المطلب الثاني التكييف القانوني للمعاهدة المنشئة للمنظمات الدولية

اختلف الفقه- ولايزال- اختلافا كبيرا حول الطبيعة القانونية للإتفاق المنشئ للمنظمة الدولية فيذهب البعض إلى القول بالطبيعة الدستورية لهذا الاتفاق(الفرع الأول)، بينما يذهب البعض الآخر إلى اعتبار مثل عذا الاتفاق مجرد معاهدة دولية ( الفرع الثاني)، في حين يرى فريق ثالث أن الاتفاق المنشئ للمنظمة الدولية ذو طبيعة مزدوجة (الفرع الثالث).

الفرع الأول

الطبيعة الدستوريةللمعاهدة المنشئة للمنظمات الدولية

     تتمتع المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية بطبيعة دستورية، لأنها هي التي تنشئ المنظمة وأجهزتها، وتحدد اختصاصاتها وقواعد توزيع هذه الإختصاصات بين مختلف فروع المنظمة، كذلك فهي المصدر الأعلى لقانون المنظمة والذي يتمتع بمركز الصدارة بين المصادر الأخرى لقانونها .

ويستند هذا الاتجاه إلى عدة حجج منها[1].

*إن قواعد تعديل نصوص المعاهدات تختلف عن تلك الخاصة بتعديل الاتفاق المنشئ للمنظمة الدولية، ففي الأولى يشترط اجتماع الأصوات لقيام التعديل، بينما يكتفى في الثانية بأغلبة الأصوات فقط .

*ومن زاوية أخرى فإن مبدأ نسبية أثر المعاهدات يسري فيما يتعلق بالمعاهدات، بينما لا يسري فيما يتعلق بالاتفاق المنشئ للمنظمة الدولية، إذ أنه قد يلزم في غالب الأحيان دول غير أعضاء في المنظمة فضلا عن الدول الأعضاء.

*وينتقد جانب آخر من الفقه هذا الإتجاه محل العرض على اعتبار أنه لا يمكن تجاهل ما للناحية الشكلية من أهمية، لأنها عي التي تكفل المعاهدة المنشئة مكانة خاصة بين المعاهدات، لا سيما فيما يتعلق بتطبيق وتفسير والتحفظات .

 

الفرع الثاني

الطبيعة التعاهدية للمعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية

  يذهب جانب آخر من الفقه الدولي إلى القول بأن كافة المعاهدات لها نفس الطبيعة، وأن الإتفاق المنشئ للمنظمة الدولية هو اتفاق دولي شكلا وموضوعا،ويتضح ذلك من أنها أعمال قانونية يتم التفاوض عليها، وأنها تنشئ حقوقا والتزامات لأطرافها، وأن أعضاء المنظمة يمكنهم أن يصبحوا أطرافا فيها وفقا للشروط المنصوص عليها فيها، وذلك إما بالتوقيع أو القبول أو التصديق أو الموافقة أو الانضمام كما يتم تسجيلها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة .

على أن هذا الرأي يتجاهل حقيقة هامة وهي أن نصوص الإتفاق المنشئ للمنظمة الدولية هي التي تحد العلاقة بين المنظمة وبين الدول الأعضاء، كم أنها تقوم بدور الخالق للأجهزة الداخلية الرئيسية وتوزع بينها الإختصاصات وتلك من حيث الأصل هي وظيفة الدستور.

الفرع الثالث

الطبيعة المزدوجةللمعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية

     يذهب الكثيرون إلى القول بالطبيعة المزدوجة للوثيقة المنشأة للمنظمة الدولية ،أي أن الاتفاق المنشئ يجمع بين كونه معاهدة من زاوية ودستور من ناحية أخرى ،على أن هذا الفريق يختلف فيما بينه حول مضمون هذه الطبيعة المزدوجة .

-فمنهم من يرى أن الاتفاق المنشئ هو معاهدة من حيث الشكل، ودستور من الناحية الموضوعية[2] بينما يذهب البعض الآخر منهم إلى القول بأن المعاهدة تتحول من طبيعتها التعاهدية إلى طبيعتها الدستورية منذ اللحظة الأولى التي تباشر فيها المنظمة وظيفتها[3].

ويؤكد الأستاذ موناكو هذا القول حيث يقرر بأن الاتفاق الدولي الذي يعطي الحياة للمنظمة يفقد نظامه التعاقدي ليحل محله النظام الدستوري ويصبح هذا النظام الجديد هو الحاكم لوظائف المنظمة[4].

وأيا ما كانت وجاهة الآراء السالفة، فإننا ننحاز للرأي الأخير ونؤيده.  

 



[1] مصطفى أحمد فؤاد ، القانون الدولي العام ، ج1 ، قانون المنظمات الدولية ، دراسة  تأصيلية وتطبيقية، منشأة المعارف، د م ن، د س ن، ص 102

[2] محمد طلعت الغنيمي، المرجع السابق، ص 273

[3] مصطفى أحمد فؤاد ، المرجع السابق ، ص 104

[4]

Ricardo Monaco , Les Prinncipes Régissant  La Structure  Et La Fonctionnement  Des  Orgaznisation  Internationals , Tome 3 , R.C.A.D., 1977, P 146