المحور الأول:
تطور استغلال العقار الفلاحي المملوك للدولة في الجزائر.
أولا: قبل
الاستقلال:
كانت الأرض قبل
الاحتلال هي المورد الرئيسي للثورة والسّمة المميزة للمجتمع المطبوع بكونه مجتمعا
زراعيا ورعويّا يتألف نظامه العقاري من الملكية القبلية المحمية من طرف أفراد
العرش أو القبيلة والملكية الخاصة والتي هي الشكل الأكثر شيوعا وتخضع في تنظيمها
إلى أحكام الشريعة الإسلامية. كما عرف الأهالي نظام الوقف أو الحبوس المستنبط من
الفقه الإسلامي والذي يهدف إلى تخصيص ريع العقار إلى أغراض خيرية عامة أو خاصة
دينية أو مدنية.
وكان من
اهتمامات الإدارة الفرنسية منذ أن وطئت أقدامها أرض الجزائر إيجاد حيل القانونية
وسياسية تهدف في مجملها إلى القضاء على ملكية الأراضي الفلاحية بشتى أشكالها سواء
كانت مشاعة مثل أرض العرش أو مفرزة لأنها خطيرة
على وجوده. إذ قال الجنرال "بيجو" في إحدى المناسبات أمام
الجمعية البرلمانية: «يجب احتلال الجزائر بالسيف والمحراث».
ومن أهم
الإجراءات التعسفية المتحدة من قبل السلطات الاستعمارية:
1-تطبيق
المادتين 539 و713 من القانون المدني المتعلقتين بالأموال الشاغرة على الجزائريين
الذين هاجروا للخارج أو التحقوا بصفوف المقاومة.
2-إدراج أراضي
البايلك والأراضي الموقوفة ضمن دومين الدولة.
3-تم البحث عن
طرق قانونية لإدخال أراضي العرش ضمن نظام السوق وذلك عن طريق تسليم عقود ملكية
انفرادية تسمح لحائزيها بالتنازل عنها وهو ما تجلى في قانون «سيناتوس كونسيلت»
الصادر بتاريخ 22 أفريل 1863. الذي اعترف للقبيلة بملكيتها الجماعية للأرض من جهة
وبتحويل حق الملكية الجماعية إلى ملكيات فردية لكل عائلة أو فرد من جهة أخرى.
4-قانون ورانيي
الصادر في 26 جويلية 1873 الذي نص في مادته الأولى أن إثبات الملكية وانتقالها
بالتعاقد يخضع لأحكام القانون الفرنسي وبموجبه تحولت أراضي العرش إلى ملكيات حتى
يتسنى للمعمرين شرائها.
5-التطهير
العقاري:A purement
foncierK pde كانت البداية
بقانون 16 فيفري 1897 الذي استحدث لجان تحقيق حول هوية الملاك تنتهي بتسليمهم سندا
للملكية، حيث مست التحقيقات أراضي العرش وأراضي الملك ثم صدر قانون 04 أوت 1426 أي
نص على تحقيقات جماعية عبر كامل التراب الوطني.
لقد أثرت
الحقبة الاستعمارية على تشكيلة القطاع الفلاحي في الجزائر ليصبح على النحو الآتي:
- أراضي فلاحية للبلديات.
- أراضي فلاحية للأوروبيين.
- أراضي فلاحية تابعة للجزائريين.
وقد برز في
التشكيلة أعلاه قطاع المعمرين لحقوة متميزة في أسلوبها الإنتاجي الرأسمالي المتطور
والمتحكم في مجموع القطاع لتمتعه بتدعيم غير محدود من طرف الإدارة الاستعمارية.
وإذا كان قطاع
المسلمين (الجزائريين) موجها في انتاجه لإشباع حاجات الاستهلاك الذاتي فإن قطاع
المعمرين كان ينتج بقصد التسويق وكانت الزراعة فيه مكملة للزراعة في البلد الام
التي هي فرنسا.
ومنه نستنتج أن
السياسة الاستعمارية المطبقة على القطاع الزراعي كانت ترمي لتحقيق ثلاث أغراض
رئيسية:
1-غرض سياسي
يتمثل في إدخال العنصر الأوروبي في أهم قطاع اقتصادي موجود بالبلد ألا و هو
الزراعة حتى يتم له وجود سياسي قوي.
