المحور الثاني: نماذج عن الجرائم الماسة بالأموال
أولا/ جريمة السرقة:

لقد عرف المشرع الجزائري جريمة السرقة من خلال نص المادة 350 من قانون العقوبات الجزائري المعدل والمتمم بقوله"" كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا".
الملاحظ من خلال هذا التعريف أن المشرع قام بمنح تعريف للفاعل لجريمة السرقة الذي لا يملك الشيء عن طريق اختلاسه، دون تحديد محل الاختلاس والتي قد تكون كل الاشياء المملوكة للغير الامتعة، الاشياء ذات قيمة، المنقولات، الحيوانات، الممتلكات الثقافية والفكرية وحتى الماء ، الغاز والكهرباء...الخ.
أما الفقه فقد عرف السرقة بأنها "إختلاسإجرامي لاشياء الغير"[1]، كما عرفت السرقة أيضا بأنها "إعتداء على ملكية منقول الغير وحيازته بنية التملك دون رضا صاحبه"[2].
أ / أركان جريمة السرقة :
جريمة السرقة كغيرها جريمة عمدية تقوم على أركان تتمثل في الركن الشرعي، والمادي والمعنوي، وهو ما نتطرق اليه بالشرح فيما يلي:
1-الركن الشرعي:هونصوص المواد في قانون العقوبات لاسيما المادة 350 ق ع ج التي تنص على أنه " كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا...............................
وتطبق نفس العقوبة على اختلاس المياه والغاز والكهرباء...
ويعاقب على الشروع في هذه الجنحة بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة ".
نجد أن المشرع الجزائري نص على تجريم ومعاقبة فعل السرقة أي كانت صفتها في قانون العقوبات وحدد أنواعها ووصفها القانوني، وذلك من خلال تحديد عقوبات مختلفة لجريمة السرقة، وهذا اعتمادا على الشيء المسروق او الزمان او المكان لوقوع فعل السرقة ، وهذا يكون قد منح العقوبة شرعية.
1- الركن المادي: يتكون في ثلاثة عناصر وهي الفعل والنتيجة والعلاقة السببية التي تربط بينهما، والفعل في جريمة السرقة هو الاختلاس،وهذا ما أكدته المادة 350 السالفة الذكر بقولها " كل من اختلس....."، وعليه سوف نبين فعل الاختلاس.
2-1* - فعـل الاختلاس: لم يحدد المشرع معنى الاختلاس وهو الركن الأساسي في جريمة السرقة الذي ظهرت عدة نظريات من أجل تعريفه وتبيان مقصوده.
*النظرية التقليدية أو نظرية تحريك الحيازة: التي عرفت الاختلاس في السرقة بأنه " اغتيال مال الغير دون رضائه"، وتميز بين السرقة وجريمتي النصب وخيانة الأمانة، حيث أن الجاني في جريمة السرقة لا يتسلم المال المسروق من المجني عليه وإنما يسلبه ويستولي عليه من حيازة المجني عليه إلى حيازته دون رضاء المجني عليه، أما في جريمة خيانة الأمانة فإن الجاني يكون قد استلم المال من المجني عليه بموجب عقد من عقود الأمانة، عكس جريمة النصب التي يحتال فيها الجاني على المجني عليه فيسلمه ماله برضاه. [3]
لكن ما يعاب على هذه النظرية أنها يشوبها قصور في تحديد صور أخرى للاختلاس التي يتحقق فيها الاستيلاء على المال، الأمر الذي أدى إلى ظهور نظرية جديدة.
نظرية التسليم الاضطراري أو النظرية التقليدية الجديدة : تقوم على فكرة جديدة تسمى فكرة التسليم الاضطراري لما تقتضيه ضرورات الأخذ والعطاء بين الناس على أن يرد الشيء أو مقابله إلى صاحبه في الحال، في حالة امتناع رده يسأل عن جريمة السرقة.[4]
ما يعاب على هذه النظرية أيضا أن الأخذ والعطاء ودواعي المعاملة بين معيار الناس واسع لا حدود له.
