المبحث الأول:الشخص المعنوي كأساس للتنظيم الإداري

المبحث الأول

 الشخص المعنوي كأساس للتنظيم الإداري

تحتل فكرة الشخصية المعنوية مكانة مرموقة في التنظيم الإداري ، حيث تمثل الأداة القانونية التي تمكن الإدارة من ممارسة نشاطاتها، إذ لا يتصور قيام الدولة بمهامها دون الاعتماد على فكرة الشخصية المعنوية . ولدراسة هذا الموضوع يقتضي التطرق إلى تعريفها و بيان أهميتها أنواعها و تحديد النتائج المترتبة عن اكتساب هذه الصفة وكيفية نهايتها وفق ما يلي :

المطلب الأول

 تعريف الشخص المعنوي وأهميته

نتطرق في البداية إلى ضبط تعريف للشخص المعنوي وبيان أهم الأركان التي يقوم عليها ثم نتطرق إلى تحديد مدى الأهمية التي يكتسيها في التنظيم الإداري .

الفرع الأول

تعريف الشخص المعنوي وبيان أركانه

هو عبارة عن مجموعة من اشخاص (أفراد) او أموال ( اشياء ) أو الإثنين معا تتحد و تتعاون لتحقيق غرض و هدف مشروع و يعترف لها بالشخصية القانونية . و يقصد بالشخصية القانونية القدرة على اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات[1].

و عليه يتبين ان الشخص المعنوي يقوم على توافر عدة عناصر و أركان تتمثل فيما يلي :

- مجموعة اشخاص ( كالجمعيات ) أو مجموعة أموال ( كالشركات المساهمة ) أو الإثنين معا ( كالبلدية السكان + ممتلكات البلدية ) .

- الغرض المشروع الذي يسعى الشخص المعنوي من خلال نشاطه إلى تحقيقه

- الاعتراف : بحيث يشترط لوجود الشخص المعنوي الاعتراف القانوني بوجوده من طرف السلطة المختصة . فالبلدية والولاية يتم الاعتراف بإنشائهما بموجب قانوني الولاية و البلدية الصادران عن السلطة التشريعية . الجمعيات الوطنية يتم اعتمادها من طرف وزارة الداخلية بعد توفرها على الشروط القانونية اللازمة لذلك[2] بموجب القانون 12-06 المتعلق بالجمعيات[3].

الفرع الثاني

 أهمية الشخص المعنوي

على الرغم من أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في مجال القانون الخاص إلا أن اهميتها في مجال القانون العام تفوق أهميتها في القانون الخاص ، نظرا لاهتمام القانون الخاص أكثر بالأشخاص الطبيعيين . أما القانون العام لا يعرف الأشخاص الطبيعيين إلا بصفتهم ممثلين للأشخاص المعنوية[4].

على هذا الاساس تكتسي فكرة الشخصية المعنوية أهمية بالغة في القانون الإداري و بالتحديد على مستوى التنظيم الإداري على اعتبار أن الإدارة العامة بالدولة هبي عبارة عن مجموعة اشخاص معنوية سواء إقليمية كالولاية و البلدية أو مرفقية كالمؤسسات العمومية . و في حالة وجود أجهزة و هيئات إدارية لا تتمتع بالشخصية المعنوية ( كالدائرة التي تعتبر كمصلحة من مصالح الولاية) فهي تكون دائما مرتبطة بإحدى الأشخاص المعنوية ( كالولاية بالنسبة للدائرة )[5].

كما تبرز أهمية الشخصية المعنوية من الناحية القانونية حيث تعمل على ضمان ديمومة الدولة لأنه حتى تمارس هذه الأخيرة مهامها و تشبع رغبات أفرادها تحتاج إلى إنشاء هيئات إقليمية أحيانا و مرفقية أحيانا أخرى لتساعدها على تنفيذ هذه المهمة. بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة الشخصية المعنوية تعتبر بمثابة السند القانوني للدولة لتوزيع الاختصاص بين هذه الهيئات المستقلة[6].

المطلب الثاني

 موقف الفقه والتشريع من فكرة الشخصية المعنوية

لقد شكلت فكرة الشخصية المعنوية موضوع خلاف وجدل كبيرين بين الفقهاء، فمنهم من اعتبرها مجرد شخصا مفترضا، بينما اعتبرها آخرون بانها حقيقة لا مجرد تصور و افتراض غير أن هناك فئة ثالثة أنكرت تماما هذه الفكرة . مما أدى إلى ظهور عدة نظريات نتعرض لكل منها بإيجاز و نحاول ضبط موقف المشرع الجزائري من هذا الموضوع .

