الفقرة الأولى :الاتفاقيات المحظورة

الفقرة الأولى: الاتفاقات المحظورة

   نصت المادة السادسة من الأمر 03-03 على أن : " تحظر الممارسات والأعمال المدبرة والاتفاقيات والاتفاقات الصريحة أو الضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق أو في جزء جوهري منه، لاسيما عندما ترمي إلى : ...".

إن قراءة النص أعلاه تحمل دلالة على أن المشرع قد قصد التوسيع من الأشكال التي تتحقق بها اتفاقات مقيدة للمنافسة في التشريع الجزائري، وهذا أمر نراه منطقيا؛ ذلك أن حصر السلوكات التي تشكل عنصرا ماديا ضمن المخالفات المتعلقة بالمنافسة بصفة خاصة والتي تتعلق بالمجال الاقتصادي عموما يظل أمرا غير ممكن نظرا لخصوصية النشاط الاقتصادي من ناحية الاتساع والحركية وصعوبة ضبطه ضمن أطر محددة.

وسنتناول من خلال هذه النقطة التعريف بالاتفاقات المقيدة للمنافسة وتأثيرها في السوق وكذا إثبات الاتفاق المقيد للمنافسة.

أولا: التعريف بالاتفاقات المحظورة: يشمل التعريف بالاتفاقات المحظورة تعريف الاتفاقات وأنواعها والأشكال التي تتخذها.

1- تعريف الاتفاق المحظور: في محاولة تبني تعريف للاتفاق المحظور ضمن قانون المنافسة يمكن الانطلاق من التساؤل حول العلاقة بين الاتفاق والعقد؟

   إن ما يدعونا إلى هذا التساؤل في الواقع أمران: الأمر الأول يتعلق بموقف المشرع الجزائري          من تعريف العقد والأمر الثاني هو أن قواعد المنافسة قواعد خاصة، وبالتالي فلا وجود لمانع من الاستناد إلى القواعد العامة لاستيضاح غموض أو تكملة نقص.

   وفي هذا الإطار، وبالرجوع إلى القانون المدني الجزائري، نجد أن المشرع قد عرف العقد ضمن المادة 54 منه بأنه: " ... اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ". وفي تعريف آخر ورد ضمن قانون الممارسات التجارية ورد تعريف للعقد بأنه: " كل اتفاق أو اتفاقية تهدف إلى بيع سلعة أو تأدية خدمة حرر مسبقا من أحد أطراف الاتفاق مع إذعان الطرف الآخر بحيث يمكن هذا الأخير إحداث تغيير حقيقي فيه " [1].

   إذن ورغم تباين التعريفين للعقد فإن كلاهما يرى في العقد اتفاقا، ومع ذلك، فإنه إذا كان العقد اتفاق فالأمر لا ينطبق على قانون المنافسة التي لم يرد فيها ذكر العقد في إطار الاتفاقات المحظورة ما يدل بوضوح أن الاتفاق المحظور وإن كان يتصور أن يرد في شكل عقدي إلا أنه لا يعد هذا الأخير الشكل الوحيد الذي يرد ضمنه هذا الاتفاق.

   وفي إطار التمييز بين العقد والاتفاق المحظور ضمن قانون المنافسة يركز الفقه على فكرتي التعبير عن الإرادة وإنشاء الالتزامات؛ فالاتفاق ضمن قانون المنافسة "هو سلوك إرادي بين المؤسسات، وعليه فهو لا يتضمن بالضرورة التعبير عن الإرادة مثلما هو الحال في العقد، وإنما يفترض وجود تنسيق واقعي استراتيجي تجاري بين المؤسسات على مستوى السوق " [2].

أما بخصوص فكرة الالتزام، فإن هذا الأخير كأثر للعقد ليس شرطا أن يترتب عن الاتفاق المحظور، حيث لا يشترط فيه بالضرورة أن يكون منشئا لالتزامات بين أطرافه [3] وهذا هو الحد الفاصل بين الاتفاق والعقد.

   وفي تعريف للاتفاق المحظور أورد الفقه العديد من التعريفات أبرزها تلك التي وصفت الاتفاق بأنه : " كل تنسيق في السلوك بين المشروعات ( المؤسسات) أو أي عقد أو اتفاق ضمني أو صريح، وأيا كان الشكل الذي يتخذه هذا الاتفاق، إذا كان محله أو كانت الآثار المترتبة عليه من شأنها أن تمنع أو تقيد أو تحرف المنافسة " [4].

