متابعة الممارسات المنافية للمنافسة
الفقرة الأولى :الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة
الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة
تضمن قانون الأسعار لسنة 1989[1] بعض الممارسات التي تضمنها فيما بعد الأمر 95-06 المتعلق بالمنافسة وهي الاتفاقات والممارسات المدبرة والتعسف في وضعية الهيمنة[2]،غير أنه أسند الاختصاص بشأنها إلى القاضي الجزائي، كما رتب عليها عقوبات ذات طابع جزائي من قبيل الحبس، ما يفيد اعتبارها جرائم متعلقة بالمنافسة.
غير أنه بصدور الأمر 95-06 أنشأ المشرع مجلسا للمنافسة أسند إليه اختصاص متابعة هذه الممارسات المنافية، وهو ما أبقى عليه أيضا الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة، ورغم أن هذه الهيئة قد تم إنشاؤها منذ 1995 وبالفعل تم تنصيبها وعرفت نشاطا متواضعا في ظل الأمر الملغى، إلا نشاطها توقف سنوات طويلة في ظل الأمر 03-03 إلى أن تم تنصيبها سنة 2013؛ حيث تم تفعيل نشاط مجلس المنافسة من جديد.
لقد جاء في المادة 23 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة ما يلي: " تنشأ لدى رئيس الحكومة سلطة إدارية تدعى في صلب النص "مجلس المنافسة"، تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي "، غير أنه وبتعديل المشرع للأمر 03-03 بموجب القانون 08-12 نجد أن المشرع قد استعمل صراحة مصطلح السلطة الإدارية المستقلة؛ حيث ورد في المادة 23 المعدلة بأنه: " تنشأ سلطة إدارية مستقلة تدعى في صلب النص مجلس المنافسة، تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي، توضع لدى الوزير المكلف بالتجارة".
أولا: الطابع السلطوي لمجلس المنافسة:لم يجعل المشرع من مجلس المنافسة مجرد هيئة ذات طابع استشاري، يل منحه اختصاصات تجعل منه سلطة حقيقية وعلى رأس هذه الاختصاصات إمكان إصدار قرارات ذات طابع تنفيذي دون أن يحرمه المشرع من الدور الاستشاري متى طلبت منه ذلك إحدى الهيئات المخولة لطلب الاستشارة.
إن الطابع السلطوي لمجلس المنافسة يتضح من خلال الأمر 03-03؛ حيث تنص المادة 34 منه[3] بأن: " يتمتع مجلس المنافسة بسلطة اتخاذ القرار والاقتراح وإبداء الرأي ..."، وتتنوع القرارات التي يصدرها مجلس المنافسة بين تلك التي يمارس فيها المجلس اختصاصه الرقابي المسبق( وهو في دوره هذا يقترب في ذلك من الدور الذي تقوم به سلطات الضبط القطاعية والمتمثل في الضبط المسبق Ex ante ) والمتمثلة في الترخيص بعمليات التجميع الاقتصادي والترخيص ببعض الممارسات التي تساهم في تحقيق تطور اقتصادي أو تقني، إضافة إلى التصريح بعدم التدخل الذي يصدره تطبيقا للمادة الثامنة من الأمر 03-03، إضافة إلى القرارات التي يصدرها تجسيدا لاختصاصه الرقابي اللاحقEx post، وهو جوهر اختصاص مجلس المنافسة، والمتمثلة في القرارات الخاصة بمعاقبة الممارسات المنافية للمنافسةأوالخاصة بإصدار الأوامر بخصوصها أو التدابير المؤقتة أو الأوامر بشأن التعهدات التي تلتزم بها المؤسسات.
ثانيا: الطبيعة الإدارية لمجلس المنافسة:بصراحة تعبيرنص المادة 23 من الأمر 03-03 يكون المشرع الجزائري قد تفادى كل الإشكالات المحتملة والخاصة بالطبيعة القانونية لمجلس المنافسة حيث هذا الأخير سلطة إدارية تنتمي إلى الجهاز الإداري وتتمتع بامتيازات السلطة العامة.