الفرع الأول

 موقف الفقه من فكرة الشخصية المعنوية

تعددت وجهات نظر الفقه بخصوص طبيعة الشخص المعنوي و انقسمت بين ثلاث

نظريات متباينة تتلخص كل منها فيما يلي :

أولا : نظرية الشخصية المعنوية فكرة المفترضة

يرى أنصار هذه النظرية أن الشخصية المعنوية ما هي إلا افتراض قانوني لجأ إليه المشرع لتسهيل التعامل مع هذه الهيئات والمؤسسات حتى تتمكن من القيام بمهامها المقررة عليها و يعتبر هؤلاء أن الشخص القانوني الحقيقي هو الفرد على اعتبار أنه يتمتع بالإرادة و الإدراك وهو ما يمكنه من اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات . بناء على ذلك يمكن القول أن الشخص المعنوي لا ينشا إلا بقرار من المشرع الذي يمكنه أن يرهن ذلك بتوفر شروط معينة ، كما لا يمكنه أن يسحب هذه الصفة من الشخص المعنوي و يزيله بالتالي من الوجود[7].

و لعل السبب الرئيس الذي اعتمد عليه أنصار هذه النظرية في تبني فكرة الشخصية المعنوية المفترضة يعود إلى فكرة الحق من أساسه ، فهم يرون أن صاحب الحق ينبغي أن يكون صاحب إرادة حقيقية ، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تكون إلا لدى الأشخاص الطبيعية . و لكن لما كانت مسألة تلبية حاجات المجتمع تتطلب تضاف جهود الأفراد و الهيئات ، ، وجب الاعتراف لهذه الهيئات على غرار الأفراد بالشخصية القانونية و لو على سبيل الافتراض لتتمكن من وظيفتها[8].

و مما يؤخذ على هذه النظرية أنها لم تتمكن من تفسير الشخصية المعنوية للدولة ذاتها كونها شخصا معنويا . و مما يعاب على هذه النظرية كذلك هو أنه إذا كانت الدولة مجرد شخصية افتراضية وفق أنصار هذه النظرية فإن الحياة القانونية تكون كلها افتراض[9]. بالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب هذه النظرية انطلقوا من فكرة خاطئة مفادها أن من لا إرادة له لا حق له . في حين أنه قد يتقرر الحق على الرغم من عدم وجود إرادة كما هو الأمر بالنسبة للمجنون و الصغير المميز فهؤلاء رغم افتقادهم للإرادة إلا أن حقوقهم مكفولة قانونا[10].

 ثانيا : نظرية الشخصية المعنوية فكرة حقيقية

يرى أنصار هذه النظرية أن الشخصية المعنوية حقيقة واقعة . فهي تنشا بمجرد توفر العناصر المكونة لها . فعندما تجتمع جماعة من الافراد لتحقيق غرض مشترك مشروع يصبح لديها إرادة جماعية أو مشتركة مستقلة عن إرادة الأفراد المكونين لها و هي أساس الشخصية المعنوية ، هذه الإرادة تمكنها من اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات مما يمكنها من فرض نفسها على المشرع كحقيقة واقعة بحيث يصبح لا يملك في الاخير إلا التسليم و الاعتراف بها[11]. لكن هذه النظرية لم تسلم هي الأخرى من النقد ، بحث أننقد وجه لأصحابها هو أنهم إذا كانوا قد نجحوا في تفسير وتأصيل الشخصية القانونية لجماعات الأفراد ، فإنهم عجزوا على تفسير بعض التجمعات كتجمعات الأموال[12].

ثالثا : النظريات المنكرة للشخصية المعنوية

ذهب جانب من الفقه إلى إنكار وجود شخصية قانونية لما يسمى بالشخص الاعتباري و انقسموا بدورهم إلى اتجاهين يتمثل كل منهما فيما يلي :

أ - نظرية الغرض من تجمع الأشخاص أو الأموال :

يرى انصار هذه النظرية والمنكرون لفكرة الشخصية المعنوية أن الإنسان هو الشخص الحقيقي الوحيد في نظر القانون، و أن ما يسمى بالشخص المعنوي ما هو إلا افتراض لا أساس له في الواقع يستوجب الاستغناء كلية عن فكرة الشخصية المعنوية و استبدالها بفكرة الغرض من تجمع الاشخاص و الأموال ، فوحدة الغرض الذي يسعى إلى تحقيقه تجمع الاموال و الأشخاص هي التي تفرض الاعتراف له بالذمة المالية المستقلة عن الذمة المالية للأفراد المكونين له . كما تفرض الاعتراف له بمجموعة من الحقوق و التحمل بجملة من الالتزامات . غير أن هذه النظرية تم انتقادها على اساس أن التمتع بالحقوق و التحمل بالالتزامات لا يتقرر إلا لشخص يعترف به القانون[13].