   وإذا كان الاتفاق المحظور يختلف عن العقد، فإن هناك مجال واسع يقترب فيه الاتفاق المحظور من العقد وفق التعريف الوارد في القانون المدني، فمن بين الأحكام المشتركة بينهما هو اتحاد إرادات أطراف مستقلة.

   فبخصوص اتحاد الإرادات، فإن العامل الأساسي الذي يقوم عليه الاتفاق يتمثل في الحد من استقلالية القرار الذي يجب أن تختص به كل مؤسسة وهذا هو سبب الحظر؛ إذ أن المنافسة الحرة تقتضي أن تقوم كل مؤسسة بتحديد استراتيجيتها في السوق بكل حرية.

   وفي إطار اتحاد الإرادات لا يشكل اتفاقا محظورا إصدار مؤسسة ما لبروتوكول اتفاق مقيد للمنافسة لم يحظ بقبول مؤسسات أخرى، كما لا يعد اتفاقا محظورا أيضا التعليمات المقدمة من طرف الممون للموزعين والتي لم تلق الاستجابة من هؤلاء الموزعين أو ما يسمى بالشروط العامة للبيع [5].

   أما بخصوص أطراف الاتفاق فتكون في العادة مؤسسات وفق قانون المنافسة، فما هو مفهوم المؤسسة ضمن قانون المنافسة؟

2- مفهوم المؤسسة ضمن قانون المنافسة:

   أورد المشرع ضمن المادة الثالثة من الأمر 03-03 في البند أ مفهوما للمؤسسة في نظر قانون المنافسة وصفها بأنها: " كل شخص طبيعي أو معنوي أيا كانت طبيعته يمارس بصفة دائمة نشاطات الإنتاج أو التوزيع أو الخدمات أو الاستيراد".

فوفقا لهذا التعريف تتمثل عناصر المؤسسة في:

- وجود شخص طبيعي أو معنوي: لم يفرق المشرع في مفهوم المؤسسة بين الشخص الطبيعي والمعنوي، كما لم يفرق بخصوص الشخص الطبيعي بين الشخص المعنوي العام والشخص المعنوي الخاص.

- ممارسة نشاط اقتصادي على سبيل الدوام: سبق القول أن قانون المنافسة قد اعتمد معيارا ماديا من أجل تطبيقه يأخذ بعين الاعتبار طبيعة النشاط لا طبيعة الشخص القائم به، غير أن القائم بهذا النشاط الاقتصادي إذا تمت ممارسته على سبيل الدوام من قبل شخص طبيعي أو معنوي أخذ هذا الشخص وصف المؤسسة.

   ويختلف النشاط الاقتصادي عن النشاط التجاري في كون النشاط الاقتصادي أوسع من النشاط التجاري الذي يهدف ابتداء إلى تحقيق الربح، بينما النشاط الاقتصادي كما قد يكون تجاريا قد يكون مدنيا أيضا لا يسعى ابتداء إلى تحقيق الربح حتى ولو حققه بصفة عرضية.

-استقلالية المؤسسة في ممارسة النشاط الاقتصادي: إن الاستقلالية كمعيار لتعريف المؤسسة لم يتضمنه نص المادة الثانية السابق، ومع ذلك فهو يعد معيارا متضمنا ضمن تعريف المؤسسة، كون التعريف يركز على وجود شخص يمارس نشاطا اقتصاديا على سبيل الدوام، كما يعد المعيار قضائيا أيضا أخذت به محكمة العدل الأوروبية، حيث أشارت إلى أن المؤسسة هي: " كل وحدة تقوم بالنشاط الاقتصادي تجاريا كان أو صناعيا على أن تكون متمتعة أثناء قيامها بنشاطها بالاستقلالية في اتخاذ القرارات التي تتعلق بإدارة نشاطها التجاري أو الصناعي حتى ولو لم تكن متمتعة بالشخصية القانونية " [6].

