المبحث الأول:تعريف الصفقات العمومية وأنواعها

المبحث الأول: تعريف الصفقات العمومية وأنواعها

يقصد بكلمة صفقة من الناحية اللغوية عقد اتفاق على تسليم بضاعة أو تقديم خدمة، فيقال هذه صفقة رابحة، وجمعها صفقات فيقال هذه صفقات رابحة[1]، وأما من الناحية الاصطلاحية تستعمل كلمة الصفقات العمومية للدلالة على طائفة معينة من العقود التي تبرمها الهيئات العمومية بغرض إنجاز أشغال أو الحصول على لوازم أو خدمات أو إنجاز دراسات، وتصنف هذه الطائفة من العقود في مجال الدراسات القانونية ضمن الأعمال التعاقدية للإدارة، والتي تستند إلى مبدأ سلطان الإرادة، غير أن المشرع أحاطها بجملة من الإجراءات والشروط التي تنسجم مع أهداف المصلحة العامة، وهذا ما يمنحها نظام قانوني متميز، لذلك سنحاول في هذا المبحث تحديد مفهوم الصفقات العمومية، والعمل على  إبراز أهم العناصر المميزة لها عن باقي العقود الأخرى (المطلب الأول)، ثم نتطرق بعد ذلك إلى أنواع الصفقات العمومية من خلال عرض مختلف المعايير التي ساهم بها كل من الفقه والقضاء في هذا المجال ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف الصفقات العمومية

لقد حاولت مختلف النصوص القانونية المتعاقبة إعطاء تعريف للصفقات العمومية، ورغم بعض الاختلافات البسيطة من حيث الصياغة، فهي تتشابه من حيث مضمونها والعناصر التي ترتكز عليها في تعريف هذه الطائفة من العقود ( الفرع الأول)، إضافة إلى التعريف التشريعي، فقد ساهم كل من القضاء والفقه كذلك بالكثير من الاجتهادات والتي ساعدت على وضع معايير لتمييز الصفقات العمومية عن باقي العقود الأخرى ( الفرع الثاني). 

الفرع الأول: التعريف التشريعي للصفقات العمومية

لقد حرص المشرع الجزائري عبر مختلف النصوص القانونية على إعطاء تعريف للصفقات العمومية، يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية وهي شكل العقد، وموضوع العقد والشروط التي تحكم العقد، حيث عرفها الأمر 67-90 في المادة الأولى منه بقولها" إنالصفقاتالعموميةهيعقودمكتوبة مبرمة وفق الشروط التي يحددها هذا القانون، من طرفالدولة، العمالات،البلديات، المؤسسات والدواوين العمومية وكذلك الشركات الوطنية،قصدإنجازأشغال، اقتناء توريدات، الحصول على خدمات[2]''، كما عرفها المرسوم رقم 82-145من خلال نص المادة الرابعة منه، والتي جاء نصها كالتالي " صفقات المتعامل العمومي عقود مكتوبة حسب التشريع الساري على العقود ومبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم، قصد إنجاز الأشغال و اقتناء المواد والخدمات"،  ونفس هذا التعريف تقريبا تضمنه المرسوم التنفيذي رقم 91-434 في المادة الثالثة منه والتي جاءت صياغتها كالتالي: " الصفقات العمومية، عقود مكتوبة حسب مفهوم التشريع الساري على العقود، ومبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم، قصد انجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات لحساب المصلحة المتعاقدة".

                وهذا النص الأخير، يتكرر بنفس الكيفية ودون تغيير في المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي رقم 02-250 وفي المادة الرابعة من المرسوم الرئاسي رقم 10-236، وصولا إلى أخر نص وهو المرسوم الرئاسي رقم 15-246 والذي حمل تغييرات طفيفة في تعريف الصفقات العمومية، تضمنتها المادة الثانية منه والتي جاءت صياغتها  كالتالي: " الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين اقتصاديين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم، لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واللوازم والخدمات والدراسات."

ونستخلص من نص هذه المادة العناصر الأساسية التالية:

‌أ-        أن الصفقات العمومية هي عقود مكتوبة : تتوفر الصفقات العمومية على الأركان الأساسية للعقد المتمثلة في الرضا والمحل والسبب، علاوة على ذلك فإن هذه العقود ينبغي أن تكون مكتوبة، والكتابة هنا ليست ركنا من أركان العقد وإنما شرط متعلق بصحة العقد وهذا بنص القانون، ولقد استقر الفقه والقضاء في فرنسا على وجود عقود إدارية غير مكتوبة في حالات عديدة.

‌ب-   أن الصفقات العمومية تخضع لشروطيحددها المرسوم: وهذا يعني أن هذا النوع من العقود، إضافة إلى كونها تقوم على وجود الأركان الأساسية للعقد،فهي تخضع كذلك لشروط خاصة يحددها القانون وفق أهداف المصلحة العامة.

‌ج-    أن الصفقات العمومية تبرم من أجل تلبية حاجات المصلحة المتعاقدة: فالصفقات العمومية تبرم من أجل تلبية حاجات المصلحة المتعاقدة، وبذلك فإنه لا يجوز لهيئة عمومية إبرام صفقة لفائدة هيئة أخرى، ماعدا في حالات الإشراف المنتدب المحددة قانونا[3]، إلى جانب ذلك فإن المجالات التي تبرم فيها الصفقات العمومية محددة بموجب القانون، فهي تشمل إحدى العمليات التالية: إما إنجاز أشغال أو اقتناء اللوازم، أو إنجاز دراسات أو تقديم خدمات[4]، وجميع العقود التي تبرم خارج هذه المجالات، لا تعتبر صفقات عمومية و لا تخضع لأحكام هذا القانون[5].