ب - نظرية الملكية المشتركة :

ذهب أنصار هذه النظرية بالقول كذلك بأن الاشخاص المعنوية ما هي إلا افتراض و أن الشخصية القانونية هي حكر على الشخص الطبيعي دون سواه . وعليه يرى هؤلاء أن ما ينسب إلى الاشخاص المعنوية من أموال هي في حقيقة الأمر مملوكة ملكية جماعية أو مشتركة للأفراد المكونين لها[14]. وقد تم انتقاد هذه النظرية من حيث ان العمل بها من شأنه أن يعود بالفكر القانوني إلى عصور قديمة على اعتبار أن الملكية المشتركة ظهرت للوجود قديما قبل ظهور فكرة الشخصية المعنوية .

الفرع الثاني

موقف المشرع الجزائري من فكرة الشخصية المعنوية

مهما كانت الانتقادات الموجهة لفكرة الشخصية المعنوية لا يمكن الانتقاص من قيمتها القانونية بحيث تضل قائمة ولا يمكن إنكارها على اعتبار أنها تحتل مكانة مرموقة في التنظيم الإداري لكل دولة . هذه الأخيرة باعتبارها شخص معنوي عام تبقى في حاجة ماسة إلى مجموعة من الأشخاص المعنوية العامة سواء على المستوى المركزي أو اللامركزي لمساعدتها على القيام بمهامها خاصة تلك المتعلقة بتلبية الاحتياجات العامة للجمهور.

بناء على هذا وضمن هذا الإطار فقد تبنى المشرع الجزائري بشكل صريح فكرة الشخصية المعنوية حيث عدد الأشخاص المعنوية وصنفها إلى أشخاص خاضعة للقانون العام كالدولة والولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ، و أشخاص أخرى خاضعة للقانون الخاص كالشركات المدنية و التجارية. و يظهر ذلك بوضوح من خلال ما تضمنته المادة 49 من الأمر 5- المتضمن القانون المدني الجزائري المعدل بموجب القانون -10-05 المؤرخ في 20 جوان 2005 التي تنص على أن :

( الأشخاص الاعتبارية هي : - الدولة ، الولاية ، البلدية المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري - الشركات المدنية والتجارية - الجمعيات والمؤسسات - الوقف كل مجموعة من أشخاص و أموال يمنحها القانون شخصية قانونية ) .

و لم يكتف المشرع بهذا الحد بل عدد بموجب المادة 50 من القانون المدني مختلف النتائج المترتبة عن الاعتراف بالشخصية المعنوية سواء بالنسبة لأشخاص القانون العام أو الخاص .

من خلال المادة 49 من القانون المدني نستنتج أن الأشخاص المعنوية تنقسم إلى أشخاص معنوية خاصة (كالشركات والمؤسسات الخاصة ) تخضع للقانون الخاص و التي تخرج عن إطار دراستنا.

و أشخاص معنوية عامة موضوع دراستنا هذه والتي تنقسم بدورها إلى عدة أنواع نتطرق إليها فيما يلي :

المطلب الثالث

 أنواع الأشخاص المعنوية العامة

عدد المشرع الجزائري بموجب المادة 49 من القانون المدني عدة أشخاص معنوية عامة و التي تنقسم إلى قسمين : أشخاص معنوية عامة إقليمية و اشخاص معنوية عامة مرفقية .

الفرع الأول

 الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية

هي الأشخاص التي تمارس مختلف اختصاصاتها وصلاحياتها في حيز جغرافي معين و تستند إلى الاختصاص الاقليمي ، بحيث لا يمكن أن تمارس اختصاصاتها خارج الإقليم الذي حدده لها المشرع[15] .

و بالرجوع إلى مضمون المادة 49 من القانون المدني يتبين أن الأشخاص المعنوية العامة الاقليمية تتمثل في : الدولة ، الولاية و البلدية .

