المبحث الثاني : خصائص القانون الدولي لحقوق الانسان
يتميز القانون الدولي لحقوق الانسان بعدة خصائص يمكن حصرها في شقين منها ما هو متعلق بمصطلح حقوق الانسان و أخرى مرتبطة بالقانون الدولي ، و عليه سنحاول التطرق الى كل منهما في شكل مطلبين.
المطلب الثاني : خصائص القانون الدولي لحقوق الانسان ( كتقنين دولي )
من حيث التقنين الدولي لحقوق الإنسان نجده يتميز عن غيره من فروع القانون الدولي العام بعدة خصائص إذ يعتبره الكثير من فقهاء القانون الدولي أولى من حيث الظهور والتطبيق باعتباره أسمى القوانين و أهمها.
1 - يتميز بكونه أسمى القوانين الدولية والوطنية أي أنه يعلو عن القوانين الأخرى، وهو الرأي الراجح عند الكثير من فقهاء القانون الدولي، بحيث يشبهونه بالمقارنة مع التشريعات الوطنية بالدستور، وآخرون يرون بأن سبب سموه راجع لعلاقته بالانسان، وبالتالي فإن الطابع الآمر لقواعده هي التي جعلته يتميز بهذه الصفة، وباعتبارها آمرة فهذا يعني أن على المشرع الوطني التقيد والاقتداء بها في سن التشريع على أساس أنها قواعد عالمية التزمت الدول من خلال انضمامها وتصديقها على الاتفاقيات الدولية المنظمة لهذا القانون، ومنه اعتراف الدول والحكومات بالطبيعة الآمرة له و سموه عن باقي القوانين الوطنية و الدولية .
زيادة على ذلك قيام العديد من الدول بتعديل تشريعاتها الوطنية وفق ما جاءت به الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان انما دليل على سمو هذا القانون بالإضافة الى تعاون الدول مع الأجهزة الدولية المكلفة بمراقبة و متابعة مدى احترام و تطبيق قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان على الصعيد الوطني والدولي تعبيرا على حسن نيتها في تنفيذ التزاماتها الدولية .
هذا و نصت المادة 27 من اتفاقية فيننا لعام 1969 المتعلقة بقانون المعاهدات على : « لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة ...». و منه نستنتج أن لهذا القانون الأفضلية و الأسبقية في التطبيق على القوانين الوطنية ، و ما على الدول إلا القيام بعملية الادماج حتى يكونا مكملين لبعضهما البعض في مجال حماية الانسان لأنها غاية مشتركة.
2 - قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان ملزمة لجميع الدول : و مفاده أن هذا القانون جاء لحماية الانسان أين ما كان و حيث ما وجد من الاعتداءات التي يمكن أن يتعرض لها داخل الدول من طرف الحكومات أو السلطات الاستعمارية أو حتى من الجماعات المتمردة ...و غيرها سواء كانوا فرادى أو جماعات ، رعايا أم أجانب ، أو أقليات عرقية أو دينية أو كانوا لاجئين .
على هذا الأساس يجب على كل دولة توفير أكبر قدر من الحماية ، حتى و إن لم تكن طرف في الاتفاقيات ، إذ يجب عليها احترام و التقيد بقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان في تعاملاتها مع الأفراد بغض النظر عن النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي الذي تنتهجه ، لأنه في حالة وجود انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان سيؤدي الى تحرك المجتمع الدولي للمطالبة باحترام القانون الدولي و دعوة الدول الى اتخاذ الاجراءات الوطنية اللازمة لتحقيق الحماية و هذا ما تم تأكيده في الاعلان المنبثق عن المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الانسان المنعقد في فيينا سنة 1993 حيث جاء في الفقرة الأولى منه : « يؤكد المؤتمر العالمي الثاني حول حقوق الانسان على الالتزام العلني و العملي لكل الدول على ترقية الاحترام و حماية حقوق الانسان و الحريات الأساسية للجميع تماشيا مع ميثاق الأمم المتحدة و الصكوك الدولية الأخرى الخاصة بحقوق الانسان ».
وعليه فإن أي تعدي صارخ لحقوق الانسان من الطرف الدول أو غيرها حتى و ان لم تكن طرف متعاقد في الاتفاقيات الدولية سيعرضها للمسائلة من طرف المجتمع الدولي عن طريق الآليات الدولية ( العالمية ) أو القارية أو الاقليمية المكلفة بالرقابة والاشراف على احترام و تنفيذ القانون الدولي لحقوق الانسان على الصعيد الداخلي والدولي ، دون أن ننسى المسائلة الجنائية للأشخاص المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لهذا القانون من طرف القضاء الوطني للدول باعتباره صاحب الولاية العامة ( الاختصاص الأصيل ) أو من طرف القضاء الدولي ، كما قد تؤدي مثل هذه الخروقات في بعض الحالات المستعجلة الى تدخل انساني أو عسكري لبسط الأمن و السلم الدوليين في مثل هذه الظروف.
3- القانون الدولي لحقوق الانسان يطبق زمن السلم و يمتد زمن الحرب : في الأصل القانون الدولي لحقوق الانسان النطاق الزماني لتطبيقه هو زمن السلم و الحرب معا لماذا ؟ لأن غايته الأولى و الأساسية هي حماية الانسان بغض النظر عن الظروف والأوضاع التي يكون فيها ، لكن بوجود قانون خاص بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ( قانون الحرب أو ما يعرف اليوم بالقانون الدولي الانساني ) يرى البعض من فقهاء القانون الدولي أنه بمجرد اندلاع نزاع مسلح يبدأ سريان القانون الدولي الانساني و تتوقف جميع القوانين الأخرى ، أما أغلبية الفقهاء يرون أن كلا القانونيين هما دوليان و هدفهما مشترك و أنهما مكملان لبعضهما البعض في مجال الحماية المقررة للإنسان وهذا هو الرأي الراجح نظرا لما تتعرض له حقوق الانسان من انتهاكات جسيمة في هذه الفترة وبالتالي لا يجوز استبعاد تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان.
كدليل على صحة الرأي الثاني لفقهاء القانون الدولي كون القانونين مكملان لبعضهما البعض اذا أخذنا مثلا حماية المرأة أو الطفل في القانون الدولي لحقوق الانسان يحظى كل منهما بحماية خاصة و هو الأمر نفسه في القانون الدولي الانساني ومنه نستنج أن كلاهما مكمل للآخر بحكم أن الغاية واحدة و مشتركة وهي تحقيق الحماية ، نفس الأمر بالنسبة لحماية اللاجئين أو مثلا حظر ارتكاب بعض الجرائم الدولية كحظر جريمة الابادة و ضد الانسانية و الأفعال المصنفة على أنها جرائم الحرب جريمة التعذيب ... و غيرها فكل هذه الانتهاكات الجسيمة هي من الأفعال المجرمة بموجب القانونين ، لكن لا ننكر وجود اختلاف بينهما في العديد من المحاور التي لا تدخل ضمن مجال دراستنا فقط نحن نركز على غاية كل منهما .