الفقرة الأولى:مباديء قانون المنافسة

الفقرة الأولى: مبادئ قانون المنافسة

بداية، توصف تشريعات المنافسة بأنها: " آليات قانونية تهدف إلى حماية المنافسة ذاتها بهدف تنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق التقدم، فالمنافسة هي الديمقراطية الاقتصادية وهي إحدى المبادئ الأساسية التي تتبناها الدول المتقدمة في تعاملاتها الحالية "[1].

     بالنسبة للتشريع الجزائري لم يعط الأمر 03-03 تعريفا لقانون المنافسة، غير أنه وعلى ضوء المادة الأولى من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة يمكن وصف الأخير بأنه: " جملة القواعد القانونية التي تهدف إلى حماية المنافسة في السوق قصد الوصول إل تحقيق الفعالية الاقتصادية وترقية معيشة المستهلكين ".

     يقوم قانون المنافسة على مبدأي حرية المنافسة والأسعار.

أولا: مبدأ حرية المنافسة:

     يندرج مبدأ حرية المنافسة ضمن مبدأ الحرية الاقتصادية بشكل عام، والذي يعبر عنه بمبدأ حرية التجارة والصناعة، تاريخيا يعود المبدأ إلى أعقاب الثورة الفرنسية وتحديدا بصدور مرسوم Allarde لسنة 1791ن بعد ذلك أخذ حيزا هاما على المستوى الفقهي والقضائي؛ حيث ساهم مجلس الدولة الفرنسي في إبراز معالمه وتأكيد وجوده، كما تم اعتباره من المبادئ العامة للقانون.

    في الجزائر، كان للمبدأ وجود فعلي إبان الاستعمار الفرنسي، غير أنه بعد الاستقلال لم يجد مكانة له بسبب تأكيد الدساتير الجزائرية المتعاقبة على الخيار الاشتراكي للحياة السياسية والاقتصادية للدولة الجزائرية، الأمر الذي لا ينسجم مع الحريات الاقتصادية.

    غير أنه سنة 1996 تم تبني المبدأ بموجب المادة 37 من دستور 1996 التي نصت على أن: " حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون". مع إجماع الفقه على أن المبدأ كان له وجود قانوني قبل تكريسه دستوريا سنة 1996؛ إذ أكدت عليه العديد من النصوص القانونية على رأسها الأمر 95-06 المتعلق بالمنافسة. واستمر الوضع على هذه الحال إلى غاية سنة 2016 [2]؛ حيث وبموجب التعديل الدستوري تم  تغيير تسمية المبدأ ليتحول إلى حرية الاستثمار والتجارة، كما تم التوسع في نص المادة 37 ( أصبحت المادة 43) بإدراج مصطلح الضبط ومناخ الأعمال والاحتكار والمنافسة...إلخ. دون أن يؤثر ذلك على مضمون المبدأ. بعد ذلك، وبموجب التعديل الدستوري الأخير لسنة 2020 [3] تم تبني مصطلح حرية الاستثمار والتجارة والمقاولة ونص على أنها مضمونة وتمارس في إطار القانون، وهو ما يتناسب مع التوجه الاقتصادي نحو تفعيل دور المؤسسات الناشئة والمقاولاتية على وجه التحديد، بالإضافة إلى الاقتصاد الرقمي.

    يعد مبدأ حرية المنافسة من الحريات الاقتصادية المشمولة بنص المادة 61 من الدستور، يقوم على المساواة بين مختلف المتعاملين في السوق، سواء أكانوا عموميون أم خواص، أشخاصا طبيعيين أم معنويين؛ حيث يخضعون للالتزامات ذاتها ويتعرضون لذات العقوبات في حال الإخلال بالسير السليم لقواعد المنافسة في السوق، كما تجدر الإشارة إلى أن قانون المنافسة تعتبر قواعده آمرة، تنتمي إلى النظام العام الاقتصادي وتشكل فرعا قائما أطلق عليه بالنظام العام التنافسي. ويتفرع عن مبدأ حرية المنافسة مبدأ آخر هو حرية الأسعار.

ثانيا: مبدأ حرية الأسعار

   نصت المادة الرابعة من الأمر 03-03 على أن تحدد بصفة حرة أسعار السلع والخدمات اعتمادا على قواعد المنافسة. إن مبدأ حرية الأسعار يعني الخروج عن مبدأ التحديد الإداري للسعر من قبل الدولة ووضع أسعار السلع والخدمات من قبل المؤسسات ( المتعاملين) وفقا لمبدأ الإرادة الحرة، غير أن المشرع قد قيد الحرية في وضع الأسعار بقواعد المنافسة؛ ووفقا لمبادئ الشفافية والإنصاف، وعليه:

-مراعاة القواعد الاقتصادية لتركيبة السعر.

-احترام قواعد هوامش الربح.

-التقيد بالآليات القانونية الني تحقق شفافية الأسعار: من قبيل الإعلام بالأسعار، والذي نظمه القانون 04-02 الخاص بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية، التعامل بالفاتورة التي تعد وسيلة لتحقيق الشفافية.

   إضافة إلى هذه الضوابط، قيد المشرع الجزائري مبدأ حرية الأسعار بجملة من القيود ذكرتها المادة الخامسة من الأمر 03-03 المعدلة والمتممة بالقانون 10-05، وتتمثل هذه القيود في:

1-تدخل الدولة في الأسعار: ويكون ذلك بتحديديها[4] أو بتحديد هوامش الربح أو التسقيف[5] أو التصديق على الأسعار[6]، ولقدد ذكر المشرع بعض الأسباب الدافعة إلى هذه الإجراءات والمتمثلة في:

تحقيق استقرار أسعار السلع والخدمات الضرورية أو ذات الاستهلاك الواسع.

مكافحة المضاربة والحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك.

  كما فرض المشرع على أن تتخذ هذه الإجراءات عن طريق التنظيم، وبعد اقتراحات القطاعات المعنية.

2-تدابير مؤقتة: ويكون هذا الإجراء في حالات الارتفاع المفرط للسعر وغير المبرر، كاضطراب السوق أو صعوبات في التموين أو في حالات الاحتكار الطبيعية، حيث يكون هنا تحديد الأسعار بصفة مؤقتة، حيث يكون تحديد الأسعار في هذه الحالات مؤقتا لمواجهة وضعا استثنائيا.



[1] لينا حسن ذكي، قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار (دراسة مقارنة في القانون المصري والفرنسي والأوروبي) ، دار النهضة العربية، القاهرة 2006، ص8.

[2] - القانون رقم 01-06 المؤرخ في 06 مارس 2016، المتضمن التعديل الدستوري، ج ر عدد 14 لسنة 2016.

[3] - المادة 61 من التعديل الدستوري لسنة 2020: الجريدة الرسمية عدد 82 المؤرخة في : 30 ديسمبر2020.

[4] - وهو وضع سعر محدد يجب احترامه كسعر الخبز والحليب والنقل الحضري...

[5] - وهو تحديد السعر الأقصى عند الاستهلاك، حيث تكون الأسعار حرة لكن دون تجاوز السعر المسقف.

[6] - هو الموافقة على السعر المقترح من قبل جهات مختصة كالدواوين.