أولا : الدولة

هي عبارة عن شخص معنوي عام إقليمي يمثل أحد أهم الأشخاص الاعتبارية العامة . تمارس اختصاصاتها على كامل حدود الدولة ، تعتبر بمثابة الشخص المعنوي الأم الذي يتفرع عنه بقية الأشخاص المعنوية العامة و حتى الخاصة في الدولة. ويأخذ مصطلح الدولة مدلول ضيق في القانون الإداري ينحصر في السلطات المركزية في الدولة ، بينما يأخذ مدلول آخر في القانون الدستوري مثلا و الذي يقوم على عدة أركان : الشعب، الإقليم ، السلطة السياسية [16].

و إذا كان بعض الفقه ينكر الشخصية الاعتبارية للدولة لعدة اعتبارات ، فإن غالبية الفقه الإداري و حتى الدستوري يعترف للدولة بالشخصية الاعتبارية . فلولا هذه الأخيرة لما أمكن الفصل في الذمة المالية بين ممتلكات الدولة وجهات أخرى . كما أن الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للدولة له دورا بارزا في إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال موظفها و الاعتراف لها بأهلية التقاضي و التعاقد[17].

ثانيا : الولاية

 من المسلم به أن الدولة لا يمكنها تلبية رغبات افراد المجتمع على مستوى كل الإقليم دون الاستعانة بوحدات وهيئات إقليمية أخرى تساعدها على القيام بمهامها وفق ما تقتضيه الظروف الخاصة بكل جزء من إقليمها ، كالولاية و البلدية . تعتبر الولاية أحد الأشخاص المعنوية العامة الاقليمية ، تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي تمارس اختصاصاتها المنصوص عليها قانونا في حدود حيز جغرافي محدد من إقليم الدولة. لها اساس دستوري تضمنته المادة 16 من القانون 16 . 01 المتضمن التعديل الدستوري حيث اعتبرتها إحدى الجماعات القاعدية في الدولة ، تخضع في تنظيمها و تسييرها و تحديد أهم صلاحياتها إلى القانون -12-07 المتعلق بالولاية.

ثالثا : البلدية

تعتبر البلدية بمثابة الشخص المعنوي العام الاقليمي الذي تمارس مهامها و صلاحياتها القانونية على مستوى حيز جغرافي محدد ، تمثل أحد الركائز القاعدية في التنظيم الإداري الجزائري و هو الأمر الذي أكده المؤسس الدستوري من خلال المادة 16 من القانون 16 – 01 المتضمن التعديل الدستوري. تخضع في تنظيمها و تسییرها و تحديد الصلاحيات التي تقوم بها

إلى أحكام القانون رقم 10-11 المتعلق بالبلدية .

 

 

الفرع الثاني

 الأشخاص المعنوية العامة المرفقية

و هي التي يطلق عليها الفقه تسمية المؤسسات العامة أو الشركات العامة ، يتم إنشاؤها من طرف الهيئات المخولة لذلك بواسطة أدوات قانونية ملائمة تختص كل منها بالتكفل بنشاط و موضوع معين لتلبية الحاجيات العامة للأفراد في مجالات متعددة ( التعليم ، الصحة المواصلات ... تحت رقابة الدولة أو إحدى الاشخاص المعنوية التابعة لها       ( البلدية ، الولاية ). تتطلب هذه المؤسسات نوعا من الاستقلال الفني على الحكومة المركزية حيث يطلق عليها باللامركزية المرفقية أو المصلحية . تلعب دورا بارزا في مساعدة الدولة على القيام بوظائف مختلفة[18].

تختلف الاشخاص المعنوية العامة المرفقية عن الأشخاص المعنوية العامة الاقليمية من حيث أن الأولى مقيدة بالغرض الذي أنشئت من أجله ، أما الثانية فهي مقيدة بالحدود الجغرافية المخصصة للممارسة مختلف صلاحياتها[19].

كما تتميز الاشخاص المعنوية العامة المرفقية عن الأشخاص المعنوية العامة الاقليمية من حيث أن الأولى تهدف إلى تحقيق أغراض مختلفة منها إدارية اجتماعية اقتصادية مما يؤدي إلى خضوعها لأنظمة قانونية تختلف باختلاف النشاط التي تقوم به . أما الأشخاص المعنوية العامة الاقليمية فهي تخضع عموما لنظام قانوني واحد . وتختلف الأشخاص المعنوية العامة المرفقية عن الاشخاص المعنوية العامة الإقليمية كون هذه الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التشاركية، يكون بموجها لسكان الهيئات المحلية الحق في تسيير شؤونهم المحلية بأنفسهم . بينما تقوم الأشخاص المعنوية العامة المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية و حسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة لها بالديمقراطية[20].

