المحاضرة الثانية :مستويات وأنواع الفساد وآثاره

أولا/ مستويات الفساد: لا شك أن هناك تصنيفات عديدة لظاهرة الفساد فيجب علينا إيراد أهم هذه التصنيفـات و بحسب التوجهات و العلوم و هي كالآتي:

أ- الفساد الأكبر: (GRAND CORRUPTION) وهو الفساد الذي يرتكبه رؤساء الـــدول و الحكومات والوزراء و من في حكمهم و أساسه الجشع وان السياسيين هم أكثر فساد من كبار الموظفيـن وموظفو الدواوين الأعلى مركز وظيفي أكثر فسادا من الآخرين كما أن رئيس الدولة أو القائـد الأعلى يفوق الجميع فسادا، وهذا النمط من الفساد لا يكون متعارضا بالضرورة مع الاستقرار السياسـي.

ب- الفساد الأصغر: (CORRUPTION PAYMENTS) وهو فساد الموظفين في القطاعـات المختلفة و أساسه الحاجة الاقتصادية و يحدث عادة عندما يقوم الموظف بقبول أو طلب رشوة أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين ، كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغــلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة و ذلك بسرقة واختلاس أموال الدولة مباشرة.

ثانيا/ أنواع الفساد: نصنف الفساد هنا بحسب انتشاره إلى:

أ‌-                  فساد دولي: تأخذ ظاهرة الفساد أبعادا واسعة و كبيرة و تصل إلى نطاق عالمي و ذلك ضمن نطاق الاقتصاد الحر، وتصل الأمور أن تترابط الشركات المحلية والدولية بالدولة و القيادة السياسية بشكل منافع ذاتية متبادلة يصعـب الحجز بينها لهذا فهو الأخطر ، ولقد أشار تقرير منظمة الشفافية العالمية إلى أن الشركات الأمريكية هي أكثر الشركـات التي تمارس أعمالا غير مشروعة تليها الشركات الفرنسية،والصينية والألمانية وأن جيشا كبيرا من كبار الموظفين في أكثر من 136 دولة يتقاضون مرتبات منتظمة مقابل تقديم خدمات لتك الشركات.

      لقد احتل قطاع المقاولات وصناعـة الأسلحة في الدول الكبرى على سبيل المثال رأس القائمة من حيث كونها أكثر فروع النشاط الاقتصادي التي تنشط في مجال تقديم الرشاوى إلى المسئولين الحكوميين في الدول النامية لخدمة مصالحهم.

ب- فساد محلي: يقصد به ما يوجد من مظاهر الفساد داخل البلد الواحد، و لا ينأى عن كونه فساد صغــار الموظفين والأفراد ذوي المناصب الصغيرة في المجتمع عادة ممن لا يرتبطون بمخالفاتهم بشركات أجنبية تابعة لدول أخرى، و لا يزال هذا الفساد الأكثر انتشارا في المجتمعات ويتمثل أساسا في استغلال الوظيفة لأغراض شخصية والرشـــوة  والمحسوبية واستغلال النفوذ...      

ثالثا: أقسام الفساد:

          هناك تقسيمات عدة للفساد كما أن آثاره تختلف بحسب أسبابه وعوامله نتيجة اختلاف قيم و ثقافات المجتمعات، و لقد  صنف الباحثون  في الشؤون الاقتصادية الفساد إلى قسمين هما:

 أ- فساد القطاع العام:  لقد وجد قطاع الدولة لكي يبقى ، و بقائه مرهون بأدائه و فاعليته و تحقيق الأهـداف التي وجد من أجلها و هي خدمة المجتمع و تحقيق المصلحة العامة، و لكن الشكوى كانت و لا زالت من الفساد والـهدر الذي يعم مؤسسات الدولة حتى من هم في السلطة أنفسهم و في مختلف مواقعهم يشكون من الفساد بكل أشكاله ، إذا يبدو القطاع العام مرتعا خصبا للانحرافات الإدارية و السرقات المالية قصد تحقيق المصلحة الذاتية و تحويل مواقع العمل إلى "دكاكين" يجلب أصحابها المنافع و يستغلون المواقع ما دامت الدولة هي المالك الوحيد و تقوم في كل مرة بتعويض الخسائر و تغطية السرقات ، بل و ربما التستر على الفساد الأكبر أحيانا ( سياسة التطهير المالي للمؤسسات الاقتصادية...).

ب- فساد القطاع الخاص: لقد أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الشركات الأمريكية هي أكثر الشركـات التي تمارس أعمالا غير مشروعة تليها الشركات الفرنسية، و الصينية والألمانية و أن جيشا كبيرا من كبار الموظفين في كثير من الدول يتقاضون مرتبات مقابل تقديم خدماتهم. رابعا/ آثار الفساد: للفساد نتائج مكلفة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي و يمكن إجمال هذه النتائج على النحو الآتي

   أ- أثر الفساد على النواحي الاجتماعية: تؤدي ظاهرة الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية و الإحباط و انتشار اللامبالاة و السلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء و بروز الجريمة وانتشارها بكافة أنواعها كرد فعـــل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص.

كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية و فقدان قيمة العمل و التقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي و الرقابي و تراجع الاهتمام بالحق العام و الشعور بالظلم من غالبية المجتمع و زيادة الفقر و انتشار البطالة و الحرمان و زيادة المجموعات المهشمة و تدهور مستوى الأخلاق و موت الضمير وانهيار سلم القيم و اهتزاز الثقة و عرض كل شيء للبيع ..

ب- تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية: يؤدي الفساد إلى تأثير كبير على الحياة الاقتصادية منها:

       - الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، فالفساد يتعارض مع وجود بيئــة تنافسية حرة والتي تشكل إحدى الشروط الأساسية لجلب الاستثمارات التي تحتاجها الدولة سواء الدولية أو المحلية عـلى حد سواء مما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل و انتشار البطالة و الفقر– عقد صفقات مشبوهة.

       - هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة  والكلفة المادية الكبيرة للفساد عـــلى الخزينة العامة.

       - الفشل في الحصول على المساعدات الأجنبية كنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي.

       - هجرة الكفاءات الاقتصادية نتيجة عدم التقدير و انتشار المحسوبية و المحاباة في التوظيف.

ج- تأثير الفساد على النظام السياسي: للفساد آثار سلبية على النظام السياسي سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته و ذلك كما يلي:

      - يؤثر على مدى تمتع النظام بالديمقراطية و قدرته على احترام الحقوق الأساسية للمواطنين و في مقدمته الحق في المساواة و تكافؤ الفرص و حرية الوصول  إلى المعلومات و حرية الإعلام ، كما يحد من شفافية النظام و انفتاحــه.

     - اتخاذ قرارات مصيرية طبقا لمصالح شخصية دون مراعاة المصلحة العامة.

     - يقود إلى صراعات كبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات مختلفة.

     - يؤدي إلى خلق جو من النفاق  السياسي كنتيجة لشراء الو لاءات السياسية .

     -  يؤدي  إلى ضعف مؤسسات الدولة و مؤسسات المجتمع المدني و هو ما يحول دون وجود حياة ديمقراطيــة.

   - يؤدي إلى بروز فئة من المفسدين في النظام السياسي القائم  تكون بمثابة قدوة لفئة أخرى في نظام سياسي لاحـق.

   - ذهاب هيبة الدولة، بل سقوط الدولة نفسها بحيث يكون الشباب والنساء والعمال هم الذين يدفعون ثمن هذه الفاتورة الباهظة .