المطلب الأول نشأة جامعة الدول العربية وأهدافها ومبادؤها

كغيرها من المنظمات الدولية ، كان لنشأة جامعة الدول العربية عوامل تاريخية وقومية أدت إلى تكثيف الجهود العربية من أجل إنشاء هذه المنظمة ، ومحاولة تسطير مجموعة من الأحداث المشتركة في ميثاق إنشائها ، وتأسيسها على مجموعة من المبادئ التي ترتكز عليها في عملها

وفي هذا المطلب سنحاول  دراسة نشأة الجامعة في (فرع أول)، وأهدافها في (فرع ثان)، ومبادؤها في (فرع ثالث).

الفرع الأول

نشأة جامعة الدول العربية

   ترجع نشأة جامعة الدول العربية إلى خطاب أنطوني إيدن وزير خارجية بريطانيا في 29 ماي عام ء1941 الذي أيد فيه أماني الكثير من المفكرين العرب في قيام وحدة بين شعوبهم، وأن بلاده ستؤيد أي مشروع ينال إجماع العرب في هذا الخصوص، وفي 24 فيفري عام 1943 أكد أنطوني إيدن أمام مجلس العموم البريطاني أن دولته تؤيد أي حركة لتعزيز الروابط الإقتصادية والثقافية والسياسية بين العرب، بيد أنها ترى أن الخطوة الأولى لتحقيق أي مشروع في هذا الصدد يجب أن تصدر عن العرب أنفسهم[1].

ثم جاءت مشاورات الوحدة العربية التي دعت إليها مصر عام 1943، وفي الفترة من 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944 عقد في مدينة الإسكندرية لجنة تحضيرية لمؤتمر عربي عام تحت رئاسة مصطفى النحاس وحضرها ممثلون عن : مصر ولبنان وسوريا والعراق وشرق الأردن والمملكة العربية السعودية ومراقب عن اليمن وممثل لعرب فلسطين، واستبعدت اللجنة عدة مشروعات أهمها مشروع سوريا الكبرى(والذي كان يرمي إلى تكوين وحدة تضم سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين)، ومشروع الهلال الخصيب، والذي سبق أن قدمه نورى السعيد رئيس الوزراء العراقي –أنذاك- لوزير الدولة البريطاني المستر كيزي في صورة مذكرة عرفت بالكتابالأزرق( والذي يهدف إلى تكوين وحدة تضم سوريا والعراق وشرق الأردن وفلسطين) ، ومشروع حكومة مركزية واحدة تضم كل الدول العربية سواء في شكل دولة بسيطة موحدة أو في شكل دولة فيدرالية[2].

وقد انتهت أعمال اللجنة التحضيرية بتوقيع بروتوكول الاسكندرية في 7 اكتوبر 1944، وتم تأليف لجنة فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية لإعداد مشروع نظام أساسي للجامعة العربية ، والتي كانت ضمن مقررات بروتوكول الاسكندرية، واجتمعت اللجنة سالفة الذكر بالإسكندرية في الفترة من 17 فيفري إلى 3 مارس 1945 وقامت بإعداد مشروع لميثاق الأمم المتحدة، وعرض على اللجنة التحضيرية لمناقشة وإقراره في 17 و 19 مارس 1945.

  وفي 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق الجامعة في المؤتمر العربي العام، ووقع عليه ممثلو سوريا ولبنان وشرق الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ومصر، ووقعت اليمن عليه في 5 ماي 1945، ودخل الميثاق حيز النفاذ في 11 ماي 1945، وذلك بعد انقضاء خمس عسر يوما من تاريخ استلام الأمين العام للجامعة وثائق التصديق عليه من أربع دول (المادة 20 من الميثاق)، وهكذا أصبحت الجامعة واقعا ملموسا بعد أن كانت حلما يراود العرب[3].

ويتكون الميثاق من ديباجة وعشرين مادة ، وثلاثة ملاحق، خاصة بفلسطين (الملحق الأول)، وبالتعاون مع البلاد العربية غير المشتركة في مجلس الجامعة ( الملحق الثاني)، ويتعين الأمين العام للجامعة ( الملحق الثالث).

الفرع الثاني

أهداف جامعة الدول العربية

تمثل الأهداف التي قامت من أجلها أية منظمة دولية سبب وجودها، وبالنسبة لجامعة الدول العربية يمكن إيجاز هذه الأهداف في الآتي:

1-توثيق الصلات بين الدول المشتركة في الجامعة ، وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، هذا الهدف إذن هو كبيعة سياسية في المقام الأول.

2-النظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها، وقد وضع هذا الهدف أساسا لتمكين جامعة الدول العربية، باعتبارها تعبيرا عن ضمير الرأي العام للأمة العربية كلها، من إلقاء نظرة شاملة على حوال البلاد العربية قاطبة، سواء تلك التي حصلت على العضوية فيها، أو تلك التي لم تحصل على تلك العضوية ، لذلك ينص الميثاق[4] على جواز إشراك ممثلين عن البلاد العربية غير الأعضاء في اللجان التي يتم إنشاؤها لتوثيق الصلات بين البلاد العربية، كما أفرد الميثاق أيضا ملحقا خاصا بالتعاون بين الجامعة والبلاد العربية غير الأعضاء فيها.

3-تحقيق التعاون بين الدول المشتركة فيها تعاونا وثيقا بحسب نظم كل دولة منها وأحوالها في الشؤون الآتية:

- الشؤون الإقتصادية  والمالية ، ويدخل في ذلك التبادل الجمركي والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة .

-شؤون المواصلات ويدخل في ذلك السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد.

-شؤون الثقافة، الشؤون الإجتماعية، الشؤون الصحية.

-شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين.

الفرع الثالث

مبادئ جامعة الدول العربية

تقوم جامعة الدول العربية على عدة مبادئ لتحقيق أهدافها، وهذه المبادئهي:

أولا : المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء واحترام استقلالها

جاء في ديباجة الميثاق"تثبيتا للعلاقات الوثيقة والروابط العديدة التي ستربط بين الدول العربية، وحرصا على دعم هذه الروابط وتوطيدها على أساس احترام تلك الدول وسيادتها"، بل أن الغرض من الجامعة يتجسد في صيانة استقلال الدول الأعضاء واحترام سيادتها.

ويعد مبدا المساواة في السيادة واحترام استقلال الدول الأعضاء من المبادئ الأساسية الذي لا تقوم لأي منظمة قائمة بدونه.

ثانيا: عدم جواز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر وضرورة فض المنازعات بالطرق السلمية

جاء في المادة الخامسة من الميثاق" لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب خلاف بينهما لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذا وملزما".

    وعليه لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر والحرص على ضرورة فض المنازعات بالطرق السلمية.

    ويلاحظ أن المادة السادسة من الميثاق نصت على أنه" إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها أو المهددة بالإعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا."

وقد صار الالتزام بعدم الإلتجاء إلى استخدام القوة قاعدة قانونية آمرة من قواعد القانون الدولي المعاصر .

ثالثا: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء:

نصت المادة الثامنة من الميثاق على أن" تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرة وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها."

ويعد مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول من المبادئ الثابتة في القانون المعاصر.

 



[1] محمد المجدوب ، المرجع السابق، ص 371،372

[2] جمال عبد الناصر مانع، التنظيم الدولي، المرجع السابق، ص 242

[3] عبد الكريم عوض خليفة ، المرجع السابق، ص 164

[4] المادة 4 الفقرة 2 من ميثاق الأمم المتحدة