2-غرض اقتصادي
لنقل الزراعة الجزائرية من زراعة موجهة إلى إنتاج وسائل إشباع الحاجات المحلية
أساسا إلى زراعة مخولة للخارج لإشباع حاجات السوق الرأسمالية الفرنسية بالدرجة
الأولى.
3-غرض اجتماعي
لتحسين العلاقات الاجتماعية القوية بين سكان البلد حتى تكون هنالك ثلاث طبقات مالكة
متصارعة، هي طبقة المعمرين القوية والمحتكرة وطبقة المالكين الجزائريين الأغنياء
وطبقة صغار المالكين الفقراء.
وبعد أن أدكرت
الإدارة الاستعمارية أن القطاع الفلاحي الخاص بالجزائريين بات معقلا للثورة
والتمرد وأن نفوس الفلاحين باتت مشحونة بالسخط والغضب من سياسية اغتصاب الأراضي
سارعت إلى اتخاذ تدابير من أجل التدخل في قطاع الجزائريين الزراعي وتطويره وذلك عن
طريق:
1-خلق مؤسسات زراعية مختصة في تطوير قطاع
المسلمين الزراعي مثل الشركات الأهلية للاحتياط. Société indigènes de prévoyances (SAP)والتي كانت تعنى بمد الفلاحين بالقروض القصيرة والمتوسطة
الأجل، تصنيع بعض المحاصيل، تقديم خدمات الإرشاد والإشراف..الخ.
غير أن تدخلها
المفرط في شؤون الفلاحين لا سيما في فرض أنواع البذور وأسعار التسويق أدى إلى فشلها.
2-مشروع
الجنرال "ديغول" المعروف ببرنامج قسنطينة التي حاولت من خلاله فرنسا
استعادة الثقة في وسط الشعب الجزائري لا سيما الفلاحين الفقراء والذي استحدثت من
خلاله مؤسسات مثل صندوق الحصول على الملكية والحيازة الفلاحية Caisse d’accession à la propriété et l’exploitation rurales (CAP.ER)
كما تم إنشاء التعاونية الزراعية لمخطط قسنطينة Section Coopératives Agricoles (SCAPCO)
ولم تنجح هذه المؤسسات في توفير شروط
الاستقرار الاجتماعي والمعيشي في الوسط الريفي بل انحط الإنتاج الزراعي خلال فترة
هذا المخطط الخماسي (1959-1964).
ثانيا: بعد الاستقلال:
واكتفت السلطة الوطنية غداة حصولها على
الاستقلال ولأسباب موضوعية بتمديد سريان التشريع الفرنسي إلى ما بعد الاستقلال ما
لم يتعارض حق مع السيادة الوطنية.
غير أن هذا التمديد كان مؤقتا حيث تمسكت
قيادة الثورة إبان مفاوضات ايفيان بحق الدولة الجزائرية في تأميم الأراضي المملوكة
للبرجوازية الأجنبية وهو الحق الذي استندت عليه الدولة في البحث عن معالجة شاملة
لازمة العقار الفلاحي الموروثة عن عهد الاستعمار.
1-تنظيم العقار الفلاحي المملوك للدولة في
ظل النظام الاشتراكي:
أن الاجراءات القانونية التطبيقية التي
اتخذت في أعقاب الاستقلال من أجل تكوين دومين الدولة فيما يخص الأراضي الفلاحية
وكيفية استغلالها كان مصدرها إما سيادي ناتج عن استرجاع السيادة الوطنية للدولة
الجزائرية حيث تم استعادة كل الأراضي الجزائرية التي كانت تابعة للمعمرين كما تم
أيضا مصادرة أراضي الأشخاص الموالين للسلطة الاستعمارية كالقياد وقد استغلت هذه عن
طريق لجان التسيير الذاتي المؤسسة سنة 1462 قبل أن يصدر الأمر رقم 68-653 المتعلق
بالتسيير الذاتي هذا من ناحية ومن ناحية ثانية كان مصدرها إيديولوجي منبثق عن
الاختيار الاشتراكي المتبني حيث وضعت أراض بعض الأشخاص تحت حماية الدولة، بسبب
آرائهم المناقضة للخيار الاشتراكي.