   إذن من التعريف يتضح أن أخذ وصف مؤسسة يفترض توافر الاستقلالية الاقتصادية للمؤسسة والتي يتم تغليبها على الاستقلالية القانونية، وهو الموقف الذي أخذ به القانون الأوروبي وكذا القانون الفرنسي بخصوص تعريف المؤسسة التي يمكن أن تأخذ شكل وحدة اقتصادية قد تضم مجموعة أشخاص طبيعية أو معنوية لا تتمتع كمجموعة بالشخصية القانونية [7]. إن تغليب المعايير الاقتصادية على المعايير القانونية أمر قد فرضه القانون الاقتصادي عموما، ومع ذلك نجد أن المشرع أحيانا يتمسك بالمعيار القانوني وهو ما فعله المشرع الجزائري بخصوص تعريفه للمؤسسة، حيث خالف التوجه الأوروبي والفرنسي واعتمد على المعيار القانوني المتمثل في " الشخص " طبيعيا كان أو معنويا .

   إن أطراف الاتفاق المقيد للمنافسة، وإن كان يتم في العادة بين مؤسسات إلا أن اتساع مجال تطبيق قانون المنافسة وامتداده إلى كيانات لا تعتبر مؤسسات في نظر قانون المنافسة كالجمعيات والمنظمات المهنية قد أدى بهيئات المنافسة وكذا القضاء إلى القبول بوجود اتفاق لا يكون طرفيه بالضرورة مؤسسات وفق مفهوم قانون المنافسة؛ حيث ذهب القضاء الفرنسي إلى في هذا الإطار إلى ضرورة أن يأخذ أحد أطراف الاتفاق -على الأقل- صفة " المؤسسة" ضمن قانون المنافسة، أو بعبارة أخرى أن يكون أحد الأطراف متعاملا فعالا في السوق un acteur actif sur le marché)) [8].

3 -الأشكال التي تتخذها الاتفاقات المحظورة: يترتب على الصياغة الواسعة التي ورد بها نص المادة السادسة من الأمر 03-03 إمكان أن تتخذ الاتفاقات المحظورة ضمن قانون المنافسة شكلا قانونيا معينا كالاتفاقات التعاقدية والاتفاقات العضوية، كما يمكن ألا يكون الاتفاق المقيد للمنافسة في شكل قانوني وإنما يظهر في شكل ممارسات وأعمال مدبرة.

- الاتفاقات التي تتخذ شكلا قانونيا: وقد تكون هذه الاتفاقات تعاقدية كما قد تكون اتفاقات عضوية.

فالاتفاقات التعاقدية تتمثل في تلك الاتفاقات التي تتم من خلال عقد وتنتج التزامات في العادة متبادلة على عاتق أطرافها، ويتصور أن يتم الاتفاق التعاقدي المحظور إما في شكل عقد أبرم خصيصا لهذا الغرض، كما يمكن أن يظهر الاتفاق المقيد للمنافسة في شكل بند يتضمنه اتفاق للتعاون مثلا يتجسد في شكل خطابات النوايا أو في شكل بروتوكولات تعاون [9].

وقد يظهر الاتفاق التعاقدي المحظور في أشكال متنوعة؛ كالشروط العامة للبيع التي يقبل بها الموزعين أو عقود التعاون التجاري مثلا أو عقود الضمان أو شروط الشراء المحددة من طرف الموزع في مواجهة عدد كبير وهام من الممونين [10]، وقد يأخذ الاتفاق التعاقدي المحظور شكل " كارتل" وهو اتفاق أفقي يؤدي إلى اتحاد إرادات مؤسستين أو أكثر تتمتعان في العادة بقوة اقتصادية، ويعد من أخطر أنواع الاتفاقات.

أما الاتفاقات العضوية، فهي تلك الاتفاقات التي تتخذ شكل إحدى الصيغ ذات السمة العضوية ( الشخصية) في مختلف الشركات كشركات الأشخاص أو الأموال، كما يمكن أن يتم الاتفاق من خلال تنظيمات مهنية قائمة بالفعل حيث يتم إبرام الاتفاق المقيد للمنافسة بين أعضاء تلك التنظيمات، كما يمكن أن يتم الاتفاق التعاقدي المحظور في شكل تجمع ذي مصلحة اقتصادية، وفي هذه الحالة يمكن أن يختلط العقد بالاتفاق المقيد للمنافسة، ففي قضية نظرت فيها المفوضية الفرنسية للاتفاقات سنة 1980 هي قضية " مونتيليمار"، اعتبرت أن كلا من العقد واللائحة التنفيذية للتجمع ذي المصلحة الاقتصادية ومختلف الآثار المترتبة عليهما يشكلان عائقا أمام المنافسة في السوق، وتتمثل وقائع القضية في تكوين تجمع ذو مصلحة اقتصادية بين منتجي النوجا في إقليم مونتيليمار يتضمن امتناعهم الإنتاج والتوزيع لمصلحة الغير وكذا الامتناع عن استغلال كل الطاقات الإنتاجية [11].