تنقسم المؤسسات العمومية في التشريع الجزائري إلى مؤسسات عامة وطنية أو جهوية تنشئها الدولة و تتكفل بتسييرها يمتد نشاطها على المستوى التراب الوطني أو جهة معينة منه. و مؤسسات محلية تنشئها الوحدات الاقليمية سواء الولاية أو البلدية بواسطة مداولة ، تمارس هذه المؤسسات أنشطة تتعلق عموما بالتنمية المحلية.

في هذا الإطار أكد المشرع الجزائري من خلال المادة 146 من القانون 12-07 المتعلق بالولاية على أنه : ( يمكن المجلس الشعبي الولائي أن ينشئ مؤسسات عمومية ولائية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي قصد تسيير المصالح العمومية ) .

و على المستوى البلدي أكد الشرع الجزائري من خلال المادة 153 من القانون 10-11 المتعلق بالبلدية على أنه ك ) يمكن البلدية أن تنشئ مؤسسات عمومية بلدية تتمتع بالشخصية المعنوية و الذمة المالية المستقلة من أجل تسيير مصالحها ) .

المطلب الرابع : النتائج المترتبة عن اكتساب الشخصية المعنوية

إن الاعتراف بالشخصية المعنوية يرتب مجموعة من النتائج الهامة يشترك فيها كل من أشخاص القانون العام و أشخاص القانون الخاص ، غير أن هناك نتائج خاصة تترتب عن الاعتراف بالشخصية المعنوية بالنسبة لأشخاص القانون العام (موضوع دراستنا ) تختلف عن تلك التي تترتب لأشخاص القانون الخاص. هذا ما سنتطرق له بشيء من التفصيل فيما يلي :

الفرع الأول

 النتائج المترتبة عن اكتساب الشخصية المعنوية بالنسبة لأشخاص القانون العام والخاص

يترتب على اكتساب الشخصية المعنوية سواء بالنسبة لأشخاص القانون العام أو الخاص آثار و نتائج هامة حددتها المادة 50 من القانون المدني الجزائري حيث تنص على أن :

( يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان و ذلك في الحدود الذي يقررها القانون . يكون لها خصوصا :

- ذمة مالية - أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون - موطن و هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها - الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج و لها نشاط في الجزائر، يعتبر مركزها في نظر القانون الداخلي في الجزائر - نائب يعبر عنها - حق التقاضي ).

 أولا: الذمة المالية المستقلة : ( الاستقلال المالي والإداري )

تتمتع الهيئة المعترف لها بالشخصية المعنوية بذمة مالية مستقلة عن ميزانية الدولة و عن الذمة المالية للهيئة التي أنشأتها و مستقلة عن الذمة المالية للأشخاص المكونين لها . حيث تعتبر بمثابة ضمانا لدائني الشخص المعنوي و أداة لممارسة نشاطه و تسيير شؤونه مما يمكنه من الاحتفاظ بفائض إيراداته و تحمل مجمل نفقاته . فالذمة المالية للبلدية مستقلة : عن المالية للدولة . و المؤسسات العامة التي تنشئها البلدية في إطار اختصاصاتها لها ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للبلدية .. إلخ .

كما تتمتع الهيئات المعترف لها بالشخصية المعنوية بالاستقلال الإداري عن الهيئات التي تنشئها دون الاستقلال السياسي ، مما يمكنها من استحداث أجهزة وهيئات إدارية خاصة بها تتعلق سواء بالمداولة أو التنفيذ تمكنها من ممارسة نشاطها بصورة منتظمة ومستمرة ( البلدية : مجلس بلدي ، الجامعة : مجلس الإدارة، المجلس العلمي للجامعة ...)[21].

