المبحث الثاني :منهجية التعليق على حكم او قرار قضائي
يمثل التعليق على الأحكام والقرارات القضائية من أهم الدراسات التطبيقية في القانون ذلك ان إتقان التعليق يفترض الإلمام الجيد بالمعارف النظرية واستيعاب طرق وأساليب المنهجية القانونية التي تسمح بتقييم الحكم أو القرار .
يقصد بالتعليق مناقشة أو تحليل تطبيقي لمسالة قانونية تلقاها الطالب في الدراسة القانونية ومقارنة مع أهمية القرار وما سيكون له اثر وانعكاس على الفقه او الاجتهاد القضائي.
ينصب التعليق عادة على القرارات الصادرة من المحكمة العليا باعتبارها مرجع قضائي لباقي المحاكم غير انه يمكن أن ينصب كذلك على قرارات جهات الاستئناف او محاكم درجة أولى [1].
يعرف القرار القضائي بأنه الحكم الذي تصدره المحكمة بشان خصومة ما وفقا للشكل الذي يحدده القانون للأحكام سواء في نهاية الدعوى او في سيرها ، وسواء كان الحكم صادر في نزاع بين الأفراد أنفسهم او بين الأفراد والإدارة ، ويسمى حكم قضائي ما يصدر عن المحاكم درجة أولى ، بينما يسمى قرار ما يصدر عن محاكم درجة ثانية او المحكمة العليا[2]
عند التعليق على القرار أو حكم قضائي ليس على الطالب العمل على إيجاد أو استخراج حل قانوني بل عليه دراسة وفهم الاتجاه الذي سلكه القضاء دون تجاهل منه لموضوع النزاع .
لكي يكون التعليق سليم ينبغي أن يكون الطالب ملم بالنصوص القانونية التي تحكم النزاع وكذا بالفقه قديمه وحديثه الذي تعرض للمسالة بالإضافة إلى تتبع الاجتهاد القضائي وتطوره وصولا إلى أحدث الاجتهادات لكي يأتي التعليق شاملا كل النواحي.
لذا تعد منهجية التعليق على الحكم أو القرار القضائي دراسة نظرية وتطبيقية في آن واحد لمسالة قانونية معينة تتم على مرحلتين . مرحلة تحضيرية ومرحلة تحريرية[3].
[1] - صالح طاليس : مرجع سابق ، ص 239 .
[2] - المرجع السابق ، ص 241 .
- د/ عبود عبد الله العسكري : مرجع سابق ، ص 141 .
[3] - عبد المنعم نعيمي : مرجع سابق ، ص 205 .
المطلب الأول : المرحلة التحضيرية
يتم في هذه المرحلة فهم القرار وتحليله ذهنيا كي يتسنى وضع خطة التعليق .
الفرع الأول : فهم القرار محل التعليق
أول شيء نقوم به هو قراءة الحكم عدة مرات مع دراسة كل كلمة وردت فيه لأنه لا يمكن التعليق على قرار غير مفهوم .
- القراءة الأولى: يتم التعرف على القرار وتكوين رؤية شاملة
- القراءة الثانية: نبدأ باستخراج البنية النحوية للقرار وذلك باستخراج الجمل الرئيسية وعزلها عن بعضها البعض وبوضع خط تحت أدوات الربط تمهيدا لتحديد المكونات الأساسية للقرار
- القراءة الثالثة: يتم البحث عن ترابط العناصر الفعلية للقرار أي تلك العناصر التي تقود إلى عملية التعليل لدى القاضي وتوصله إلى حل الإشكال القانوني المطروح ( منطوق الحكم والقرار ).
التعريف بالقرار: الجهة التي أصدرت الحكم ، تاريخ صدوره ، رقم القضية ، الأطراف .
الوقائع : كل الأحداث التي نشأ بسببها النزاع سواء كانت أفعال مادية أو تصرفات قانونية ، يراعى عند استخراج الوقائع ، تسلسل الوقائع تسلسل زمني ، الابتعاد عن افتراض وقائع لم تذكر في القرار[1].
الإجراءات : المراحل القضائية التي مر النزاع عبر درجات التقاضي حتى صدور القرار محل التعليق ينبغي عند استخراجها أن نبين مستوى الجهة القضائية التي تم أمامها الإجراء ان نبين كل إجراء بدقة وإيجاز ، وان لا نفترض إجراء لم يمر به النزاع [2].
الادعاءات : هي مزاعم وطلبات أطراف النزاع والأسس القانونية التي استندوا إليها للمطالبة بحقوقهم يجب أن تذكر الادعاءات مع شرح كل الحجج والأسانيد القانونية بالنسبة لكل طرف ، وان تذكر بشكل مرتب ، مع الاكتفاء بالادعاءات المذكورة في نص القرار[3] .
المشكل القانوني : يتمثل في السؤال الذي يتبادر في ذهن القاضي عند فصله في النزاع بعد سماعه لادعاءات يراعى في استنباط المشكل القانوني ما يلي :
ü في شكل سؤال
ü أن يطرح المشكل القانوني بصيغة قانونية
ü أن يطرح المشكل بدقة مع تجنب الطرح العام
ü أن يطرح تطبيقيا [4]
الأساس القانوني : الأساس القانوني الذي استند إليه القاضي عند فصله في النزاع ، إما مواد قانونية او اجتهادات قضائية .
منطوق الحكم
الفرع الثاني : التحليل الذهني للقرار محل التعليق
تسمح القراءة المتأنية والمعمقة والمتكررة باستنتاج النقاط القانونية الواجب التركيز عليها ، بعد ذلك نبدأ بتحليل الذهني للمبادئ القانونية التي تحكم هذه المشكلة وما هي الوسائل القانونية التي استخدمها الحكم أو القرار وكيف تم تطبيقها ، إذ لا يكفي فقط معرفة القواعد القانونية المطبقة بل يتعين الرجوع للفقه والاجتهاد القضائي حول الموضوع المثار لجمع المعلومات اللازمة التي ستساعد على تقدير النتائج التي سيتركها القرار فيما يخص تطوير الاجتهاد وتحديث القانون الوضعي كي تكون المقارنة بين التفسير المعطى للقاعدة القانونية من قبل القاضي ومدى تطابقه مع الفقه[5] .
حيث سيكون هدفنا من هذا التحليل التوصل إلى نتيجة إما مؤيدة لقرار القاضي أو معارضة له .
وضع خطة التعليق :
بعد الفهم الكامل وتحديد النقاط القانونية والقواعد التي طبقتها المحكمة نبدأ بوضع خطة التعليق التي تتألف من مقدمة ، صلب الموضوع ، خاتمة
هنا تحكمنا قاعدة تقتضي أن نعتمد في التقسيم على عدد النقاط القانونية المطروحة وان نضع عنوان مختصر لكل نقطة كما يجب مراعاة التسلسل المنطقي الذي يربط بين الأجزاء[6].
[1] -غناي زكية : منهجية الأعمال الموجهة في القانون المدني ، الطبعة 3 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 2012 ،ص ص 21-22 .
[2] -غناي زكية : مرجع سابق ، ص 23-24 .
[3] - المرجع السابق ، ص24-25 .
[4] -المرجع السابق ، ص ص 26-28 .
[5] - صالح طاليس : مرجع سابق ، ص ص 245 ، 246 .
[6] - المرجع السابق ، ص 247