المحاضرة الثالثة :استراتيجية مكافحة الفساد
المحاضرة الثالثة :استراتيجية مكافحة الفساد
أولا/ استراتيجية مكافحة الفساد
يتصل بمفهوم الفساد مجموعة من المفاهيم الأخرى التي تشكل العناصر الأساسية في إستراتيجية أو الآليات الضرورية لمكافحته كالمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة، ويمكن توضيح كل منها كما يلي:
01/ المحاسبة : هي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم، أي أن يكون الموظفين الحكوميين مسؤولين أمام رؤسائهم (الذين هم في الغالب يشغلون قمة الهرم في المؤسسة أي الوزراء ومن هم في مراتبهم)الذين يكونون مسؤولين بدورهم أمام السلطة التشريعية التي تتولى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
2/ المساءلة: هي واجب المسؤولين عن الوظائف العامة، سواء كانوا منتخبين أو معينين، تقديم تقارير دورية عن نتائج أعمالهم ومدى نجاعتهم في تنفيذها، وحق المواطنين في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال الإدارات العامة (أعمال النواب والوزراء والموظفين العموميين) حتى يتم التأكد من أن عمل هؤلاء يتفق مع القيم الديمقراطية ومع تعريف القانون لوظائفهم ومهامهم، وهو ما يشكل أساسا لاستمرار اكتسابهم للشرعية والدعم من الشعب.
3/الشفافية: هي وضوح ما تقوم به المؤسسة ووضوح علاقتها مع المواطنين (المنتفعين من الخدمة أو مموليها) وعلنية الإجراءات والغايات والأهداف، وهو ما ينطبق على أعمال الحكومة كما ينطبق على أعمال المؤسسات الأخرى غير الحكومية.
4/ النزاهة: هي منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص والمهنية في العمل، وبالرغم من التقارب بين مفهومي الشفافية و النزاهة إلا أن الثاني يتصل بقيم أخلاقية معنوية بينما يتصل الأول بنظم وإجراءات عملية.
إن تعقد ظاهرة الفساد وإمكانية تغلغلها في كافة جوانب الحياة يقتضي تبني استراتيجية تقوم على الشمولية والتكامل لمكافحة هذه الظاهرة، على أن يسبق ذلك تحديدا لمفهوم الفساد وأسبابه وأشكاله ومن ثم العمل على التقليل من الفرص والمجالات التي تؤدي إلى وجوده أو تضفي عليه الشرعية والمقبولية من المجتمع.
وتعزيز فرص اكتشافه عند حدوثه، ووضع العقوبات الرادعة بحق مقترفيه.
وينبغي الإشارة إلى أن القضاء على الفساد يتطلب كذلك صحوة ثقافية تبين مخاطره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنشر الوعي بتكاليفه العالية.
كما ينبغي توفر الإرادة من قبل القيادة السياسية لمحاربة الفساد حتى يكون ذلك على مستوى الدولة والمجتمع أو على الأقل بان لا تصطدم توجهات مكافحة الفساد مع السلطة السياسية.
إن محاربة الفساد تتطلب رأيا عاما نشطا وواعيا يتابع الأحداث، ويهتم بالكشف عن حالات الفساد ويعاقب عليها من خلال الحرمان من التأييد الشعبي للعناصر الفاسدة في النظام السياسي.
إن استراتيجية محاربة الفساد تتطلب استخدام وسائل شاملة ومتواصلة ومتنوعة سياسية وقانونية وجماهيرية وذلك على النحو التالي:
1- تبني نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ فصل السلطات، وسيادة القانون، من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ أحكامه من جميع الأطراف، نظام يقوم على الشفافية والمساءلة
2- .بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه .
3- إعمال القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات، كقانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في القانون.
4- تطوير دور الرقابة والمساءلة للهيئات التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال مثل الأسئلة الموجهة للوزراء وطرح المواضيع للنقاش العلني، وإجراء التحقيق والاستجواب، وطرح الثقة بالحكومة.
5- تعزيز دور هيئات الرقابة العامة كمراقب الدولة أو دواوين الرقابة المالية والإدارية أو دواوين المظالم، التي تتابع حالات سوء الإدارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استعمال السلطة، وعدم الالتزام المالي والإداري ، وغياب الشفافية في الإجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة.
6- التركيز على البعد الأخلاقي في محاربة الفساد في قطاعات العمل العام والخاص والأهلي وذلك من خلال التركيز على دعوة كل الأديان إلى محاربة الفساد بأشكاله المختلفة، وكذلك من خلال قوانين الخدمة المدنية أو الأنظمة والمواثيق المتعلقة بشرف ممارسة الوظيفة (مدونات السلوك).
7- إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها.
8- تنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وتكلفتها الباهضة على الوطن والمواطن، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد التعليمية والمثقفين في محاربة الفساد والقيام بدور التوعية القطاعية والجماهيرية.
ثانيا/ الجهود الدولية والاقليمية في مكافحة الفساد:
ازداد الاهتمام الدولي بالفساد و المشكلات الناجمة عنه في العقد الأخير من القرن العشرين على نحو لم يكن معهودا من قبل،ومرد ذلك الاهتمام المتزايد يعود بتقدير كثير من الباحثين إلى تعاظم الآثار الاقتصادية و الاجتماعية السلبية للفساد على التنمية في الدول، وقد بذلت عديد من المنظمات و الهيئات الدولية جهودا كبيرة خلال السنوات العشرة الماضية في محاربة هذه الظاهرة و في الوقت ذاته حاولت تحقيق الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية على الصعيد الدولي، و يمكن إيجاز ابرز هذه الجهود فيما يلي:
أ- منظمة الأمم المتحدة: من خلال عدد من قرارات الأمم المتحدة سواء الصادرة عن الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي و الاجتماعي يتضح الاهتمام المتزايد و المستمر بقضية محاربة الفساد ويأتي هذا الاهتمام في إطار الاقتناع بعدد من الأمور و هي:
- إن قضية الفساد تهدد امن و استقرار المجتمعات، وتحد من قيمة الديمقراطية وتعرقل معدلات التنمية الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية.
- إن الفساد يرتبط بباقي أشكال الجريمة و بالتحديد الجريمة المنظمة و الجريمة الاقتصادية بما في ذلك قضية غسيل الأموال.
- إن الفساد أضحى ظاهرة عابرة للحدود القومية، وتناثر كافة المجتمعات و الاقتصاديات و بالتالي يصبح التعاون الدولي للسيطرة عليها و منها أمرا هاما.
- القناعة بأنه يجب تطوير معايير لتقديم المساعدات التقنية للارتفاع بمستوى نظم الإدارة العامة و تعزيز قيم الشفافية والمساءلة.
- من منطلق القناعة بان الرتيبات الموجودة على المستويات القومية و الدولية يجب أن يعاد النظر فيما بشكل دوري و أن يتحتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة.
من هذه المنطلقات صدر عن الأمم المتحدة العديد من القرارات لمواجهة هذه الظاهرة،فهناك القرار 121/45 في 14 ديسمبر 1990،و القرار 152/46 في 30 جويلية 1992 و قرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي 14/1995 في 24 جويلية 1995 بشان إجراءات مقاومة الفساد و 16/ 1998 بشان إجراءات مقاومة الفساد.
و قد أثمرت هذه الجهود بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 58/4 المؤرخ في 31 أكتوبر 2003 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد و التي كانت الجزائر من أولى الدول التي صادقت عليها، وتضع هذه الاتفاقية آليات تتضمن إجراءات التعاون بين الدول الأعضاء لإرجاع الممتلكات المسروقة إلى دولها الأصلية .تجريم و مقاضاة أعمال الرشوة و الاختلاس وغسل الأموال و إساءة استعمال السلطة كما تلزم الدول الأعضاء بسن قوانين تحظر أنواعا من الفساد مثل وضع إجراءات تجبر السياسيين و الأحزاب السياسة على الإعلان بصراحة عن كيفية تمويلها و يتوقع أن تحدث هذه الاتفاقية اختراقا في مكافحة الفساد.
ب- البنك الدولــي: وضع البنك الدولي عددا من الاستراتيجيات لمساعدة الدول على مواجهة الفساد وكان الهدف من هذه الإستراتيجية القضاء النهائي على الفساد،ولكن مساعدة الدول على الانتقال إلى بيئة ذا حكومة أحسن داءا مما يقلل الآثار السلبية للفساد على التنمية و تتضمن هذه الإستراتيجية أربعة محاور أساسية:
· منع كافة أشكال الاحتيال و الفساد في المشروعات الممولة من طرف البنك.
· تقديم العون للدول النامية التي تعتزم مكافحة الفساد و لا سيما فيما يتعلق بتصميم برامج المكافحة و ذلك بشكل منفرد أو بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية و لا يطرح البنك الدولي برنامجا موحدا لكل الدول النامية بل يطرح نماذج متفاوتة تبعا لظروف كل دولة أو مجموعة دول .