ثانيا : الأهلية وحق التقاضي :

يتمتع الشخص المعنوي العام بأهلية قانونية في الحدود التي رسمها القانون تمكنه من اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات . فأي عمل صادر عن البلدية مثلا يجب أن يكون في إطار الصلاحيات المنصوص عليها في قانون البلدية ، و إلا كان عملها مشوبا بعيب المشروعية و بموجب تمتع الشخص المعنوي بالأهلية يكون له الحق في التقاضي والحق في التعاقد ، فيصبح من حق أي هيئة تتمتع بالشخصية المعنوية أن ترفع دعوى قضائية ضد الغير ( اي شخص) أو ضد هيئة مستقلة أخرى مماثلة كما يمكن مقاضاتها برفع دعوى قضائية ضدها . بالإضافة إلى هذا يمكن للشخص المعنوي بموجب اكتسابه للأهلية التمتع بحق التعاقد من خلال إبرام مختلف العقود والصفقات التي تدخل في إطار ممارسة نشاطاته دون الحاجة إلى استصدار إذن أو رخصة بالتعاقد[22].

ثالثا : الموطن ونائب يعبر عنه

للشخص المعنوي موطن خاص به يختلف عن موطن الأشخاص المكونين له وهو عادة المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته . يكتسي الموطن أهمية خاصة بالنسبة للشخص المعنوي من حيث تحديد الاختصاص القضائي الإقليمي الذي يمكن من خلاله تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل في الدعاوى التي ترفع ضده، بالإضافة إلى تحديد الحيز الجغرافي لممارسة الشخص المعنوي لحق التقاضي أمام الجهات القضائية .

و بما أن الشخص المعنوي ليس له وجود مادي ملموس، وجب أن يكون له شخص طبيعي يتحدث باسمه و يعبر عن إرادته في كل التصرفات القانونية التي يقوم بها ، فيبرم العقود باسمه و يتقاضى باسمه . فمدير الجامعة يعتبر نائب عن الجامعة و مدير المستشفى يعتبر نائبا عن المستشفى ، والوالي يعتبر نائبا عن الولاية ... إلخ .

الفرع الثاني

 النتائج المترتبة عن اكتساب الشخصية المعنوية والخاصة بأشخاص القانون العام

بالإضافة إلى النتائج العامة المترتبة عن الاعتراف بالشخصية المعنوية و الذي يشترك فيها كل من اشخاص القانون العام والخاص يترتب عن اكتساب اشخاص القانون العام للشخصية المعنوية نتائج خاصة تميزها عن غيرها من الأشخاص تتمثل فيما يلي:

- استقلال الاشخاص المعنوية العامة المرفقية منها أو الإقليمية بذاتها عن الدولة ، حيث تصبح كل الهيئات الإدارية والإقليمية و المرفقية شخصا مستقلا بذاته عن الدولة[23] غير أن تمتع هؤلاء الاشخاص المعنوية العامة بنوع من الاستقلال لا يعني استقلالها المطلق بالمفهوم السياسي في مواجهة الدولة و هو ما يهدد وحدتها الترابية إنما يخص استقلالها من حيث طرقة تسييرها وكيفية ممارسة مهامها و صلاحياتها .

حيث يظل هؤلاء الأشخاص خاضعين لرقابة الدولة و تحت إشرافها من خلال نظام الوصاية الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية في الدولة على الهيئات المحلية العامة . ضمان احترام السياسة العامة للدولة و تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها هؤلاء الأشخاص. كما يعتبر الأشخاص الطبيعيون العاملون لدى الأشخاص المعنوية العامة موظفين عموميين يرتبطون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي، يعينون وينقلون ويفصلون بقرارات إدارية[24] يخضعون لنظام قانوني خاص يتمثل حسب التشريع الجزائري في الأمر 06-03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية[25].

- الأموال التي تملكها الأشخاص المعنوية العامة تعتبر أموال عامة إذا كانت مخصصة للمنفعة العامة تخضع إلى الحماية المقررة للمال العام كعدم امكانية امتلاكه بالتقادم و عدم إمكانية الحجز عليه ... إلخ[26].

- تشارك الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية أو المرفقية بعض مظاهر سلطات الدولة، أي تمارس بعض من سلطاتها على الرغم من استقلالها عنها ، تتمتع بموجبها (مظاهر سلطات الدولة ( بامتيازات السلطة العامة التي يقررها القانون للهيئات الإدارية تجعل من اعتبار القرارات الصادرة عنها بمثابة قرارات إدارية يمكن تنفيذها جبرا ويجو طلب إلغاؤها أمام القضاء الإداري . كما يكون للأشخاص المعنوية العامة حق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ، إبرام العقود الإدارية ...إلخ في إطار الحدود التي يحددها القانون العام[27].

