المحور الثالث :التجميعات الاقتصادية
الفقرة الأولى: صور التجميعات الاقتصادية ضمن قانون المنافسة
الفقرة الأولى: صور التجميعات الاقتصادية ضمن قانون المنافسة
أولا: الاندماج
اعتبر المشرع الجزائري الاندماج إحدى الصور التي تتم بها عمليات التجميع الاقتصادي ضمن قانون المنافسة، حيث ورد ضمن نص المادة 15 من الأمر 03-03 بأنه : " يتم التجميع في مفهوم هذا الأمر إذا: 1- اندمجت مؤسستان أو أكثر كانت مستقلة من قبل....".
و يعرف الاندماج بأنه: " عقد تُضم بمقتضاه شركة أو أكثر إلى شركة أخرى فتزول الشخصية المعنوية للشركة المنضمة، وتنقل أصولها وخصومها إلى الشركة الضامة، أو تمتزج بمقتضاه شركتان أو أكثر فتزول الشخصية المعنوية لكل منهما، وتنقل أصولهما وخصومهما إلى شركة جديدة"[1].
ورغم أن المشرع الجزائري قد تناول أحكام الاندماج ضمن القانون التجاري[2]، وحدد له شكلا تعاقديا (حيث يتم من خلال إبرام عقد)، فإن قراءة نص المادة 15 من الأمر 03-03 يدل على اتجاههنحو توسيع مفهوم الاندماج، حيث يتجاوز المعنى القانوني له إلى المفهوم الاقتصادي ودليل ذلك أن المشرع قد استعمل مصطلح المؤسسة الوارد ضمن قانون المنافسة ولم يستعمل مصطلح "الشركة " المستعمل ضمن القانون التجاري، حيث يمكن أن يعتبر تجميعا كل عملية تؤدي إلى مزج أو ضم مؤسسات اقتصادية بما ينشىء وحدة اقتصادية جديدة بغض النظر عن شكلها القانوني، وهو موقف اقتبسه المشرع الجزائري من التشريعين الفرنسي والأوروبي للمنافسة[3] وهذا ما يصب في إطار تغليب المنطق الاقتصادي على القانوني ضمن قانون المنافسة بصفة خاصة والقانون الاقتصادي على وجه العموم، وهو ما من شأنه مد رقابة مجلس المنافسة إلى عديد السلوكات، خاصة وأن الهدف من هذه الرقابة هو مواجهة السيطرة على السوق التي يزداد خطرها في حال كون المؤسسات المعنية مؤسسات ذات قوة اقتصادية في السوق المعنية.
ثانيا: مراقبة مؤسسة أو عدة مؤسسات
في تصور نص المادة 15 من الأمر 03-03، فإنه يعتبر تجميعا اقتصاديا إذا:
2-حصل شخص أو عدة أشخاص طبيعيين لهم نفوذ على مؤسسة على الأقل، أو حصلت مؤسسة أو عدة مؤسسات على مراقبة مؤسسة أو عدة مؤسسات أو جزء منها، بصفة مباشرة، عن طريق أخذ أسهم في رأس المال أو عن طريق شراء عناصر من أصول المؤسسة أو بموجب عقد أو أي وسيلة أخرى....
ولقد حددت المادة 16 من الأمر 03-03 مفهوم المراقبة الوارد ضمن المادة السابقة، حيث اعتمد النص على معيار"النفوذ الأكيد"؛ أي يجب أن تؤدي هذه المراقبة إلى ممارسة نفوذ أكيد ودائم على نشاط المؤسسة، والملاحظ أن المشرع قد وسع من الوسائل التي يتحقق بها هذا النفوذ حيث يمكن أن يكون ناتجا عن قانون العقود أو بطرق أخرى، وقد يتعلق بحقوق الملكية أو الانتفاع على ممتلكات المؤسسة...إلخ.
1-المراقبة بحكم الأغلبية في رأس المال:
من المعلوم أن هناك علاقة حتمية بين مقدار المساهمة في رأسمال المؤسسة وعن حقوق التصويت ضمن هذه الأخيرة، ووفقا للقواعد العامة الواردة ضمن القانون التجاري، فإنه إذا كانت لشركة أكثر من 50% من رأسمال شركة أخرى تعد الأخيرة تابعة للأولى لما تمثله من أغلبية الأصوات في جمعية المساهمين، وهذا ما ورد ضمن الفقرة الأولى من المادة 729 من القانون التجاري. ولا شك أن هذه الفرضية ترتفع فيها نسبة تحقق النفوذ الأكيد، حيث بإمكان المؤسسة المتبوعة أن تتحكم في إصدار القرارات بسبب أغلبية الأسهم.