ثم اتسع مجال تكوين دومين الدولة ليشمل
تأميم أراضي الملاك المتغيبين وكذا الملاك الدين لهم مساحات شاسعة بموجب الأمر رقم
71-73 المؤرخ في 08-11-1971 المتضمن قانون الثورة الزراعية ومنه فقد أدى إفراط المشرع
في الاهتمام بالدومين العام الفلاحي إلى تعايش نظامين جنبا إلى جنب لاستغلال هذا
القطاع (نظام التسيير الذاتي ونظام الثورة الزراعية). لكن البيروقراطية التي خيمت
على هذه الأنظمة أفسدت علاقة الفلاح بالأرض فتم بني معالجة هادئة للانتقال إلى خوصصة
العقار الفلاحي المدولن من خلال قانون المستثمرات الفلاحية.
أ-نظام التسيير الذاتي في الفلاحة:
تنص المادة الأولى من الأمر المتعلق
بالتسيير الذاتي في الفلاحة على أن الأرض ووسائل الإنتاج الزراعية الأخرى من أموال
وعقارات مؤممة تعد كأساس للاستغلاليات الزراعية.
ومنه فإن الأراضي الفلاحية المؤممة في
الفترة من 1962 إلى 1968 هي التي كان يطبق عليها نظام التسيير الذاتي وهي تلك
الأراضي والمزارع التي كانت تابعة للمعمرين والجزائريين الذين كانت لهم مواقف
معادية لحزب التحرير الوطني أو للنظام الاشتراكي وكذا الأراضي الموضوعة تحت حماية
الدولة.
وقد استغلت هذه الأراضي عن طريق لجان
التسيير المنبثقة حيث أن التسيير الذاتي وجد هنا كنظرية أو اختيار شعبي.
وتتم الاستفادة من هذه الأراضي بتوافر شروط
عدة حددت على الخصوص في المرسوم رقم 69-05 المحدد لكيفية الاستفادة وشروط الانتفاع
وحقوق وواجبات الأعضاء.
صدرت مجموعة من القرارات والمراسيم تنظم
التسيير الذاتي أهمها قرارات 22 مارس 1963 التي تمثل اعترافا من الدولة بتسيير
العمال للوحدات الانتاجية. غير أن تعيين الدولة ممثلا في التسيير الذاتي ومنحه
سلطة مطلقة في التسيير والاستغلال الفلاحي، حرم العمال من مشاركتهم في التسيير مما
أدى إلى إفراغ مفهوم التسيير الذاتي من محتواه لذلك صدرت نصوص جديدة تحاول استدراك
عيوب قرارات مارس 1963 وتتمثل في الأمر رقم 68-653 المؤرخ في 30 ديسمبر 1968
المتعلق بالتسيير الذاتي في الفلاحة والمراسيم التطبيقية له.
ويتم تسيير الاستغلالات الفلاحية
(المستثمرات الفلاحية حاليا) [المادة 1 من الأمر رقم 68-653]. بواسطة تنظيم العمال
الذي يأخذ عدة مستويات:
- الجمعية العامة.
-
مجلس العمال.
- لجنة التسيير الرئيس.
ويجب أن تتوفر في العامل والوحدة المسيرة
ذاتيا جملة من الشروط نصت عليها المادة 01 من المرسوم رقم 59-15 المؤرخ في
15-02-1969:
- أن يكون متمتعا الجنسية الجزائرية.
- أن يكون بالغا من العمر 18 سنة.
- أن يكون متمتعا بحقوقه الوطنية.
- أن يقوم فعليا بعمل مناسب لمؤهلاته.
- أن لا يكون له مورد رئيسي من الدخل غير
إنتاج عمله في الاستغلال.
- أن يكون قد عمل 200 يوم على الأقل خلال
السنة الفلاحية 1967-1968.
ويتوافر هذه الشروط تمنح الدولة عقد استعمال
الأراضي إلى مجموعات العمال مجانا لأجل غير مسمى ودون مقابل (م858 من القانون المدني) وتبقى الدولة مالكا
للرقابة دون المنشآت والمباني التي يقدمها المرخص له باستغلال الأراضي حيث تكون
مملوكة له ملكية خاصة كما يتملك المنتجات الزراعية التي تثمرها هذه الأراضي (م 863
من القانون المدني).
