تقنيات تحليل نص والتعليق على القرارات والأحكام القضائية وتقديمالاستشارة المحور الثالث :
أولا: تقنيات تحليل النصوص (منهجية التعليق على النصوص)
يعتبر التعليق وتحليل النصوص من بين الوسائل التي يعتمد عليها الطالب أو الممارس لمهنة لها علاقة بالقانون، ويلاحظ أن هذا النص هنا وارد في صيغة عامة ليشمل النصوص القانونية بالمفهوم الواسع سواء تعلق الأمر بالنصوص التشريعية المواد (القانونية) أو النصوص الفقهية، وذلك لأن التعليق هنا تحكمه قواعد عامة مشتركة مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصياتالتي تقتضيها طبيعة كل موضوع.
وهذا التحليل المعتمد يفرض تسلسلا منطقيا في الأفكار المكتوبة والربط فيما بينها وهذا يسمحلهذا التحليل أن يأتي متكاملا من كافة النواحي الواقعية والمنطقية والقانونية.
1-أهمية التعليق على النصوص القانونية
إن النص بصفة عامة قد يكون فقرة أو أكثر، ويمكن أن يتكون من جملة أو أكثر تتضمن فكرة أو مجموعة أفكار محددة، لذا فإن التعليق هو عمل مركب لأنه يقوم على مجموعة متناسقة من الأفكار تتعلق بمسألة قانونية معينة تعرض على الطالب لمناقشتها مبادئ، مفاهيم) والتمييز بين المسائل الأساسية والثانوية، وتبيان الأفكار الهامة والفرعية ومحاولة إقامة الروابط بينها وهذا يؤديإلى الحصول على معارف جديدة.
والمقصود أيضا بالنص القانوني موضوع التعليق هو كل نص يتضمن قاعدة أو قواعد قانونيةالنص الوارد في قانون صدر عن المشرع، بل يتعداه إلى أي نص يتضمن قاعدة أو قواعد قانونيةسواء كان النص مرسوما تنفيذيا أو تنظيميا أو قرارا إداريا صادرا عن سلطة مختصة[1].
والهدف من التعليق على النص القانوني يظهر في جانبين[2]:
الأول: هو تحديد إطار المناقشة بحيث يتقيد الطالب بالأفكار التي جاءت في النص دون التطرق إلى غيرها من الأفكار ولو كانت ذات علاقة، وهذا لتفادي الخروج على موضوع النص.
الثاني: السماح للطالب بإبداء رأيه اتجاه أفكار النص بالتأييد أو المخالفة مع تبرير موقفه الشخصي، مما له بإظهار استيعابه الجيد للمعلومات وقدرته على توظيفها، وبهذا يسمو يسمح الطالب إلى درجة استيعاب الأفكار والمفاهيم القانونية وترسيخها في ذهنه دون الاعتماد فقط علىطريقة الحفظ.
2-مراحل التعليق على النصوص القانونية
إن منهجية التعليق على النصوص القانونية بصفة عامة تتطلب مرحلتين:
أ- المرحلة التحضيرية (التعرف إلى النص أو التحليل الشكلي)
في هذه المرحلة يقوم الطالب بالتحليل الشكلي للنص ثم التحليل الموضوعي له، بمعنى أن يقوم الطالب بالتعرف إلى هذا النص ومعرفة عوامله ومضمونه أو موضوعه (مثلما يتم الأمر في حالالتعرف على الإنسان بهويته ومكان إقامته وتاريخ ومحل ولادته).
1-التحليل الشكلي للنص القانوني
يقصد به قراءة النص من الخارج وجمع كل المعلومات التي تعد أساسية والتي يعتمد عليهالتكون مدخلا للتحليل. وذلك عبر تحديد طبيعة النص وموقعه ونوعه.