‌د-      أن الصفقات العمومية تبرم بمقابل: وهذا العنصر يشكل إضافة جديدة في تعريف الصفقات العمومية لم تتضمنه النصوص السابقة، والقول أن الصفقات العمومية تبرم بمقابل، فهذا يعني أن تتحمل المصلحة المستفيدة من الخدمات المقدمة بموجب هذا العقد التبعات المالية الناتجة عن ذلك، وقد عمل قانون الصفقات العمومية على تحديد الحدود المالية الدنيا المقررة لذلك، حيث أن جميع صفقات الأشغال واللوازم التي يتجاوز مبلغها اثنى عشر ة مليون دينار جزائري (12000.000 دج)، وجميع صفقات الدراسات والخدمات التي يتجاوز مبلغها ستة ملايين دينار جزائري (6.000.000دج)، ينبغي أن تخضع في إبرامها للشروط والإجراءات الشكلية المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية[6].

أما الخدمات التي قد تتحصل عليها الهيئات العمومية في بعض الحالات دون مقابل مالي كالهبات والوصايا، فهي لا تعتبر صفقات عمومية ولا تطبق عليها أحكام هذا القانون، كذلك الحال بالنسبة للعقود التي يتحمل فيها الطرف المتعاقد أخطار الاستغلال، ليست صفقات عمومية بل تعتبر عقود تفويض المرفق العام، وتخضع لأحكام الباب الثاني من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 السالف ذكره.

أن الصفقات العمومية تبرم مع متعاملين اقتصاديين: ويقصد بالمتعامل الاقتصادي كل عون اقتصادي مهما كانت صفته القانونية، والذي يتدخل كمنتج أو تاجر أو حرفي أو مقدم خدمات، يمارس نشاطه في الإطار المهني العادي أو بقصد تحقيق الغاية التي تأسس من أجلها[7]، و يمكن أن يكون هذا المتعامل المتعاقد إما شخصا أو عدة أشخاص طبيعيين أو معنويين، يلتزمون بمقتضى الصفقة إما فرادى وإما في إطار تجمع مؤقت لمؤسسات[8].

و بذلك لا تعتبر صفقات عمومية تلك العقود المبرمة من طرف الهيئات والإدارات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري فيما بينها، وكذلك العقود المبرمة مع مؤسسات عمومية، عندما تزاول هذه المؤسسات نشاطا غير خاضع للمنافسة، العقود المبرمة مع بنك الجزائر، العقود المبرمة بموجب إجراءات المنظمات والهيئات الدولية، والعقود المبرمة مع هيئات مركزية للشراء[9]. وهذا ما تؤكده كذلك المادة 07 من المرسوم الرئاسي 15-247، المتضمنة للاستثناءات الواردة على تطبيق قانون الصفقات العمومية.

ويلاحظ من خلال هذه العناصر السالفة الذكر، أن التعريف الذي تضمنته المادة الثانية من المرسوم الرئاسي 15-247، يشوبه بعض الغموض، لأن قراءة هذه المادة وحدها لا يعطي أي فكرة عن طبيعة الهيئات المعنية بهذه العقود، ولا يمكن فهم ذلك إلا بالرجوع إلى نص المادة السادسة (06) من نفس المرسوم والتي تحدد الهيئات الخاضعة لأحكام قانون الصفقات العمومية وهي: الدولة، الجماعات الإقليمية، المؤسسات  العمومية ذات الطابع الإداري، المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري، عندما تكلف بإنجاز عملية ممولة كليا أو جزئيا بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة أو من الجماعات الإقليمية.

الفرع الثاني: التعريف القضائي والفقهي للصفقات العمومية

علاوة على التعريف التشريعي للصفقات العمومية، فقد ساهم كل من القضاء والفقه في إيجاد عدة معايير لتحديد طبيعة هذه العقود و معرفة مجال تطبيقها، وبشكل عام يمكن حصر هذه المعايير كالتالي:

أ ـ المعيار العضوي: إن أهم ما يميز الصفقات العمومية عن باقي العقود الأخرى من الجانب العضوي، هو أن يكون أحد أطرافها شخص من أشخاص القانون العام، أي الدولة، الولايات والبلديات، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري[10]، وحسب هذا المعيار، فإن جميع العقود التي لا يكون فيها أحد  الأشخاص الاعتبارية العامة السالفة الذكر طرفا فيها، فهي لا تعتبر صفقات عمومية ولا تخضع لأحكام هذا القانون[11].

 غير أنه يلاحظ، أن مجال تطبيق أحكام قانون الصفقات العمومية لا يقتصر فقط على أشخاص القانون العام، إنما يشمل كذلك العقود التي تبرمها هيئات أخرى تخضع في نشاطها للقانون الخاص، وتتمثل في المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري، عندما تكلف بإنجاز عمليات ممولة كليا أو جزئيا، بمساهمة من الدولة أو الجماعات الإقليمية[12]. والصفقات المبرمة من طرف صاحب المشروع المنتدب[13]، ويقصد بذلك المؤسسات التي يفوض لها الإشراف على مشروع أو برنامج للتجهيزات العمومية من طرف الدولة عن طريق ما يسمى باتفاقية الاشراف المنتدب، فقد تكون إما مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي تجاري، أو مؤسسات عمومية ذات طابع علمي وتكنولوجي، أو مراكز  وطنية للبحث والتطوير، أو مؤسسات عمومية اقتصادية[14] .

أما بالنسبة للمؤسسات العمومية الاقتصادية، فقد استبعدت بنص صريح من مجال تطبيق أحكام قانون الصفقات العمومية وهذا مراعاة لخصوصية نشاطها الاقتصادي، إلا أنها تبقى ملزمة باعتماد إجراءات داخلية تكرس المبادئ الأساسية الثلاثة التي تقوم عليها الصفقات العمومية[15]، والمتمثلة في حرية المنافسة، المساواة في التعامل مع المترشحين وشفافية الإجراءات، إلى جانب كذلك حصولها على موافقة هيئاتها الاجتماعية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون التجاري وقوانينها الأساسية[16]، وهذا الوضع ينطبق كذلك على باقي الهيئات الأخرى التي لا تخضع لقواعد المحاسبة العمومية والتي تستعمل أموالا عمومية، فهي ملزمة كذلك حسب المادة الحادي عشر  من قانون الصفقات العمومية. بإعداد إجراءات لإبرام عقودها على أساس المبادئ السالف ذكرها.

