المطلب الأول الأحكام الخاصة بميثاق الأمم المتحدة

 تتمثل الأحكام الخاصة بميثاق الأمم المتحدة في الطريقة التي اعتمد بها الميثاق وطبيعته وقيمته القانونية وتعديله وتفسيره، وما يترتب عليه من نشوء الشخصية القانونية الدولية لمنظمة الأمم المتحدة، وبناء على ما تقدم سنتناول هذا المطلب في الفروع التالية:

الفرع الأول:نشأة منظمة الأمم المتحدة

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية لميثاق الأمم المتحدة

الفرع الثالث: الشخصية القانونية لمنظمة الأمم المتحدة

الفرع الأول

نشأة منظمة الأمم المتحدة

تختلف نشأة الأمم المتحدة عن نشأة عصبة الأمم، فالعصبة نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى،أما الأمم المتحدة فنشأت قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، غير أن العمل على إيجاد منظمة عالمية جديدة أفضل وأقوى من العصبة كان قد بدأ مع اندلاع هذه الحرب، وعمليا تكون المنظمة العالمية وميلاد ميثاق الأمم المتحدة مر بمرحلتين أساسيتين: مرحلة التصريحات الدولة التي تحتوي على مجرد الفكرة والدعوة، ومرحلة المؤتمرات الدولية التي أقرت المبادئ والأهداف والقواعد التي تقوم عليها المنظمة .

وتبدأمرحلة التصريحات الدولية "بالتصريح الأطلنطي" الذي صدر في 14 أت 1941 عن الرئيس الأمريكي روزفلت وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا، وأكدا فيه على بعض المبادئ التي يجب أن تسود العلاقات الدولية ومنها:إدانة سياسات التوسع الإقليمي، مبدأ الأمن الجماعي مبدا التخلي عن استخدام القوة،المساواة بين الدول،...الخ[1].

وفي 01 جانفي 1942 وقع ممثلو 26 دولة في واشنطن تصريحا مشتركا أطلقوا عليه "تصريح الأمم المتحدة " يحوي اتفاقهمعلى إنشاء تنظيم دولي من أجل الاستقلال والحرية السياسية والدينية .

وفي 30 أكتوبر 1943 وقع أربع رؤساء دول كبرى (الولايات المتحدة، الإتحاد السوفياتي بريطانيا الصين) ما يعرف بــ "تصريح موسكو" وقد جاء فيه أن الدول الكبرى ترشى من الضروري التعجيل بإنشاء هيئة عالمية تقوم على أساس المساواة في السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام وتفتح صدرها لكل الدول صغيرها وكبيرها[2].

وفي أول ديسمبر 1943 أصدر الرؤساء روزفلت وستالين وتشرشل "تصريح طهران" وأكدوا على عزمهم تأليف أسرة عالمية للشعوب الديمقراطية، وذلك للقضاء على السيطرة والإستبداد[3].

أما مرحلة المؤتمرات الدولية فتبدأ بمؤتمر ديمبارتون أوكس"، الذي عقد على مرحلتين: الأولى بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا في الفترة بين 21 أأوت وحتى 28 سبتمبر 1944، والثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين، في الفترة من 29 سبتمبر حتى 07 أكتوبر 1944، وأسفرت هاتين المرحلتين عن مؤتمرات ديمبارتون أوكس والتي تتضمن أهداف ومبادئ الهيئة[4]، كما وضع المؤتمر تصور للهيكل التنظيمي للمنظمة، وهو مستوحى من الهيكل التنظيمي لعصبةالأمم، فتم الاتفاق على الإبقاء على الجمعية العامةومجلس الأمن (مجلس العصبة،والأمانة ،ومحكمة العدل الدولية(المحكمة الدائمة للعدل الدولي) واستحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبخصوص مجلس الأمن قرر المؤتمر أن يتكون من 11 عضو منهم 5 دائمون وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي المملكة المتحدة وفرنسا والصين وتنتخب الجمعية العامة 6 الآخرين،وقد لعبت تلك المقترحات دورا هاما في نشأة منظمة الأمم المتحدة .