2- المراقبة بموجب الاتفاق:
إن قاعدة ارتباط نسبة الأسهم في رأس المال بالسيطرة على القرارات الاستراتيجية في الشركة ترد عليها بعض الاستثناءات؛ حيث أن حيازة نسبة متواضعة من رأسمال المؤسسة مع الحصول على بعض الامتيازات قد يؤدي إلى ممارسة النفوذ الأكيد، ولقد اعتبر المشرع التجاري أن الشركة التي تحوز أقل من 50% من رأسمال شركة أخرى تعتبر مساهمة فيها، ومع ذلك فقد تمارس نفوذا أكيدا إذا توافرت لها بعض الامتيازات كحقوق التصويت عند تعيين المديرين أو انتخاب أعضاء الإدارة بما يخول لهم سلطة التعيين والعزل[4].
وفي الواقع، فإن هذه الامتيازات قد يكونمصدرها اتفاقات بين المساهمين والتي تمكنهم من الاعتراض رغم المساهمة المتواضعة[5] كما قد يكون مصدرها وجود علاقات خاصة ومميزة[6]، ولقد اشترط المشرع في القانون التجاري لممارسة هذه الرقابة أن تمتلك الشركة المراقبة جزءا يتعدى 40% من حقوق التصويت سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون أن يحوز مساهم آخر جزءا أكثر من جزئها[7]إذن بهذه الأحكام تتحول الشركة المساهمة إلى شركة مراقبة.
إن الرقابة في نظر قانون المنافسة لابد أن ترتكز على الاستراتيجية التجارية للمؤسسة؛ فإذا كانت الرقابة هي قرارات الجمعية العامة أو مجلس المراقبة فإن النفوذ يكون أكيدا، أما إذا كان نفوذ المساهم الأقل ينحصر في بعض القرارات، فإن حق الاعتراض لا يكفي، بل لابد أت يكون موجها للقرارات التي تعتبر استراتيجية (الزيادة أو الإنقاص من رأس المال، التصفية...إلخ)[8]
3- المراقبة بحكم الواقع:
أشارت إلى هذه الحالة المادة 731 من القانون التجاري الجزائري بالقول:"تعد شركة ما مراقبة لأخرى...
- عندما تتحكم في الواقع، بموجب حقوق التصويت التي تملكها، في قرارات الجمعيات العامة لهذه الشركة".
وتتحقق هذه الفرضية في الواقع عندما يكون رأسمال مشتتا بين عدة مساهمين، فيما تمتلك الشركة المعنية النسبة الأكبر من رأس المال تمكنها من ممارسة الرقابة والنفوذ الأكيد في تسيير الشركة واتخاذ القرارات الاستراتيجية فيها.
إن هذه الأشكال لممارسة المراقبة من قبل شركة على أخرى والتي تناولها القانون التجاري لا شك أنها مقصودة بالرقابة الواردة ضمن المادة 15 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة، ومع ذلك فإن قانون المنافسة قد توسع في مضمون هذه الرقابة مقارنة بالقانون التجاري، حيث أخذ بمفهوم اقتصادي يتجاوز المفهوم المالي الذي أخذ به المشرع في القانون التجاري وهو مفهوم النفوذ الأكيد الذي جعله معيارا حاسما للقول بوجود عملية تجميع اقتصادي ضمن قانون المنافسة. ويتضح ذلك من قول المشرع "...عن طريق أخذ أسهم في رأس المال أو عن طريق شراء عناصر من أصول المؤسسة أو بموجب عقد أو بأي وسيلة أخرى...".
ومنه، فإن مصدر النفوذ الأكيد أو السيطرة الحاسمة يمكن أن يكون تصرفا واقعا على أصول المؤسسة أو على جزء من هذه الأصول، كما تشكل أيضا بعض الحقوق مصدرا للسيطرة الحاسمة كحق الشفعة على الأسهم مع المساهمة في رأس المال، بالإضافة إلى حقوق الدائنية التي يمكن أن تكون مصدرا للنفوذ الأكيد[9].
بالإضافة إلى ماسبق يشكل مصدرا للسيطرة الحاسمة الحصول على أسهم في مؤسسة بواسطة بعض العمليات من قبيل المقايضة بحقوق في المؤسسة المستفيدة أو مؤسسات تابعة لها كالأسهم أو سندات الاستثمار، حيث يخول الحصول على هذه الأسهم الحق في التصويت وعادة ما تلجأ المؤسسة إلى هذه الطريقة بسبب حاجتها إلى التكنولوجيا أو الحاجة إلى تأمين الإنتاج بصفة عامة بسبب عجزها عن تحقيق ذلك بمفردها[10].