تجدر الإشارة كذلك، إلى أن المشرع استبعد ولاعتبارات مختلفة تسعة (09) أنواع أخرى من العقود من مجال تطبيق أحكام قانون الصفقات العمومية، وهي محددة على سبيل الحصر كالتالي[17]:

-          العقود المبرمة من طرف الهيئات والإدارات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري فيما بينها.

-          العقود المبرمة مع المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، عندما تزاول هذه المؤسسات نشاطا لا يكون خاضعا للمنافسة.

-          العقود المتعلقة بالإشراف المنتدب على المشاريع.

-          العقود المتعلقة باقتناء أو تأجير اراضي أو عقارات.

-          العقود المبرمة مع بنك الجزائر.

-          العقود المبرمة بموجب اجراءات المنظمات والهيئات الدولية أو بموجب الاتفاقات الدولية، عندما يكون ذلك مطلوبا.

-          العقود المتعلقة بخدمات الصلح والتحكيم.

-           العقود المبرمة مع محامين بالنسبة لخدمات المساعدة والتمثيل.

-          العقود المبرمة مع هيئة مركزية للشراء خاضعة لأحكام قانون الصفقات العمومية وتتصرف لحساب المصالح المتعاقدة.

ب  ـ المعيار الموضوعي : لا تعتبر جميع العقود التي تبرمها الإدارة صفقات عمومية، حيث أن المادة الثانية من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 في تعريفها للصفقات العمومية، قد حددت الغاية من إبرام هذا النوع من العقود والمتمثلة في تلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واللوازم والخدمات والدراسات، وهو نفس التصور الذي تؤكده المادة 29 من المرسوم السالف ذكره والتي حددت موضوع الصفقات العمومية، والذي يشمل إحدى العمليات التالية: إنجاز أشغال، اقتناء اللوازم، إنجاز الدراسات، تقديم الخدمات.

ج ـ  المعيار الشكلي: حسب المادة الثانية من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، فإن الصفقات العمومية هي عقود مكتوبة، ويتضح من هذا التعريف أن عنصر الكتابة من حيث المبدأهو شرط ضروري لشرعيةالصفقات العمومية وتنفيذها، وهذا باعتبار أن هذه الطائفة من العقود الإدارية تشكل الأداة الرئيسية لتنفيذ برامج التنمية الوطنية، وتتحمل أعباءها المالية الخزينة العمومية[18].

وإذا كان عنصر الكتابة ضروري لشرعية هذه العقود قابليتها للتنفيذ[19]، فقد أجاز المشرع في بعض الحالات الشروع في تنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقة العمومية، حيث تنص المادة 12 من قانون الصفقات العمومية، أنه في حالة الاستعجال الملح المعلل بخطر داهم يتعرض له ملك أو استثمار قد تجسد في الميدان، أو وجود خطر  يهدد استثمارا أو ملكا للمصلحة المتعاقدة أو الأمن العمومي، ولا يسعه التكيف مع إجراءات إبرام الصفقات العمومية، ولم يكن بوسع المصلحة المتعاقدة  توقع الظروف المسببة لحالات الاستعجال، ولا تكون نتيجة مناورات للمماطلة من طرفها، يمكن الترخيص بمقرر معلل الشروع في تنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقة العمومية[20].

وينبغي على المصلحة المتعاقدة في مثل هذه الحالات، إرسال نسخة من المقرر السالف ذكره إلى مجلس المحاسبة وإلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام وإلى كذلك المفتشية العامة للمالية، وتبرم بعد ذلك وفي أجل لا يتعدى ستة (06) أشهر صفقة تصحيحية لتسوية الوضع[21]، وتعرض هذه الصفقة كذلك على الهيئات المختصة للرقابة الخارجية للصفقات العمومية.

د ـ المعيار المالي: لقد حرص المشرع في مختلف القوانين المتعلقة بالصفقات العمومية على تحديد الحد المالي الأدنى المطلوب لإبرام الصفقات العمومية حسب الظروف الاقتصادية لكل مرحلة، وهذا لتيسير عمل الإدارة وعدم إلزامها بالتعاقد وفق الإجراءات التي يتطلبها قانون الصفقات العمومية في جميع الطلبات التي تقوم بها، حيث أن الطلبات ذات المبالغ البسيطة والمرتبطة بالتسيير اليومي للمرافق العامة، لا تخضع لأحكام قانون الصفقات العمومية وإنما لنصوص تنظيمية داخلية للإدارة، بينما الطلبات التي تستهلك مبالغ مالية كبيرة من الميزانية العمومية تفوق الحد المالي الأدنى المطلوب، فقد فرض عليها رقابة مشددة وأخضعها لأحكام قانون الصفقات العمومية.

وفي مسألة تحديده للحد المالي الأدنى المطلوب،  فقد عمل المشرع كذلك على التمييز بين الصفقات المتعلقة بالأشغال واللوازم والصفقات المتعلقة بالخدمات والدراسات، حيث أن جميع الصفقات العمومية التي تزيد قيمتها المالية عن 12.000.000دج بالنسبة للأشغال واللوازم، وعن 6.000.000 دج بالنسبة للدراسات والخدمات، تقتضي إبرامها وفق الشكليات والإجراءات المنصوص في قانون الصفقات العمومية[22].