-الاتفاقات غير المنظمة: ورد في نص المادة السادسة الخاصة بالاتفاقات مصطلح " الممارسات والأعمال المدبرة " كشكل من أشكال الاتفاقات المقيدة للمنافسة.

   ويعرف العمل المدبر بأنه : " شكل من أشكال التنسيق بين المؤسسات يتعلق بسلوكاتها في السوق، يؤدي إلى تعاون عملي بينها يهدد المنافسة، دون أن يكون ناتجا عن تنفيذ اتفاقية بالمعنى القانوني لها " [12]

وينطوي العمل المدبر على عنصرين اثنين: [13]

-عنصر مادي: يتمثل في التجسيد المادي لقصد المؤسسات المعنية المساس بالمنافسة، سواء اتخذ ذلك مظهرا إيجابيا من قبيل الرفع المتعمد للأسعار أو ممارسة ضغوطات على منتج أو موزع ما، كما يمكن أن يأخذ مظهرا سلبيا من قبيل رفض البيع دون شبب شرعي.

-عنصر معنوي: يتمثل في توافر إرادة مشتركة للقيام بالفعل ذاته، ويكفي- في هذا المقام- أن تنصرف كل مؤسسة وهي متأكدة أن هناك مؤسسات أخرى ستقوم بما قامت به، مما يوجد تواجدا مقصودا في السلوك.

   وفي الواقع، فإن العمل المدبر يطرح إشكالا يتعلق بصعوبة إثباته خاصة العنصر المعنوي منه، وفي هذا الإطار قرر مجلس المنافسة الفرنسي أن مجرد حدوث تماثل في السلوكات لا يكفي لإثبات عمل مدبر، لأنه من الممكن جدا أن ترفع مجموعة من المؤسسات أسعار منتجاتها في نفس القترة دون وجود تواطؤ فيما بينها، وهو ما يؤدي إلى ضرورة التأكد من مدى حدوث تبادل حقيقي للمعلومات بينها وما إذا قامت بعقد اجتماعات مشتركة...إلخ، أو أن يتم في غياب هذه المؤشرات دراسة التماثل وفيما إذا كان هناك تطابق دقيق في السلوكات المتخذة من المؤسسات [14]. وعلى العموم تملك هيئات المنافسة سلطة تقديرية واسعة لتقدير التماثل في السلوكات وذلك وفق ما تقف عليه من أدلة أو مؤشرات [15].

4- أنواع الاتفاقات المحظورة: تصنف الاتفاقات المحظورة ضمن قانون المنافسة على صعيد الوضع الاقتصادي لأطراف الاتفاق إلى: اتفاقات أفقية واتفاقات رأسية أو عمودية.

-الاتفاقات الأفقية: وهي تلك التي تتم بين مؤسسات تقف على مستوى واحد من العملية الاقتصادية، كالاتفاقات التي تتم بين منتج ومنتج لنفس السلعة، أو بين موزع وموزع لنفس السلعة، وتأخذ هذه الاتفاقات أشكالا لا حصر لها من قبيل الاتفاقات بتوحيد الأسعار أو الخصومات أو اقتسام الأسواق أو تنظيم المنافسة عموما.

-الاتفاقات الرأسية: وهي تلك التي تتم بين مؤسسات تكون في مستوى مختلف من العملية الاقتصادية، كالاتفاقيات في إطار التوزيع  ( بين موزع ومنتج).

لقد عرفت الاتفاقات الرأسية جدلا واسعا بين فقه قانون المنافسة يتعلق بمدى اعتبارها فعلا اتفاقات مقيدة للمنافسة ويعود هذا الجدل إلى كون أطراف الاتفاقات الرأسية ليست مؤسسات متنافسة فيما بينها على خلاف الاتفاقات الأفقية التي تكون بين أطراف متنافسة، إلا أن هذا الجدل لم يعد له معنى بعدما اتضح موقف هيئات المنافسة من اعتبار هذا النوع من الاتفاقات اتفاقات مقيدة للمنافسة فحتى وإن كانت تتم بين أطراف ليست متنافسة إلا أن من شأنها تقييد المنافسة والحد من القدرة التنافسية للأطراف المتنافسة.