- طبيعة النص (هوية النص)
إن أول عمل يقوم به الطالب هو تحديد طبيعة النص بشكل دقيق، فيتبين له بسهولة ما إذاكان النص هو نص دستوري أو نص اتفاقية دولية أو مواد تقنين معين أو مجموعة فقرات مأخوذة من مرجع فقهي معين (تشريعي أو فقهي).
ويتوجب على الطالب في هذا الخصوص أن يشير إلى مصدر هذا النص ورتبته ضمن سلم القواعد القانونية، وهل هو نص متكامل ورد ضمن قانون أو مرسوم أو قرار واحد، أو أنه جزء فقط من مادة أو عدة مواد من المصادر السالفة الذكر[3].
كما يتوجب على الطالب أيضا أن يبين التاريخ الذي صدر فيه النص موضوع التعليق باعتبارأن بعض القوانين قد تصدر في ظروف معينة وخاصة أحيانا[4]. وهكذا فإن تسليط الضوء علىالناحية التاريخية التي رافقت صدور النص القانوني من شأنه أن يساهم في إنجاح عملية التعليقبشكل كاف ومنطقي وسليم[5].
- موقع النص (المصدر الشكلي)
يجب تحديد موقع النص وتموضعه ضمن المرجع الذي أخذ منه بطريقة منتظمة وموثقة وذلك حسب طبيعة النص. فإذا كان النص تشريعيا يذكر الطالب موقعه من التقنين الذي أخذ منه، مثلا المادة الأولى من قانون العقوبات التي أشار إليها المشرع ضمن الجزء الأول الذي يتضمن المبادئ العامة. أما إذا كان النص فقهيا فيذكر الطالب موقعه من المرجع الفقهي الذي أخذ منه وذلك ببيانالعناصر المتعلقة بالمرجع.
- ظروف صدور النص (غايات النص)
لا يصدر عادة نص قانوني دون أن يكون هناك غاية يسعى المشرع إلى تحقيقها، وبالتالي عندما يسن المشرع قانونا معينا أو يبدي الفقيه رأيه في موضوع معين فعادة ما يكون لديه قناعةبأن القواعد التي يتضمنها هي حلول لمسائل معينة ( نص جديد تعديل النص قديم، تاريخ صدورالنص...الخ).
كما أن المبادئ التي يعتمد عليها يبحث الطالب فيها بمن تأثر المشرع أو الفقيه في الأخذ بها (التشريع الفرنسي، الشريعة الإسلامية...)، إضافة للمعلومات المتعلقة بالكاتب.
- أسلوب النص
يتضمن التحليل الشكلي أيضا وصف المظاهر الخارجية للنص من حيث تقسيمه البنية اللغوية، الأسلوب والمصطلحات المستخدمة[6]، طول وقصر النص، شرح المصطلحات المستخدمة ، البناء المطبعي للنص ( مثلا، يتضمن النص ثلاث فقرات: تبدأ الفقرة الأولى من وتنتهي عند).
2-التحليل الموضوعي
يقتضي التحليل الموضوعي دراسة النص من حيث المضمون، أي أنه ينصب على المسألة القانونية أو القاعدة القانونية التي يبنى عليها النص، ولا يمكن ذلك إلا بقراءة النصعدة مرات معدراسة كل كلمة وردت فيه وتحليل كل فقرة من فقراته.
-استخراج الفكرة العامة
يقصد بالفكرة العامة المعنى الإجمالي للنص ويسهل استخراجها بعد القراءة المتأنية للنصوفهمه وفهم المصطلحات الواردة فيه بحيث تتبين المسألة القانونية التي يتعلق بها.
-استخراج الأفكار الأساسية
بعد استخراج الفكرة العامة يقوم الطالب بتقسيم النص إلى فقرات تقسيما منطقيا بحيث تتضمنكل فقرة فكرة واحدة، ويقوم بوضع عنوان لكل فقرة ويفيد ذلك في التحضير لوضع خطة ملائمة.
طرح الإشكالية
الإشكالية أو المسألة المحورية التي يعالجها النص والتساؤلات الفرعية التي يثيرها الموضوعمحل الدراسة، وتمثل هذه التساؤلات العمود الفقري لخطة البحث.