     ثم انعقد مؤتمر يالطا في الفترة  من 04إلى 11 فيفري 1945 والذي جمع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا للبت في بعض المسائل لعل أهمها حق الإعتراض أو الفيتو،طريقة التصويت في مجلس الأمن...الخ،كذلك تقررت الدعوة إلى مؤتمر دولي يعقد في الولايات الأمريكية في 25 أفريل 1945 تدعى فيه الدول الموقعة على تصريح الأمم المتحدة .

وبناء على مؤتمر يالطا عقد مؤتمر سان فرانسيسكو تحت مسمى مؤتمر الأمم المتحدة للتنظيم الدولي بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية باسمها ونيابة عن الاتحاد السوفياتي والصين وبريطانيا، واشتركت في أعمال المؤتمر 50 دولة ،وانهى أعماله في 26 جوان 1945 بعد الموافقة على ميثاق الأمم المتحدة، ودخل حيز النفاذ في 24 أكتوبر 1945[5]،ويتكون ميثاق الأمم المتحدة من ديباجة و19 فصل تحوي 111 مادة .

 

 

 

الفرع الثاني

الطبيعة القانونية لميثاق الأمم المتحدة

يعد الميثاق من قبيل المعاهدات الدولية الجماعية، فهو بمثابة القوة الدستورية في القانون الدولي بالنسبة للدول الأعضاء في المنظمة وبالنسبة أيضا لسائر المواثيق المنظمات الدولية الأخرى .

وميثاق الأمم المتحدة هو عمل قانوني ذو طبيعة مزدوجة ،فهو يحمل الصفة التعاهدية، إذ لا يوجد أي إلزام على الدولة في التوقيع، فهو معاهدة دولية،

كما يحمل الميثاق الصفة الدستورية إذ ينظم إنشاء المنظمة وأجهزتها ويوزع الإختصاصات فهو يعد القانون الأعلى في المنظمة الواجب احترامه، كما تبدو الصفة الدستورية من أحكام الميثاق في أنه سيري على الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة في بعض الحالات التي أشار إليها صراحة فهذه الدول يجب عليها أن تخدم مبادئ الأمم المتحدة كلما كان ذلك ضروريا للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، ويجوز لهذه الدول أن تشترك في مناقشات مجلس الأمن إذا كانت طرفا في نزاع معروض عليه[6].

وفيما يخص الميثاق وتنقيحه تنص المادة 8 من الميثاق على أن"التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة التي صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصادق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة ".

ويلاحظ أنه إذا كان الإجماع غير لازم لتعديل الميثاق، فليس يعني ذلك التزام الدول التي لم توافق عليه بالبقاء في المنظمة .

فوفقا للمادة 109 يتم ذلك في مؤتمر عام يجتمع في الأماكن والتواريخ التي تحددها الجمعية العامة بأغلبية الثلثين ومجلس الأمن بأغلبية تسعة أعضاء، ولكن النصوص التي يقترحها المؤتمر لا تعتبر نهائية إلا إذا وافق عليها المؤتمر الذي يضم جميع أعضاء الأمم المتحدة بأغلبية الثلثين ثم يصادق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة بشرط أن يكون من بينها الأعضاء الدائمة لمجلس الأمن ويتم التصديق وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة، ولا يجوز استعمال حق الإعتراض بالنسبة للموافقة على عقد المؤتمر، وهنا يظهر حق الإعتراض الذي تباشره الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالنسبة لتنقيح الميثاق[7].

    أما بالنسبة لتفسير الميثاق فلم يتضمن ميثاق الأمم المتحدة أحكاما تتعلق بتفسيره، غير أنه وباعتباره ميثاقا منشآ لمنظمة دولية تجمع بين إيرادات الدول الأعضاء فإنه يثور التساؤل في حالة غموض النصوص أو عدم وضوحها حول تفسير الميثاق، وذلك من حيث مدى خضوع تفسيره إلى القواعد العامة .