المطلب الثاني: أنواع الصفقات العمومية

يعتمد الفقه في تصنيفه للصفقات العمومية على معايير عديدة، فمن حيث الموضوع فهي تقسم إلى صفقات أشغال وصفقات لوازم وصفقات خدمات وصفقات دراسات، ومن حيث طريقة إبرامها فهي تقسم  إلى صفقات بالتراضي وصفقات عن طريق المنافسة، وأما من حيث طرق التسديد المالي، فتقسم إلى صفقات ذات أسعار بالوحدة وصفقات ذات أسعار أجمالية أو جزافية، وتقسم كذلك إلى صفقات ذات أسعار قابلة للمراجعة وصفقات غير قابلة للمراجعة وصفقات ذات أسعار مختلطة.

سنحاول فيما يلي، أن نوضح مختلف أنواع هذه الصفقات العمومية، معتمدين في ذلك على الأحكام التي تضمنها المرسوم الرئاسي رقم 15-247. 

الفرع الأول: تصنيف الصفقات العمومية من حيث موضوعها

تعرف الصفقات العمومية، على أنها عقود مكتوبة تبرمها المصلحة المتعاقدة من أجل تلبية حاجاتها في مجال الأشغال، أو اللوازم، أو الدراسات، أو الخدمات، وتبعا لذلك فإنه توجد أربعة أنواع من الصفقات العمومية وهي :   صفقات الأشغال، صفقات اللوازم، صفقات الدراسات وصفقات الخدمات[23].

أ ـ صفقات الأشغال ( Marchés de travaux)

تعتبر صفقات الأشغال أولى أنواع الصفقات العمومية التي عرفتها الإدارة، و لقد اقتصر تطبيقها في بداية ظهورها بفرنسا على بعض القطاعات الاستراتيجية، وكانت تطلق عليها تسمية صفقات الأشغال العامة ، ولم تكن تخضع في تلك المرحلة لنظام قانوني موحد وإنما لنصوص متفرقة حسب القطاعات الوزارية المعنية،  ولكن مع التطور الذي عرفه مفهوم الأشغال العامة، بدأ يتشكل تدريجيا نظام قانوني موحد لهذه العقود، وأصبحت تعرف باسم الصفقات العمومية للأشغال، ولقد ساعد ذلك على توسيع تطبيق هذا النظام على باقي العقود الأخرى التي تبرمها الإدارة والمتعلقة باللوازم والخدمات والدراسات.

و في تعريفه لهذا النوع من العقود (أي عقود الأشغال العامة)، كان الفقه الكلاسيكي يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية وهي[24].

- أن ينصب العقد على عقار: كأن تتضمن الصفقة إنجاز سكنات أو مباني خاصة ببعض المرافق العامة، أو بناء جسور ومنشآت فنية، إنجاز الانفاق والطرقات وغيرها، و لا تقتصر صفقات الأشغال على عمليات البناء فقط بل تشمل كذلك عمليات الإصلاح والترميم والصيانة، والتدعيم والهدم التي تمس العقارات أي كانت طبيعتها.

و تبعا لذلك، فإن جميع الأشغال التي تخص منقولات مملوكة للإدارة العمومية، لا يمكن اعتبارها أشغال عامة، مهما كان حجم هذه المنقولات وضخامتها، وعلى هذا الأساس لم يعتبر القضاء الإداري الفرنسي من عقود الأشغال العامة الأعمال المتعلقة بتركيب منصات متحركة أو بناء السفن والحاملات المتحركة للطائرات. وعلى العكس من ذلك، فقد اعتبر من عقود الأشغال العامة بعض الأعمال رغم بساطتها، مثل تسوية العشب الطبيعي بالساحات العمومية أو تركيب خطوط الهاتف أومد أسلاك كهربائية[25]. معتمدا في ذلك على المعيار المادي.

- أن تكون الاشغال لحساب شخص معنوي عام: بحيث ينبغي أن تتم الأشغال لحساب شخص معنوي عام إقليمي أو مرفقي، ولا يشترط أن يكون العقار مملوكا له، بل يكفي أن يكون العمل تحت إشرافه ولحسابه[26]

- أن تهدف هذه الاشغال إلى تحقيق منفعة عامة: إن تحقيق المنفعة العامة هو الهدف الرئيسي لنشاط جميع الهيئات العمومية، غير أن وجود شخص معنوي عام لا يكفي لإضفاء صفة الأشغال العامة على جميع الأعمال التي تقوم بها هذه الهيئات، بل ينبغي أن تهدف تلك الأعمال إلى تحقيق منفعة عامة، ويستتبع ذلك بالقول أن ما تنجزه الهيئات العمومية من أعمال ليست كلها أشغال عامة، فالأعمال التي تقوم بها على أملاكها الخاصة بهدف تحقيق أغراض أخرى غير تلك التي تقتضيها المنفعة العامة لا تعتبر  من قبيل الأشغال العامة، بينما تعتبر أشغال عامة تلك الأعمال التي تنجزها على أملاك خاصة للأفراد إذا كانت تهدف إلى تحقيق منفعة عامة [27].

غير أن هذا المفهوم الكلاسيكي الذي يقوم على العناصر السالفة الذكر مجتمعة، سرعان ما أثبت محدوديته ولا سيما في ظل الأوضاع التي شهدتها فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تستدعي تدخل الدولة للقيام بعمليات بناء وإعادة إعمار شاملة لمختلف أرجاء البلاد، وكان من الضروري إعادة تحديد مفهوم الأشغال العامة بشكل موسع ويتماشى مع متطلبات تلك المرحلة، وبذلك اقترن مفهوم الأشغال العامة في هذه المرحلة بفكرة المرفق العام، حيث تعتبر أشغال عامة جميع الأعمال التي تقوم بها الهيئات العمومية ضمن مهام المرفق العام الموكلة إليها، حتى لو كان ذلك  لفائدة أحد الخواص، كما تعتبر أيضا أشغالا عامة الأعمال التي يقوم بها أحد الخواص إذا ارتبطت بتسيير مرفق عام، ولقد تم اعتماد هذا المفهوم الموسع للأشغال العامة لأول مرة في القرار  الذي أصدرته محكمة تنازع الاختصاص  الفرنسية بتاريخ 28 مارس 1955[28]، وتبناه بعد ذلك الفقه والقضاء الإداري الفرنسي.