النظرية الحديثة( نظريةجارسون): ويعرف جارسون الاختلاس على أنه : الاستيلاء على حيازة الشيء بعنصريه المادي( الاستيلاء) والمعنوي دون علم ورضاء مالكه او حائزه الأول[5]، ويقصد بالحيازة هنا وضع مادي يسيطر به شخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه، وعليه تنقسم الحيازة إلى ثلاثة أنواع[6]:
- الحيازة التامة: يعني بها السيطرة الفعلية على الشيء ومباشرة جميع سلطات المالك عليه مع نية الاستئثار به كمالك للشيء.
- الحيازة الناقصة: يعني بها مباشرة الشخص بعض سلطات على الشيء بمقتضى عقد من عقود الأمانة كالإيجار و الرهن ....الخ.
- الحيازة المادية: ويعني بها وضع الشيء ماديا بين يدي الشخص بصفة عارضة ولا يتحقق لديه سلطة على الشيء لا بوصفه مالكا ولا صاحب حق عيني أوشخصي.
ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن تعريف الاختلاس يقوم على نتيجتين:
*الأولى: لا يتحقق الاختلاس إذا كان الشيء موجودا أصلا في حوزة المتصرف.
*الثانية : التسليم لا يمنع توافر الاختلاس لأنه يتنافى مع نزع الحيازة على الشيء.
2-2-عدم رضا المالك أو الحائز على الاختلاس:
لا يكفي لتوفر ركن الاختلاس أن تخرج حيازة الشيء من حائزة مالكه إلى الغير، وإنما يشترط أن يتم ذلك دون رضا وعلم المجني عليه.[7]
2-3- محل الجريمة : يقصد بمحل جريمة السرقة هو الشيء الذي يقع عليه فعل الاختلاس، و بالرجوع لنص المادة 350 أعلاه بقولها" كل من اختلسشيئا غير مملوك له يعد سارقا"، نستنتج أن عناصر محل جريمة السرقة هي:
- أن يكون محل الاختلاس شيئ: وبقصد بالشيء كل ما هوا غير إنسان، بشرط أن يكون هذا الشيئ ذو قيمة سواء مادية او معنوية.
- أن يكون الشيءمال منقولا: إن الاختلاس يقع إلا على الأشياء المنقولة ويمكن أن تكون أشياء قابلة للانفصال علىالعقار [8]، أو التي ليس لها جسم كالكهرباء والماء والغاز قبل وصولها إلى العداد ( طبقا لنص المادة 350/4).
- أن يكون الشيء مملوك للغير: يجب أن يكون الشيء المملوك للغير وغير مملوك للسارق، وهنا نفرق بين الأشياء المباحة التي لا مالك لها وهنا تكون ملكا للذي وضع يده عليها أولا مثل الطيور وهنا تصبح ملكا ل وفي حالة اختلاسها منه تعد سرقة، أما بخصوص الأموال المتروكة لتي تخلى صاحبها عن حيازتها فإنها غير سرقة، على عكس الأشياء والأموال المفقودة فتبقى ملكا لصاحبها ما دام هذا الأخير لم يرفع يده عن ملكيتها وبالتالي تعتبر سرقة.[9]
كما تعتبربعضالأفعال سرقة أيضا مثل:
*اختلاسالأشياء المحجوز عليها ولو كان حاصلا على مالكها طبقا لنص المادة 364ف1 ق ع ج.
*اختلاس أنواع الأشياء المنقولة المرهونة ضمانا للوفاء بدين طبقا للمادة 346ف3 ق ج.
*اختلاس الشريك أو الوارث على الأموال الشائعة بين الورثة طبقا للمادة 363 ق ع ج.
03-الركن المعنوي: هي جريمة عمدية تتطلب توافر قصد جنائي عام وخاص.
