مقدمة المقياس
من المعلوم لدي الباحث في ميدان العلوم القانونية وبالخصوص في مجال تسوية المنازعات تميز المنازعة الإدارية عن باقي المنازعات للخصوصية التي تتسم بها بحكم أن احد أطرافها شخص معنوي عام ، الأمر الذي ترتب عنه العديد من النتائج في النظام القضائي الجزائري أهمها ، ازدواجية النظام القضائي بمعنى وجود قضاء خاص للفصل فيها ، إلى جانب نظام إجرائي خاص لاسيما من خلال القانون 08-09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم .
لكن عندما يتعلق الأمر بالمجال الاقتصادي وما يثيره من نزاعات فحسب القانون الجزائري الموضوع لا تشمله هذه الخصوصية التي تسمح بان يكون له نظام خاص به لتسوية المنازعات ، هذا خلافا لما تشهده بعض الأنظمة القضائية على غرار النظام القضائي المصري الذي بادر بتأسيس نظام قضائي خاص بتسوية المنازعة الاقتصادية من خلال القانون رقم 120 الذي صدر سنة 2008 المتعلق بالمحاكم الاقتصادية المعدل بالقانون 149 لسنة 2019
على ما يبدو هناك اتجاهين الأول لا يعترف بالخصوصية للمنازعات الاقتصادية والثاني يرى تميزها لدرجة اقر لها بنظام قضائي متميز للفصل فيها.
سنحاول من خلال هذه المحاضرات البحث بشان المنازعات الاقتصادية لنرى
لماذا لا يوجد نظام قضائي وإجرائي خاص للفصل في النزاع الاقتصادي ؟
هل النزاع الاقتصادي له من الخصوصية ما يجعل من الصعب الإقرار له بنظام قضائي خاص لتسويته ، لما لا تكون سلطات الضبط الاقتصادي الهيئات الأنسب للفصل في النزاع الاقتصادي ؟؟
هل لها من الخصوصية لدرجة تجعلنا ندعو المشرع الجزائري ليؤسس لها نظام قضائي وإجرائي خاص للبت فيها أم أن النظام القضائي الحالي كاف للنظر فيها ؟
تهدف هذه المطبوعة التي هي عبارة عن محاضرات في مقياس المنازعات الاقتصادية القيت على طلبة السنة ثانية ماستر تخصص قانون عام اقتصادي لاكثر من اربع سنوات تندرج ضمن وحدة التعليم الاساسية ، لتمكين الطلبة من معرفة ماهية النزاع الاقتصادي وخصوصيته، وطرق تسويته سواء امام الجهات القضائية او باللجوء للطرق البديلة ومساهمة سلطات الضبط الاقتصادي في حل هذا النزاع ، تم القاء هذه المحاضرات حسب ما ورد في عرض التكوين للماستر من خلال :
أولا – تحديد مفهوم المنازعة الاقتصادية وخصوصيتها .
ثانيا – دور القضاء في حل المنازعات الاقتصادية
ü اختصاص القضاء العادي
ü اختصاص القضاء الإداري
ثالثا – دور سلطات الضبط القطاعية في حل المنازعات الاقتصادية
رابعا – الطرق البديلة في حل المنازعات الاقتصادية
ü التفاوض
ü المصالحة
ü التحكيم
ü الوساطة
ü الصلح
خامسا – حل منازعات الاستثمار العمومي
قبل هذا وذاك لابد من التذكير بالقواعد العامة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحكم عموما الفصل في المنازعات .
بداية أن النظام القضائي في الجزائر يتسم بالازدواجية بعد ما تم الفصل بين الجهات القضائية التي تنظر في المنازعات الإدارية عن غيرها من الجهات القضائية الناظرة في باقي المنازعات ( العادية ) حتى ولو اختلفت الجهة القضائية الفاصلة في المنازعة فالعمل القضائي يخضع للمبادئ الأساسية للتقاضي ذاتها والتي تتوجب مراعاتها عند اتخاذ أية إجراءات خصومة قضائية ، لأنها معيار لصحتها وضمان لسلامتها، من هذه المبادئ : مبدأ المساواة أمام القضاء ، علانية الجلسات ، الوجاهية ، الفصل في الدعاوى في آجال معقولة، التقاضي على درجتين ...
أكيد نحتاج في مسار البحث بشان تسوية المنازعة الاقتصادية إلى كل القواعد الإجرائية التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية والإدارية [1] من أهم تلك المبادئ :
ü مبدأ العلنية : الأصل في سير الجلسات ان تتم في شكل علني لإضفاء الثقة والطمأنينة ووقوف الكافة على إجراءات التقاضي التي يتساوى بالنسبة لجميع المتقاضين ، لان العلانية هي إحدى الضمانات لعدم التحيز والمراد بالعلنية تمكين المواطنين من الحضور الجلسة ومتابعة مجرياتها ، ويعود للقاضي في كل الأحوال ضبط سير الجلسة . وللمحكمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب احد الخصوم عقد الجلسة في صورة سرية في صورة سرية بغرفة المشورة محافظة على النظام العام ومراعاة الآداب او حرمة الأسرة في أي دعوى تنظرها .
ü مبدأ الوجاهية : يراد بها اتخاذ كافة الإجراءات في مواجهة الخصوم بطريق يمكنهم من العلم بها سواء عن طريق إجرائها في حضورهم كإبداء الطلبات والدفوع وإجراء التحقيقات ، او عن طريق إعلانهم بها او تمكينهم من الإطلاع عليها ومناقشتها ، بهدف تجسيد وضمان حق الدفاع للخصوم عبر الإحاطة بكل الإجراءات وتمكينهم من الرد عليها ، فالوجاهية الزام يقع على الخصوم والقاضي على حد سواء فاطراف الخصومة يباشرون دعواهم بما يكفل عدم الجهالة لدى الطرف الاخر ، كما يقع على القاضي تمكين الأطراف بما يدعيه كل واحد منهم .
ü حق الدفاع : لأطراف الخصومة أمام القضاء حق الدفاع سواء كانوا مدعين او مدعى عليهم او متدخلين طالما أن لهم صفة الخصم في الدعوى فللمدعي ان يبدي ما شاء من أوجه الدفاع وللمدعى عليه ومن في مركزه من الخصوم ان يبدى ما شاء من أوجه الدفاع والدفوع لتفادي الاستجابة لطلبات خصمه .
ü مبدأ المساواة : يقصد بمبدأ المساواة أمام القضاء ممارسة جميع مواطني الدولة لحق التقاضي على قدم المساواة ، أمام محاكم واحدة ، وفق إجراءات تقاضي موحدة بالنسبة للجميع ، فضلا عن وحدة القانون المطبق على الجميع ، وخضوع الكل لمعاملة متساوية دون اي تفرقة وبلا تمييز بينهم لأي سبب ، كما تأخذ المساواة أمام القضاء ، معنى المعاملة المتساوية لكل أطراف الخصومة كان يمنحوا نفس فرص الرد وتقديم الدفوع والسندات والوثائق والاستماع إليهم كي يشعر كل طرف بان القاضي منحه ذات فرص الدفاع التي استفاد منها خصمه [2].
[1] - انظر المادة 3 ، المادة 7 من قانون 08-09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتعلق بقانون الاجراءات المدنية والادارية ، ج ر عدد 21
[2] - بربارة عبد الرحمان : شرح قانون الاجراءات المدنية والادارية ، طبعة 2 ، منشورات بغدادي ، 2009 ، ص ص 21-25 .