                وأما بالنسبة للمشرع الجزائري، فقد ركز  في تحديده لمفهوم صفقات الأشغال على عنصر الغاية كمعيار أساسي لتحديد طبيعة هذه العقود، حيث تنص المادة 29 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 في الفقرتين 03 و04 على ما يلي: " تهدف الصفقة العمومية للإشغال إلى إنجاز  منشأة أو  أشغال بناء أو هندسة مدنية من طرف مقاول، في ظل احترام الحاجات التي تحددها المصلحة المتعاقدة صاحبة المشروع، وتعتبر المنشأة مجموعة من أشغال البناء أو الهندسة المدنية التي تستوفي نتيجتها وظيفة اقتصادية أو تقنية.

تشمل الصفقة العمومية للأشغال بناء أو تجديد أو صيانة أو تأهيل أو تهيئة أو ترميم أو إصلاح أو تدعيم أو هدم منشأة أو جزء منها، بما في ذلك التجهيزات المرتبطة بها الضرورية لاستغلالها."

ويلاحظ من خلال هاتين الفقرتين، أن المشرع لم يقدم تعريفا دقيقا لصفقات الأشغال وأكتفى بتعداد الأشغال والتي يمكن أن تكون محل صفقات عمومية ( إنجاز المنشآت، أشغال بناء، أشغال الهندسة المدنية، أشغال التجديد، أشغال الصيانة، أشغال الترميم، أشغال التدعيم، أشغال الهدم.........إلخ)، والقاسم المشترك بين مختلف كل هذه الأعمال، هو ارتباطها جميعها بممتلكات عقارية، وهو العنصر المميز لصفقات الأشغال عن باقي أنواع الصفقات العمومية الأخرى[29].

                من جانب آخر، لم يحدد المشرع في التعريف السالف ذكره الهيئات المعنية بمثل هذه العقود، واكتفى فقط بالإشارة إليها بعبارة "المصلحة المتعاقدة صاحبة المشروع"، والمقصود بذلك الهيئات المذكورة في المادة السادسة من قانون الصفقات العمومية، أي الدولة، الجماعات الإقليمية، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، والمؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري، عندما تكلف بإنجاز عمليات ممولة جزئيا أو كليا من طرف الدولة أو الجماعات الإقليمية.

ب ـ صفقات اللوازم (Marchés de fournitures) : لا يقتصر دور الإدارة العمومية على إبرام صفقات لإنجاز الأشغال فقط، بل يقتضي نشاطها في الغالب من الحالات الحصول كذلك على تجهيزات ووسائل ومواد ضرورية لتسيير مصالحها واستمرارية نشاطها، لذلك فهي تلجأ كذلك إلى إبرام صفقات لاقتناء هذه التجهيزات والمعدات والتي يطلق على تسميتها في قانون الصفقات العمومية مصطلح اللوازم، وتسمى في بعض المراجع "صفقات التوريدات".

والملاحظ أن قانون الصفقات العمومية لا يقدم تعريفا دقيقا لمصطلح " اللوازم" وأكتفى فقط بالإشارة إليها بتعبير عام "عتاد ومواد مهما كان شكلها" ، حيث جاءت صياغة الفقرة السادسة من المادة 29 من قانون الصفقات العمومية كالتالي: " تهدف الصفقة العمومية للوازم إلى اقتناء أو إيجار أو بيع بالإيجار، بخيار أو بدون خيار الشراء، من طرف المصلحة المتعاقدة، لعتاد أو مواد مهما كان شكلها، موجهة لتلبية الحاجات المتصلة بنشاطها لدى مورد....".

                فالعنصر الأساسي الذي يمكن استخلاصه من هذا النص، هو أن صفقات اللوازم  ينبغي أن يكون محلها أشياء منقولة وليس عقارات[30]، وهذا ما يميزها عن باقي أنواع الصفقات الأخرى، إلى جانب ذلك يشير النص أيضا إلى صيغ محددة  لاقتناء هذه اللوازم  وتتمثل في الشراء أو الإيجار أو بيع بالإيجار.

                وحسب قانون الصفقات العمومية، إذا أرفق الإيجار بتقديم خدمة، فإن الصفقة العمومية تكون صفقة خدمات، مما يعني أن الخدمات تشكل النشاط الرئيسي في مثل هذا النوع من الصفقات[31]، وإذا تضمنت الصفقة أشغال وضع وتنصيب معدات وتجهيزات لا يتجاوز مبلغها قيمة اللوازم فهي تعتبر صفقة لوازم[32]، وإذا كان موضوع الصفقة خدمات ولوازم، وتفوق قيمة اللوازم مبلغ الخدمات، فإن الصفقة العمومية هي صفقة لوازم[33].

                وينبغي أن نشير في هذا الإطار إلى أن قانون الصفقات العمومية يسمح كذلك باقتناء معدات إنتاج غير جديدة (مستعملة) تخص نشاطات إنتاج السلع والخدمات، لكن بشرط أن تكون مدة عملها مضمونة أو مجددة بضمان، إلى جانب الحصول كذلك على رخصة مسبقة من المصالح المختصة وفق النصوص المعمول بها[34].

