ثالثا / جريمة الإثراء غير المشروع
ثالثا / جريمة الإثراء غير المشروع
يقصد بالاثراء غير المشروع كل زيادة معتبرة تطرأ على الذمة المالية للموظف العمومي مقارنة بمداخليه المشروعة ولا يمكنه تقديم تبرير معقول لهذه الزيادة الملفتة لانتباه[1].
جريمة الاثراء غير مشروع[2] من الجرائم المستحدثة في إطار التزام المشرع الجزائري لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد واتفاقية الاتحاد الافريقي لمنع الفساد، أن تم النص عليها في المادة 37 من القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
ويقتضي لقيام جريمة الاثراء غير شرعي توفر أركان أساسية والتي سوف نوضحها كما يلي:
01/ أركان الجريمة : تقوم جريمة الاثراء غير المشروع على 03 أركان بالضافة الى ركن مفترض يتعلق بصفة الجاني كما سبق الذكر بإعتبارها جريمة من جرائم الفساد.
أ/ الركن المفترض : يشترط أن تتوفر صفة في الجاني وهي صفة الموظف العمومي كما سبق التفصيل في جريمة اختلاس الموظف العمومي للممتلكات العمومية واستعمالها على النحو غير شرعي والرشوة .
ب/ الركن المادي: يقتضي لقيام جريمة الإثراء غير المشروع توفر عناصر اساسية في سلوكها الاجرامي المتمثل في حصول زيادة في الذمة المالية للموظف العمومي ، والتي نوضحها على النحو التالي [3]:
ب-1/: لا بد أن تكون الزيادة معتبرة : يشترط القانون لقيام هذه الجريمة أن تطرأ زيادة معتبرة في الذمة المالية للموظف العمومي وتكون ملفتة للانتباه من خلال زيادة في ارصدته وممتلكاته العقارية والمنقولات سواء تغير نمط معيشته أم لا.
ب-2/ مقارنة بالمداخيل المشروعة : يجب أن تقارن هاته الزيادة المعتبرة مع مداخله المشروعة المتمثلة في كل ما يجنيه الموظف العمومي من عمله واملاكه وحتى ما تحصل عليه من الارث أو الهبة، عكس أن تكون متأتية من أعمال اجرامية كتبييض الاموال او نهرب ضريبي..الخ.
ب-3/ العجز عن تبرير الزيادة : عكس قواعد الاثباث التي يقع عبء الاثبات فيها على سلطة الاتهام، لكن في جريمة الاثراء غير مشروع يتعين أيضا على المتهم تبرير الزيادة التي طرأت على ذمته المالية، حيث إن كانت هناك زيادة فإن ملزم بتبيان مصدرها بأنه مشروع كحصوله على ارث او هبة زاد ذمته المالية ، وتقوم المتابعة الجزائية بمجرد الشبهة وعلى المشتبه فيه أن يثبت العكس.
ج / الركن المعنوي : لا تتطلب جريمة الاثراء غير مشروع قصد جنائي خاص بل يكفي نوفر القصد الجنائي العام، ويتمثل في انصراف ارادة الجاني الى تحقيق الجريمة بكامل اركانها كما حددها القانون وهو على علم بذلك، حيث أن المشرع لم يشترط العمدية في هذه الجريمة.
د/ الركن الشرعي : هو نص المادة 37 من القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بقولها: " يعاقب بالحبس من 02 سنتين الى عشر 10 سنوات وبغرامة من 200.000 دج الى 1.000.000 دج كل موظف عمومي لا يمكنه تقديم تبرير معقول للزيادة المعتبرة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة.
يعاقب بنفس عقوبة الاخفاء المنصوص عليها في هذا القانون، كل شخص ساهم عمدا في التستر على المصدر غير المشروع للاموال المذكورة في الفقرة السابقة بأية طريقة كانت.
يعتبر الاثراء غير مشروع المذكور في الفقرة الاولى من هذه المادة جريمة مستمرة تقوم إما بحيازة الممتلكات غير المشروعة أو إستغلالها بطريقة مباشرة او غير مباشرة ".