ويشكل عدم استغلال الأرض أو استعمالها غير
رشيد، سببا يؤدي إلى إبطال حق الانتفاع واستعادة حيازتها بما عليها من منشآت
ومزروعات من طرف الإدارة مقابل تعويض لما يعلو الأرض من الأموال (المادة 860 من
القانون المدني).
ومنه فإن التسيير الذاتي في الفلاحة يقوم
على مبدأين:
-الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج
والجماعية....
-اللامركزية في التسيير.
ملاحظة: وامتداد
لأسلوب التسيير الذاتي للفلاحة ثم تأسيس تعاونيات فلاحية لقدماء المجاهدين بهدف
إدماجهم في النشاط الاقتصادي وتمكينهم من أسباب العيش ويستفيدون من جميع المزايا
الممنوحة لعمال التسيير الذاتي في الفلاحة.
ب-قانون الثورة الزراعية:
سبقت الإشارة إلى أن قانون التسيير الذاتي
في الفلاحة كان يطبق جنبا إلى جنب مع قانون الثورة الزراعية حيث طبق هذا الأخير
على الأراضي التي بقيت دون استغلال مثل أراضي البلديات كما أدى تطبيق هذا القانون
إلى إدماج قدر كبير من الأراضي الزراعية ضمن الأموال العامة بصيغتين هما
–الضم-والتأميم-تكون الصندوق الوطني للثورة الزراعية.
فأما أسلوب الضم فشمل أملاك الدولة،
البلدية، الأراضي العرش، والأراضي التي لا مالك لها (مادة 19 من الأمر رقم
71-73).
أما أسلوب التأميم فشمل الأراضي التي تغيب
عنها ملاكها الخواص وأراضي الأوقاف العمومية الزراعية والملكيات الزراعية الواسعة.
وتستهدف الثوة الزراعية إحداث تغيير جذري في
الأرياف التي لطالما حرمت من خيرات البلاد وإعادة توزيع الأراضي وتصفية آثار
الاستعمار والقضاء على الاستغلال بكل أشكاله وذلك بإعادة إنشاء علاقات مباشرة
للعمل في ميدان الزراعة على أساس مبدأ "الأرض لمن يخدمها" وإلغاء حق
الملكية بالنسبة للملاكين الذين لا يفلحون ملكيتهم بصورة مباشرة.
وقد اعتمدت الثورة الزراعية على النظام
التعاوني ويكون الاستغلال في الملكيات الممنوحة جماعيا كقاعدة وقد نصت المادتين
119 و 120 على شروط المنح وهي: الجنسية
الجزائرية، التمتع بالحقوق المدنية، عدم المعاداة للثورة التحريرية، بلوغ سن
الرشد، التأهيل البدني لخدمة الأرض، احتراف الفلاحة. عدم العضوية في التسيير
الذاتي او تعاونيات المجاهدين. عدم وجود دخل خارج العمل الزراعي. عدم امتلاك الأرض
أو عدم كفايتها.
وبتوفر الشروط أعلاه يصبح للمستفيد حق
انتفاع مؤيد قابل للنقل إلى فرع الذكور دون الإناث.
وحرصا من المشرع على تنفيذ تدابير الثورة
الزراعية، منع كل المعاملات العقارية على الأراضي الفلاحية واعتبرها باطلة وعديمة
الأثر.
جـ-إعادة هيكلة العقار الفلاحي المملوك
للدولة:
*إعادة الهيكلة بموجب قانون المستثمرات
الفلاحية:
نصت المادة 105 من القانون رقم 90-30 المؤرخ
في 1990 المتضمن الأملاك الوطنية أن حق
الانتفاع الدائم في المستثمرات الفلاحية وجميع أملاكها ما عاد الأرض تخضع لأحكام
القانون رقم 87-19 ، حيث ألغا هذا الأخير صراحة قانون التسيير الذاتي في الفلاحة
بموجب المادة 47 منه، بينما أُلغي الأمر المتعلق بالثورة الزراعية بموجب المادة 75
من قانون التوجيه العقاري. الذي سعى إلى إيجاد تطابق بين التشريع العقاري والأحكام
الدستورية التي جاء بها دستور 23 فبراير 1989 التي تضمن حق الملكية العقارية، حيث
أعاد الاعتبار للملكية الخاصة بنصه على إرجاعها إلى ملاكها الأصليين وبعد تعديل
قانون التوجيه العقاري بموجب الأمر رقم 95-26 المؤرخ في 25 سبتمبر 1995 امتد حق
الاسترجاع إلى الأراضي المتبرع بها لفائدة الصندوق الوطني للثورة الزراعية
والأراضي التي وضعت تحت حماية الدولة بموجب المرسوم رقم 63-168 المؤرخ في 9 ماي
1968.