ج ـ صفقات الخدمات(Marchés de services)

يقصد بصفقات الخدمات تلك العقود التي تبرمها الإدارة مع متعامل متعاقد بقصد الحصول على خدمة ومن أجل تحقيق منفعة عامة مقابل ثمن معين متفق عليه في العقد، إن مصطلح "الخدمات" رغم بساطته ووضوحه فهو يثير من الناحية العملية إشكاليات حقيقية، تنتج عنها في الكثير من الحالات صعوبة التمييز بين صفقات الخدمات وباقي أنواع الصفقات العمومية الأخرى، وهي الإشكالية التي تشير إليها الفقرة الأخيرة من المادة 29 من قانون الصفقات العمومية دون أن تقدم حلولا لها، حيث جاءت صياغته هذه الفقرة كالتالي: " تهدف الصفقات العمومية للخدمات المبرمة مع متعهد خدمات إلى إنجاز تقديم خدمات وهي صفقة عمومية تختلف عن صفقات الأشغال أو اللوازم أو الدراسات".

فالخدمات قد تكون ذات طبيعة بسيطة، مثل أشغال التنظيف ورفع القمامات، والنقل والرقابة والصيانة، إلا أنه في بعض الحالات يصعب فصلها عن صفقات الأشغال، وعلى سبيل المثال فإن أشغال الصيانة رغم أنها تعتبر بطبيعتها من الخدمات، إلا أن قانون الصفقات العمومية يدرجها ضمن صفقات الأشغال، الاتفاق الذي تبرمه الإدارة مع أحد المهندسين بقصد رقابة العمال وتوجيههم أثناء تنفيذ العمل، هل يمكن اعتباره صفقة خدمات؟ وكذلك الحال بالنسبة لخدمات النقل، ففي الغالب من الحالات تكون مقترنة بصفقات اللوازم، لأن اقتناء أي عتاد أو تجهيزات أو مواد يفترض شحنها ونقلها من المورد إلى المصلحة المتعاقدة، وهذا ما ينتج عنه تكاليف مالية كبيرة، وبذلك فإنه يصعب في مثل هذه الحالات الفصل بين صفقات اللوازم و صفقات الخدمات، وقد تكون في بعض الأحيان الخدمات المطلوبة في الصفقة ذات طبيعة معقدة وتتطلب مهارات علمية أو تقنية، وفي هذه الحالة فإنه يصعب تمييزها عن صفقات الدراسات.

د ـ صفقات الدراسات (Marchés d’études)

تعرف صفقات الدراسات على أنها "انفاق بين الإدارة المتعاقدة وشخص آخر ( طبيعي أو معنوي)، يلتزم بمقتضاه المتعاقد بإنجاز دراسات محددة في العقد لقاء مقابل مالي تلتزم الإدارة بدفعه تحقيقا للمصلحة العامة" [35]، بداية نشير إلى أن المشرع الجزائري تعامل بنوع من التردد في الاعتراف بوجود هذه الطائفة من الصفقات، وهذا ما نستخلصه بداية بالأمر رقم 67-90 السالف ذكره، ففي تعريفه للصفقات العمومية في مادته الأولى نجده يشير إلى صفقات الأشغال واللوازم والخدمات دون ذكر صفقات الدراسات، لكنه تضمن في المواد 64 إلى 67 أحكاما تتعلق بتنظيم هذا النوع من الصفقات، في حين لا نجد أية إشارة إلى هذا النوع من الصفقات في المرسوم 82-145 و كذلك المرسوم التنفيذي 91-434 السالف ذكرهما، أما باقي النصوص اللاحقة فقد تضمنت أحكاما صريحة تؤكد على وجود هذا النوع من الصفقات[36].

وحسب الفقرة العاشرة من المادة 29 من قانون الصفقات العمومية الساري المفعول حاليا، فإن صفقات الدراسات تهدف إلى إنجاز خدمات فكرية، وفي حقيقة الأمر فإن عبارة "الخدمات الفكرية " الواردة في هذا النص ذات مدلول واسع ويمكن أن تشمل مجالات عديدة يصعب حصرها، لذلك فقد عمل المشرع في الفقرة الموالية لها على ربط هذا النوع من العقود بمجال إنجاز الأشغال[37]، حيث تشمل الصفقات المبرمة في هذا الإطار إنجاز مهام محددة بموجب نص لمادة 29 من قانون الصفقات العمومية وكذلك مجموعة النصوص التنظيمية المعمول بها في هذا المجال[38]، وتتمثل هذه المهام في المراقبة التقنية أو الجيوتقنية والإشراف على إنجاز الأشغال ومساعدة صاحب المشروع، وبذلك يمكن القول بأن المشرع أراد أن يكون لهذه الصفقات وظيفة تأطيرو توجيهعمل المصلحة المتعاقدة أثناء إبرام صفقات الأشغال وتنفيذها. 

الفرع الثاني: تصنيف الصفقات العمومية من حيث طريقة إبرامها

تقتضي المشاريع المسجلة في إطار برامج التجهيزات العمومية الممركزة وغير الممركزة للدولة وكذاالمخططات البلدية للتنمية، المرور بعدة عمليات تحضيرية قبل الشروع في إبرام الصفقات المتعلقة بتجسيدها، وهذا للتأكد من نضج الملفات التقنية المقدمة وتوافق تلك المشاريع مع حاجات المصلحة المتعاقدة [39]، وباكتمال مختلف هذه العمليات التحضيرية يصبح المشروع جاهزا من جميع جوانبه، مما يسمح للمصلحة المتعاقدة بالشروع في إجراءات تجسيده على أرض الواقع،  وهذا باختيار الطرف المتعاقد الذي سيتولى تنفيذ هذه الصفقة، وبما أن مسألة اختيار طريقة إبرام الصفقات العمومية تبقى من صلاحيات المصلحة المتعاقدة[40]، فإنه من الطبيعي أن تقع عليها مسؤولية تبرير اختيارها أثناء أي مساءلة أمام هيئات الرقابة المختصة[41].

