المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة: مبادئ النظرية العامة للتدابير الإحترازية
تقف العقوبة أحيانا عند إيقاع العقاب على الجاني نتيجة ارتكاب الجريمة، ولكنها تبقى عاجزة عن ردع المجرم أو منعه من تكرار فعلته في المستقبل، ولذلك فإن مواجهة الخطورة الجرمية لبعض المجرمين تستدعي القيام بإجراءات مصاحبة للعقوبة يكون هدفها للحد من الخطورة الجرمية للجاني.
وبالرجوع إلى فكرة التدابير الاحترازية فقد ظهرت مبكرا تحت مسميات مختلفة، ظهرت بصورة قانونية في فكر المدرسة الوظيفية عندما نادت بإلغاء العقوبة لإمكانها بفكرة الحتمية وإنكار حرية الاختيار لدى الجاني وأن تحل محلها (العقوبة).
تقوم نظرية التدابير الاحترازية أساسا على فكرة مواجهة الخطورة الجرمية ومنع تكرار المجرم لأفعاله الجرمية ومواجهة تلك الخطورة بإجراءات خاصة[1] تضاف على العقوبة الأصلية عند ارتكاب جريمة ما، جمعت هذه التدابير جملة من الخصائص هي:
1: مشروعية التدابير الاحترازية
مشروعية التدابير الاحترازية يعني أن التدابير إجراءات مصدرها القانون، فالقانون ينص على التدبير وشروط إيقاعه من قبل القاضي بدلا من السلطة الإدارية كما كان سابق، فالمصدر الوجيه للتدبير هو القانون لأن التدبير في ذاته يعتبر مساسا بحرية الفرد.
لذلك يجب ان يحدده القانون ويترك للقاضي تقدير إيقاعه وفقا للجاني والظروف الخاصة بكل مجرم وبما يتناسب مع درجة خطورة هذا المجرم.
2/ عدم تحديد مدة للتدبير الإحترازي
وفي هذا يختلف التدبير عن العقوبة حيث أن مدة العقوبة يحددها القانون بداية ونهاية وحدود العقوبات لا ترتبط عادة بدرجة الخطورة للجاني والتدبير لأنه يرتبط بالخطورة، فهو يرتبط بالوقت الكافي لمواجهة هذه الخطورة[2] وإزالتها ويمكن تعديل المدة وفقا لتطورات وحسب الظروف الخاص بكل مجرم.
3/ لا يرتبط التدبير الإحترازي بالمسؤولية الجزائية:
حيث يمكن إيقاع التدبير الإحترازي على فاقدي المسؤولية الجزائية كالمجنون والصحيح لأن الخطورة الجرمية متحققة عن هؤلاء بالرغم من عدم إمكانية إيقاع العقاب.
الفرع الرابع: التدبير الإحترازي لارتكاب الجريمة
وبهذا يختلف عن الأسلوب الوقائي عن الجريمة، فالإجراءات التي تتخذها الإدارة لمنع وقوع الجرائم لا من التدابير الإحترازية، لأنها لا ترتبط حتما بإرتكاب جريمة، أما التدبير الإحترازي فيرتبط حتما بوقوع الجريمة ونشوء فكرة الخطر من تكرار الجاني لفعله، لأن هدفها بالدرجة الأولى منع الخطورة ومواجهتها من خلال إصلاح الجاني وتهذيبه وإبعاده عن إمكانية تكرار الجريمة.
بما أن التدبير الاحترازي يعود في الأساس إلى مسألة قانونية فهو يفترض مسائل بهية منها أن القاضي صاحب الصلاحية بإيقاعه وفقا لأحكام القانون كما يفترض المساواة بين جميع الأفراد الذين توفر لديهم أسباب إيقاعه، كما أنه ليتم بطابع شخصي فلا يجد إيقاعه الأعلى من يثبت خطورته بالذات .
- يحدر القول أن فكرة التدابير بوجه عام قد ظهرت في منتصف القرن 19، ولكنها كانت إما في صورة إجراءات إدارية مثل إيداع المجنون في إحدى المصحات العقلية ، وإما في صورة عقوبات تبعية كحرمان من بعض الحقوق، إما في صورة عقوبات تكميلية كالمصادرة، ويرجع الفضل في ظهور التدابير الاحترازية بمفهومها الحديث، إل المدرسة الوضعية الإيطالية القائمة على فكرة حماية المجتمع والدفاع عنه ضد مصادر الخطورة الاجرامية، ونظرا مما تنطوي عليه، دعوة المدرسة الوضعية من إهدار مبدا الشرعية الجزائية ، وإهدار بالتالي حرية الفردية ، فقد طالب أنصار المدرسة التوفيقية الإبقاء على نظام العقوبة مطبقا في حالة توافر الأهلية الجنائية، أي حرية الاختيار، وأن يطبق نظام التدابير الاحترازية في حالات انعدام الأهلية الجنائية أو نقصانها، كما هو الحال بالنسبة للمجانين والقصر، أنظر ، فتوح عبد الله شادلي، المرجع السابق، ص360.
[2] - حيث لم تعد العقوبة الوسيلة الوحيدة لمكافحة الجريمة والدفاع عن المجتمع ضد الخطر الاجرامي الذي يهدده، مع الإبقاء في نفس الوقت على العقوبة لكن لكل منهما نظام قانوني مستقل يتوافقان في الهدف والغرض، أنظر أكثر تفصيل، عبد الرحمان خلفي، عز الدين وداعي، المرجع السابق، ص 64