كما يمكن أن تشكل بعض العقود التي أفرزتها الحياة الاقتصادية الجديدة مصدرا هاما لمماسة النفوذ الأكيد، كونها تتضمن بعض الشروط التي تقيد استقلالية المؤسسة الطرف في هذه العلاقة التعاقدية ومن بين هذه العقود:
-عقد الفرانشيز( الترخيص التجاري): استقر اجتهاد مجلس المنافسة والقضاء الفرنسيين على اعتبار الفرانشيز آلية عقدية يتحقق بها التجميع الاقتصادي نظرا لتكوين شبكة توزيعية ( بخصوص الفرانشيز التوزيعي مثلا) يستطيع من خلالها الفرانشيزر فرض رقابته على المؤسسات المكونة لسلسلته التوزيعية ورغم ما يمكن أن ينتج عن هذا العقد من تقييد للمنافسة إلا أن هيئات المنافسة عادة ما تتجه إلى القبول به بشرط التقيد ببعض الشروط[11].
-عقد التسييرle contrat de management : " اتفاق يمنح لمؤسسة ما حق تسيير أموال مؤسسة أخرى أو جزء منها باسمها ولحسابها بمقابل مالي وبإضفاء علامتها وتزويدها بشبكاتها الخاصة بالترويج والبيع وهذا ما يمنحها مراقبة المؤسسة المسيرة حيث تكون هذه الأخيرة في وضعية تبعية للمسير"[12]وما يجعل عقد التسيير من العقود التي تؤدي إلى ممارسة النفوذ الأكيد هو ارتباط المؤسسة المسيرة بالعلامة التجارية للمسير ما يجعلها في حالة تبعية له وهو ما يؤثر على مركزها في السوق؛ حيث يؤدي بها فسخ العقد إلى أضرار في جانبها فتضطر إلى تجديده وفق الشروط التي يحددها المسير[13].
-عقد الترخيص باستغلال براءة الاختراع: يعد عقد الترخيص باستغلال براءة الاختراع من العقود التي تؤدي إلى ممارسة النفوذ الأكيد من قبل المخترع على المرخص له، حيث عادة ما تقترن هذا الترخيص بشروط مدرجة في العقد كتحديد كمية الإنتاج التي يتعين على المرخص له تحقيقها أو تحديد مواصفات معينة للجودة يتعين اتباعها، وهو ما يؤدي إلى القضاء على المنافسة [14].
هذا بالإضافة إلى عقود أخرى كعقود الإنتاج مثلا لما يمكن أن ينشأ عنها من وضعية تبعية، حيث يخضع بموجبها المنتج لتبعية الزبون وهذا ما يظهر في مجال الإنتاج الفلاحي مثلا أين يخضع المنتج للوسيط أو للتاجر مشتري المحصول الزراعي[15].
وبما أن المشرع لم يحصر وسائل المراقبة المفضية إلى النفوذ الأكيد، فإنه من المتصور أن تكون معنية بهذا الخطاب أي وسيلة حتى وإن لم تتخذ شكلا قانونيا كالعقد.
ثالثا: إنشاء مؤسسة مشتركة كاملة الممارسة
اعتبر المشرع الجزائري من قبيل التجميع الاقتصادي الخاضع للرقابة إنشاء مؤسسة مشتركة تتفرع من مؤسستين قائمتين أو أكثر، حيث تحول كل أو جزء من أموال وحقوق والتزامات المؤسستين إلى هذا الفرع الجديد الذي يكون عادة تحت رقابة متساوية بين المؤسسات (الشركات) الأم.
ولقد اعتمد المشرع بخصوص هذا النوع من التجميعات معيارا عبرت عنه المادة 16 من الأمر 03-03 بالمؤسسة المشتركة التي تؤدي بصفة دائمة جميع وظائف مؤسسة اقتصادية مستقلة، وهو معيار ذو أصل أوروبييتلخص في نظرية " المؤسسة كاملة الممارسة"، والتي ظهرت بغرض التمييز بين المؤسسة المشتركة التواطئية التي يمكن متابعتها في ظل الأحكام الخاصة بالاتفاقات المقيدة للمنافسة والمؤسسة المشتركة التجميعية[16] التي تمثل تركيزا اقتصاديا حقيقيا، حيث يستبعد من نطاق المؤسسة المشتركة التجميعية ذلك الفرع المنشأ بغرض البحث والتطوير باعتبار هذا الفرع تابع للمؤسسات التي أسسته وليس له نشاط مستقل في السوق، أما المؤسسة المشتركة كاملة الممارسة فيجب أن تكون على اتصال مباشر بالسوق[17].
وتوصف المؤسسة المشتركة على صعيد السوق بالتحالفات الاستراتيجية، ولعل التجربتين الرائدتين في هذا الإطار هما تجربة فورد للتحالف الاستراتيجي عام 1969 مع مازدا ونيسان وكذا تحالف موتورولا مع شركة آبل للحواسيب [18].