ثانيا: المرحلة التحريرية
في هذه المرحلة يتم وضع خطة مناسبة لمناقشة المسألة القانونية المعروضة من خلال النص.
-وضع الخطة
بعد طرح الاشكالية واستخراج الفكرة العامة والأفكار الأساسية يقوم الطالب بوضع خطة (ولو مبدئية) تعبر عن التصور العام للموضوع، وذلك بترتيب الأفكار الأساسية ترتيبا منطقيا، وتحقيق التوازن بين مختلف تقسيمات البحث، ويعد ذلك دليلا على قدرة الباحث على التحليل وعدم الخروجعلى النص.
والهدف من وضع الخطة هو محاولة مناقشة النص بطريقة تحليلية انتقادية، فلا يكتفي الطالب بمجرد شرح النص، بل يجب عليه مناقشة الأفكار التي تضمنها النص وإبداء رأيه فيها مع التبريروالإضافة إن لزم الأمر[7].
-المناقشة
تتم المناقشة بتحرير ما جاء في عناوين الخطة بدء بالمقدمة ومرورا بصلب الموضوع والانتهاءبالخاتمة.
-المقدمة
يبدأ الطالب في المقدمة بعرض المسألة القانونية المراد مناقشتها بصورة مقتضبة ووجيزةومركزة، ومن أهم العناصر التي يجب أن تتضمنها المقدمة الإطار العام الذي يندرج فيه النصالقانوني، ثم ذكر طبيعة النص ومصدره وتاريخه ومكانه والنصوص المشابهة له، ثم إثارة الإشكاليةالتي يتمحور حولها هذا النص، ثم أخيرا الإعلان عن التقسيم المراد اعتماده للإجابة عن هذهالإشكالية.
-صلب الموضوع ( العرض)
يجب على الطالب لمناقشة موضوع النص أن يكون ملما بالجانب النظري الكافي، أو المعلومات الضرورية لمناقشة موضوع النص، كما يجب عليه أن يتجنب إعادة كتابة ما جاء في النص، بل عليه أن يشرح أفكار النص وينتقدها ويبدي رأيه فيها مع التبرير[8]، كما يجب عليه أن التطرق إلى مدى ملائمة القواعد التي يتضمنها النص مع الظروف السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية المصاحبة لصدور النص.
الخاتمة
يلخص الطالب في الخاتمة موضوع المسالة القانونية في فقرة وجيزة يليها عرض للنتائج والاستنتاجات التي تم التوصل إليها من خلال التحليل، والتي يمكن أن تكون
- موقف الباحث أو الطالب من رأي الكاتب أو المشرع مع عرض البديل إن كان له موقفمخالف.
- مقترحات مقدمة لتعديل أو مراجعة أو إلغاء أو تحسين النص سواء من حيث الصياغة أو من حيث الأحكام مع إمكانية طرح صيغة جديدة بديلة.
[1]حلمي محمد الحجار، المنهجية في حل النزاعات ووضع الدراسات القانونية، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، 2010، ص 515.
[2]غناي زكية، منهجية الأعمال الموجهة في القانون المدني، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعة، الجزائر، 2008، ص 74-73.
[3]حلمي محمد الحجار، المرجع السابق، ص 514.
[4]مثل القوانين التي تصدر مباشرة بعد تعديل الدستور، أو القوانين الصادرة إثر التصديق على المعاهدات و الاتفاقيات الدولية.
[5]وسام حسين عياض، المنهجية في علم القانون، الطبعة الأولى، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص 247.
[6]من الأحسن أن يشير الطالب إلى أهم المصطلحات القانونية التي جاءت في النص، ويشرحها بإيجاز وذلك لتفادي الخلط بين المصطلحات.
[7]عناي زكية، المرجع السابق، ص 81.
[8]عناي زكية، المرجع السابق، ص 84.