   ونظرا للطبيعة الخاصة لميثاق الأمم المتحدة فقد استقر عرف الأمم المتحدة على الا تتبع بالنسبة لتفسيره قواعد التفسير الضيق المتبعة عادة في تفسير المعاهدات، وأن يتم تفسير ميثاق الأمم المتحدة بالطريقة التي تؤدي إلى تمكين الأمم المتحدة من تحقيق أهدافها ،كما تم الإعتراف بأن الأمم المتحدة تمارس إلى جانب الإختصاصات الممنوحة له صراحة في الميثاق اختصاصات ضمنية مستمدة من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ومن طبيعة الوظائف التي تقوم بها واختصاصات أخرى تتصل بشخصيتها الدولية.[8]

الفرع الثالث

الشخصية القانونية لمنظمة الأمم المتحدة

    سكت ميثاق الأمم المتحدة عن النص على تمتع الأمم المتحدة بالشخصية القانونية الدولية ولكن قررت محكمة العدل الدولية في قضية التعويض تمتعها بهذه الشخصية في مواجهة الأعضاء وغير الأعضاء دون حاجة إلىا اعتراف، وهذا لا يعني أنها تتمتع بنفس حقوق وواجبات الدول ولا يعني أنها دولة فوق الدول، ويمكن تلخيص مظاهر شخصية الأمم المتحدة على ضوء ميثاقها واتفاقية المزايا والحصانات والاتفاقيات الأخرى المتصلة بشخصية الأمم المتحدة على النحو الآتي[9]:

-للأمم المتحدة الحق في أن تعبر عن طريق قرارات فروعها المختلفة عن إرادة ذاتية مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء فيها .

-للأمم المتحدة الحق في إبرام الاتفاقيات الدولية مع الدول الأعضاء ومع الدول غير الأعضاء ومع المنظمات الدولية الأخرى، ومن أمثلة ذلك الاتفاقات الخاصة بالقوات المسلحة، واتفاقات الوصاية، واتفاقات الوصل بين الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، والاتفاقات المتعلقة بأهلية المنظمة وحصاناتها في الدول الأعضاء .

-للأمم المتحدة الحق في التقدم بمطالبات دولية، ويكون لها أن تطالب دولة من الدول بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة لتقصير تلك الدولة[10].

-للأمم المتحدة كشخص معنوي حق التعاقد وحق شراء وبيع العقار والمنقول وحق التقاضي.

-تتمتع أموال الأمم المتحدة وممتلكاتها بالحصانة القضائية وبالإعفاء من الضرائب، ويتم مقرها بحرمة خاصة[11]، كما يتمتع ممثلو الدول في الأمم المتحدة وموظفو الهيئة بموجموعة من الحصانات والإعفاءات .

-تباشر الأمم المتحدة سلطات لائحية وقضائية في أمورها الداخلية كعلاقتها بموظفيها بأجهزتها المختلفة.



[1] محمد المجدوب، المرجع السابق، ص 183 .

[2] مصطفى أحمد فؤاد ، المرجع السابق، ص 93

[3] عبد الكريم عوض خليفة ، المرجع السابق ، ص 55

[4] محمد حافظ غانم ، المرجع السابق، ص 96،97

[5] عبد الكريم عوض خليفة ، المرجع السابق ، ص 56،57

[6] جمال عبد الناصر مانع، التنظيم الدولي ، المرجع السابق، ص 177

[7] جمال عبد الناصر مانع، التنظيم الدولي ، المرجع نفسه، ص 178

[8]  محمد حافظ غانم ، المرجع السابق ، ص 151

[9] محمدحافظ غانم ، المرجع نفسه، ص 128،129

[10] حيث أثير الموضوع بمناسبة مقتل الكونت بيرنادوت وسيط الأمم المتحدة  في فلسطين بتقصير من اسرائيل ، أنظر رأي محكمة العدل الدولية في هذا الموضوع الصادر بتاريخ 11أفريل 1949

[11] راجع اتفاقية مزايا وحصانات الأمم المتحدة 1946