   ويظهر هذا النوع من الاتفاقات من خلال عقود التوزيع الحصري أو الانتقائي وعقود الامتياز...إلخ، وتأخذ هذه الاتفاقات أشكالا عديدة، ويعد أخطرها تلك الاتفاقات التي تتعلق بتحديد سعر إعادة البيع ( تحديد الحد الأدنى لسعر إعادة البيع- تحديد الحد الأقصى لسعر إعادة البيع).

ثانيا: تقييد الاتفاق للمنافسة:

   بالرجوع إلى نص المادة السادسة من الأمر 03-03 نجدها تشير إلى هدف تقييد المنافسة أو الحد منها، ولقد أوردت الفقرة الثانية من هذا النص بعض المؤشرات التي يستدل منها على المساس بالمنافسة أو تقييدها، حيث استعمل المشرع عبارة: " لا سيما عندما ترمي إلى:

- الحد من الدخول في السوق أو في ممارسة النشاطات التجارية فيها.

- تقليص أو مراقبة الإنتاج أو منافذ التسويق أو الاستثمارات أو التطور التقني.

- اقتسام الأسواق أو مصادر التموين.

- عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع لارتفاع الأسعار أو لانخفاضها.

- تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين مما يحرمهم من منافع المنافسة.

- إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء بحكم طبيعتها أو حسب الأعراف التجارية.

- السماح بمنح صفقة عمومية لفائدة هذه الممارسات المقيدة.

   إن المساس بالمنافسة المذكور في المادة السادسة الخاصة بالاتفاقيات يتم تقديره وفق كل سوق من أسواق السلع أو الخدمات، وهذا ما يتضح من عبارة " في نفس السوق أو في جزء جوهري منه "، وفي الواقع، فإن المساس بالمنافسة يختلف حسب طبيعة المنافسة في السوق، ففي سوق للمنافسة التامة مثلا يعتبر مساسا بالمنافسة كل سلوك يؤدي إلى إنقاص عدد المنافسين أو يحد من استقلاليتهم في اتخاذ القرارات، أما في سوق للمنافسة غير التامة فلا يؤخذ فيه إلا بالتقييد الحقيقي للمنافسة في ظل الضغوطات الخاصة بكل سوق [16].

   لقد توصل الفقه والقضاء الأوروبي والفرنسي إلى التمييز بين الاتفاقات التي يكون موضوعها المساس بالمنافسة وبين الاتفاقات التي يترتب عليها المساس بالمنافسة.

   حيث تعتبر بعض الاتفاقات محظورة بحسب موضوعها دون النظر إلى النتائج التي يمكن أن تتحقق عنها، وتتمثل هذه الاتفاقات في اتفاقات المقاطعة التجارية، والاتفاقات في إطار الصفقات العمومية، واتفاقات اقتسام الأسواق، والاتفاقات حول الأسعار...إلخ، أما الاتفاقات التي يكون أثرها المساس بالمنافسة، فهي التي تستدعي بطبيعتها دراسة من قبل سلطة المنافسة للآثار المترتبة أو المحتملة في السوق [17].

     إضافة إلى ضرورة المساس بالمنافسة وضع القضاء الأمريكي وكذلك القضاء الأوروبي معيارا لتقدير درجة المساس بالمنافسة، يتمثل هذا المعيار في وجوب توافر عتبة حساسية (une seuil de sensibilité)، ويندرج شرط الحساسية من فكرة أن كل مساس بالإجراءات التنافسية ليس ممنوعا، حيث أن حرية التعاقد هي الأساس، وأن قواعد وهيئات المنافسة لا تتدخل إلا في حالة خلل وظيفي حقيقي في السوق [18]. إن وضع عتبة للحساسية يراد منه إضفاء الشرعية على بعض الممارسات التي يكون فيها المساس بالمنافسة ضئيلا بحيث لا يكون له تأثير فعلي على سوق النشاط أو الخدمة.

