المبحث الثاني:الوساطة والصلح اليات بديلة لحل النزاعات الاقتصادية

يبدو الخلط في تعريف الصلح والوساطة في القانون الوضعي بحسب الباحثين ، اذ ان التفرقة بينهما لم تكن واضحة ودقيقة حسب المقرر الصادر في 1993 لتفسير القانون الامريكي لتسوية المنازعات يعرف الصلح بانه : " اجراء غير رسمي في اطاره يقوم الغير باجبار الاطراف على الاتفاق بتخفيف الضغط وتقوية الاتصال ، واعطاء رايه حول نقاط الخلاف وتقديم مساعدة تقنية بالبحث عن طرق تسوية تفاوضية غير رسمية او عن طريق وساطة لاحقة .

اما الوساطة : فاجراء هيكلي اين يشارك الوسيط الاطراف من اجل الوصول الى اتفاق تفاوضي ، والوساطة عادة ما تكون اختيارية تنتهي بتوقيع اتفاق يحدد التصرفات المستقبلية للاطراف والوسيط يلجأ الى العديد من الوسائل والتقنيات من اجل مساعدة الاطراف لايجاد اتفاق ولكن ليس له سلطة القرار "

حيث تعارضت الافكار بشان هذه النقطة في فرنسا حسب غالبية الفقه ، فالصلح يتضمن تدخل الغير المحايد في حين الكتاب يرون  ان الصلح يشبه المصالحة اين لا يشارك الغير ، البعض يري ان تدخل الغير هو خاصية للوساطة الشيء الذي ادى الى تكييف الوساطة .

عند تدخل الغير التفرقة بين الصلح والوساطة تصعب بصفة عامة اذ يعتبر القائم بالصلح يتحول الى وسيط عندما لا يتوقف عند نقطة التقريب بين الاطراف لكي يقترح الحل [1].

 



[1] - عساوي عزالدين : " الطرق البديلة لتسوية المنازعات " مطبوعة بيداغوجية ، محاضرات موجهة لطلبة السنة اولى ماستر قانون عام للاعمال ، كلية الحقوق  والعلوم السياسية ، جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية  2015-2016 ، ص 7 .


المطلب الاول الصلح الية بديلة لتسوية النزاع

نص المشرع الجزائري في نص المادة 459 من القانون المدني على تعريف الصلح باعتباره عقد  مسمى " الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا او يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بان يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه " ، غير ان هذا التعريف يبدو انه ينطبق على المصالحة هناك عنصر المقابل على وجه التبادل ، والصلح قد لا يكون بمقابل .

ذلك ان الفرق بين الصلح والمصالحة يكمن في تواجد الغير اي العنصر الثالث في الصلح وغيابه في المصالحة .

عموما يتطلب توفر شروط لمباشرة عقد الصلح تتمثل في :

-         وجود نزاع قائم او محتمل

-         وجود نية حسم النزاع

-         تنازل كل طرف عن جزء من حقه

فالصلح عقد رضائي ملزم لجانبين ، جعله المشرع وجوبيا في بعض النزاعات على غرار المجال الاجتماعي كذلك في المجال التجاري ، حيث بموجب التعديلات التي ادخلها المشرع على احكام ق ا م ا بموجب القانون 22-13 واستحداثه للمحاكم التجارية المتخصصة ، الزم الاطراف المتنازعة بالسعي للصلح ورتب عدم قبول الدعوى شكلا امام المحكمة التجارية المتخصصة اذا لم تكن مرفقة بمجضر عدم الصلح .