ويمكن حصر مجال تضييق القانون رقم 87-19 في:
أراضي البلديات والعرش والأراضي التي كانت
خاضعة لنظام التسيير الذاتي في الفلاحة. والأراضي التي لا وارث لها ولا مالك لها
والأراضي المؤممة والمتبرع بها للصندوق الوطني للثورة الزراعية التي لم يطالب بها
أصحابها في الآجال المحددة في المادة 81 من الأمر رقم 95-26 المعدل والمتمم
للقانون رقم 90-25 المتضمن التوجيه العقاري والأراضي التي وضعت تحت حماية الدولة
والتي لم يطالب بها أصحابها او لم تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة 85
مكرر 1 من الأمر رقم 95-26.
بينما نصت المادة 4 من القانون رقم 87-19
على أن الأراضي المستثناة من تطبيقه عليها تتمثل في:
-المزارع النموذجية.
-مؤسسات التكوين والبحث.
-معاد التنمية.
وعموما لم يخرج القانون رقم 87-19 المؤرخ في 8 ديسمبر 1987
المتعلق بكيفية استغلال للأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية وتحديد حقوق المنتجين
وواجباتهم عن المبادئ التي كرسها كل من نظام التسيير الذاتي في الفلاحة وقانون
الثورة الزراعية من حيث فرض الاستغلال الجماعي كقاعدة واستثناء الاستغلال الفردي
حيث يمنح هذان النمطان في شكل عقد إداري، تمنح فيه الدولة حق انتفاع دائم مقابل أتاوة زهيدة كل
سنة بخلاف القوانين السابقة التي كان المنح فيها يتم دون مقابل.
-حيث يحدد وعاء هذه الإتاوة وكيفية تحصيلها وتخصيصها
قانون المالية ». وهي مبلغ زهيد بغية دفع المستفيدين إلى خدمة الأرض.
أما بالنسبة للممتلكات المحولة إلى
المستثمرات الفلاحية، فيتم دفع ثمنها في أجل يضبط بين جماعة المنتجين والبنك
الفلاحي للتنمية الريفية، ويعين وكيل من طرف الجماعة يمثلها في العقد حسب النموذج
المرفق بالتعليمة الوزارية المشركة رقم 787 المؤرخة في 30 أوت 1989.
وقد استبدل قانون رقم 87-19 مصطلح التعاونية
بمصطلح المستثمرة ذو البعد الاقتصادي، تماشيا مع المبادئ الجديدة التي كرسها دستور
1989 وخيار الخوصصة بخلاف التعاونية التي نظمت في إطار اشتراكي محض الهدف منه
اجتماعي بالدرجة الأولى وسياسي بالدرجة الثانية ما دامت الدولة كانت مهيمنة على
القطاع الفلاحي وهي بذلك كانت مالكة ومسيرة للأراضي الفلاحية سواء في قانون
التسيير الذاتي أو في قانون الثورة الزراعية أما في قانون المستثمرات الفلاحية فإن
المستثمرة الفلاحية تتمتع بالشخصية المعنوية،
وتخضع للقانون الخاص. ويظهر ذلك بوضوح منحنى منحها الأهلية القانونية
للتعاقد وجعلها شركة مدنية لها حق التسيير الإداري المستقل وحق التقاضي والتعاقد
مع الغير بخلاف هيمنة وزارة الفلاحة سابقا على كل من التعاونيات والمزارع
النموذجية في قوانين تسيير واستغلال العقار الفلاحي السابق.
تتكون المستثمرة الفلاحية قانونا عند تاريخ نشر
العقد الإداري المنشئ لها في سجل الحفظ العقاري (المادة 33 من القانون رقم 87-19).