   وفي الواقع، لم يأخذ المشرع الجزائري صراحة بوجود عتبة للحساسية، كما فعل المشرع الفرنسي والأوروبي مثلا [19]، إلا أن الرجوع إل نص المادة الثامنة من الأمر 03-03 قد يفهم منه أن المشرع قد قصد التغاضي عن بعض الممارسات التي لا تحمل سوى شبهة المساس بالمنافسة، مما يمكن معه منح المؤسسات مرتكبة هذه الممارسات تصريحا بعدم التدخل [20].

   وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة السادسة أعلاه يتبين أن المشرع قد تدخل ليحدد بعض الأهداف التي ترمي الاتفاقات إلى تحقيقها، وعليه يمكن التمييز في هذا الإطار بين عدة اتفاقات منها:

-الاتفاقات الهادفة إلى الحد من المتنافسين: قد يأتي تقييد المنافسة في صورة المحافظة على البنية التنافسية في السوق المعنية، وذلك عن طريق الحد من الدخول في السوق، والدي يمكن أن يظهر من خلال:

     -اتفاقات المقاطعة: تعد اتفاقات المقاطعة من أخطر الاتفاقات المقيدة للمنافسة، حيث تؤدي إلى إقصاء أحد أو بعض المتنافسين من السوق، ولقد سبق القول أنها تعد وفق الاجتهاد القضائي اتفاقات محظورة بسبب موضوعها.

    -اتفاقات اقتسام الأسواق: يعد اقتسام الأسواق أيضا من الممارسات الخطيرة المحظورة بسبب موضوعها، ويأخذ اقتسام الأسواق أشكالا متعددة منها ما يأخذ بعدا جغرافيا ومنها ما يأخذ بعدا زمنيا أو موسميا...إلخ.

   -اتفاقات تقييد الدخول إلى المهنة: قد تلجأ المؤسسات في إطار التنظيمات المهنية إلى وضع ترتيبات معينة من شأنها تقييد المنافسة، وذلك من خلال أساليب متعددة كالاتفاقات حول الأسعار ( وضع جداول للأسعار) أو الاتفاقات بخصوص شروط الالتحاق بالمهنة أو التعامل مع الشركاء...إلخ.

      - الاتفاقات في إطار الصفقات العمومية: والتي يكون هدفها الحد من المنافسة كالتفاهم عند إبرام الصفقات، والتي سبق لنا الحديث عنها.

  - الاتفاقات الهادفة إلى تقييد نشاط المتنافسين: ومن بين هذه الاتفاقات نجد:

     -اتفاقات تحديد الأسعار: تعد الاتفاقات بخصوص الأسعار من أخطر الاتفاقات المقيدة للمنافسة، حيث عادة مل تكون الأسعار أهم وسيلة للصراع التنافسي بين المؤسسات والمعيار الأبرز في التأثير على العرض، وتأخذ الاتفاقات حول الأسعار شكل ممارسة أسعار عدوانية أو احتيالية كما قد تتمثل هذه الممارسات في تبادل المعلومات بشأن الأسعار بين المؤسسات أو توحيد نسبة التخفيضات...إلخ.

   -اتفاقات تقيد حرية المنافسين في مجال تنظيم الإنتاج والتوزيع: وتتحقق من خلال إقامة القيود بهدف الحد من حرية المؤسسات أطراف الاتفاق في تقدير حجم الإنتاج أو كيفيات التوزيع، ويظهر هذا التقييد من خلال أسلوب تحديد الحصص ( الحصة الإنتاجية أو التسويقية ) [21].

   وعلى العموم تعد الاتفاقات المحظورة من الممارسات المقيدة للمنافسة الأكثر خطورة على الاقتصاد الوطني، خاصة تلك التي تتم في إطار الصفقات العمومية، وتعود خطورة هذا النوع من الممارسات إلى طابعها السري وصعوبة اكتشافها وإثباتها، وهذا ما دفع إلى:

-اتباع بعض المرونة في إثبات الاتفاقات المقيدة للمنافسة : حيث أن هيئات المنافسة الفرنسية والأوروبية انتهجت منطقا قائما على اعتماد جملة من المؤشرات بعيدا عن الأدلة الكتابية، ولكن في المقابل يرتكز هذا الإثبات على معاينة مؤشرات خطيرة، دقيقة ومتوافقة، وقد تتمثل هذه المؤشرات في: مكالمات أو محادثات، حوارات، مناقشات، اجتماعات، جلسات...إلخ [22].

