المحاضرة الأولى: أسباب الفساد، وأشكاله ومظاهره.

        إن الأسباب الرئيسية لظهور الفساد وانتشاره متشابهة في معظم المجتمعات إلا أنه يمكن ملاحظة خصوصية في تفسير الظاهرة من شعب لآخر نتيجة اختلاف الثقافات وقيم المجتمع و هو ما يبرز الاختلاف في تحديد مفهوم الفساد.

أولا/ مفهوم الفساد: لغة و اصطلاحا.

أ/       الفساد لغة:  الفساد في معجم اللغة هو في (فسد)  ضد (صلح) و (الفساد) لغة البطلان: فيقال فسد الشيء أي بطل و اضمحل، و الفساد في الشريعة الإسلامية يستمد معانيه من القرآن الكريم حيث ذكر في أكثر من خمسين آية كلها تنهي وتحذر منه وبعضها حدد صراحة  جزاء المفسدين (1) و يأتي التعبير على معان عدة بحسب موقعه فيه فيعني (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقــهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" سورة الروم الآية 41.

أو (الطغيان و التجبر) كما في قوله تعالى:"إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتـلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عـــذاب عظيم"المائــدة الآية33 ، و تدل هذه الآية الكريمة على أن القرآن الكريم شدد على تحريم الفساد و أن جزاء  مرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة.

ب/      الفساد اصطلاحا: ليس هناك تعريف محدد للفساد و إنما هناك توجهات مختلفة لتعريفه فهناك من يعرفه علــى أنه"خروج عن القانون و النظام(أي عدم الالتزام بهما) و استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية و اجتماعية و اقتصادية للفرد أو لجماعة معينة"، بينما يعرفه آخرون على أنه :"هو قيام الموظف العام و بطرق غير سويــة بارتكاب ما يعد إهدارا لواجبات و وظيفته ، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا  إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية" ، كما أن البعض يوسع مفهوم الفساد فيعرفه:" هو كل سلوك يجافي المصلحة العامة" و عرفه آخرون:"هو الانحراف الأخلاقي لمسئولين في الإدارة و الحكومة".

   كما قدمت "منظمة الشفافية الدولية" تعريف للفساد بأنه :"هو كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعية".

   التعريف المعتمد الذي استخدمه البنك العالمي بأنه:" الاستغلال السيئ للوظيفة العامة الرسمية من أجل تحقيق المصلحة  الخاصة" و يندرج تحت الاستغلال السيئ ما يلي:

العمولات- الرشاوى- تحويل الأموال- الوساطة و المحسوبية في تقلد الوظائف العامة- التهرب الضريبي-تضخيم الفواتير- الغش الجمركي-إفشاء أسرار العقود و الصفقات...الخ.

أما "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003" لم تعرف الفساد تعريفا فلسفيا أو وصفيا، بل انصرفت إلى تعريفه من خلال الحالات التي يترجم فيها الفساد إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع و من ثمة تجريمها و هي:

الرشوة بجميع وجوهها في القطاعين العام و الخاص- الاختلاس- المتاجرة بالنقود و إساءة استغلال الوظيفة- تبيض الأموال و الثراء غير المشروع.

      أما المشرع الجزائري فلقد نص في المادة 2 من القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20/02/2006 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على المقصود من مفهوم الفساد" الفساد: كل الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون"  و هذه الجرائم هي:

-       رشوة الموظفين العموميين -الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

-       اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي

-       استغلال النفوذ

-       إساءة استغلال الوظيفة....

               ومن خلال التعاريف السابقة يمكن القول بأن الفساد هو كل نشاط يمارسه شخص مادي أو معنوي يسيء استخدام المنصب(السلطة)أو يستغل النفوذ أو يسخر العلاقات لاستخدامات غير قانونية تكون عادة مصدرا للرشوة و للثراء السريع بعيدا عن عين الرقابة  و سلطة المحاسبة .

ثانيا: أسباب الفساد:

         هناك تعدد واختلاف لأسباب ظاهرة الفساد نتيجة اختلاف قيم وثقافات المجتمعات وهذا بالرغم من وجـود شبه إجماع كون الظاهرة سلوك إنساني سلبي تحركه المصلحة الذاتية و هذه الأسباب تشكل في مجملها منظومة الفســاد و تختلف في الأهمية بين مجتمع وآخر فقد يكون أحد الأسباب رئيسيا في مجتمع ما ويكون سببا ثانويا في مجتمع آخر.