أما بالنسبة لحق الانتفاع الدائم الممنوح
للمستفيدين بموجب القانون رقم 87-19 مقارنة بحق الانتفاع الوارد في قانون التسيير
الذاتي والثورة الزراعية فإنه يتصف بالديمومة، بالإضافة إلى خصائصه: النقل،
التنازل، الحجز، الرهن، والتعويض في حالة نزع الملكية للمنفعة العمومية وهي
الخصائص التي جعلته يختلف عن حق الانتفاع المدني من جهة وعن حق الانتفاع المقرر في
القوانين الزراعية السابقة من جهة أخرى. فقد ارتقى به المشرع بأن جعله حقا عينيا
عقاريا ، له نفس خصائص حق الملكية، بعدما
كان مجرد حق شخصي في الأنظمة السابقة لأن المستفيد لم يكن يملك سوى استغلال الشيء
دون أن يملك حق التصرف فيه .
ويكيف عقد المنح في إطار القانون رقم 87-19
على أنه عقد إيجار من نوع خاص يمكن تسميته بالإيجار المؤبد أو ما يسمى باللغة
الفرنسية le
bail emphytéotiqueالذي يرجع إلى نهاية الامبراطورية الرومانية
أين كان الاقطاعيون الرومان يمنحون أراضيهم البور للفلاحين، لخدمتها مقابل دفع مبلغ
زهيد كل سنة يسمى canon ومنه الانفتيوز هو إيجار مؤبد هدفه سدّ حاجة اقتصادية واجتماعية فالحاجة الاقتصادية هي استغلال
الأرض التي لا تستطيع الدولة استغلالها فتؤجرها إلى من يستطيع ذلك أما الحاجة الاجتماعية فهي رغبة الدولة في أن تبقى مالكة للأرض التي ترى فيها رمزا من رموز السيادة والأداة التي تراهن عليها لتحقيق الأمن الغذائي.
*تطهير العقار الفلاحي بموجب قانون التوجيه
العقاري:
بعد
مرور أقل من سنتين على إعادة هيكلة القطاع الفلاحي المملوك للدولة بموجب قانون
المستثمرات الفلاحية اتضح أن الاستقلالية التي منحها القانون للمستفيدين في
التسيير عندما أقر بأنه لا يحق لأحد أن يتدخل في إدارة وتسيير المستثمرات الفلاحية
الجماعية والفردية،
وقد أسي فهمها وأن حق الانتفاع الدائم لم يكن كافيا لإقناع المستفيدين
بالتفاني في استثمار الأرض والمحافظة عليها مما انعكس سلبا على العقار الفلاحي
المملوك للدولة.
لذلك اتجهت الحكومة في إطار سياستها
الاقتصادية الجديدة المكرسة للملكية الخاصة إلى إعادة النظر في تكوين الأراضي
الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية تبعا للتغيير في التوجه السياسي الذي صاحب أحداث
أكتوبر 1988 فتم إصدار القانون رقم 90-25
المؤرخ في 18-11-1990 المتضمن التوجيه العقاري والذي عُدل بالأمر رقم 95-26 المؤرخ
في 25-09-1995 وبفضله تم إرجاع كل الأراض المؤممة والمتبرع بها والموضوعة تحت
حماية الدولة إلى ملاكها والتي كانت قد وزعت في إطار قانون المستثمرات الفلاحية
رقم 87-19.
شروط إرجاع الأراضي لملاكها الأصليين:
بالنسبة للأراضي المؤممة في إطار الأمر رقم
71-73 نميز بين الشروط الموضوعية المتعلقة بالعقار والتي تعني أن الأرض موضوع
الإرجاع هي أرض تم تأميمها في إطار الثورة الزراعية وتم إدماجها في إطار الصندوق
الوطني للثورة الزراعية. وأن تكون قد حافظت على طابها الفلاحي، وأن لا تؤدي عملية
الإرجاع إلى إعادة النظر في المستثمرات القائمة. وأن لا تكون المساحات المعنية قد
تم استصلاحها فعليا في إطار القانون رقم 83-18 المتعلق بحيازة الملكية العقارية
الفلاحية عن طريق الاستصلاح وأن تمثل الأراضي المعنية لعملية الارجاع وسيلة عيش
المالك وخلفه العام من الدرجة الأولى.
أما النوع الثاني من الشروط فتتعلق بشخص
المالك الأصلي ويجب أن يكون جزائري الجنسية حيث تم إقصاء الأشخاص الاعتبارية. وأن
لا يكون قد سلك سلوكا معاديا لحرية التحرير الوطني بثبوت إدانته أو بحصوله عليها
عن طريق معاملات عقارية مع المعمرين خلال حرب التحرير الوطنية أو بعدها.