د-1/ إجراءات المتابعة : نفس الامر بالنسبة لهذه جريمة شأنها شأن جرائم الفساد فإنها تخضع لاحكام جرائم القانون العام أقر لها أساليب البحث والتحري الخاصة تسهيلا لجمع الادلة عن الجريمة ومرتكبيها، كما أقر المشرع الجزائري أيضا اجراءات وتدابير ترمي للكشف عن العمليات المالية المتصلة بجرائم الفساد والوقاية منه واسترداد العائدات المتأتية في إطار التعاون الدولي واسترداد الموجودات، وكإجراءات تحفظية إذا مثلا ما أرتيطت جريمة الفساد بجرائم أخرى أقر المشرع الجزائري امكانية الامر بتجميد وحجز العائدات والاموال المشبوهة الناتجة عن جرائم الفساد والجرائم المتصلة بها بأمر من السلطات القضائية المعنية ( كما تم التفصيل سابقا بجريمة اختلاس الموظف العمومي للممتلكات واستعمالها على نحو غير شرعي).
أما بخصوص تقادم الدعوى العمومية في جريمة الاثراء غير المشروع فإنها لا تتقادم طبقا لنص المادة 54 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم إذا حولت العائدات خارج التراب الوطني ، أما إذا لم تحول العائدات فإنها تخضع لقواعد واحكام قانون الاجراءات الجزائية لاسيما المادة 08 منه التي تحدد مدة تقادم الجنح 03 سنوات ، لكن الملاحظ من نص المادة 37 أعلاه ان المشرع الجزائري جعل جريمة الاثراء غير المشروع جريمة مستمرة تستمر بحيازة الممتلكات غير مشروعة او بإستغلالها بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
د-2/ العقوبات المقررة لجريمة الاثراء غير المشروع : لقد قرر المشرع الجزائري عقوبات اصلية وعقوبات تكميلية.
د-2/ أ/ العقوبات الاصلية : الحبس من 02 سنتين الى عشر 10 سنوات وبغرامة من 200.000 دج الى 1.000.000 دج.
ويعاقب ايضا على الاخفاء والتستر على مصدر الاموال غير المشروعة بنفس العقوبة.
تطبق عليها نفس احكام السالفة الذكر المتعلقة بالتشديد والاعفاء والمصادرة وابطال العقود والصفقات المنصوص عليها في قانون الفساد 06-01، أما بخصوص الشروع فإنه يعاقب في جرائم الفساد كلها كالجريمة نفسها والاشتراك يخضع لقواعد العامة المصوص عليه في قانون العقوبات وهذا ما تنص عليه المادة 52 من قانون 06-01 .
د-2/ب/ العقوبات التكميلية: أجازت المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته للجهة القضائية أن تتخذ بالعقوبات التكميلي الواردة في المادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات في حالة الإدانة بالجريمة.
[1] - حاحة عبد العالي، جريمة الاثراء غير مشروع في ضوء قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، مقال منشور بمجلة العلوم الانسانية، جامعة بسكرة، ع 06، الجزائر، 2009، ص 229.
[2] - هذه الجريمة تركت جدلا كبيرا حول اتفاقها مع مبدأ الشرعية من عدمه في أغلب التشريعات، لكن مصدرها في التشريع الجزائري هو الدستور الذي يمنع أن تكون الوظائف مصدر للثراء وليس وسيلة لخدمة المصالح الشخصية، انظر في ذلك المادة 24 من دستور الجمهورية الجديد20-442 المؤرخ في 30/12/2020 ( ج ر ع 82 /2020) المصادق عليه في الاستفتاء اول نوفمبر 2020.
[3] - فريد علواش، الاثراء غير مشروع وفقا لقانون الوقاية من الفساد ومكافحته، مقال منشور في مجلة الحقوق والحريات ، جامعة بسكرة ، ع 02، الجزائر، 2016، ص 499.