وبالرجوع إلى قانون الصفقات العمومية، نجد أن المشرع قد حدد وبشكل صريح كيفيات إبرام الصفقات العمومية[42]، حيث حصرها في أسلوبين لا ثالث لهما وهما: أسلوب طلب العروض والذي يعتبر القاعدة العامة لإبرام الصفقات العمومية، وأسلوب التراضي والذي يشكل الاستثناء عن ذلك[43]، وتبعا لذلك تقسم الصفقات العمومية من حيث طريقة ابرامها الى صفقات عن طريق طلب العروض وتسمى كذلك بالصفقات العمومية عن طريق المنافسة وصفقات بالتراضي، ولتفادي تكرار نفس المعلومات، سنكتفي في هذا المجال بتحديد فقط مفهوم هذين الأسلوبين لإبرام الصفقات العمومية، ومعالجة الموضوع بالتفصيل في الفصل الثاني من هذا المقرر.

أ ـ صفقات عن طريق طلب العروض (Marchés d’appel d’offres)

يمكن تعريف الصفقات العمومية عن طريق طلب العروض بأنها عقود تبرمها الادارة بعد تنظيم منافسة بين مجموعة من المتعهدين بغرض اختيار أفضل العروض. وتعتبرالمنافسة في مثل هذا النوع من الصفقات عنصر أساسي لما يحققه من مزايا عديدة لفائدة الإدارة، يمكن حصرها في النقاط التالية:

-          تحقيق الشفافية المطلوبة في جميع مراحل إبرام الصفقة. مما يحافظ على سلامة الإجراءات المتبعة في إبرامها ، وتفادي كافة التجاوزات والأخطاء التي من شأنها أن تؤدي إلى إبطال الصفقة.

-          الحصول على أفضل العروض، من حيث السعر ونوعية الخدمة المقدمة.

-          خلق روح المنافسة والإبداع في السوق، مما يساعد المتعاملين الخواص على تطوير مهاراتهم وقدراتهم.

ب ـ صفقاتبالتراضي (Marchés de gré à gré)

يمكن تعريف الصفقات العمومية التي تبرم بأسلوب التراضي، سواء كان هذا التراضي بسيطا أو تراضي بعد استشارة، بأنها عقود تبرمها الإدارة مع  متعامل من اختيارهادون الدعوة الشكلية إلى المنافسة،ويعتبر هذا الأسلوب في إبرام الصفقات العمومية استثنائي، ولا تلجأ إليه الإدارة إلا في حالات محددة على سبيل الحصر  ووفق شروط ينص عليها القانون[44].

الفرع الثالث: تصنيف الصفقات العمومية من حيث السعر وطريقة التسديد

يكتسي السعر أهمية بالغة في عملية إبرام الصفقات العمومية، لما له من تأثير على الجوانب الاقتصادية والقانونية لهذه الطائفة من العقود، فمن الناحية الاقتصادية يعتبر السعر المرجع الرئيسي في عملية تقييم العروض واختيار العرض الذي يقدم أفضل المزايا الاقتصادية للمصلحة المتعاقدة، وأما من الناحية القانونية، فإن السعر هو  التزام يترتب على ذمة المصلحة المتعاقدة نظير ما تحصلت عليه من خدمات، وفي المقابل فهو يعتبر حق أساسي للمتعامل المتعاقد لقاء تنفيذه الجيد والكلي لالتزاماته التعاقدية.

ومن الناحية العملية، يعتبر  السعر من البيانات الالزامية التي ينبغي أن تتضمنها الصفقة[45]، و يحدد وفق إحدى الكيفيات التالية: بالسعر الإجمالي والجزافي. أو بناء على قائمة سعر الوحدة، أو بناء على النفقات المراقبة، أو بسعر مختلط[46]، ويتم الاستناد في ذلك إلى البنود الواردة في دفتر الشروط، و التي تحدد مجمل العناصر المكونة للسعر حسب نوع كل صفقة وخصوصياتها[47]،

أـ صفقات ذات سعر إجمالي وجزافي(Marchés à prix global et forfaitaire)

وهي صفقات يتم تسويتها على أساس المبلغ الاجمالي المحدد مسبقا في الصفقة، وهذا بغض النظر عن كمية الخدمات المنجزة فعليا ، وبذلك فإنه لا يمكن للمتعامل المتعاقد أثناء تنفيذ الصفقة الاحتجاج برفع المبلغ الجزافي في حالة تحقق زيادة في حجم الخدمات، وبالمقابل لا يجوز كذلك للمصلحة المتعاقدة تخفيض المبلغ الجزافي المتفق عليه في حالة النقصان في حجم الخدمات المنجزة فعليا، إلا إذا كان هذا النقصان ناتج عن عدم تنفيذ جزء من الخدمات المتفق عليها من طرف المتعامل المتعاقد.

وفي الغالب، تميل المصلحة المتعاقدة إلى تفضيل هذا النوع من الصفقات، لأن ذلك يساعدها على التحكم في تسيير الاعتمادات المالية المخصصة لها في البرامج القطاعية أو في برامج التنمية البلدية، ويتناسب هذا الأسلوب في تحديد الأسعار بشكل كبير مع المشاريع ذات الخدمات المحددة بكيفية دقيقة، وأما بالنسبة للصفقات الإجمالية المشار إليها في المادة 35 من قانون الصفقات، فهي تبرم إلزاميا بسعر إجمالي وجزافي وهذا بنص القانون[48].

ب ـ صفقات بناء على قائمة سعر الوحدة (Marchés sur bordereau de prix unitaire)

وهي صفقات يتم تسويتهاماليا على أساس تطبيق سعر  بالوحدة محدد سلفا، ويطبق هذا الأسلوب عادة في صفقات الأشغال عندما يتعذر على صاحب المشروع تحديد كمية الأشغال الواجب تنفيذها بصفة مسبقة، ويمكن أن نجد كذلك تطبيقات لهذا الأسلوب في باقي أنواع الصفقات الأخرى.