· القصد الجنائي العام : يقوم القصد الجنائي العام في جريمة السرقة على عنصر الارادة والمتمثلفي اتجاه ارادة ( حرة خالية من أي عيب) الجاني الى ارتكاب الاختلاس وذلك بإخراج الشيء او المال من حيازة المجني عليه لحيازة الجاني، وعنصر العلم بأركان الجريمة وانه يقوم بأخد شيء مملوك للغير دون رضاه وعلمه اي يجب توفر العلم لدى الجاني بأنه يقوم بفعل الاختلاس مع توفر عنصريه الاستيلاء على مال الغير دون علمه ورضاه .[10]
· القصد الجنائي الخاص: هو نية التملك اي توفر القصد القصد الجنائي للجاني بتوافر إرادة انتزاع الشيء المملوك للغير دون علم وإرادة المالك الشرعي أو الحائز بنية التصرف فيه كأنه ملكه حتى ولو لم تكن نيته التملك[11].
01- العقوبات المقررة:
· السرقة البسيطـة: هي جنحة السرقات الغير مقرونة بظرف مشدد ويعاقب عليها بالحبس من سنة(1) إلى خمس (5) سنوات وبالغرامة من 100.000 إلى 500.000 دج، ويعاقب على الشروع فيها كالجريمة التامة م 350 ف4 ق ع ج.
أنواع أخرى من السرقات البسيطة:
- جنحة سرقة الدواب والمواشي أو أدوات الزراعة أو المحاصيل من الحقول أو الأسماك من البرك أو الخشب من الغابات أو الحجارة من المحاجر المادة 361 ق ع.
- جنحة نزع نصب الحدود بنية السرقة المادة 362 ق ع.
- مخالفة سرقة المحصولات غير منفصلة عن الأرض المادة 450/5 ق ع.
- سرقة المحاصيل ومنتجات الارض المادة 461 ق ع.
* السرقة الموصوفة: هي السرقاتالمقرونة بظرف واحد أو أكثر من الظروف المشددة لجريمة السرقة والواردة في المواد 350 مكرر إلى 354 من ق ع ج وهي سرقات مشددة.
العقوبة:يعاقب على السرقة الموصوفة تبعا لطبيعة الظروف المشددة لها حسب الحالات الأربع التالية.
01-عقوبة السجن المؤبد:
* حسب المادة 351 ق ع:
-إذا توفر ظرف حمل السلاح ولو كان فردا واحدا دون توفر اي ظرف مشدد أخر.
-إذا كان الجناة يضعون الأسلحة في مركبة استقلوها الى مسرح الجريمة او استعملوها في تأمين فرارهم.
* حسب المادة 351 مكرر ق ع:
- إذا ارتكبت جريمة السرقة أثناء الظروف و الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات.
- إذا ارتكبت السرقة على احد الأشياء المعدة لسلامة وسائل النقل.
02-عقوبة السجن المؤقت من10-20 سنة (مع الغرامة من 1000.000 إلى 2000.000 دج):
* حسب المادة 353 ق ع، إذا ارتكبت السرقة مع توافر ظرفين على الاقل من الظروف التالية:
- استعمال العنف والتهديد به.
- السرقة ليلا.
- السرقة بواسطة شخصين أو أكثر.
- السرقة بواسطة التسلق أو الكسر أو بمفاتيح مصطنعة أو في المنازل.
- بواسطة مركبة ذات محرك.
- من احد الخدامين أو المستخدمين باجر.
- من احد المتدربين أو المتمرنين.
03–عقوبة السجن المؤقت من 02-10 سنوات (مع الغرامة من 200.000 إلى 1000.000 دج).
* حسب المادة 350 مكرر ق ع: استعمال العنف والتهديد أو إذا سهل ارتكابها ضعف الضحية الناتج عن (المرض، الضعف، الإعاقة، العجز، حالة الحمل للمرأة) سواء كانت هذه الظروف معلومة أو ظاهرة لدى الفاعل.
* حسب المادة 350 ق ع :
- كل من سرق أو حاول سرقة ممتلك ثقافي منقول محمي أو معرف.
04- عقوبة الحبس من 05 الى 15 سنة وبغرامة من 500.000 دج الى 1.500.000 دج على الجرائم المنصوص عليها في المادة 350 مكرر 1 ق ع وتوفر أحد الظروف التالية:
-إذا سهلت وظيفة الفاعل ارتكاب الجريمة.
-اذا ارتكبت الجريمة من طرف اكثر من شخص.
-إذا ارتكبت الجريمة مع حمل السلاح او التهديد باستعماله.
