تعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية فقد ارتبط وجودها بوجود الأنظمة السياسية وهــي ظاهرة لا تقتصر على شعب دون آخر، كما أنها تختلف حسب بيئة و طبيعة النظام السياسي القائم، ففي الأنظمة الاستبداديـــة تكون هناك بيئة مشجعة أكثر على الفساد  بينما تقل ظاهرة الفساد في النظم الديمقراطية التي تقوم على احترام حقوق وحريات الإنسان و الشفافية في التسيير والمسائلة وفرض احترام سيادة وسلطة القانون بصورة عامة ومجردة.

           وللأسف لم تكن الجزائر في موضع أفضل من باقي دول العالم التي استشرى فيها الفساد بمختلف أنواعــــه و مستوياته سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي وحتى ومس حتى المجال الثقافي والرياضي.. وصار الفســـاد في الجزائر حالة مرضية معقدة تقف عقبة كئود أمام عملية الإصلاح والتنمية والاستثمار الصحيح، وهذا بالرغم  من تصـدي المشرع الجزائري قمع هذه الظاهرة عن طريق سن قانون خاص مستقل عن قانون العقوبات - القانون 06/01 المتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بعد مصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2004، ناهيك عن تدعيم آليات إجرائية لمكافحة جرائم الفساد داخليا وخارجيا من أجل متابعة وملاحقة مرتكبيها واسترداد عائداتها، بالاضافة الى تدعيم اليات التعاون الدولي في هذا المجال. 

         انطلاقا من المكتسبات والمعارف السابقة حول قانون الجنائي العام  ( مفهوم الجريمة وأركانها تصنيف الجرائم مبدأ الشرعية ونتائجه، تطبيق القانون الجزائي من حيث المكان والزمان،  العقوبات والتدابير الأشخاص الخاضعون للعقوبة سواء كان شخص طبيعي أو معنوي، فاعل أصلي أو شريك ....الخ) بالاضافة للقواعد الاجرائية العامة ابتداء من المر حلة الشبه قضائية والقائمين عليها ( الشرطة القضائية والموظفين المنوط بهم بعض مهام الضباط القضائي)، ثم المرحلة القضائية والقائمين عليها ( النيابة العامة ، الدعوى العمومية، قاضي التحقيق، قاضي حكم، غرفة الاتهام ، الجهات القضائية المختلفة) ، والهدف من خلال تدريس محاضرات قانون مكافحة الفساد هو تمكين الطالب السنة الثالثة من دراسة السياسة الوقائية والأحكام الجزائية والتعاون الدولي في مجال جرائم الفساد، ليصبح ملم بالقواعد الإجرائية والموضوعية لجرائم الفساد، و عليه سوف نتطرق في مداخلتنا هذه إلى ثــــــــــ03ـــلاثة محاور أساسية، وهي كالتالي:

              المحور الاول : الإطار المفاهيمي للفساد.

              المحور الثاني : الجهود الدولية والاقليمة لمكافحة الفساد.

              المحور الثالث: نماذج عن جرائم الفساد  .