· اعتبار مكافحة الفساد شرطا أساسيا لتقديم خدمات البنك الدولي في مجالات رسم استراتيجيات المساعدة،وتحديد شروط و معايير الاقتراض و اختيار و تصميم المشاريع.
· تقديم العون و الدعم للجهود الدولية لمحاربة الفساد.
وقد قدر البنك الدولي أن الفساد يقضي على حوالي7% من الاقتصاد العالمي سنويا أي ما يقدر بنحو 2.3 تريليون دولار. و هو ما يعادل مجموع الميزانية الفيدرالية في
الولايات المتحدة الأمريكية.
ج- صندوق النقد الدولي : تعتبر الضوابط المتعلقة بتقديم قروض و مساعدات صندوق النقد الدولي التي أعلنت في شهر أوت 1977 ،أكثر تشددا من تلك الموضوعة من قبل البنك الدولي،إذ أكد الصندوق انه سيتوقف أو يعلق مساعداته المالية لأية دولة يثبت أن الفساد الحكومي فيها يعيق الجهود الخاصة بتجاوز مشاكلها الاقتصادية، وحدد الصندوق حالات الفساد بالممارسات المرتبطة بتحويل الأموال العامة إلى غير المجالات المحددة لها، وتورط الموظفين الرسميين في عمليات تحايل جمركية أو ضريبية، واستغلال الشرطة من قبل المشرفين عن المصارف، إضافة إلى الممارسات الفاسدة في مجال تنظيم الاستثمار الأجنبي المباشر كما اتخذ الصندوق موقفا حازما من الدول التي تعتبر رشوة الموظفين الحكوميين في الدول الأخرى نوعا من نفقات ترويح للأعمال تستوجب إعفائها من الضرائب.
و طرح الصندوق مجالين رئيسيين لمساهمته في مكافحة الفساد المجال الأول في تطوير إدارة الموارد العامة و يشمل ذلك إصلاح الخزينة و مديريات الضرائب و أسس إعداد الميزانيات العامة و إجراءات و نظم المحاسبة و التدقيق،أما المجال الثاني فهو خلق بيئة اقتصادية مستقرة و شفافة و بيئة أعمال نظامية تشمل تطوير القوانين المتعلقة بالضرائب و الأعمال التجارية.
د- الاتحاد الأوروبي: يواصل الاتحاد الأوروبي جهود في مجال محاربة الرشوة على المستوى الدولي و كانت المنطقة الأبرز في هذه الجهود تبني الاتحاد في ماي 1997 مشروعا جديدا للسياسات المناهضة للفساد.
هـ- منطقة الدول الأمريكية: وفقت 21 دولة عضو في المنطقة اتفاقية محاربة الفساد فيما بين الدول الأعضاء في مارس 1996 و قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتوقيع عليها في جويلية 1997 و تدعوا الاتفاقية إلى تجريم الفساد المحلي و الرشاوى الدولية،كما تتضمن مجموعة من الإجراءات الوقائية ضد الفساد، و تشجع القطاع الخاص في الجهود المبذولة
لمكافحة الفساد.
و- جامعة الدول العربية: على صعيد أقطارنا العربية كان لمجلس الوزراء الداخلية العرب وقفة أثناء انعقاد دورته السادسة عام 1987.فقد نبهوا إلى مخاطر الفساد و لأثاره السلبية و أكدوا على صبغته المالية و الدولية ودعوا إلى تقوية التعاون الدولي للحد من أثاره.
كما عقدت المنطقة العربية للتنمية الإدارية مؤتمرها العلمي تحت شعار آفاق جديدة لتقوية النزاهة و الشفافية و المساءلة الإدارية و كان ذلك في بيروت خلال 28-31 أكتوبر 2002 و قد شارك في هذا المؤتمر نخبة من القيادات الإدارية العربية منها الجزائر بالإضافة إلى حضور ممثلين عن هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية و قد أوصى المؤتمرون على العمل على نشر و تعميق الوعي لثقافة النزاهة والمساءلة بهدف الوصول إلى آليات عملية و تطبيقية وتكشف الممارسات السلبية الناجمة عن الفساد الإداري.
ي- الاتحاد الإفريقي: تبنى الاتحاد الإفريقي اتفاقية لمنع الفساد و محاربته التي اعتمدها رؤساء دول و حكومات الاتحاد الإفريقي في 12 جويلية 2003، وذلك بغرض تدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد و تسيير و دعم التعاون الإفريقي في مجال منع و مكافحة الفساد و كذا تعزيز النزاهة والمساءلة و الإدارة السلمية.