-اذا ارتكبت الجريمة من طرف جماعة اجرامية منظمة اوكانت ذات طابع عابر للحدود الوطنية.
04-عقوبة بالحبس من 05-10 سنوات (مع الغرامة من 500.000 إلى 1000.000 دج)، في حالة السرقة وتوافر ظرف واحد من الظروف الآتية:
* حسب المادة 352 ق ع:
- السرقة في الطرق العمومية ومركبات نقل المسافرين والموانئ الجوية أو البرية أو البحرية.
* حسب المادة 354 ق ع:
- السرقة ليلا.
- السرقة بواسطة شخصين أو أكثر.
- السرقة بواسطة التسلق أو الكسر أو بمفاتيح مصطنعة أو في المنازل.
العقوبات التكميلية لجريمة السرقة منها ما هو الزامي و منها اختياري ويكون بحسب كل وصف للجريمة طبقا للمواد 350 مكرر إلى 365 ق ع .
*موانع العقاب على جريمة السرقات: توجد حالتين:
*حسب المادة 368 ق ع: لا عقوبة على السرقات والاكتفاء بالتعويض المدني في حالة ارتكابها من قبل الأصول أو الفروع أو احد الزوجين.
*حسب المادة 369 ق ع: وجوب شكوى المتضرر في السرقات بين الأقارب والحواشي والأصهار حتى الدرجة الرابعة، وفي حالة سحب الشكوى يضع حد للمتابعة.
- لا يستفيد من عدم العقاب الفاعلون الاخرون سواء اصلييناو شركاء او محرضين.
- لا يستفيذ من عدم العقاب مرتكبوا جريمة الاخفاء م 369 ف2 ق ع ج.
تطبق الفترة الامنية على الجرائم المنصوص عليها في المواد 350 مكرر الة 354 و 370 مكرر وهذا ما تنص عليه المادة 371 مكرر ق ع.
[1] - سليمان بارش ، محاضرات في شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص، دار البعث، ط 1، 1985، ص76.
[2] - محمود نجيب حسني ، جرائم الاعتداء على الاموال ، ط3، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت – لبنان، د س ن، ص31..
[3] -R-Charles " Introduction a l’étude du vol en droit belge et en droit français " 1961, p16.
[4]- بارش سليمان، مرجع سابق ، ص78 وما يليها.
[5] - فتح الله خلاف ، جرائم السرقة ، منشأة المعارف ، الاسكندرية، 1997، ص 16 وما يليها.
[6] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، جرائم ضد الاشخاص، ضد الاموال، بعض الجرائم الخاصة،ط 22، ج 1،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2021، ص 263 .
[7]- أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجنائي الحاص، ط14 ، ج1، المرجع السابق ، ص179.
[8] - المنقول هو كل شيء أمكن نقله من مكان لاخر دون تلف، والعبرة في تحديد المنقول هي مال المال في يد السارق لا بوضعه القائم عليه، فالمنزل عقار بطبيعته لا تقع عليه جريمة السرقة بذاته ولكن يمكن أن تقع السرقة على ابوابه ونوافذه لانها عند انفصالها عليه تصبح منقول، أكثر تفصيل انظر في ذلك: محمد جبر السيد عبد جميل، عقوبة جريمة السرقة في القانون المصري والجزائري، دراسة تقويمية في ضوء الشريعة الاسلامية ، مقال منشور في مجلة صوت القانون ، ع 2، م 6،جامعة خميس مليانة، الجزائر، 2019، ص 156 وما يليها .
[9]- أما بخصوص الكنوز والاثار فهي مملوكة للدولة والاستيلاء عليها يعتبر سرقة ، أكثر التفاصيل انظر :عمري عبد القادر ، جريمة السرقة بين الشريعة والتشريع الجزائري مقال منشور بمجلة الدراسات القانونية ، ع1 ، م 3، جامعة يحي فارس المدية ، الجزائر، 2017 ، ص8.
[10]- فتح الله خلاف، المرجع السابق، ص 58 وما يليها.
[11] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص ، الجرائم ضد الاشخاص، الجرائم ضد الاموال، بعض الجرائم الخاص، ط 22، ج، المرجع السابق، ص 278 وما يليها.