- يستقل الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية أو المرفقية بمسؤوليتها بحكم تمتعها بذمتها المالية المستقلة حيث يتحمل هؤلاء الاشخاص بمفردهم مسؤولية التعويض عن أعمالهم الضارة سواء كانت مادية أو قانونية التي قد يتسبب فيها موظفوها ، بحيث يجب أن يوجه المضرور دعواه ضد ممثل الشخص المعنوي العام المتسبب في الضرر دون إشراك السلطة المركزية معه ، على اعتبار أن أعمال هؤلاء الأشخاص صدرت عنهم بمفردهم مما يؤدي إلى تحملهم وحدهم المسؤولية عنها بشكل مستقل عن الدولة ، على الرغم من خضوع الأشخاص المعنوية العامة إلى إشرافها و رقابتها التي تشمل الرقابة على الأعمال والرقابة على الهيئات ، فهذه الرقابة لا تغير من الحقيقة القانونية التي تتمثل في إسناد العمل إلى شخص القانون العام الذي صدر منه حتى و لو أمرت به السلطة المركزية و بالتالي يتحمل هذا الشخص بالضرورة المسؤولية عنه[28].

المطلب الخامس

 نهاية الشخص المعنوي

ينقضي الشخص المعنوي العام بعدة طرق تختلف باختلاف أنواعه :

فالأشخاص المعنوية العامة الإقليمية تنتهي بذات الأداة التي أنشئت بها ( قانون ، مرسوم تنفيذي ) كتدخل المشرع في إطار إجراء تقسيم إداري جديد بإصدار نص تشريعي يقضي بإلغاء هيئات إقليمية قائمة ( بلدية أو ولاية ( اي يعدم وجودها بشكل كلي أو بدمج هيئة إقليمية ( بلدية) في هيئة إقليمية أخرى ) ولاية . أما بالنسبة للدولة باعتبارها أحد الأشخاص المعنوية العامة فتنقضي شخصيتها بفقدانها لأحد الأركان التي تقوم عليها ، كفقدانها لإقليمها و سلطتها السياسية أو إدماجها في دولة أخرى[29].

أما بالنسبة للشخص المعنوي العام المرفقي فينقضي بسحب الشخصية المعنوية من المرفق العام في حد ذاته أو الاستغناء عنه إذا كان وجوده محددا بفترة زمنية معينة أو تم تحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله أي يحل بقوة القانون[30]. غير أن أهم أسباب انقضاء الشخص المعنوي العام المرفقي يعود إلى الحل والذي يأخذ عدة صور تتمثل في :

- الحل الاتفاقي ( الإرادي ) : ويكون باتفاق إرادة مؤسسي الشخص المعنوي العام المرفقي كاتفاق مؤسسي الجمعيات على حلها .

- الحل الإداري : و يكون عن طريق قرار إداري صادر عن الجهة الإدارية المختصة ( التي انشأتها كحل ممؤسسة ولائية أو بلدية بقرار ولائي أو بلدي .

- الحل القضائي : و هو الحل الصادر بموجب قرار قضائي صادر عن هيئة قضائية بعد رفع دعوى في هذا الموضوع ، كصدور قرار قضائي بحل جمعية محلية أو وطنية لممارستها لبعض النشاطات يجرمها القانون وتؤدي إلى حلها[31].

غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن المشرع لما يعترف بالشخصية المعنوية فإنه يقرها للهيئة الإدارية ذاتها سواء كانت محلية أو مرفقية ولا للهيئات المعبرة عن إرادتها ، سواء تعلق الأمر بالمجالس المنتخبة بالنسبة للولاية و البلدية أو مجلس الإدارة بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة المرفقية . و عليه ففي حالة حل هذه المجالس قلا يؤدي ذلك إلى نهاية الاشخاص المعنوية بل يتطلب الأمر تشكيل مجالس جديدة لمواصلة ممارسة مهامها و اختصاصاتها ، على اعتبار أن هذه المجالس ما هي إلا أداة تعبير عن إرادة هذه الهيئات الإدارية اللامركزية إقليمية كانت أو مرفقية دون أن تثبت لها الشخصية المعنوية[32].

