لقد شعر الإنسان عبر السنين بأطوار متباينة بحاجته إلى التعاون مع أخيه الإنسان والعيش في مجتمع يسوده الوئام والقانون ،وقد توصل الإنسان إلى تشكيل تجمعات سياسية تعمل على تنظيم العلاقات الإنسانية وترسي دعائم السلطة التي يقع عليها عبئ حفظ الأمن والسلم ،فكانت الدول في شكلها الحديث، وكان تعدد الدول نتيجة لتعدد الجماعات البشرية

وبحكم الحاجات الإجتماعية والاقتصادية والإجتماعية والإنسانية شعرت الدول بأهمية التعاون فيما بينها وتنظيم علاقات مستمرة تحكمها قواعد ثابتة هي قواعد القانون الدولي العام المبنية على مبدا رئيسي وهو مبدأ السيادة والمبادئ المنبثقة عنه ،كمبدأ الرضائية أو مبدأ سلطان الإرادة كأساس للإلتزام الدولي والإزدواج الوظيفي ومبدأ عدم التدخل .

ولقد أدركت الدول بأن ازدهار العالم ورفاهيته وسلامته لا تنفصل، وشعرت أنها بحاجة أكثر إلى التقارب والتعاون المنتظم فيما بينها ،نتيجة تشابك العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية وبفعل تقدم وسائل الإتصال وتبادل الأفكار أحست كل دولة على أنها جزء من العالم \كله تؤثر فيه وتتأثر به .

هذا وقد شهد النظام الدولي خلال العقود الأخيرة العديد من التطورات التي أثرت على مجمل التفاعلات الجارية فيما بين أعضاء المجتمع الدولي، وفي طبيعة قواعد السلوك الحاكمة لهذه التفاعلات ،وكنتيجة لهذا التطور انتقل القانون الدولي من مرحلة كونه قانونا يرتكز أساسا على الدولة إلى مرحلية جديدة ينهض فيها بفكرة المصلحة المشتركة للمجموعة الدولية ككل.

ولقد ترتب على هذا التطور الإعتراف بالشخصية القانونية بما يعنيه ذلك من المقدرة على التمتع بالحقوق والتحمل بالإلتزامات، حيث لم تعد الدولة هي المخاطبة بأحكام القانون الدولي، ولا الفاعل الوحيد في إطار منظومة العلاقات الدولية فقد ظهرت إلى جانب الدولة كيانات قانونية سياسية عديدة أضحت تضطلع بالقيام بوظائف لا تقل أهمية عن تلك التي هي للدولة في إدارة العلاقات الدولية ،بل في كثير من الحالات تقوم بأدوار الدولة، وهذه الكيانات الدولية الجديدة اتخذت أشكالا

مختلفة لعل أهمها ما اصطلح عليه تسمية المنظمات الدولية .

فالقانون الدولي لم يعد يقتصر على مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول ،بل أصبح يحتوي أيضا على القواعد التنظيم الدولي (أو ما يعرف بقانون المنظمات الدولية) وهي القواعد التي تبين طريقة إنشاء المنظمات الدولية، وتحكم نشاطها ، وتنظم علاقاتها بالدول الأعضاء فيها وبالدول غير الأعضاء كما تنظم علاقات المنظمات الدولية فيما بينهم .

إن الإهتمام الكبير بالمنظمات الدولية وخاصة الحكومية منها جعل منها ظاهرة تفرض نفسها على المجتمع الدولي، وازداد معها أهمية دراستها كمقياس من خلال القانون الذي يحكمها وهو قانون المنظمات الدولية الذي يعتبر أحد أهم فروع القانون الدولي العام .

ومن أجل الإلمام بمحتوى المقياس الذي يرتكز أساسا على المنظمات الحكومية سوف نعالجه من خلال الفصول التالية :

الفصل الأول: ماهية المنظمات الدولية

الفصل الثاني :قيام المنظمات الدولية وانقضاؤها

الفصل الثالث: الشخصية القانونية للمنظمات الدولية وسلطاتها

الفصل الرابع: البنيان التنظيمي للمنظمات الدولية

الفصل الخامس: دراسة تطبيقية لأهم المنظمات الدولية الحكومية

 

 

Zuletzt geändert: Sonntag, 15. Dezember 2024, 21:26