وفي الواقع، فإن الجزم بالطبيعة الإدارية لمجلس المنافسة لا يأتي من خلال تصريح المشرع فحسب، بل أيضا من مختلف مظاهر هذه الطبيعة والتي يتمثل أهمها في:
أ-إصدار القرارات الإدارية الانفرادية:يعبر القرار الإداري الانفرادي عن الإرادة المنفردة للإدارة ويهدف إلى إحداث تغيير في مركز قانوني أو وضعية قانونية، فالهيئة التي لا تحوز سلطة اتخاذ قرارات ذات طابع تنفيذي لا يمكن أن توصف بالسلطة الإدارية[4]. ومن أمثلة القرارات التي يصدرها مجلس المنافسة القرارات الخاصة بمنح التراخيص (فيما يتعلق بعمليات التجميع الاقتصادي أو الترخيص ببعض الممارسات ذات الهدف الاقتصادي) أو تلك التي تتخذ في مواجهة مؤسسة معينة بالكف عن ممارسات منافية أو حتى تلك المتضمنة فرض عقوبات معينة.
ب-إصدار القرارات التنظيمية:إن مسألة سلطة مجلس المنافسة في إصدار قرارات ذات طابع تنظيمي لا تزال موضوع جدل؛ حيث طرح الإشكال بخصوص السلطة التنظيمية لمجلس عند تعديل قانون المنافسة سنة 2008؛ حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 34 المعدلة بأنه: " يمكن مجلس المنافسة اتخاذ كل تدبير في شكل نظام أو تعليمة أو منشور..."
وهو ما يؤكده أيضا المرسوم الخاص بتنظيم مجلس المنافسة الذي أكد على ضرورة أن يرسل إلى الوزير المكلف بالتجارة:" ...القرارات التي يتخذها (المجلس) ولا سيما منها الأنظمة والتعليمات والمنشورات..."[5].
ج-منازعات مجلس المنافسة والطبيعة الإدارية:في الواقع فإن منازعات مجلس المنافسة؛ أي الطعن في القرارات الصادرة عنه لا تعد مظهرا من مظاهر الطابع الإداري لمجلس المنافسة، بل على العكس تطرح إشكالا جديا بخصوص تكييفه القانوني؛ إذ تعامل المشرع إزاء منازعات مجلس المنافسة بنوع من الازدواجية حيث أعطى الاختصاص لمجلس الدولة فيما يخص الطعن في القرارات المتعلقة بالتجميعات الاقتصادية، بينما أعطى الاختصاص لجهة القضاء العادي فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بالممارسات المنافية للمنافسة، وهو ما لا نجد له تفسيرا منطقيا في ظل صدور النوعين من القرارات عن جهة واحدة تم تكييفها صراحة بأنها هيئة إدارية.
إن هناك من الفقه من فسر الموقف بأنه لا يعدو أن يكون نسخا للحكم الذي تضمنه قانون المنافسة الفرنسي، والذي يعطي الاختصاص في هذه الحالة لمحكمة استئناف باريس[6]، بينما نعتقد أن المشرع قد أخذ بعين الاعتبار الاختلاف بين مضمون القرارات الصادرة بشأن التجميعات الاقتصادية وتلك الصادرة بشأن الممارسات المنافية للمنافسة، والتي يطغى عليها الطابع التجاري.
ثالثا: استقلالية مجلس المنافسة:تنصرف استقلالية سلطات الضبط الاقتصادي إلى عدم الخضوع إلى أية رقابة سلمية أو وصائية بغض النظر عن تمتعها بالشخصية المعنوية أو افتقادها للشخصية المعنوية[7].
لقد أثارتمسألة استقلالية سلطات الضبط الاقتصادي العديد من النقاشات على مستوى الفقه مردها الإشكالات الدستورية التي يثيرها منح هيئة ذات طبيعة إدارية استقلالية عن السلطة التنفيذية، والتي سرعان ما وجدت مبرراتها ضمن مستلزمات الضبط الاقتصادي الذي يفترض عدم تدخل الدولة بصفة مباشرة في تسيير القطاعات الاقتصادية المعنية وتفويض المهمة لهذه الهيئات المستقلة.