 

ج ـ صفقات بناء على نفقات مراقبة (Marchés sur dépenses contrôlées)

في هذا النوع من الصفقات يتم تسديد المستحقات المالية للمتعامل المتعاقد على أساس حساب تكاليف الخدمات المنجزة فعليا مع إضافة هامش الربح، ومن النادر جدا اللجوء إلى هذا الأسلوب الاستثنائي في تحديد الأسعار، لأنه يصعب على المصلحة المتعاقدة في الكثير من الحالات التحكم بدقة في التكاليف الفعلية الناتجة عن تنفيذ الصفقة، مما قد يؤدي بها في نهاية المطاف إلى تحمل نفقات إضافية كان بإمكانها تفاديها، لو تم اختيار طريقة أخرى لتحديد السعر.

ومن حيث النصوص، وباستثناء المادة 106من قانون الصفقات العمومية التي تلزم المصلحة المتعاقدة بضرورة ضبط العناصر التي تساعد على تحديد السعر الواجب دفعه وكيفية حسابها وقيمتها، فإننا لا نجد على أرض الواقع نصوص تطبيقية أو نماذج عملية، تسمح بتوضيح الكثير من المسائل المرتبطة بهذا النوع من الصفقات.

د ـ صفقات ذات أسعار مختلطة (Marchés à prix mixtes)

                يحدد السعر في هذا النوع من الصفقات بالاعتماد على معايير عديدة، ويتم فيها الجمع بين أسلوبين وهما:

- حساب السعر بالوحدة.

- حساب السعر بطريقة جزافية.

ويستعمل هذا الأسلوب عمليا في صفقات الأشغال، والتي يتم فيها حساب بعض الحصص من الأشغال نظرا لطبيعتها بشكل جزافي ويحسب الباقي بسعر الوحدة، ويمكن تطبيقه كذلك في بعض صفقات اللوازم، حيث يحسب سعر التجهيزات عادة بالوحدة، بينما تحسب عملية تركيبها بالسعر الجزافي. 

ه ـ صفقات ذات أسعار ثابتة وغير قابلة للمراجعة (Marchés à prix fermes et non révisables)

تبرم الصفقات العمومية في الأصل بأسعار ثابتة وغير قابلة للمراجعة، فإذا كان الأسلوب المتفق عليه لتسديد المستحقات المالية في الصفقة محدد بالسعر الجزافي، فإنه لا يمكن تحويله إلى سعر بالوحدة أو بسعر مختلط والعكس صحيح[49]، وإذا كانت الأسعار  المحددة في الصفقة نهائية وبشكل صريح، فإنه لا يمكن مراجعتها خلال مرحلة التنفيذ لا بالزيادة ولا بالنقصان مهما كانت المبررات والظروف، وكذلك الحال بالنسبة للصفقات التي تخلو من أي بند يجيز  مراجعتها، فهي تعتبر  ضمنيا صفقات ذات أسعار ثابتة وغير قابلة للمراجعة.

إضافة إلى الصفقات التي تتضمن بنودا لا تجيز مراجعة أسعارها، تشير المادة 97 من قانون الصفقات العمومية في فقرتها الخامسة، إلى طائفة أخرى من الصفقات والتي لا يمكن مراجعتها وتحيينها، وتتمثل في الصفقات الخاضعة للإجراءات المكيفة والصفقات التي يقل أجل تنفيذها عن ثلاثة (03) أشهر[50].

وبالنسبة للصفقات العمومية المبرمة عن طريق التراضي البسيط، ورغم خصوصية الأسلوب الذي تبرمه به هذه الصفقات، فإنه يمكن مراجعتها وهذا مراعاة لمختلف الظروف التي قد تحدث أثناء مرحلة تنفيذها، وخصوصا بالنسبة للصفقات ذات الآجال الطويلة نسبيا، والتي يتعذر فيها التنبؤ بتقلبات السوق والعلم بمختلف العوامل التي قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، لذلك فإنه من اللائق الاتفاق على إمكانية مراجعة الأسعار خلال مرحلة تنفيذ الصفقة، وهذا الإجراء يمكن أن يستفيد منه الطرف المتعاقد في حالة ارتفاع أسعار السوق، وقد تستفيد منه المصلحة المتعاقدة نفسها في حالة ما إذا تحققت ظروف مغايرة لذلك[51].

و ـ صفقات ذات أسعار قابلة للمراجعة(Marchés à prix révisables)

الصفقات ذات الأسعار القابلة للمراجعة هي تلك الصفقات التي يمكن خلال مرحلة تنفيذها، مراجعة أسعارها بالزيادة أو النقصان حسب التغيرات التي تحدث في أسعار السوق، ولقد أشار قانون الصفقات العمومية إلى هذا النوع من الصفقات في المادة 97، حيث جاءت صياغة فقرتها الأولى كالتالي: " يمكن أن يكون السعر ثابتا أو قابلا للمراجعة، وعندما يكون قابلا للمراجعة يجب أن تحدد صيغة أو صيغ مراجعته، وكذلك كيفيات تطبيق هذه الصيغة أو الصيغ الخاصة بالمراجعة ضمن الشروط المحددة في المواد 101 إلى 105.

من الناحية العملية، تتوقف قابلية أسعار الصفقة للمراجعة من عدمه، على طبيعة الخدمة موضوع الصفقة ومدى تأثرها بتقلبات أسعار السوق، وكذلك على مدة تنفيذ الصفقة، فالصفقات ذات المدد الطويلة تكون في الغالب أكثر عرضة لتقلبات السوق من تلك التي تتطلب آجال قصيرة، أما من الناحية القانونية، لا يكون سعر الصفقة قابلا للمراجعة إلا إذا كان محل اتفاق بين الأطراف المتعاقدة[52]، وفي حالة خلو الصفقة من أي بند ينص على ذلك، فهذا يجعلها صفقة ذات أسعار ثابتة.