- الترويج من قبل هيئات المنافسة لاعتماد بعض الإجراءات البديلة عن العقوبة، ويتمثل الإجراء المعمول به في إطار التصدي للاتفاقات المحظورة في إجراء الرأفة الذي تعتمده سلطة المنافسة الفرنسية، ويسمح الإجراء باعتراف المؤسسات المتواطئة بالاتفاقات المبرمة مقابل إعفائها من المتابعة


[1]  الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من القانون 04-02 المتعلق بالممارسات التجارية.

[2]  شوقي بناسي، تأملات في تعريف العقد، حوليات الجزائر1، مجلة تصدر عن جامعة الجزائر 1، العدد 32، الجزء الرابع، ديسمبر 2018، ص 19.

[3] Valérie pironon, Droit  de la concurrence, édition Lextenso, paris, 2009, p55.

[4]  لينا حسن ذكي، المرجع السابق، ص 41.

[5]  بن يسعد عذراء، المرجع السابق، ص ص 82، 83.

[6]  لينا حسن ذكي، المرجع السابق، ص 74.

[7]  فعلى سبيل المثال اعتبر مجلس المنافسة الفرنسي أن انتماء كل من شركتي yamaha Motor france  و MBK لمجمع واحد هو yamaha Motor Europe  يمنع من القول بوجود اتفاق محظور بينهما لغياب اتحاد إرادتين مستقلتين من الناحية الاقتصادية حيث أن المجمع ككل يمثل وحدة اقتصادية واحدة: مشار إليه في : بوحلايس إلهام، المرجع السابق، ص 144.

[8] Marie Chantal Boutard-Labarde et autre, l’application en France du droit des pratiques anticoncurrentielles, L.G.D.J, Paris, 2008, p82.

[9]  بوحلايس إلهام، المرجع السابق، ص 184.

[10]  جلال مسعد، المرجع السابق، ص 59.

[11]  لينا حسن ذكي، المرجع السابق، ص ص 85، 86.

[12]  مشار إليه في: بوحلايس إلهام، المرجع السابق، ص 188.

[13]  بن يسعد عذراء، المرجع السابق، ص 29.

[14]  جلال مسعد، المرجع السابق، ص ص 67، 68.

[15]  حيث وفي قضية قديمة فصل فيها القضاء الأمريكي وقف الأخير على وجود تماثل معلوم في السلوك يشكل اتفاقا مقيدا للمنافسة بين المؤسسات الثلاث المنتجة للسجائر ستة 1946 من خلال توحيد أسعار البيع خلال الفترات الزمنية نفسها خفضا ورفعا ولمدة 5 سنوات متتالية، والتوازي بخصوص الزيادة في الأسعار التي طبقتها رغم انخفاض أسعار التكلفة : مشار إليها في : لينا حسن ذكي، المرجع السابق، ص 96.

[16]  محمد الشريف كتو، الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري ( دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي )،أطروحة لنيل درجة دكتوراه دولة في القانون، فرع القانون العام، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، السنة الجامعية 2004-2005، ص 123.

[17] Marie –Chantal Boutard Labarde et autre, op. cit , p, p 97,99

[18]  بن يسعد عذراء، المرجع السابق، ص113.

[19]  ورد في نص المادة L.464-6 من القانون التجاري الفرنسي إعفاء الاتفاقات التي لا تتجاوز عتبة الحساسية والمقدرة بالنسبة للاتفاقات التي تبرمها مؤسسات متنافسة ( الاتفاقات الأفقية ) ب 10% كحصة سوقية تحوزها هذه المؤسسات، وبنسبة 15 % كحصة سوقية  من أحد الأسواق المعنية بالاتفاق بالنسبة للاتفاقات بين مؤسسات غير متنافسة ( اتفاقات رأسية ) .

[20]  جاء في المادة الثامنة من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة أنه: " يمكن أن يلاحظ مجلس المنافسة، بناء على طلب المؤسسات المعنية واستنادا إلى المعلومات المقدمة له أن اتفاقا ما أو عملا مدبرا أو ممارسة كما هي محددة في المادتين 6و7 أعلاه لا تستدعي تدخله...".

[21]  بن يسعد عذراء، المرجع السابق، ص-ص 125-126.

[22] Daniel Mainguy et autre, Droit de la concurrence, Nexis et Litec, paris, 2001, p 247.