وأن لا يكون قد استفاد من أراضي في إطار
قانون المستثمرات الفلاحية فضلا عن التزام المالك أو خلفه العام بإرجاع قيمة
التعويض المحصل عليه جراء التأميم إلى الدولة.
وثمة شروط أخرى تتعلق بالمالك الأصلي فيجب
أن يكون هذا الأخير من المتبرعين بأراضيهم ضمن الأمر رقم 71-73 وفي حالة استفادته
في إطار القانون 87-19 توجب عليه التنازل عن حقه كما يشترط ان لا يكون قد اشترى
قطعة أرض محل طلب استرجاع أثناء الحرب التحريرية. أو مباشرة بعدها وإذا كان الأمر
كذلك وجب عليه أن يثبت انه استأذن جيش التحرير الوطني أو أعضاء جبهة التحرير الوطني. كما يشترط في
المالك الأصلي أنه لم يسلك سلوكا غير مشرف أثناء ثورة التحرير الوطنية وأن يلتزم
برد التعويض الذي تلقاه من الدولة نظير تأميم أرضه تطبيقا للأمر رقم 71-73.
وقد نص المشرع في المادة 82 من قانون
التوجيه العقاري على إنشاء لجنة مكلفة بالفصل في خلفيات الاسترجاع ولأنه لم يصدر
نص تنظيمي بتشكيلها فقد صدر في شأنها منشور وزاري مشترك المؤرخ في 24-02-1996 الذي
نص على أن تشكيلتها على النحو الآتي:
- مدير مصالح الفلاحة.
- المحافظ العقاري على مستوى الولاية.
- رئيس الغرفة الولائية للفلاحة.
- ممثل الاتحاد الوطني لعمال القطاع الفلاحي.
- ممثل اتحاد الفلاحين الجزائريين الأحرار.
- ممثل الجماعة المحلية الإقليمية.
*فرض الالتزام باستغلال الأرض الفلاحية:
نصت المادة 48 من قانون التوجيه العقاري على
مفهوم جديد ومغاير لنظرية التعسف في استعمال الحق المنصوص عليه بأحكام المادة 41
من القانون المدني الجزائري.
فاعتبرت عدم استثمار الأرض تعسفا في استعمال
الحق، وهذا الموقف الجديد أملته الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للأراضي
الفلاحية، وهي تحقيق الأمن الغذائي للبلاد.
وقد نصت المادة 50 من قانون التوجه العقاري
رقم 90-25 على أن هيئة معتمدة خاصة تتكفل معاينة عدم الاستثمار الفعلي للأرض، حيث
صدر المرسوم التنفيذي رقم 97-484 بتاريخ 15 ديسمبر 1997 يتضمن تشكيل هذه الملكية وكذا إجراءات إثبات عدم استغلال
الأراضي الفلاحية
La commission de constatation de nom exploitation des terres agricoles
حيث يتم إخطار اللجنة إما من طرف المصالح الفلاحية على مستوى الولاية، أو من
أي شخص يهمه الأمر، فتقوم اللجنة بفتح تحقيق -على أساس الإخطار المقدم-، من أجل
معاينة صحة ما جاء فيه فإذا ثبت لديها أن الأرض محل المعاينة لم يتم استغلالها في
الفلاحة لمدة موسمين فلاحيين متتابعين،
تحرر محضرا بتلك الواقعة وترسل نسخا منه لكل من الوزير المكلف بالفلاحة،
وكذا الوالي المختص إقليميا، ثم تقوم بإنذار المالك أو المستثمر، من أجل أن يعود
لاستغلال الأرض في مدة لا تفوق 6 أشهر. فإذا انتهت هذه المدة تحققت اللجنة من التزام المعنى، فإذا ثبت لديها
أنه لم يلتزم لإنذارها الأول وجهت إنذارا ثان، من أجل الجودة إلى استغلال الأرض في
مدة لا تفوق سنة من تاريخ تبليغه، مع ضرورة تقديم شروحات، فإذا انتهت مدة الانذار
الثاني أو رفضت اللجنة الشروحات يتم إخطار الديوان الوطني للأراضي الفلاحية الذي
يكون على عاتقه تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة 51 وما يليها من قانون
التوجه العقاري.