       انتشار الفقر و الجهل و نقص المعرفة بالحقوق الفردية.

·      عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسـي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ، وهو ما يؤدي على مبدأ الإخلال بالرقابة المتبادلة، كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سببا مشجعا على الفساد.       

     ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها و تهميش أدوارها.

  عدم الاستقرار أو رفض التداول السلمي الديمقراطي على السلطة

·       اتساع الهوة بين كتلة الأجور والقدرة الشرائية (الجبهة الاجتماعية)

·       ازدياد ظاهرة الفساد في المراحل الانتقالية و الفترات التي تشهد تحولات سياسية و اجتماعية واقتصادية مما يساعد على عدم اكتمال البناء المؤسساتي للدولة وبالتالي ظهور بيئة مناسبة للفاسدين.

·       ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد، و عدم اتخاذ  إجراءات ردعية ضد من ثبت في حقهم الفساد بسبب انغماسها في الفساد أو انغماس بعض عناصرها.

·       تدني رواتب العاملين في القطاع العام و ارتفاع مستوى المعيشة مما يؤدي ببعض العالمين إلى البحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.

·       غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام  والخاص، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.

·       غياب حرية الإعلام وعدم السماح للمواطنين بالوصول إلى المعلومات والسجلات العامة مما يحـــول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة.

·       ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها.

·       غياب أو عدم كفاية التشريعات و الأنظمة التي تكافح الفساد و تفرض العقوبات على مرتكبيه.

·       الأسباب الخارجية للفساد الناتجة عن و جود مصالح و علاقات تجارية مع شركاء خارجيين أو منتجين من دول أخرى ، و استخدام و سائل غير قانونية من قبل شركات خارجية للحصول على امتيازات و احتكارات داخل الدولة .

ثالثا:/ أشكال الفساد

·       استخدام المنصب العام من قبل بعض الشخصيات للحصول على امتيازات خاصة كالاحتكارات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية أو الحصول من الآخرين على رشاوى مقابل تسهيل حصولهم على هذه الخدمات.

·       غياب النزاهة و الشفافية في طرح الصفقات العمومية و إحالتها بطرق غير شرعية على شركات ومؤسسات ذات علاقة بالمسئولين أو أفراد عائلاتهم وهذا دون إتباع الإجراءات القانونية المعمول بها.

·    المحسوبية والمحاباة و الوساطة في التعيينات الحكومية على أسس القرابة بدل الكفاءة.

·       سرقة الأموال والممتلكات العامة كسرقة أموال الضرائب وأموال المودعين وتوزيع الأموال على خدمـــات ومؤسسات وهمية.

·       تبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص بدون وجه حق بهدف استرضائهم لتحقيق مصالح ذاتية.

رابعا/ مظاهر الفساد: إن الفساد من حيث مظهره يشمل أنواع عدة:

أ‌-   الفساد السياسي: ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل النســق السياسي في الدولة، مع الإشارة إلى أن هناك فارقا جوهريا بين الدول التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليـب الديمقراطية وتوسيع المشاركة وبين الدول التي يكون فيها الحكم شموليا و ديكتاتوريا، لكن العوامل المشتركة في كلا النوعين من الأنظمة تتمثل في الحكم الفاسد بما يفقد الديمقراطية والشفافية وسيطرة فئة فاسدة على نظام الحكم ومقومات الدولة...

ب‌-  الفساد المالي: وهو مخالفة القواعد و الأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري و المالي في الدولة و مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة ومظاهر الفساد المالي تتمثل في الرشاوى و الاختلاس و التهرب الضريــبي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات في الوظائف ونهب المال العام ( و ما قضية الخليفة منا ببعيد...).

ج‌- الفساد الإداري: وتتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية والتنظيمية وتلك المخالفات الـتي تصدر عن الموظف العام المتمثلة في عدم احترام أوقات ومواعيد العمل وتمضية الوقت في قراءة الصحــف واستقبال الزوار والتراخي والتكاسل والامتناع عن أداء العمل وعدم تحمل المسؤولية و إفشاء أســرار الوظيفة.

           إذن فالفساد الإداري عبارة عن مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها بهدف الاستفادة المادية المباشرة أو الانتفاع غير المباشر.

د‌- الفساد الأخلاقي: و المتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصـــي و تصرفاته كالقيام بأعمال مخلة بالحياء في مكان العمل أو الجمع بين الوظيفة و أعمال أخـــرى دون إذن إدارتــه و استغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصية على حساب المصلحة العامة.