و تطبيقا لذلك و انطلاقا من أن المشرع الجزائري منح السلطة المركزية في حالات معينة صلاحية حل المجالس المحلية المنتخبة للأشخاص المعنوية العامة الإقليمية ( البلدية و الولاية ) بموجب المواد 46 ، 47 من القانون 10 - 11 المتعلق بالبلدية و المواد 47 ، 48 من القانون 12 - 07 المتعلق بالولاية[33]، فإذا حدث و أن تم حل هذه المجالس فلا يؤدي ذلك إلى نهاية هذه الأشخاص، بل يبقى وجودها ثابت حتى و إن كانت تبدو من الناحية العملية مشلولة لعدم وجود الأداة المعبرة عن إرادتها المتمثلة في المجلس المنتخب مما يتطلب انتخاب مجلس جديد. وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة المرفقية، فإذا حدث و أن تم حل مجلس إدارتها فلا يؤدي هذا الإجراء إلى نهايتها ، بل تبقى قائمة إلى حين انتخاب مجلس إدارة جديد باعتباره الأداة التي يعبر من خلالها عن إرادته.


محمد الصغير بعلي القانون الإداري، دار العلوم، عنابة، الجزائر ، 2004، ص 33[1]

[2] محمد الصغير بعلي ، القانون الإداري، المرجع نفسه، ص 38 .

[3] القانون رقم 12-06 المؤرخ في 12 يناير 2012 يتعلق بالجمعيات ج ر، العدد 02 ، الصادر في 15 يناير 2012 .

[4] ماني علي الطهراوي ، القانون الإداري، الدار العلمية الدولية ومكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الكتب الأول

123-122

[5] محمد الصغير بعلي القانون الإداري، المرجع السابق، ص 33-34.

 

[6] عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري، المرجع السابق، ص 136

[7] هاني علي الطهراوي، القانون الإداري، المرجع السابق ، ص 124

[8] عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 137

[9] هاني علي الطهراوي، القانون الإداري ، المرجع السابق ، ص 124

[10] عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري ، المرجع السابق ص 137.

[11] ماني علي الطهراوي، القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 125 .

[12] عمار بوضياف الوجيز في القانون الإداري، المرجع السابق، ص 139 .

[13]  عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري ، المرجع نفسه، ص 139 .

[14] هاني علي الطهراوي، القانون الإداري، المرجع السابق ص 126

 

 

[15] سليمان محمد العماوي، مبادئ القانون الإداري المرجع السابق، ص 63

[16] محمد الصغير بعلي ، القانون الإداري، المرجع السابق ص 36

[17] عمار بوضياف الوجيز في القانون الإداري، المرجع السابق ص 142 .

[18] مازن ليلو راضي الوسيط في القانون الإداري، المرجع السابق، ص 28

[19] سليمان محمد العلماوي، مبادئ القانون الإداري، المرجع السابق، ص 84 .

[20] مازن ليلو راضي الوسيط في القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 28 .

 

[21] الصغير بعلي القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 41 .

[22] عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 146 .

[23] ماني علي الطهراوي، القانون الإداري المرجع السابق، ص 128

[24] سليمان محمد العماوي، مبادئ القانون الإداري، المرجع السابق، ص ص 91-92 .

 

[25] الأمر رقم 06-03 سبقت الإشارة إليه .

[26] مازن ليلو راضي الوسيط في القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 30 .

[27] سليمان محمد العماوي، مبادئ القانون الإداري، المرجع السابق، ص 92 .

[28] هاني علي الطهراوي، القانون الإداري، المرجع السابق، ص ص 130-131 .

[29] مازن ليلو راضي الوسيط في القانون الإداري المرجع السابق، ص 31

[30] سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 87 .

[31] محمد الصغير بعلي القانون الإداري، المرجع السابق ص 43.

[32] ابراهيم عبد العزيز شيحا ، مبادئ و أحكام القانون الإداري ، المرجع السابق، ص 196 .

[33] تنص المادة 47 من القانون 12-07 المتعلق بالولاية على : ( يتم حل المجلس الولائي و تجديده بموجب مرسوم رئاسي بناء على تقرير الوزير المكلف بالداخلية )

- تنص المادة 47 من القانون 10-11 المتعلق بالبلدية على : ( يتم حل المجلس الشعبي البلدي و تجديده بموجب مرسوم رئاسي بناء على تقرير الوزير المكلف بالداخلية ) للتفصيل أكثر حول حالات حل كل من المجلس الشعبي الولائي و المجلس الشعبي البلدي : راجع المادة 46 من القانون 10-11 المتعلق بالبلدية والمادة 48 من القانون 12 - 07 المتعلق بالولاية .

 


Última modificación: Friday, 19 de January de 2024, 20:22