يتم استعمال الصلح تقليديا من طرف القانون الخاص وحديثا في القانون الاداري ، بالرجوع للنصوص الاساسية في ق ا م ا نجده كرس الصلح في الكتاب 5 الباب 1 الفصل 1 الذي يتشكل من 4 مواد 990-993 ، دون تعريف منه للصلح فقط التقنين المدني الذي اشار لتعريف الصلح ولكن يقصد به المصالحة في المادة 459 من ق م

نجد في مجال الصرف مثلا  تعتبر المصالحة جائزة في مختلف صور جرائم حتى وان تعلق الامر بحالات العود في ذات الجرائم وهو ما اكدته المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم 03-111 المؤرخ في 5 مارس 2003 المحدد لشروط اجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع والتنظيم الخاصيين بالصرف وحركة رؤوس الاموال من والى الخارج وكذا تنظيم اللجنة الوطنية واللجنة المحلية للمصالحة وسيرهم ..حيث يمكن لمرتكب جريمة الصرف ان يطلب اجراء مصالحة ، كذلك في مجال مخالفة قانون الجمارك ، قد يكون اجراء المصالحة الجمركية تدبير بديل عن المتابعة القضائية [1]

 

الفرع الاول

 اركان عقد الصلح

باعتبار الصلح عقد استنادا لقواعد ق م ، يتعين ان تتوفر اركان العامة في العقود : من رضا ، محل ، سبب

اولا – الرضا في عقد الصلح :

يجب ان تتوفر شروط الانعقاد من ايجاب وقبول بين المتعاقدين فالصلح يفترض النقاش بين الاطراف ولا يكون باجماعهما ، يثبت الصلح بمحضر يوقعه الخصوم والقاضي وامين الضبط ، يشترط في الصلح ان تتوافر في المتصالحين اهلية ابرام العقد وان تكون خالية من العيوب

ثانيا – المحل في عقد الصلح :

هو الحق المتنازع فيه ويجب ان تتوافر فيه الشروط العامة في محل اي عقد اي ان يكون مشروع وغير مخالف للنظام العام وهو ما تؤكده المادة 461 من ق م بانه " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية او النظام العام ، لكن يجوز الصلح في المسائل المالية الناجمة عن الحالة الشخصية " .

ثالثا – السبب في عقد الصلح :

هو الباعث الذي يدفع المتصالحين الى الصلح الخوف من الخسارة في الدعوى ،توخي السرية ، الحفاظ ىعلى العلاقات الاجتماعية ، كما يجب ان يكون مشروعا .

الفرع الثاني

 اثار عقد الصلح

يرتب الصلح سواء كان  اتفاقيا او قضائيا اثار بين المتصالحين ، اذ يلتزم كل متصالحبما ورد في عقد الصلح من التزامات كما ان تصديق المحكمة على الصلح يؤدي الى استنفاذ ولايتها بالنسبة للموضوع ، ويصبح عقد الصلح متمتعا بحجية قضائية.

وقد اشارت المادة 462من ق م " ينهي الصلح النزاعات التي يتناولها .

ويترتب عليه اسقاط الحقوق والادعاءات التي تنازل عنها احد الطرفين بصفة نهائية "

اولا – حسم النزاع:

الهدف الاسمى لعقد الصلح هو انهاء النزاع بين اطرافه وذلك بتسويته بصورة ودية ، اذ يؤدي الصلح الى استنفاذ المحكمة ولايتها لانه يؤدي الى حسم النزاع ، فليس لاي من المتصالحين تجديد النزاع باقامة الدعوى به ولا بالمضي في دعوى كانت مرفوعة ..لانه يترتب على عقد الصلح انقضاء الادعاءات بين اطراف النزاع وتثبيت الحقوق

ثانيا- الاثر الكاشف للصلح

الصلح يكشف عن الحقوق ولا ينشؤها  وهو ما يؤكده نص المادة 463 من ق م " للصلح اثر كاشف بالنسبة لما اشتمل عليه من الحقوق ويقتصر هذا الاثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها."



[1] - حساين سامية : " مدى تناسب الوسائل البديلة لحل المنازعات مع القضايا الناجمة عن النشاط الاقتصادي "، مداخلة مقدمةفي فعاليات الملتقى الوطني حول – اليات تسوية المنازعات ذات الطابع الاقتصادي في الجزائر بين النصوص والواقع يومي 08 و09 نوفمبر 2016 ، ص 258 .

-فتيحة نعار : " المصالحة الجمركية في القانون الجزائري " مقال مجلة ادارة ، مجلد 12 عدد 02 بتاريخ 01-02-2002 ، ص 7 .