية في ظل الانفتاح الاقتصادي وتبني الجزائري لمبادئ الاقتصاد الحر من تكريس لحرية المبادرة الفردية وحرية الاستثمار وحرية المنافسة...في إطار التغيير البارز لوظيفة الدولة .
تتمتع هذه السلطات بصلاحيات واسعة في إطار أدائها لمهمة الضبط الاقتصادي منها استشارية ، تنظيمية تحكيمية ...فتصدر قرارات إدارية قد تنشب عنها منازعات كونها قد تعارض مصالح المتعاملين الاقتصاديين ، كان تصدر قرار منح الاعتماد مثلا – مجلس النقد والقرض ، او الترخيص بفتح مكاتب تمثيل بنوك أجنبية ، ترخيص بالاستغلال – سلطة البريد والاتصالات الالكترونية ...هذه القرارات الإدارية الفردية بمنح او رفض منح التراخيص والاعتمادات ، او القرارات التنظيمية التي قد تمس المراكز القانونية للمتعاملين الاقتصاديين .. أو حتى العقوبات التأديبية في إطار ممارسة الاختصاص القمعي لسلطات الضبط بحث توقع عقوبات في حال عدم امتثال المتعامل الاقتصادي للقواعد المطبقة في المجال الاقتصادي ، فتتخذ ضده عقوبات غير مالية كقرار سحب الاعتماد ، قرار سحب الترخيص (البنك) قرار منع المزاولة من النشاط ...قد تكون محل منازعة يختص مجلس الدولة بالفصل فيها استنادا لنص المادة 901 من ق ا م ا / "يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة بالفصل في دعاوى الإلغاء... كما يختص بالقضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة " هذا وتشير المادة 17 من قانون 2000/03 المحدد للقواعد المطبقة على البريد والمواصلات على انه " يجوز الطعن في قرارات سلطة الضبط أمام مجلس الدولة ، فيما تشير المادة 22 من القانون 18 -04 الذي يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد والاتصالات الالكترونية ، الى " يمكن ان تكون قرارات مجلس سلطة الضبط موضوع طعن غير موقف للتنفيذ امام مجلس الدولة في اجل شهر واحد ابتداءا من تاريخ تبليغها .ويفصل مجلس الدولة في اجل اقصاه شهران من تاريخ ايداع الطعن ..."
كذلك المادة 139 من القانون 02-01 المتعلق بالكهرباء والغاز يجب أن تكون قرارات لجنة الضبط مبررة ويمكن أن تكون محل طعن قضائي لدى مجلس الدولة .
كما اشارت المادة 222 من الامر 95-07 المعدل والمتمم بالقانون 06-04 المتعلق بالتامينات ، على انه يمكن الشركة المعنية ان تطعن امام مجلس الدولة في قرار السحب الجزئي او الكلي للاعتماد .
تعتبر هذه المنازعات التي قد تثور في هذا السياق من قبيل المنازعات الاقتصادية بالرغم أنها منازعات إدارية في الأصل ، تتسم تسوية هذه المنازعات ببعض الخصوصية ، سواء فيما يتعلق بالتظلم المسبق أو بآجال رفع الطعن القضائي أو الأثر الموقف لهذا الطعن
بالنسبة لشرط التظلم المسبق في هذه المنازعات ، هو في الأصل ليس شرط لرفع دعوى الإلغاء أمام مجلس الدولة ولكن استثناء في ما يخص منازعات مجلس النقد والقرض نجد نص المادة 87 من قانون النقد والقرض " لا يمكن الطعن أمام مجلس الدولة في القرارات التي يتخذها المجلس بموجب المواد 82 و84 و 85 إلا بعد قرارين بالرفض ولا يجوز تقديم الطلب الثاني إلا بعد مضي أكثر من 10 أيام من تبليغ رفض الطلب الأول"
في حين بالنسبة لقرار رفض الترخيص بالتجميع الاقتصادي نجد انه استنادا لنص المادة 21من قانون المنافسة يمكن للمعني أن يقدم بشأنها طلب الترخيص إلى السلطة التنفيذية ، إلا أن هذا لا تعد من قبيل التظلم الإداري ، وان كان موقف مجلس الدولة الجزائري متذبذبا في هذا الشأن في قراراته.
بالنسبة لميعاد رفع الدعوى نجد أن المشرع لم يحدد مواعيد لهذه المنازعات حيث يميز الأمر بالغموض والتعدد في المدة ، أحيانا يحددها بالأيام وأحيانا بالأشهر فمثلا في الطعون ضد قرارات مجلس النقد والقرض وقرارات اللجنة المصرفية عند ممارستها للسلطة القمعية 60 يوم ابتداء من تاريخ التبليغ بالقرار محل الطعن ، في حين ميعاد الطعن في قرارات لجنة مراقبة عمليات البورصة وتنظيمها – قرارات اعتماد الوسطاء في العمليات [3]، قرارات التأديبية ..في اجل شهر واحد من التبليغ ، أما الطعن في قرارات مجلس الإدارة لسلطتي الضبط المنجمي أمام مجلس الدولة في 30 يوم ، فيما يطعن في قرارات سلطة ضبط البريد خلال شهر من تاريخ التبليغ ، في حين بالنسبة لقرارات رفض التجميع لم يحدد لها ميعاد وبالتالي تنطبق بشأنها القواعد العامة ...
[1] - خلدون عيشة ، جعفر خديجة : منازعات الصفقات العمومية واشكالاتها القانونية ، مقال منشور مجلة ابحاث ، المجلد 6 العدد 2 ، 2021 ، ص 38 https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/435/6/2/174319
[2] - المرجع السابق ، ص
[3] - المادة 06 من القانون 03-04 المؤرخ في 17 فبراير 2003 المعدل والمتمم للمرسوم التشريعي 93-10 المؤرخ في 23 مايو 1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة تعدل وتتمم المادة 9 حيث تنص في هذا السياق " في حالة رفض الاعتماد او تحديد مجاله يجب ان يكون قرار اللجنة معللا ، يجوز لطالب الاعتماد ان يرفع طعنا بالالغاء ضد قرار اللجنة امام مجلس الدولة في اجل شهر واحد من تاريخ تبليغ قرار اللجنة . يبت مجلس الدولة في الطعن بالالغاء ويصدر قراره خلال 3 اشهر من تاريخ تسجيله ."