ورغم أن المشرع قد اعترف صراحة بالاستقلال الإداري والمالي لمجلس المنافسة إلا أن بعض الأحكام تبرز جليا نسبية هذه الاستقلالية، وعلى العموم تظهر استقلالية مجلس المنافسة من خلال:
-ضمان تشكيلة جماعية تنتمي إلى قطاعات متنوعة: حيث رفع المشرع عدد أعضاء مجلس المنافسة إلى 12 عضوا سنة 2008 بعدما كان يتكون من 09 أعضاء، ولقد أصبح المجلس يضم فئة الشخصيات والخبراء في مجالات المنافسة والتوزيع والاستهلاك( 06 أعضاء) بالإضافة إلى فئة المهنيين في مجال الإنتاج والتوزيع والحرف والخدمات والمهن الحرة( 04 أعضاء) يضاف إلى ذلك فئة تمثل جمعيات حماية المستهلكين ( 02 أعضاء). إن هذا التعدد من شأنه أن يضعف إمكانية التأثير في القرارات المتخذة[8].
-منح المجلس صلاحية وضع نظامه الداخلي: وهو ما أشارت إليه المادة 15 من المرسوم التنفيذي 11-241 المحدد لتنظيم مجلس المنافسة وسيره.
-اعتماد نظام تحديد العهدة بالنسبة لأعضاء مجلس المنافسة كل أربع سنوات، وإن كانت قابلة للتجديد في حدود نصف أعضاء كل فئة كما ورد في المادة 25 من الأمر 03-03 المعدلة والمتممة بالقانون 08-12.
في المقابل، فإن بعض الأحكام التي تضمنها الأمر 03-03 من شأنها الحد من استقلالية مجلس المنافسة من بينها:
-وضع مجلس المنافسة لدى الوزير المكلف بالتجارة ( بمعنى رصد ميزانيته في باب وزارة التجارة)، بعدما كانت ميزانيته ترصد في باب رئاسة الحكومة[9]،وهو ما نراه إضعاف في درجة الاستقلالية.
-انفراد السلطة التنفيذية بتعيين أعضاء مجلس المنافسة دون إشراك الهيئة التشريعية (التعيين يكون بموجب مرسوم رئاسي).
-رفع المجلس تقريره السنوي إلى السلطة التنفيذية كما أوجبت ذلك المادة 17 من الأمر 03-03 المعدلة بالمادة 13 من القانون 08-12.
كل هذه الأحكام-إذن- من شأنها التأثير في استقلالية مجلس المنافسة.
[1] القانون رقم 89-12 المؤرخ في 5 جويلية 1989 يتعلق بالأسعار، ج ر عدد 29 لسنة 1989.
[2] المادتين 26 و 27 من القانون 89-12.
[3] المادة 34 من الأمر 03-03 المعدلة والمتممة بالمادة 18 من القانون 08-12.
[4]شيبوتي راضية، الهيئات الإدارية المستقلة في الجزائر"دراسة مقارنة"، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في القانون العام، تخصص: المؤسسات الساسية والإدارية، كلية الحقوق، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، السنة الجامعية 2014-2015، ص79.
[5] انظر المادة 13 من المرسوم التنفيذي 11-241 المؤرخ في 10 جويلية 2011، يحدد تنظيم مجلس المنافسة وسيره، ج ر عدد 39 لسنة 2011.
[6]Rachid Zouaimia, Les autorités administratives indépendantes et la régulation économique, Idara(Revue de l’école national de l’administration),n°02-2004,p34.
[7] Rachid Zouaimia, Les autorités administratives indépendantes et la régulation économique enAlgérie,HoumaAlger,2005, p 16.
[8]بوحلايس إلهام، الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد المنافسة، المرجع السابق، ص 298.
[9] انظر المادة 23 من الأمر 03-03 المعدلة بالمادة التاسعة من القانون 08-12.